المحيط
كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...
العربية
المؤلف | حامد إبراهيم طه |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | السيرة النبوية |
ولما انتشر الإسلام في المدينة أذن لرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يهاجروا إليها، فعن الْبَرَاء بْن عَازِبٍ -رضى الله عنهما- قَالَ: "أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ؛ فَقَدِمَ بِلاَلٌ وَسَعْدٌ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-".
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان، ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد -عليه الصلاة والسلام-، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. نشهد أنه بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون: نستكمل سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتوقفت معكم عندما قرأ مصعب بن عمير القرآن على سعد بن معاذ؛ "فَقَالَ سَعْدُ بن مُعَاذٍ: مَا أَسْمَعُ إِلا مَا أَعْرِفُ، فَرَجَعَ وَقَدْ هَدَاهُ اللَّهُ، وَلَمْ يُظْهِرْ لَهُمُ الإِسْلامَ حَتَّى رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَدَعَا بني عَبْدِ الأَشْهَلِ إِلَى الإِسْلامِ، وَأَظْهَرَ إِسْلامَهُ وَقَالَ: مَنْ شَكَّ فِيهِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، فَلْيَأْتِنَا بِأَهْدَى مِنْهُ نَأْخُذْ بِهِ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَ أَمْرٌ لَتُحَزَّنَّ فِيهِ الرِّقَابُ، فَأَسْلَمَتْ بنو عَبْدِ الأَشْهَلِ عِنْدَ إِسْلامِ سَعْدٍ وَدُعَائِهِ إِلا مَنْ لا يُذْكَرُ، فَكَانَتْ أَوَّلَ دُورٍ مِنْ دُورِ الأَنْصَارِ أَسْلَمَتْ بِأَسْرِهَا، ثُمَّ إِنَّ بني النَّجَّارِ أَخْرَجُوا مُصْعَبَ بن عُمَيْرٍ وَاشْتَدُّوا عَلَى أَسْعَدَ بن زُرَارَةَ، فَانْتَقَلَ مُصْعَبُ بن عُمَيْرٍ إِلَى سَعْدِ بن مُعَاذٍ.
فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَدْعُو وَيَهْدِي اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، حَتَّى قَلَّ دَارٌ مِنْ دُورِ الأَنْصَارِ إِلا أَسْلَمَ فِيهَا نَاسٌ لا مَحَالَةَ، وَأَسْلَمَ أَشْرَافُهُمْ وَأَسْلَمَ عَمْرُو بن الْجَمُوحِ، وَكُسِرَتَ أَصْنَامُهُمْ، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ أَعَزَّ أَهْلِهَا، وَصَلُحَ أَمَرُهُمْ وَرَجَعَ مُصْعَبُ بن عُمَيْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَكَانَ يُدْعَى الْمُقْرِئَ".
وهكذا لم تبق دار في المدينة إلا دخلها الإسلام، ثم كانت بيعة العقبة الثانية؛ فقد جاءت الأنصار كما وعدهم النبي -صلى الله عليه وسلم- العقبة، فأتاهم ومعه العباس -رضي الله عنه-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الأنصار تكلموا وأوجزوا فإن علينا عيونا"؛ فقال أبو أمامة أسعد بن زرارة -رضي الله عنه-: اشترط لربك واشترط لنفسك واشترط لأصحابك، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم، ولأصحابي المساواة في ذات أيديكم"، ثم قال أبو أمامة: فما لنا قال: "الجنة"، قال: ابسط يدك فأنا أول من بايعك.
ولما انتشر الإسلام في المدينة أذن لرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يهاجروا إليها، فعن الْبَرَاء بْن عَازِبٍ -رضى الله عنهما- قَالَ: "أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَكَانَا يُقْرِئَانِ النَّاسَ؛ فَقَدِمَ بِلاَلٌ وَسَعْدٌ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، ثُمَّ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي عِشْرِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-".
ثم أذن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-بالهجرة، وأنزل الله -تعالى- عليه قوله -تعالى-: (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا)[الإسراء: 80].
وعن علي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لجبريل -عليه الصلاة والسلام-: "من يهاجر معي؟ قال : أبو بكر الصديق". تقول عائشة -رضي الله عنها-: "وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ قِبَلَ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "عَلَى رِسْلِكَ؛ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِيَصْحَبَهُ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ".
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان، ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد -عليه الصلاة والسلام-. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. نشهد أنه بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة؛ فاللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون: قَالَتْ عَائِشَةُ: "فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِى بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُتَقَنِّعًا -فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي، وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَمْرٌ. قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم- فَاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأَبِي بَكْرٍ: "أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "نَعَمْ"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "بِالثَّمَنِ".
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجَهَازِ، وَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ قِطْعَةً مَنْ نِطَاقِهَا فَرَبَطَتْ بِهِ عَلَى فَمِ الْجِرَابِ، فَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقِ -قَالَتْ-: "ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ".
وعن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ قَالَتْ: "لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَخَرَجُ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ احْتَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَالَهُ كُلَّهُ مَعَهُ خَمْسَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ أَوْ سِتَّةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ. قَالَتْ: وَانْطَلَقَ بِهَا مَعَهُ.. قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيْنَا جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ، وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاهُ قَدْ فَجَعَكُمْ بِمَالِهِ مَعَ نَفْسِهِ. قَالَتْ: قُلْتُ كَلاَّ يَا أَبَتِ. إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ لَنَا خَيْراً كَثِيراً. قَالَتْ: فَأَخَذْتُ أَحْجَاراً فَتَرَكْتُهَا فَوَضَعْتُهَا فِي كُوَّةٍ فِي الْبَيْتِ. كَانَ أَبِي يَضَعُ فِيهَا مَالَهُ ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْباً، ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ ضَعْ يَدَكَ عَلَى هَذَا الْمَالِ. قَالَتْ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لاَ بَأْسَ إِنْ كَانَ قَدْ تَرَكَ لَكُمْ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ، وَفِي هَذَا لَكُمْ بَلاَغٌ. قَالَتْ: وَلاَ وَاللَّهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئاً، وَلَكِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ أُسْكِنَ الشَّيْخَ بِذَلِكَ".
ونستكمل إن شاء الله..
وصلوا وسلموا...