القدير
كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - الحياة الآخرة |
ويتخاصم أهل النار ويتلاعنون؛ كفرة وفجرة وعصاة ومستكبرون.. يتخاصم أهلها ويتلاعنون الذين لا يصلون ولا من الله يخافون.. يتخاصمون ويتلاعنون مع كبرائهم وأسيادهم وقدواتهم في الضلالة والعصيان.. يتخاصمون...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: الدنيا غراسُ الآخرة، ومن غرس صالحًا جنى الخير وافرًا، ومن غرس سيئًا فلن يجني إلا الشر، وإن الله -تبارك وتعالى- خلق الجنة وجعلها داراً للثواب لمن آمن به وأطاعه، وخلق النار وجعلها داراً للعقاب لمن كفر به وعصاه.
أيها الإخوة: النار وما أدراكم ما النار؟!، النار هي دار العذاب التي أعدها الله للكفار والمنافقين والعصاة في الآخرة، وقال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)[النساء:14].
النار قوة إحراق قوية، فحرارتها شيء لا يُتصور، وكلما خبت زاد سعيرها؛ قال الله -تعالى-: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا)[الإسراء:97].
عذابها دائم، مستمر بلا انقطاع، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا)[النساء:56]، فلا يفنى عذابها، بل تُجدد جلودهم ليدوم عذابهم؛ إذ الجلد مركز الإحساس والشعور بالألم.
نار الدنيا هذه التي بين أيدينا؛ نستدفئ بها، ونُنضج بها طعامنا، ولو شبّت في إنسان أو جماد أو منزل حوّلته هباء منثورًا، ومع هذا فنار الآخرة أعظم وأهول، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نَارُكُمْ هَذِهِ، الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ، جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ". قَالُوا: وَالله! إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، يَا رَسُولَ الله! قَالَ: "فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا"(أخرجه البخاري:3265، ومسلم: 2843).
عباد الله: للنار -أجارنا الله وإياكم منها- أسماء كثيرة بحسب ما فيها من ألوان العذاب، ومن أشهر أسمائها: جهنم: كما قال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)[النساء:140]، نجانا الله وإياكم منهم.
ومن أسمائها: السعير: كما قال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا)[الأحزاب:64]، إذ تسعر وتوقد على أهلها ومن فيها، فيجدوا فيها العذاب الأليم.
وهي الهاوية: كما قال -سبحانه-: (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ)[القارعة:8-11]، وما أهوى وأضعف وأذل من صارت النار مأواه.
وهي أيضًا سقر: كما قال -سبحانه-: (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ)[القمر:48]، يسحبون مهانين، أذلاء، من رحمة الله مطرودين، إلى النار والعياذ بالله.
وهي الحطمة: كما قال -سبحانه-: (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ)[الهمزة:4-6]، كأن النار تحطم من فيها، بلا موت، ليدوم عذابهم.
وهي لظى: كما قال -سبحانه-: (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى)[المعارج:15-17]، فكل من أدبر عن الحق وتولى عن الشرع، دعته إذ هو بإعراضه صار من أهلها.
وهي دار البوار: كما قال -سبحانه-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ)[إبراهيم:28-29]، وهل من تجارة بارت، كمن دعي إلى الفوز بالجنة والقرب من الرحمن، فهوى به عمله، وخاب سعيه حتى كان من أهل النار، نعم إنها دار البوار والخسران، فماذا كسب من دخل النار؟!
أيها الإخوة: أما عن مكان النار فهي في سجين، فكما أن الجنة تحت العرش، فوق السماء السابعة، فالنار تحت الأرض السابعة، قد جمعت بين الضيق والسفول، قال الله -تعالى-: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ)[المطففين:7]، وأهلها في الأرض السفلى، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وأمَّا الكَافرُ فَإذَا قُبضتْ نَفسُهُ، وذُهِبَ بهَا إلى بَابِ الأَرْضِ، يَقولُ خَزنَةُ الأَرْضِ: مَا وَجَدْنا رِيحاً أنتنَ منْ هذهِ، فتبلغُ بهَا إلى الأَرضِ السُّفلَى"(أخرجه الحاكم (1304) بسند صحيح) نجانا الله وإياكم منها.
عباد الله: وأما عن أبواب النار فهي سبعة، وكل باب أسفل من الآخر، ولكل باب من أبواب النار جزء مقسوم من أهلها بحسب أعمالهم، قال الله -تعالى-: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ)[الحجر:43-44].
وأبواب النار مغلقة على أهلها، فمع الحرارة الشديدة في النار، أهلها محبوسون فيها، قد يئسوا من الخروج منها. قال الله -تعالى-: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ)[الهمزة:5-9]. وقال -تعالى-: (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ)[السجدة:20]، فإذا حاولوا الخروج رُدُّوا وأعيدوا إلى عذاب مقيم، نسأل الله السلامة والعافية.
وأما دركات فبعضها أسفل من بعض، وأشد أهل النار عذابًا المنافقون فهم في الدرك الأسفل من النار؛ وذلك لغلظ كفرهم، وتمكنهم من أذى المؤمنين، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا)[النساء:145]. وقد يخفِّف الله عذاب بعض أهلها؛ فعن العباس بن عبدالمطلب -رضي الله عنه- قال: يَا رَسُولَ الله! هَلْ نَفَعْتَ أبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قال: "نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلا أنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ"(أخرجه البخاري: 3883، ومسلم:209)، اللهم شفّع فينا نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
عباد الله: والنار قعرها بعيد، وعذابها شديد، والناس فيها في ظلمة وحر وعذاب شديد، عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: "كُنّا مَعَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً -والوجبة صوت ارتطام شديد-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : "تَدْرُونَ مَا هَذَا؟". قَالَ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الآنَ، حَتى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا"(أخرجه مسلم:2844)، يا الله! ما أبعد قعرها! وما أظلمه! حجر يلقى من أعلاها يظل في هبوط مدة سبعين عامًا!! بالله عليكم هل نعي هذا التشبيه؟! وهل تفكرنا فيه؟!.
ومع هذا القعر البعيد، فإن عدل الله باقٍ، ولا يظلم ربك أحدًا، فأهل النار ليسوا سواء في العذاب، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى عُنُقِهِ"(أخرجه مسلم:2845) والجزاء من جنس العمل، جعلني الله وإياكم من الناجين من النار يوم القيامة.
أيها الإخوة: لكل نار وقودها؛ ووقود نار الآخرة الناس والحجارة العظيمة، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التحريم:6]. وقال الله -تعالى-: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ)[الأنبياء:98].
فتصور -يا عبد الله- وتخيل أن وقود النار أناس مثلنا، وحجارة شديدة؛ فهل بعد هذه الأوصاف والنعوت المخيفة نظل عصاة بعيدين عن الصراط المستقيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
عباد الله: يُؤتى بالنار يوم القيامة يراها الخلائق، يفزعون لصوتها، ويتذكر كل عبد يومها ما فرط فيه من عمله، قال الله -تعالى-: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى)[الفجر:21-23]. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- يصف مجيء النار في عرصات القيامة، قال: "يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ ألْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا"(أخرجه مسلم:2842).
وتصور وتأمل عذاب أهلها في قوله -تعالى-: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ)[الواقعة:41-44]، وقال -تعالى-: (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ)[الزمر:15-16]، وقال الله -تعالى-: (انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ)[المرسلات:30-33] فلا إله إلا الله ما أشد هذا العذاب! وما أفظعه! يبحثون عن الراحة والماء فلا يجدون إلا العذاب، وينطلقون للظل فإذا هو عذاب، يا رب سلِّمْ سَلِّم.
عباد الله: ويتخاصم أهل النار ويتلاعنون؛ كفرة وفجرة وعصاة ومستكبرون.. يتخاصم أهلها ويتلاعنون الذين لا يصلون ولا من الله يخافون.. يتخاصمون ويتلاعنون مع كبرائهم وأسيادهم وقدواتهم في الضلالة والعصيان.. يتخاصمون ويتلاعنون مع أصحابهم الذين زينوا لهم الفواحش.. يتخاصمون ويتلاعنون مع أصحابهم الذين دعوهم للمسكرات.. يتخاصمون ويتلاعنون مع أصحابهم الذين ألهوهم عن القرآن والصلوات؛ (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا)[الأعراف:38]، كانوا إذا دخلوا عليهم في الدنيا يحيونهم ويضحكون في وجوههم فصاروا في النار يتلاعنون، كانوا إذا دخلوا عليهم رحبوا بهم؛ فلما صاروا في العذاب قال بعضهم لبعض: (هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ)، [ص:59]، اليوم يقول: أهلاً وسهلاً بالعاصين، وغدًا يقول: (يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ)[الزخرف:38]، أيها الإخوة الكرام (إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ)، [ص:64].
واسمعوا لمخاصمتهم مع بعضهم البعض وهم بين يدي الله: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[سبأ:33].
يبكون ويتحسرون؛ أنسيتم يوم قلتم لنا: لا تعقدوا أنفسكم ما زلتم شبابا؟! أنسيتم يوم قلتم لنا: كلوا وتمتعوا وانسوا يوم العذاب؟! أنسيتم يوم منعتمونا من الهدى وصددتمونا من الطيبين؟! أنسيتم يوم أنسيتمونا يوم الدين؟! (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ * قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ * فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ)[الصافات:27-32].
نعوذ بالله من النار، ونسأل الله أن ينجينا منها، وأن يجنبنا كل طريق يؤدي إليها ..
هذا؛ وصلوا وسلموا على رسول الله ..