الشكور
كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
شهر رمضان فرصة لمن فرط وقصر وتساهل وتعدى على حدود الله، فرصة لمن كذب وزور وخان الأمانة وتنصل من المسئولية، فرصة لمن كان فعله وسلوك سببًا لفساد المجتمع وانتشار الرذائل وترويع الآمنين وتخويف الناس وإقلاق السكينة أن يتوب إلى الله.. وإن المحروم في رمضان من حُرم فيه الخير ولم ..
الحمد لله الذي خلق الشهور والأعوام..والساعات والأيام.. وفاوت بينها في الفضل والإكرام.. وربك يخلق ما يشاء ويختار.. أحمده سبحانه.. فهو العليم الخبير..الذي يعلم أعمال العباد ويُجري عليهم المقادير.. لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو على كل شيء قدير.. في السماء ملكه.. وفي الأرض عظمته.. وفي البحر قدرته.. خلق الخلق بعلمه.. فقدر لهم أقدارًا.. وضرب لهم آجالاً.. خلقهم.. فأحصاهم عددًا وكتب جميع أعمالهم فلم يغادر منهم أحدًا.. وأصلي وأسلم على أفضل من صلى وصام ووقف بالمشاعر وطاف بالبيت الحرام.. صلى الله وسلم وبارك عليه.. ما ذكره الذاكرون الأبرار وصلى الله وسلم وبارك عليه.. ما تعاقب الليل والنهار، ونسأله سبحانه أن يجعلنا من خيار أمته.. وأن يحشرنا يوم القيامة في زمرته.
أما بعـد: عبـــــــــاد الله:- ها هو شهر رمضان يحل ضيفًا علينا بعد عام مضى من حياتنا حدثت فيه الكثير من الأحداث وقدم فيه بعضنا من الأعمال ما قدم وأحسن فيه من أحسن وقصر أناس آخرون وتساهل آخرون ورحل عن الدنيا آخرون حسابهم على ربهم والمسلم الحق هو من يتعظ بغيره ويعود إلى رشده ويستفيد من الفرص في حياته..
وإن رمضان لفرصة عظيمة لتقوية الإيمان والتزود من الطاعات والتوبة النصوح لرب الأرض والسماوات والندم على ما فات من التقصير والهفوات في حق النفس والأهل والجيران والأرحام والناس من حولنا.. لذلك ينبغي أن يكون رمضان هذا العام مختلف عن غيره من الأعوام حتى لا يستمر التفريط والتقصير وينتقل الإنسان إلى الدار الآخرة وليس له من العمل الصالح ما يبلغه رضوان الله وجنته، قد غرته دنياه وإمهال الله له وأعجب بأمواله وأتباعه وصحته وأولاده فتكون خسارة ما بعدها خسارة.. قال تعالى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) (الكهف/103-105)...
إنه ينبغي لمن أراد أن يستفيد من شهر رمضان هذا العام ويكون نقطة تحول في حياته أن يركز على أولويات هامة وضرورية من الأقوال والأعمال والسلوكيات ويعزم على القيام بها ويربي نفسه عليها حتى تستقيم حياته ويسعد في آخرته فهو شهر الخيرات والنفحات الربانية وقد كان صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدومه فيقول: «قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه، يفتح فيه أبواب الجنة، ويغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم» صححه الألباني كما في صحيح النسائي.
وإن أهم هذه الأولويات التي يجب أن يسارع كل مسلم للقيام بها هي التوبة من الذنوب والمعاصي ورد الحقوق والمظالم إلى أهلها والعزم على عدم العودة إلى ذلك.. فالتوبة هي شعار المتقين..ودأب الصالحين.. روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة " فكيف برمضان شهر الغفران والرحمات والذي لله فيه كل ليلة عتقاء من النار..
فرمضان فرصة لمن فرط وقصر وتساهل وتعدى على حدود الله، فرصة لمن كذب وزور وخان الأمانة وتنصل من المسئولية، فرصة لمن كان فعله وسلوك سببًا لفساد المجتمع وانتشار الرذائل وترويع الآمنين وتخويف الناس وإقلاق السكينة أن يتوب إلى الله..
قال أبو حامد: طوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه.. والويل الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه.. مائةّ سنة.. ومائتي سنة.. أو أكثر يعذب بها في قبره.. ويسأل عنها إلى آخر انقراضها.. وقال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [يس: 12].. أي نكتب ما أخروه من آثار أعمالهم.. كما نكتب ما قدموه.. والصوم يهذب سلوك المسلم وخلقه ويحرك ضميره نحو الخير وهو يساعد على تحقيق التوبة النصوح وتقوى الله ومراقبته والخوف منه وتلك هي ثمار الصوم قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لعلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183]، ويقول صلى الله عليه وسلم-: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه».. وإن المحروم في رمضان من حرم فيه الخير ولم يتزود منه ولم يعمل فيه أعمالاً تقربه من ربه وتسعده في دنياه وآخرته...
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب | حتى عصى ربَّه في شهر شعبان |
لقد أظلك شهرُ الصوم بعدهما | فلا تصيِّر أيضًا شهرَ عصيان |
عبــــــاد الله: ومن أولويات المسلم في رمضان المحافظة على الصلوات جماعة في بيوت الله والتزود من النوافل والمحافظة على ذكر الله، والإكثار من القرآن قراءةً وسماعًا وفهمًا وتدبرًا وعملاً والتزامًا في واقع الحياة فكم من مسلم هجر القرآن في حياته فتحولت إلى تعاسة وشقاء وذهبت الراحة من الطمأنينة من القلوب وهو دستور أمة الإسلام وسر قوتها وعزتها والمسلم يجب أن يرتبط بهذا القرآن في رمضان وغير رمضان وأن يكون له وردًا من القرآن في كل يوم في رمضان وغيره وأما في رمضان فإنه شهر القرآن قال تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [ البقرة:185 ].
وهو موسم مدارسة القرآن حيث كَانَ المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ» [ رواه البخاري ].
والشفاعة تربط بين رمضان والقرآن فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ» [ رواه أحمد ]..
وعن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم - يقول: «إِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ لَهُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا. فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلاً» (رواه أحمد في "المسند" (394) وابن ماجه في "السنن" (3781) وحسنه البوصيري في الزوائد والألباني في "السلسلة الصحيحة" (2829).
أيها المؤمنون عبـــــــــاد الله: ومن الأعمال والعبادات التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها في رمضان وتكون في برنامجه، المحافظة على صلاة التراويح وقيام الليل لما فيهما من الأجر والثواب والفوائد الروحية والقيم الأخلاقية والصحة الجسدية قال صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه»( مسلم)..
وعن عمر بن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قضاعة فقال: يا رسول الله ! أرأيت إن شهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليتُ الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيتُ الزكاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء» (أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما وهو في"صحيح الترغيب للألباني" (1/419/993).
فهل نشمر عن ساعد الجد لتربية نفوسنا على صلاة التراويح والقيام في رمضان حتى تستقيم على هذه العبادة والطاعة طوال العام فتحل علينا البركات وتتنزل علينا الرحمات وتفرج الكربات وتقضى الحاجات وتدفع الشرور والآفات..
وكم نحن محتاجين إلى رحمة الله وتوفيقه ولن تنال إلا بعبادة صحيحة ومناجاة صادقة وعمل خالص..قال تعالى: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة، الآيات: 15-17] ووصفهم في موضع آخر , بقوله: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) إلى أن قال: (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) [الفرقان، الآيات: 64-75].
إن قيام الليل له لذة، وفيه حلاوة وسعادة لا يشعر بها إلا من صف قدميه لله في ظلمات الليل يعبد ربه ويشكو ذنبه، ويناجى مولاه، ويطلب جنته، ويرجو رحمته، ويخاف عذابه، ويستعيذ من ناره قال تعالى عنهم: (كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات:18،17] قال الحسن: كابدوا الليل، ومدّوا الصلاة إلى السحر، ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار... وقال تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [الزمر:9]...
ومن أعمال المسلم في شهر رمضان أن ينفق مما أعطاه الله مما قل منه أو كثر كلٌ حسب قدرته وطاقته قال تعالى (مَنْ ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافًا كَثِيرَةً) (البقرة /245) وقال عز وجل: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَيْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ:39)...
فكم من جائع ومحتاج ويتيم ومسكين ومريض وغارم يحتاج إلى من يقف بجانبه ويمد يد العون له ولن يضيع ذلك عند الله..لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس في رمضان وغير رمضان... أخرج البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان يدارسه القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة».. فتشبهوا بنبيكم واقتدوا بسلوكه وأخلاقه والتزموا بتوجيهات تفلحوا في الدنيا والآخرة.. اللهم وفقنا لصيام رمضان وقيامه وتقبل طاعاتنا واغفر ذنوبنا يا أرحم الراحمين.
قلت قولي هَذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه
الخطـبة الثانـية:
عبـاد الله:- ومن أولويات المسلم في شهر رمضان استغلال جميع أوقاته بالعلم النافع والعمل الصالح والانضباط الأخلاقي والسلوكي في البيت والشارع؛ فالصوم لا يزيد المسلم إلا تهذيبًا فرمضان شهرٌ للمراجعة والتغيير والتربية والتهذيب للنفوس وهو مدرسة الأخلاق يقول صلى الله عليه وسلم: «والصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم» (البخاري).
وليس هذا على سبيل الجبن والضعف والخور بل إنها العظمة والسمو والرفعة التي يربي عليها الإسلام أتباعه.. ومن ذلك الانضباط الوظيفي ورعاية مصالح الناس والعمل وطلب الرزق فالصيام لا يعد عذرًا للنوم والتأخر عن الدوام والتقصير في الأعمال والتغيب وتعطيل مصالح الناس..
فرمضان شهر الجد والنشاط والجهاد والبذل والعطاء.. ويستوي في ذلك الموظف البسيط والمدير والوزير ورجل الأمن وكل واحد على ثغرة في هذا المجتمع وهو مأجور عند الله.. ومن أولويات المسلم في شهر رمضان صلة الأرحام والإحسان إلى الجيران والعفو والتسامح مع إخوانه من حوله..
فإذا كان رمضان هو شهر الغفران والعتق من النيران والتجاوز عن الزلات والهفوات وفيه ليلة يعفو فيها الله عن الكثير من خلقه ومن أراد أن يعفو الله عنه فليعفو عن خلقة فكم من خصومات بين الناس والأهل والجيران والإخوة... وكم من قلوب ممتلئة على بعضها البعض بالحقد والغل والبغضاء والحسد فلماذا لا يسامح بعضنا بعضا... لقد رفعت ليلة القدر كما في ورد الحديث بسبب خصومة بين رجلين من المسلمين فماذا نقول في زماننا هذا والخصومات والخلافات تعصف بالناس عصفا خلافات وخصومات سياسية واجتماعية وقبلية... فهل من عفو يبني به المؤمن عزًا ويرفع به قدرًا لنفسه في الدنيا والآخرة ويحفظ به سلامة مجتمعة وأمنه وازدهاره.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» [رواه مسلم]..
لقد جاءتِ الآيات متضَافِرةً في ذكرِ الصفح والجمعِ بينه وبين العفو كما في قوله تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ ) [المائدة:13]، وقوله: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) [البقرة:109]، وقوله سبحانه: (وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُوا الفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي القُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبـُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [التوبة:22]..
فلنلتمس الأعذار ولنحسن الظن ببعضنا البعض وليكون العفو سجية كل مسلم خاصة في هذا الشهر المبارك.. وكم هو جميل وعظيم أن نطوي صفحة الخلافات ونبدأ في بناء علاقة مع بعضنا تقوم على التآلف والتراحم والإخاء ولين الجانب ولنتخذ من رمضان محطة انطلاق وتغيير إلى الأفضل.
عبـــاد الله: وشهر رمضان هو شهر الدعاء والتضرع بين يدي الله سبحانه وتعالى ندعو لأنفسنا ومجتمعاتنا وأمتنا وللصائم عند فطره دعوة لا ترد ينبغي أن لا يفرط فيها فقد جبلت هذه الدنيا على كدر وكم نحن محتاجين إلى رحمة الله وعطفه.. فكم في هذه الدنيا مصائب ورزايا، ومحن وبلايا.. آلام تضيق بها النفوس، ومزعجات تورث الخوف والجزع.. فكم في هذه الدنيا من عين باكية، وكم فيها من قلب حزين، وكم فيها من الضعفاء والمعدومين.. قلوبهم تشتعل ودموعهم تسيل.. هذا يشكو علة وسقمًا، وذاك حاجة وفقرًا، وآخر همًا وقلقًا!! عزيز قد ذل، وغني افتقر، وصحيح مرض.. وكل له هموم وآلام، فإلى من يشكون؟ وأيديهم إلى من يمدون؟ إلى رب الأرض والسماوات، مجيب الدعوات، ومقيل العثرات، عالم السر والنجوى..
فالدعاء هو أعظم أنواع العبادات،لأنه يدل على التواضع لله، والافتقار إلى الله، ولين القلب والرغبة فيما عنده، والخوف منه تعالى، وترك الدعاء يدل على الكبر وقسوة القلب والإعراض عن الله، وهو سبب دخول النار، يقول تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)[غافر 60]..
كما أن دعاء الله سبب لدخول الجنة قال تعالى: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطور: 27-28]..
فاللهم يا موضع كل شكوى! ويا سامع كل نجوى! ويا شاهد كل بلوى! يا عالم كل خفية! ويا كاشف كل بلية! يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمائر الصامتين! ندعوك دعاء من اشتدت فاقته، وضعفت قوته، وقلّت حيلته، دعاء الغرباء المضطرين، الذين لا يجدون لكشف ما هم فيه إلا أنت، يا أرحم الراحمين! اكشف ما بنا وبالمسلمين من ضعف وفتور وذل وهوان واقض حاجاتنا واشف مرضانا واحقن دمائنا وخذ بنواصينا إلى كل خير.....
هذا وصلوا وسلموا على محمد خير البرية ورسول الإنسانية صلى الله عليه وعلى آله وسلم..... والحمد لله رب العالمين.