الحيي
كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...
العربية
المؤلف | عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
داوموا على الأعمال الصالحة واجعلوا لكم من كل عمل صالح نصيباً, فصلوا النوافل وأعظمها فضلا صلاة الوتر وسنة الفجر والسنن الرواتب, وصلاة الضحى, فصلُّوا من ليلكم ما تستطيعون ولو بركعة واحدة تداومون عليها, قال -تعالى- في وصفه لعباده المؤمنين: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ), قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "تتجافى لذكر الله، كلما استيقظوا ذكروا الله؛ إما في الصلاة، وإما في قيام، أو في قعود، أو على جنوبهم...
الخطبة الأولى:
الحمدلله الذي أنعم علينا بنعمه العظيمة, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ورضي لنا الإسلام دينا, وأشهد أن سيدنا محمدا رسول رب العالمين, صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المسلمون- وراقبوا الله في جميع أعمالكم ولا يغلبنكم الهوى فتتبعوه, قال -تعالى-: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات: 40، 41], قال الإمام السمعاني -رحمه الله-: أَي: نهى نفسه "عمَّا هواهُ ويشتهيه على خلاف الشَّرع", وقال الإمام الطبري -رحمه الله-: "من نهى نفسه عن هواها فيما يكرهه الله، ولا يرضاه منها، فزجرها عن ذلك، وخالف هواها إلى ما أمره به ربه... فإن الجنة هي مأواه ومنزله يوم القيامة".
أيها المسلمون: إنَّ النفس تهوى وترغب وتؤمِّلُ وتتمنى, فمن كان هواه مخالفا لما أمر الله فقد باء بالندامة والخسارة, واستحق عقاب الله على مخالفته أمره -جل في علاه-, ويروى عن ابن منبه -رحمه الله- أنه قال: "أَعْوَنُ الْأَخْلَاقِ عَلَى الدِّينِ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا، وَأَوْشَكُهَا رَدًى اتِّبَاعُ الْهَوَى، وَمِنَ اتِّبَاعِ الْهَوَى الرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا، وَمِنَ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا حُبُّ الْمَالِ وَالشَّرَفِ، وَمِنْ حُبِّ الْمَالِ وَالشَّرَفِ اسْتِحْلَالُ الْمَحَارِمِ، وَمِنَ اسْتِحْلَالِ الْمَحَارِمِ يَغْضَبُ اللَّهُ، وَغَضَبُ اللَّهِ الدَّاءُ الَّذِي لَا دَوَاءَ لَهُ إِلَّا رِضْوَانَ اللَّهِ، وَرِضْوَانُ اللَّهِ دَوَاءٌ لَا يَضُرُّ مَعَهُ دَاءٌ، وَمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُرْضِيَ رَبَّهُ يُسْخِطُ نَفْسَهُ، وَمَنْ لَا يُسْخِطُ نَفْسَهُ لَا يُرْضِي رَبَّهُ، إِنْ كَانَ كُلَّمَا ثَقُلَ عَلَى الْإِنْسَانِ شَيْءٌ مِنْ دِينِهِ تَرَكَهُ أَوْشَكَ أَنْ لَا يَبْقَى مَعَهُ شَيْءٌ".
معاشر المسلمين: إنكم في رمضان أكثرتم من طاعة ربكم من نوافل العبادات, ورأى كثير منكم أثر ذلك عليه, فاطمأنت نفسه, وانشرح صدره, فاستمروا على ما كنتم عليه, وإنَّ القليل الدائم خير من الكثير المنقطع, عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ" وَقَالَ: "اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ" (متفق عليه), قال في فتح الباري: "الْمُدَاوَمَةَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَلَوْ كَانَ مَفْضُولًا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ عَمَلٍ يكون أعظم اجرا لَكِن لَيْسَ فِيهِ مداومة", وقال الإمام النووي -رحمه الله-: "إِنَّمَا كَانَ الْقَلِيلُ الدَّائِمُ خَيْرًا مِنْ الْكَثِيرِ الْمُنْقَطِعِ؛ لِأَنَّ بِدَوَامِ الْقَلِيلِ تَدُومُ الطَّاعَةُ وَالذِّكْرُ وَالْمُرَاقَبَةُ وَالنِّيَّةُ وَالْإِخْلَاصُ وَالْإِقْبَالُ عَلَى الْخَالِقِ –سُبْحَانَهُ-, وَيُثْمِرُ الْقَلِيلُ الدَّائِمُ بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى الْكَثِيرِ الْمُنْقَطِعِ أَضْعَافًا كَثِيرَةً".
عباد الله: داوموا على الأعمال الصالحة واجعلوا لكم من كل عمل صالح نصيباً, فصلوا النوافل وأعظمها فضلا صلاة الوتر وسنة الفجر والسنن الرواتب, وصلاة الضحى, فصلُّوا من ليلكم ما تستطيعون ولو بركعة واحدة تداومون عليها, قال -تعالى- في وصفه لعباده المؤمنين: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [السجدة: 16], قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "تتجافى لذكر الله، كلما استيقظوا ذكروا الله؛ إما في الصلاة، وإما في قيام، أو في قعود، أو على جنوبهم، فهم لا يزالون يذكرون الله".
معاشر المسلمين: إنَّ ذوي العقول والنهى, لا يهجرون تلاوة كتاب ربهم بل هم يتلونه بتدبر, ويجعلون لهم وقتاً لتلاوته كل يوم, لا تُشغلهم الدنيا عن تلاوته والعملِ بما فيه, قال -تعالى-: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ) [العنكبوت: 45], قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "يأمر -تعالى- بتلاوة وحيه وتنزيله، وهو هذا الكتاب العظيم، ومعنى تلاوتهِ اتباعهُ، بامتثالِ ما يأمرُ به، واجتنابُ ما ينهى عنه، والاهتداءُ بهداه، وتصديقُ أخباره، وتدبُّرُ معانيه، وتلاوةُ ألفاظه، فصار تلاوةُ لفظهِ جزءُ المعنى وبعضُه، وإذا كان هذا معنى تلاوةِ الكتاب، عُلم أنَّ إقامةَ الدينِ كلِّهِ، داخلةٌ في تلاوة الكتاب".
معاشر المسلمين: منكم في رمضان من أقلع عما هو واقع فيه من المعاصي والآثام, فليستمر على ترك تلك المعاصي ولا يعود إليها ويحمد الله على أن سلَّمه منها.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا رسول الله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما, أما بعد:
فيا أيها الناس: ثبت في صحيح مسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ", قال النووي -رحمه الله-: "قال أصحابنا: الْأَفْضَلُ أَنْ تُصَامَ السِّتَّةُ مُتَوَالِيَةً عَقِبَ يَوْمِ الْفِطْرِ, فَإِنْ فَرَّقَهَا أَوْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَائِلِ شَوَّالٍ إِلَى أَوَاخِرِهِ حَصَلَتْ فَضِيلَةُ الْمُتَابَعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ, قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا, فَرَمَضَانُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَالسِّتَّةُ بِشَهْرَيْنِ", وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "صيام ستٍّ من شوال سنة ثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويجوز صيامها متتابعة ومتفرقة؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أطلق صيامها ولم يذكر تتابعاً ولا تفريقا".
معاشر المسلمين: صوموا ستة أيام من شوال بعد قضاء ما عليكم من رمضان إن كان عليكم قضاء؛ لتنالوا فضيلة صيام الدهر.
عباد الله: يقول الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وأصحابه, اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمِّر أعداء الدين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين, اللهم أعز من في عزه عز للإسلام والمسلمين, اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان, وولِّ عليهم خيارهم واكفهم شرارهم, واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
معاشر المسلمين: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90], فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.