البحث

عبارات مقترحة:

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

استقبال رمضان

العربية

المؤلف سليمان بن خالد الحربي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. البشارة بقدوم شهر رمضان .
  2. فضائل شهر رمضان .
  3. وسائل الاستعداد لاستقبال شهر رمضان. .

اقتباس

بعدَ أيامٍ قليلةٍ يحِلُّ غائِبٌ طالَ انتظارُهُ، غَائِبٌ إِذا قَدِمَ قَدِمَ بِالخيْرِ كُلِّه، وكأَنَّنا أُسَارَى نَنتَظِرُ مَن يَفْدِينَا مِن أسْرِنا، ويَفُكُّنا من قُيُودِنا، هَذا الغائِبُ عطايَاهُ سخيَّةٌ، وطِبُّه دوَاءٌ.. أَبْشِرُوا بِشهْرِ الكفَّاراتِ. أَبْشِرُوا بِشهْرِ تَكْفِيرِ السَّيِّئاتِ. أَبْشِرُوا بِشهْرِ الْعِتْقِ مِن النِّيرانِ.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يَهْدِه اللهُ فَلا مُضِلَّ لَه، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه، ومن سار على نهجه، واقتفى أثره، إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ: فاتقوا الله -عباد الله-، (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[البقرة:45-46].

معْشرَ الإِخْوَةِ: بعدَ أيامٍ قليلةٍ يحِلُّ غائِبٌ طالَ انتظارُهُ، غَائِبٌ إِذا قَدِمَ قَدِمَ بِالخيْرِ كُلِّه، وكأَنَّنا أُسَارَى نَنتَظِرُ مَن يَفْدِينَا مِن أسْرِنا، ويَفُكُّنا من قُيُودِنا، هَذا الغائِبُ عطايَاهُ سخيَّةٌ، وطِبُّه دوَاءٌ. نعمْ؛ نحْنُ على مَشارِفِ قُدُومِ رَمضانَ، فاللَّهُمَّ بَلِّغْنَا رَمضَانَ.

أَبْشِرُوا بِشهْرِ الكفَّاراتِ. أَبْشِرُوا بِشهْرِ تَكْفِيرِ السَّيِّئاتِ. أَبْشِرُوا بِشهْرِ الْعِتْقِ مِن النِّيرانِ.

أخْبَرَنا رَسولُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّ "مَنْ صَامَ يوْمًا فِي سبيلِ اللهِ بَاعَدَهُ اللهُ عَنِ النَّارِ سبْعِينَ خَرِيفًا"(صحيح البخاري 2685).

مَن مِنَّا لا يُريدُ أنْ يبْتَعِدَ عَنِ النَّار مسيرَةَ سَنَةٍ واحدةٍ، بَلْ شهرٍ؟! فكَيْف إِذا كانَ الْيَومُ يُباعِدُكَ سبْعِينَ خَرِيفًا؟! فَكَيْف إِذا كانَ الصِّيامُ ثَلاثِينَ يَوْمًا؟! فَكَيْفَ إِذا كانَ الصَّوْمُ صِيامَ الْفرِيضَةِ؟! فكَم ستبْتَعِدُ عنِ النَّارِ مِنْ مَسافَةٍ بفضل اللهِ وكَرَمِهِ؟!

كَيْفَ ننْسَى ليلةَ الْقَدْرِ الَّتِي قَال اللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عنْهَا: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)[القدر:3]، قال مجاهد: "كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يَقُومُ اللَّيْلَ حَتَّى يُصْبِحَ ثُمَّ يُجَاهِدُ الْعَدُوَّ بِالنَّهَارِ حَتَّى يُمْسِيَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ أَلْفَ شَهْرٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ قِيَامُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ"(تفسير ابن كثير8/426).

وقال أيضًا: "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ قَالَ: عَمَلُهَا وصيامها وَقِيَامُهَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ"(تفسير ابن كثير 8/426). يَا أللهُ! مَا هَذا الْعُمْرُ الَّذِي اخْتَصَرَتْهُ تِلك اللَّيْلةُ أكْثَرَ مِن عَمل ثَمانِينَ سنةً بِصِيامِهِ وَقِيامِه؟!

كَيْفَ لَا نَفْرَحُ بِرَمَضانَ، وَأَبْوَابُ الجنَّةِ فُتِّحَتْ، وأَبْوَابُ النِّيرَانِ صُفِّدَتْ؟! فأَيْنَ الدَّاخِلُونَ؟ كَما جَاء فِي الصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتَ أَبْوَابُ الجَنَّةِ -وَفِي رِوَايَةٍ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ- وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ"(صحيح البخاري1799).

"وللهِ عُتَقَاءُ من النارِ"(أخرجه الترمذي682)، فضلاً مِنْهُ ومِنَّةً.

وَفي الصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: "الصَّوْمُ جُنَّةٌ"(صحيح البخاري 7054)، أي: سَاتِرٌ ومَانِعٌ مِن النَّارِ وَالآثَامِ.

كَيْفَ لَا نَفْرَحُ بِرَمَضانَ، وَأَجْرُ الصَّوْمِ تَكَفَّلَ اللهُ بِهِ مِنْ بَيْنَ الْأَعْمالِ؟ فَثوَابُهُ لَا يَتَقيَّدُ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، بَلْ يُعْطَى أَجْرَه بِغَيْرِ حِسابٍ، فَقدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ أَبِي هُريْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "قَالَ اللهُ تَعالَى: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ"، وَفِي لَفْظِ مُسْلِمٍ: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمَائِةِ ضِعْفٍ، قَالَ اللهُ -تَعَالى-: إِلَّا الصَّوْمَ؛ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ"(صحيح مسلم 129).

وعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ"(صحيح البخاري 129)، و"مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"(صحيح مسلم760).

وجَاءَ فِي صَحيحِ مُسْلِمٍ أن رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: "الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ"(صحيح مسلم 233).

ولهذا يَا خسارَةَ مَنْ أدْرَكَهُ رَمضَانُ وَلَمْ يَحْصُلْ عَلى هِبَاتِهِ، رَوَى التِّرمذيُّ مِن حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَال: قَالَ رسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الجَنَّةَ"(أخرجه الترمذي 3545).

 أعوذُ باللهِ مِن الشَّيْطانِ الرَّجِيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[البقرة:183-185].

بَاركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونَفَعني وإياكُم بما فيه من الآياتِ والذِّكر الحكيم، أقولُ ما سَمِعْتُم، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائِرِ المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ للهِ عَلى إحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَه عَلى توفِيقِهِ وامتنَانِهِ، وأشْهَدُ أنَّ لَا إِله إلَّا اللهُ تَعظيمًا لشانِهِ، وأشْهَدُ أنَّ محمدًا عبْدُه ورسُولُه الدَّاعِي إِلى جنَّتِه ورِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ علَيْه وعَلى آلِه وأصحابِه وأعوانهِ.

أمَّا بَعْدُ: أَيُّها المسْلِمُونَ: إِنَّ أعْظَمَ مَا اسْتَعَدَّ المؤْمِنُ لهذَا الشَّهْرِ التَّوْبَةُ إِلَى اللهِ مِنْ جَميعِ الذُّنُوبِ، وَسُؤالُ اللهِ الْإِعَانَةَ عَلى الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وسُؤالُهُ أَنْ يَرْزُقَكَ فِي هَذَا الشَّهْرِ تَوْبَةً نَصُوحًا بِأَنْ تُكْثِرَ مِن الاسْتِغْفَارِ وكَثْرَةِ الصَّدَقةِ؛ عَلَّ اللهَ أنْ يَجْعَلَكَ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْكَريمِ مِنَ المقْبُولِينَ؛ فَالتَّوْبَةُ تَمْحُو مَا قَبْلَها مِنَ الذُّنوبِ، وهُوَ الْقَائِلُ -جَلَّ فِي عُلاهُ- فِي حَدِيثٍ قُدْسِيٍّ أخْرجَهُ التِّرمِذِيُّ يَقُولُ -سُبْحانَهُ-: "يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً"(أخرجه الترمذي3540).

وهو القائل -سبحانه وتعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[آل عمران: 135].

وقَدْ جَاءَ فِي أَخْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أنَّهُ لَحِقَ بِهمْ قَحْطٌ شدِيدٌ عَلى عَهْدِ مُوسَى عليه السلام، فَذَهُبُوا إِلى نَبِيِّ اللهِ مُوسَى عليه السلام، فَقالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ؛ ادْعُ لَنا ربَّكَ أَنْ يُغِيثَنَا الْغَيْثَ، فَقامَ مَعهُمْ وَقَدْ خَرجُوا إِلى الصَّحرَاءِ وعدَدُهُمْ سبْعُونَ ألْفًا أَوْ يَزِيدُونَ، فقَالَ مُوسَى -عليه السلام-: إلَهَنَا اسْقِنَا غَيْثَكَ، وانْشُرْ عَليْنَا رَحْمَتَكَ، وارْحَمْنَا بِالْأطفالِ الرُّضَّعِ، والْبَهائِمِ الرُّتَّعِ، والشُّيوخِ الرُّكَّعِ. فَما زَادَتِ السَّماءُ إِلَّا تقشُّعًا، والشَّمْسُ إِلا حَرارَةً، فتعَجَّبَ نَبِيُّ اللهِ مُوسَى مِنْ ذَلِكَ، وَسَأَلَ اللهُ عَنْ ذَلِكَ، فأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ أنَّ فِيكُمْ عبْدًا يُبارِزُنِي بِالمعَاصِي مُنْذُ أرْبَعِينَ سنَةً، فنَادِ فِي النَّاسِ حتَّى يخْرُجَ مِن بَيْنِ أظْهُرِكُمْ.

فقَالَ مُوسَى: إِلَهِي وسَيِّدِي، أنَا عبْدٌ ضَعِيفٌ وصَوْتِي ضَعِيفٌ، فأيْنَ يصِلُ صَوْتِي ويظْهَرُ وهُمْ سبْعُونَ ألْفًا أَوْ يَزِيدُونَ؟! فأَوْحَى اللهُ إِلى مُوسَى أنَّ مِنْكَ النِّداءَ ومِنَّا الْبَلاغَ، فقَامَ نَبِيُّ اللهِ مُوسَى -عليه السلام- مُنادِيًا فِي النَّاسِ؛ قَائِلاً: يَا أيُّها الْعَبْدُ الْعَاصِي الَّذِي يُبارِزُ اللهَ بِالمعَاصِي مُنْذُ أرْبَعِينَ سنَةً؛ اخْرُجْ مِن بَيْنِ أظْهُرِنَا، مِنْكَ ومِنْ ذُنُوبِك مُنِعْنَا الْقَطْرَ مِن السَّماءِ، فقَام الْعَبْدُ الْعاصِي، ونَظَر ذَاتَ الْيَمِينِ، وذاتَ الشِّمالِ، فلَمْ يَرَ أحَدًا خَرَجَ فعَلِمَ أنَّهُ المقْصُودُ، فقَالَ فِي نفْسِه: إِنْ أَنَا خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِ هَذَا الخَلْقِ افْتُضِحْتُ عَلى رُؤُوسِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وإِنْ قعَدْتُ معَهُم مُنِعُوا الْقَطْرَ مِن السَّماءِ بِشُؤْمِي وشُؤْمِ ذَنبي ومعصِيَتِي.

فَما كَان مِن هَذا الْعَبدِ الْعَاصِي إِلَّا أنْ أَدْخَلَ رأْسَهُ فِي ثِيابِهِ نَادِمًا ومتَأَسِّفًا عَلى فِعالِهِ، ثُمَّ قَال: يَا إِلَهِي ويَا سيِّدِي، عصَيْتُكَ أربَعِينَ سنَةً وأمْهَلْتَنِي، وقَدْ أتَيْتُكَ طَائِعًا تَائِبًا نَادِمًا فاقْبَلْنِي ولَا تفْضَحْنِي يَا كَرِيمُ، فَما أَكْمَل كَلامَهُ حتَّى ارْتَفَعَتْ سَحَابَةٌ بيْضَاءُ، فأَمْطَرَتْ كأَمْثَالِ الْقِرَبِ؛ حَتَّى ارْتَوَتِ الْأَرْضُ وسالَتِ الْأَوْدِيَةُ، فقَالَ مُوسى -عليه السلام-: إِلَهي وسيِّدِي، سقيْتَنَا وَلَمْ يخْرُجْ مِن بَيْنِ أظْهُرِنَا أحَدٌ، فقَالَ اللهُ: يَا مُوسَى أسْقَيْتُكُمْ بِالَّذِي بِه منَعَتْكُمْ، فَقَال مُوسَى: إِلَهِي أَرِنِي هَذا الْعَبْدَ الطَّائِعَ التَّائِبَ، فقَالَ اللهُ: يَا مُوسَى لَمْ أَفْضَحْهُ وَهُوَ يَعْصِينِي، أَأَفْضَحُهُ وَهُو يُطِيعُنِي(التوابين لابن قدامة ص:55)؟!

فاسْتَقْبِلُوا رَمضَانَ باِلتّشْمِيرِ عَنْ سَوَاعِدِ الجدِّ فِي اسْتِبَاقِ الْخَيْراتِ، وبِعَقْدِ الْعَزْمِ عَلى اغْتِنامِ فُرْصَتِهِ، فِي تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وتَهْذِيبِها وَإِلْزَامِهَا بِسُلُوكِ الجادَّةِ، وَقَطْعِ الصِّلَةِ بِمَاضِي الخطَايَا وَسابقِ الآثَامِ وانْتِهاجِ السَّبِيلِ الموصِّلِ إِلى رِضْوَانِ اللهِ والحظْوَةِ عِنْدَهُ بِالدَّرجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ المقِيمِ.