العزيز
كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...
العربية
المؤلف | عبدالله بن حسن القعود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
إنَّ المجتمع البشريّ اليوم -وللأسف- يتجاذبه موجاتُ إلحاد وعواصف تبشير، ويفتح أمامه دعاةُ الشرّ والفساد سبُلاً جائرة حائدة عن الحق ومجانبةً للصواب، فلئن كان محتاجاً إلى الدعوة إلى الله وإلى سبيله العادلة، وصراطه المستقيم في كل وقت كاحتياجه إلى الماء والهواء -فإنّه اليوم أحوج ما يكون إلى ذلك ..
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً؛ وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، وأحمده تعالى وأشكره وأُكبِّره تكبيراً؛ وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن سيّدنا ونبيّنا محمداً عبده ورسوله صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى كل من سار على نهجه ودعا بدعوته، وسلّم تسليماً كثيراً.
أمَّا بعد: أيها الناس: إنَّ المجتمع البشريّ اليوم -وللأسف- يتجاذبه موجاتُ إلحاد وعواصف تبشير، ويفتح أمامه دعاةُ الشرّ والفساد سبُلاً جائرة حائدة عن الحق ومجانبةً للصواب، فلئن كان محتاجاً إلى الدعوة إلى الله وإلى سبيله العادلة، وصراطه المستقيم في كل وقت كاحتياجه إلى الماء والهواء -فإنّه اليوم أحوج ما يكون إلى ذلك.
فمن حائرٍ به يحتاج إلى بيان، ومن غافلٍ يحتاجُ إلى تنبيه، ومن مُعاندٍ يحتاجُ إلى المجادلة بالتي هي أحسن- وإنَّ أفضلَ وسيلةٍ لإنقاذه، وأجلَّ صفة، وأحسن وسيلةٍ تُلحقُ المؤمن بركبِ الأنبياءِ، وتُحِلُّهُ مكانةً عاليةً في عالم السعداء، هي دعوة الناس إلى الخير على هدىً وبصيرة، دعوتهم إلى سبيل الله الذي هو دينه الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه.
دعوةٌ يزينها عملٌ صالح وقولٌ صادق، ونيّة حسنة، وإعلان للعقيدة والحق، مهما كانت الأحوال أو قسمت الظروف. يقول تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33]
فيا ورَثة الأنبياء، -وخلفاءَ الله في أرضه، وأُمناءُه على تبليغ رسالةِ نبيِّه إلى الإنسانية-: إنَّ داعي الخير قد دعاكم إلى إنقاذ البشريّة بدعوتها إلى الفضيلة، إلى البِرِّ والتُّقى، إلى الخير والهُدى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125] (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران:104]
وإن هذه الدعوة دعوة الناس إلى سبيل الله الذي هو دين الإسلام التي أَمرَنا الله بها، هي دعوة الله تعالى: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [يونس:25] ودعوة رُسُل الله -عليهم الصلاة والسلام-؛ ودعوة أتباع الرسل -رضوان الله عليهم-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [يوسف:108]
فاتَّقوا الله -أيها المسلمون-، أيها العلماء، واستجيبوا لما دعاكم الله له من دعوة النّاس إلى الخير كلّ بحسبه، فما قُبل الدين سلفاً وظهر إلاّ بالدعوة إليه، وإظهاره للأُمَّة في أبهى صورة، وأَروع منظر، وما خلد لأيِّ شخص في الدنيا ائتمام أو ذِكر مثل ما خلد للدعاة الإسلامييّن من ذكرٍ حسن، وثناءٍ عَطرٍ.
فاتَّقوا الله -أيُّها المسلمون-: اتّقوا الله يا ذوي العلم والبصيرة، بدعوة الناس إلى التمسُّك بتعاليم الدين، والتخلُّق بأخلاق سيّد المرسلين؛ دعوة ملْؤها الإخلاص وحب هداية الآخرين.
قال -عليه الصلاة والسلام-: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمْرِ النَّعم" دعوة مُتمشِّية مع قولِ الله تعالى: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [صّ:86] شعارُها قولٌ صادقٌ، وعملٌ مُخلصٌ، وبصيرةٌ نَيِّرةٌ، وأساليبها تَتمشَّى مع أساليب الدَّعوة الأُولى، حسب حال الداعي والمدعوّ، كمخاطبة الجاحد والمعاند على ضوء: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سـبأ:24]، (قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [القصص:49]
وليحذر الدَّاعية أو الآمر بالمعروف، أو الناهي عن المنكر أن يُخالف فعلُهُ قوله، فذاكم ردٌّ لقوله، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) [الصف:2-3]
ويقول الشاعر الحكيم:
لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتي مِثْلَه
ثم ليعلَم أنَّ الدَّعوة إلى الله ليست مقصورة على كلمة تُقال في اجتماع أو منبرٍ فحسب، ولكنّها تربية وتعليم، وتخطيط لتقوية الدين وتنظيم، وأمر ونهي، وبيان وتنبيه، ومجادلة بالتي هي أحسن، وطرقٌ لكلِّ باب، وتسخير لكلِّ وسيلة: بلاغ وأداء من إذاعة وصحافة ومنبر ومدرسة وبيت، وبداية بالأهم فالأهمّ.
فقد قال -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه- لما بعثه إلى اليمن: "إنَّك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ فإن هم أطاعوك لذلك؛ فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذُ من أغنيائهم وتردُّ على فُقرائهم".
فإلى هذه الفضيلة -أيُّها المسلمون-، فضيلة الدَّعوة إلى الله وإلى كتابه وسُنَّة رسوله؛ إلى وظيفة الأنبياء، إلى خير وسيلة تُلحقكم بركب السعداء.
قرأ الحسن البصري -رحمه الله- قول الله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت:33] فقال: "هذا حبيب الله، وليُّ الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحبُّ أهل الأرض إلى الله".
أقول قولي هذا، وأسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يهدون بالحق، وبه يعدلون، وأن يهب لنا من أزواجنا وذرِّياتنا قُرّة أعين، ويجعلنا للمتّقين إماماً، إنَّه تعالى خير مسؤول غفور رحيم.