الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أهل السنة والجماعة |
مِن أعظم سمات أهل السنة والجماعة: الأخذُ بحسن الظن, وعدمُ تتبع الزلات, والْتماسُ الأعذار لمن ظاهره الصلاح, وسترُ العيوب لا فضحُها. ومن سمات المبتَدِعَة وأهلِ الأهواء: القدحُ في كلِّ من يُخالفهم, ولو كان مما يسوغُ أو يُعذَرُ الاجتهاد فيه, وتتبعُ الزلات والعثرات, والقدحُ في النيات. وقد أجمع علماءُ الأمة سلفُهَا وخلَفُها, على أنَّ مَن عُرف عنه الخيرُ والصلاح, لا يجوز القدحُ فيه إلا بدليلٍ وبرهانٍ قاطعٍ..
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعلَ لحومَ العلماءِ مَسْمُومة, وأعراضَهم محفوظةً مصونةً, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , أمرَ عبادَه بالتَّوادّ والاجتماع, ونهاهم عن التَّدابُر والصراع، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, كان أصفى الناس قلبًا, وأعظَمَهم تسامحاً وحلماً, صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله أيها المسلمون, (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
معاشر المسلمين: لقد كانتْ مجالس السلف الصالح -رحمهم الله تعالى-, ومَن بعدهم وإلى وقتٍ قريب, عامرةً بالذكر والتذكير فيما يُرضي ربَّهم -تبارك وتعالى-, ثم تغير الحال بعد ذلك, فأصبحتْ كثيرٌ من المجالس عامرةً بأمور الدنيا, وما لا ينفعهم في دينهم ولا في دُنياهم.
ثم تطوَّر الأمر بعد ذلك, فأصْبَحتْ مجالسُ الكثير منهم مليئةً بالقنوات الضارة, والمسرحيات الهابطة, والأفلامِ الماجنة, فامتلأت هذه المجالس بالآثام, وخرجوا من مجالسهم بما يُغضب الرحمن.
ثم وصلوا هذه الأيام إلى مرحلةٍ أعظم وأخطر, وأشنع وأدهى, هو أعظم عند الله -تعالى- من مُشاهدة الأفلام الماجنة, والصورة الفاضحة, وأعظمُ مِنْ مُصافحةِ وتقبيلِ النساء الأجنبيات, ألا وهو الوقوعُ في أعراض الدعاة وأهل العلم والدعوة.
لقد وقعوا في الغيبة والنميمة, وعلى مَنْ! على مَنْ بلَّغ الله دينه على أيديهم, ونشر الإسلام بألسنتهم.
على مَن وضع الله لهم القبول في الأرض, ومن وُضع له القبول فهو من أهل الصلاح والتقوى, بشهادة النبي الصادق المصدوق, ففي الصحيحين عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: "كُنَّا بِعَرَفَةَ، فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ، فَقَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ إِنِّي أَرَى اللهَ يُحِبُّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: لِمَا لَهُ مِنَ الْحُبِّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ".
فهذا التابعيُّ الجليل, شهد على عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أن الله -تعالى- يُحبه؛ واسْتدل بمحبة الناس له.
وثبت في الصحيحين أنَّ النبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُرَّ عليه بجنازةٍ فأَثْنَوا عليها خيرًا، فقال: "وَجَبَتْ وَجَبَتْ"، ومُرَّ عليه بجنازةٍ فأثنوا عليها شَرًّا، فقال: "وَجبتْ وَجَبَتْ"، قالوا: يا رسولَ الله! ما قولك وَجَبتْ؟ قال: "هذه الجنازة أثنيتُم عليها خيرًا فقلتُ وَجَبَتْ لها الجَنَّةُ، وهذه الجنازة أثنيتُم عليها شَرًّا فقلتُ وَجَبَتْ لها النَّارُ، أنتُم شُهَدَاءُ الله في الأرض".
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فمن شَهِدَ له عُمُومُ المؤمنين بالخيرِ كان مِن أهل الخير، ومَن شُهِدَ له بالشَّرِّ كان من أهل الشَّرِّ". ا.هـ كلامه.
فمن كان محبوبًا بين المسلمين, مقبولاً بين عباد الله المؤمنين, فهو الْمَحبوب عند الله رب العالمين, قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) [مريم: 96].
قال القرطبي -رحمه الله-: "إذا كان العبدُ محبوبًا في الدنيا فهو كذلك في الآخرة, فإن الله -تعالى- لا يُحب إلا مؤمنًا تقيًّا, ولا يرضى إلا خالصًا نقيًّا". ا.هـ كلامه.
وقال بعض السلف: وَاللَّهِ مَا اسْتَقَرَّ لِعَبْدٍ ثَنَاءٌ فِي أهل الأرض, حتَّى يستقرَّ ثَنَاءٌ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ.
فهذه نُصوصُ الكتاب والسنة, وأقوالُ علماءِ الْمِلَّة, صريحةٌ بأنَّ المحبوب عند المسلمين محبوبٌ عند الله -تعالى-, ومن كان كذلك, فهل يسوغ مُعاداته والقدحُ فيه؟!
فيا مَن تقعون في أعراض الدعاةِ المشهودِ لهم بالخير والصلاح, اتقوا الله تعالى, واحذروا أنْ تكونوا ممّن كره وعادى مَن أحبه الله –تعالى-, ألا تخشون يوم أنْ أعلنتمُ الحرب عليهم, أنْ يُعْلِنَ الله -تعالى- الحربَ عليكم, قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ -تعالى- قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ" (رواه البخاري).
والْمُصِيْبَةُ أنَّهُم يرون أنّ فعلهم هذا تقرُّب إلى الله, فاسْتباحوا أعراضهم باسم الدين, وأكلوا لُحومَهم إرضاءً لربّ العالمين.
والغريب أنَّ هؤلاء القادحين ليسوا من اليهود الحاقدين, ولا النصارى الضالين, ولا الرافضة المشركين, بل هم أناسٌ فينا ومِن بيننا, ومِن حولنا ومن بني جلدتنا.
ألَا يعلم هؤلاء, أنَّ مِن أعظم سمات أهل السنة والجماعة: الأخذُ بحسن الظن, وعدمُ تتبع الزلات, والْتماسُ الأعذار لمن ظاهره الصلاح, وسترُ العيوب لا فضحُها.
ومن سمات المبتَدِعَة وأهلِ الأهواء: القدحُ في كلِّ من يُخالفهم, ولو كان مما يسوغُ أو يُعذَرُ الاجتهاد فيه, وتتبعُ الزلات والعثرات, والقدحُ في النيات.
وقد أجمع علماءُ الأمة سلفُهَا وخلَفُها, على أنَّ مَن عُرف عنه الخيرُ والصلاح, لا يجوز القدحُ فيه إلا بدليلٍ وبرهانٍ قاطعٍ, فإنْ ثبت بالدليل خطؤه وزللُهُ, في أمرٍ يسوغُ أو يُعذَرُ الاجتهاد فيه, فلا يجوز أيضاً سبُّه والطعنُ فيه, بل يجب أنْ يُردَّ خطؤه ولا يُقدَحُ في شخصه.
قال سعيد بن المسيب -رحمه الله-: "ليس من عالمٍ ولا ذي فضلٍ إلا وفيه عيْب، ولكنْ مَن كان فضلُه أكثرَ من نقصه ذَهب نقصُه لفضله، كمَا أنَّه مَن غلب عليه نقصانُه ذَهب فضلُه".
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "وكثيرٌ من مجتهدي السلف والخلف, قد قالوا وفعلوا ما هو بدعةٌ ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديثَ ضعيفةٍ ظنوها صحيحة، وإما لآياتٍ فهموا منها ما لم يُرَدْ منها، وإما لرأيٍ رأوه وفي المسألة نصوصٌ لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل في قوله: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا)".
وقال الإمام الذهبي -رحمه الله-: "إنَّ الكبيرَ من أئمة العلم إذا كَثُرَ صوابُه، وعُلم تحرِّيه للحق، يُغفرُ له زلله، ولا نُضَلِّلُه ونَطْرَحُه، ونَنْسَى محاسنه، نعم! ولا نَقْتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبةَ من ذلك".
نعم, هذا هو منهج أهل السنة والجماعة, هذه هي أخلاقنا وقيمنا, وهي التي يوم أنْ حَقَّقْناها تآلفت القلوب, وحينما تركناها تفرقت قلوبنا, وفسَّق بعضُنا بعضًا ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
إنَّ مَنْ يُخرج مسلماً يُصلي ويصوم عن ولائه ومحبته, وهو لا يُجاهر بالكبائر والمعاصي, ناهيك عن أهل العلم والدعوة والصلاح, سيُسأل بأيّ حُجةٍ أخرجته من ولائك, فكيف إذا كان من أعظم الدعاة والمصلحين؟!
وقد وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا, وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا, وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا, فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ". (رواه البخاري).
والله- يا أمة الإسلام- ما كان العقلاء يتصورون ولا يخطرُ ببالهم, أنْ يقع كثيرٌ من الناس في أعراض دُعاتنا وخطبائنا, بل وبعضِ علمائنا, والعَجَبُ العُجَابُ أنَّ الواقع في هذا القدح الْمُقذع: أناسٌ نحسبهم من أهل الخير والصلاح, ووالله ما قالوا عُشْرَه على أكْفر خلق الله –تعالى-, كفرعون وهامان وأبيِّ بنِ خلف, ولا على مُجْرِمي الصهاينة أثناء عُدوانهم على غزة, وعلى طاغوت العراق والشامِ أثناء عُدوانهم على شعبوهم.
أيُّ فكرٍ هذا الذي نجح أعداؤنا في نشره, أيُّ فكرٍ هذا الذي جاء ليُفرِّق الأمة, زيادةً على تفرُّقها واختلافِها.
وإلى كلِّ مَن وقع في أعراض هؤلاء الدعاة وغيرهم: هل رأيتّ بأمِّ عينِك فعلاً أو قولاً منهم يُبيحُ لك القدحَ فيهم, عندك فيه حُجةٌ قاطعةٌ تُواجِه بها ربَّك تبارك وتعالى؟, أمْ قَدْحُك إنما هو مِن قَبِيْلِ الظّنّ؟!
أيْن أنتَ مِن قولِه تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6].
والأمرُ الْمُحزنُ- يا أمة الإسلام- أنَّ أكثر القادحين في الدعاة وأهل العلم, لم يكن سببُ قدحِهِم خبرَ فاسقٍ معلوم, بل وصلوا إلى أشنعِ من ذلك, وهو أن الخبرَ جاء من مجهولِ الحسبِ والدينِ والذَّات, فقد تلقَّفوا ذلك من مقاطع مُقتَضبةٍ في الشبكة العنكبوتية, مُجْتزأةٍ ومُقطَّعة, يُوهمون فيها الناس بأن الدعاة مُتناقضون, وأنهم يحملون أفكاراً خطيرةً..
فيا سبحان الله, ألهذا الحدّ أجَّروا عقولهم ودينهم لهذه المقاطع, التي لا يُعلم واضعُها, ولا هدفُه ودينُه ومَقْصِدُه, ولا تُعلم الجهةُ المموِّلةُ له, أهي جهةٌ أجنبيةٌ حاقدةٌ على أهل السنة, يُريدون ضرب الناس بعضِهم ببعضٍ أم لا؟!
إذا ناصحتَ أحدهم في ترك القدح في الدعاة, قال لك: انظر للمقطع الفلاني؟ أهذا هو الدليل القاطع في تجريحِ داعيةٍ عُرف عنه الخير, وقضى أعواماً في نشر الخير والدعوة إلى الله تعالى؟!
نسأل الله تعالى, ألا يجعل في قلوبنا غلاًّ للذين آمنوا, وأنْ يغفر لنا ولهم ما قدَّموا, إنه على كل شيءٍ قدير.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين, وسلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين..
أما بعد: فيا مَن تقدح في الدعاة وأهلِ العلم, هل تَعَامُلُكَ معهم على مبدأ حُسْنِ الظنِّ الذي أَمَر الله به المؤمنين في قوله: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) [النور: 12].
قال العلامة السعديُّ -رحمه الله-: "أي: لولا ظنَّ المؤمنون بعضُهم ببعضٍ خيرًا، وهو السلامة مما رُموا به، وأن ما معهم من الإيمان المعلوم، يدفع ما قيل فيهم من الإفك الباطل، وَقَالُوا بسبب ذلك الظن: (سُبْحَانَكَ هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ) أي: كذبٌ وبُهْتٌ مِن أعظم الأشياء. فهذا من الظن الواجب، حين سماع المؤمن عن أخيه المؤمنِ مثلَ هذا الكلام، أن يُبَرِّئَه بلسانه، ويكذبَ القائل لذلك". ا.هـ كلامه رحمه الله.
فهل تعاملتَ معهم بهذا الْمَبدَأ الذي أُمرتَ به, أم تعاملتَ معهم على سوء الظن, وتتبع الزلات الذي نُهيتَ عنه.
صَعَدَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ: "يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ".
ويُقال لهم أيضًا: ألَا يحتمل أنْ يكون في قولِكم وقدحِكم خطأٌ ولو قليلاً؟ ألا يحتمل أنْ تكونوا قد وقعتم في زللٍ, وكلامٍ لا يُرضي اللهَ –تعالى-, فإنْ كان الجواب بِنَعَمْ, فالعاقل يتجنب أيَّ قولٍ قد يُحاسَبُ عليه يوم القيامة, العاقل يخشى أنْ يكون مِمَّنْ قَالَ فيه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» (متفق عليه).
كلمةٌ واحدةٌ تَهْوِي بِه فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ, فكيف بعشرات الكلمات, كيف بالسِّبابِ الذي قلتَه في عشرات المجالس, كيف بالطعن والدخول في نيات الدُّعاة والمشايخ؟!
حاسبْ نفسك قبل أنْ تُحاسَب, فوالله لَيُحاسبنَّك الله -تعالى- على كلّ كلمةٍ قلتَها بغير حق. (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18].
مَا تَلْفِظُ أيها المسكينُ مِنْ قَوْلٍ, وما تتكَلَّم مِن كلمة, إِلا ولها من يُراقبها, لا يترك كلمةً إلا أوقفكَ أمامَ الله ليُحاسِبَكَ عَلَيْهَا، (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار: 10- 12].
فيا من تقعون في أعراض دُعاتنا وخطبائنا, لقد خدمتم أهل العلمنة والانحلال خدمةً عظيمة, حيث كَفَيْتُمُوهُمُ السبّ والقدح, فقد كانوا سابقًا يفعلون ذلك لِوَحدهم, أمَّا الآن, فقد وجدوا مَن يَخْدِمُهُم ويُعِيْنُهم, فيا خسارةَ مَن وقَفَ في صفِّ أعداءِ الله, ضدَّ الدعاة في سبيلِ الله.
فاتقوا الله وتوبوا من أفعالكم, وطهروا ألسنتكم من الوقوع في هذا المنزلق الخطير. "وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ".
نسأل الله -تعالى- أنْ يحفظ علماءَنا ودعاتَنا, وأنْ يحفظ ألسنتنا من الوقوع في أعراضهم, والدخول في نيَّاتهم, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.