البحث

عبارات مقترحة:

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

أصول التعامل مع أهل البدع

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات العقيدة - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. من أصول التعامل مع أهل البدع .
  2. أمور ينبغي استحضارها عند التعامل مع المبتدعة .
  3. العدل مع أهل البدع. .

اقتباس

يختلف أسلوب التعامل مع المبتدع تبعًا لاختلاف بدعته واختلاف حاله؛ فأسلوب التعامل مع من نرجو منه توبة وإنابة ورجوعًا عن بدعته، غير أسلوب التعامل مع المصرين على بدعتهم المكابرين الداعين إليها، وأسلوب التعامل مع...

الخطبة الأولى:

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71]،           أما بعد:

عباد الله: إن الابتداع في الدين شر كله، وإن المبتدع منبع فساد أينما حل؛ يقيم بدعة ويبطل سنة، ينصر ضالًا ويخذل مصلحًا، يدع المحكمات ويتبع المتشابهات... لكن -وللأسف- فإن مجتمعاتنا اليوم لا تخلو من مبتدع يجني على الدين، لذا كان من الضروري أن نبين في لقائنا اليوم أصول التعامل مع أهل البدع؛ كيف نتقي شرهم، وكيف نحذِّر المسلمين منهم، كيف نخاطبهم، وهل نخالطهم... ثم نختم ذلك بعرض عدة أمور ينبغي مراعاتها عند التعامل مع المبتدع، وأهمها العدل والإنصاف معهم.

أيها المسلمون: يختلف أسلوب التعامل مع المبتدع تبعًا لاختلاف بدعته واختلاف حاله؛ فأسلوب التعامل مع من نرجو منه توبة وإنابة ورجوعًا عن بدعته، غير أسلوب التعامل مع المصرين على بدعتهم المكابرين الداعين إليها، وأسلوب التعامل مع من كانت بدعته عن جهل وقلة علم غير أسلوب التعامل مع من بدعته عن هوى وكبر وعلى علم، وسوف نجمل في النقاط التالية -إن شاء الله- أصول التعامل مع كل منهم.

الأصل الأول: بغضهم، وبغض بدعهم؛ فنبغض صاحب البدعة المكفرة كما نبغض الكفار، أما صاحب البدعة التي لا تكفِّر، فنبغض ما فيه من بدعة ونحبه بقدر ما فيه من سنة؛ يقول ابن تيمية: "وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور وطاعة ومعصية وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة" (مجموع الفتاوى).

أما أن نحب صاحب بدعة على الإطلاق؛ فذلك الذي لا يجوز، يقول الفضيل بن عياض: "من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه" (تلبيس إبليس لابن الجوزي).

وبغض المبتدع من تمام الإيمان؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أعطى لله، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله، وأنكح لله؛ فقد استكمل إيمانه" (الترمذي).

الأصل الثاني: هجرهم؛ فهو أمر الله -عز وجل-: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام: ٦٨]، وهاك بعض أنواع الهجر:

أولًا: ترك السلام على أهل البدع يقول الشوكاني: "يستحب ترك السلام على أهل البدع والمعاصي الظاهرة تحقيرًا لهم وزجرًا، ولذلك قال كعب بن مالك: "فسلمت عليه فوالله ما رد السلام علي" (متفق عليه)" (نيل الأوطار).

وإن بدأنا المبتدع بالسلام لا نرد عليه، يقول الشوكاني -أيضًا-: "فيه جواز ترك الرد على من سلم وهو مرتكب لمنهي عنه ردعًا له وزجرًا عن معصيته"، ويؤيد ابن رسلان ذلك قائلًا: "ويستحب أن يقول المسلَّم عليه: أنا لم أرد عليك لأنك مرتكب لمنهي عنه" (نيل الأوطار).

ثانيًا: ألا نخالطه؛ فلا نشاوره في أمور الدين، ولا نرافقه في سفر، يقول الإمام أحمد: "ولا تشاور أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في سفرك" (الفروع لابن مفلح)، ولا نعوده إذا مرض، ولا نشهد جنازته إذ مات: يقول أحمد بن أبي الحواري: "لا تجالسوا أهل البدع، ولا تبايعوهم، ولا تشاوروهم، ولا تناكحوهم، وإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوا جنائزهم، وكان يبكي وهو يحدث حتى يسيل دموعه" (الطيوريات للأصبهاني).

ويقول المرداوي: "نص الإمام أحمد: أن المبتدع لا يعاد، وقال في النوادر: تحرم عيادته، وعنه لا يعاد الداعية فقط، واعتبر الشيخ تقي الدين -ابن تيمية- المصلحة في ذلك" (الإنصاف للمرداوي)، ولا نزوجه: يقول الفضيل بن عياض: "من زوج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها" (تلبيس إبليس).

الأصل الثالث: عدم أخذ العلم عن مبتدع داع إلى بدعته: يقول ابن سيرين: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم" (مقدمة الإمام مسلم).

وقال ابن طاووس لابنه حين تكلم مبتدع: "يا بني أدخل إصبعيك في أذنيك لا تسمع ما يقول، ثم قال: اشدد" (حلية الأولياء).

وإن تركنا أخذ العلم عنه، فكذلك نترك الصلاة خلفه إن وُجد إمام غيره: إلا أن يكون هو الوالي؛ فإنه يصلي خلفه الصلوات التي لا يمكن أداؤها إلا خلفه كالجمع والأعياد، يقول البغوي: "وكان أحمد يرى الصلاة خلف أئمة الجور، ولا يراها خلف أهل البدع" (شرح السنة للبغوي)، وسئل الإمام مالك عن الصلاة خلف أهل البدع القدرية، فقال: "ولا أرى أن يصلى خلفهم"، قال ابن وهب: وسمعته وسئل عن الصلاة خلف أهل البدع؛ فقال: "لا"، ونهى عنه (الإبانة الكبرى لابن بطة).

الأصل الرابع: الإنكار والرد عليهم: يقول ابن تيمية: "أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل" (مجموع الفتاوى، لابن تيمية).

أما إذا كان المبتدع من العوام، فالأولى التلطف به، لأنه غالبًا ما يجهل البدعة التي اعتنقها، قال الغزالي في الإحياء: "المبتدع العامي الذي لا يقدر على الدعوة ولا يخاف الاقتداء به فأمره أهون، فالأولى أن لا يقابح بالتغليظ والإهانة بل يتلطف به في النصح فإن قلوب العوام سريعة التقلب".

عباد الله: وقد يُترك الإنكار على المبتدع لمصلحة تقتضي ذلك، أو لدفع مفسدة هي أعظم من بدعته، فمن شروط النهي عن المنكر إلا يؤدي إلى منكر أعظم.

الأصل الخامس: عقاب ولي الأمر للمبتدع؛ فإن له أن يعاقب المبتدعين المغيِّرين في الدين بالعقوبة التي تردعهم وتميت بدعتهم، وقد تصل تلك العقوبة إلى القتل إن كانت المصلحة في ذلك، وقد حدث ذلك فعلًا للجَعْد والجَهْم، قال ابن تيمية: "وكان أول من أحدث هذا في الإسلام الجعد بن درهم في أوائل المائة الثانية فضحى به خالد ابن عبد الله القسري أمير العراق والمشرق بواسط، خطب الناس يوم الأضحى فقال: أيها الناس ضحوا يقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم؛ أنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا ولم يكلم موسى تكليمًا ثم نزل فذبحه، فكأنه قد أخذ هذا المذهب عنه الجهم بن صفوان فأظهره عليه وإليه أضيف قول الجهمية فقتله سلم ابن أحوز أمير خراسان بها" (الصواعق المرسلة لابن القيم).

ولولي الأمر أن يؤدبهم بما يرى أنه أردع لهم من ضرب أو حبس، وقد نص أحمد في المبتدع الداعية قائلًا: "يحبس حتى يكف عنها" (الفروع لابن مفلح).

معاشر المؤمنين: استعرضنا فيما سبق بعض أصول الإنكار على أهل البدع والزيغ والهوى والتعامل معهم، لكن ينبغي أن يكون للمسلم في كل عمل يقدم عليه منهج يتبعه ونية يرصدها، وللإنكار على أهل البدع منهج ومقاصد منها:

أولًا: حماية دين الله من التحريف؛ بالتحذير من أهل البدعة وعدم توقيرهم فإن "توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان على لإسلام بالهدم.

ثانيًا: أن نحاول إصلاحهم وهدايتهم؛ فليس المبتدع في الجملة شرًا من الكفار الذين شرع لنا دعوتهم ودلالتهم على الحق، بل ربما كان فيهم من القرب للحق ما يدعو للاهتمام بهم، وبخاصة إذا كانت البدعة عن جهل وبُعد عن مصادر العلم، وقد ناظر ابن عباس الخوارج، فرجع منهم عدة آلاف ممن أراد الله لهم الخير والهداية.

اللهم ارزقنا لزوم الحق والإتباع واصرف قلوبنا وجوارحنا عن المبتدعة والابتداع.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

أيها المؤمنون: في الوقت الذي نتقرب فيه إلى الله -تعالى- ببغض المبتدع؛ فإنه ينبغي لنا أن نلزم أنفسنا بما ألزمنا الله به من العدل والإنصاف، قال -عز من قائل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: ٨].

ومن العدل ومن صور العدل معهم؛ قبول الحق إن أجراه الله على ألسنتهم، ولا ننسى كيف قَبِل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحق الذي جاء به شيطان، إذ نصح الشيطان أبا هريرة قائلًا: "إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة: 255]، وقال له: "لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح"، ولما قص أبو هريرة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ما حدث قال له: "صدقك وهو كذوب، ذاك شيطان" (متفق عليه).

ومن العدل -أيضا- مع أهل الابتداع؛ الحرص على دعوتهم والفرح بهدايتهم وصلاحهم والرحمة بهم.

يقول شيخ الإسلام: "فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني -فضلًا عن الرافضي- قولًا فيه حق أن نتركه أو نرده كله، بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحق" (منهاج السنة النبوية).

اللهم اكفنا شر البدع وشر أهلها، واقبضنا إليك غير فاتنين ولا مفتونين ولا مبدلين ولا مغيرين.

وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.