الرفيق
كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...
العربية
المؤلف | صالح بن علي أبو عراد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - المنجيات |
على من تولى شيئاً من أمور المسلمين الخاصة أو العامة أن يتقي الله -تعالى- في شأنهم؛ وأن من كان مسؤولاً عن قضاء مصالحهم وخدمتهم فإنه مسؤولٌ عند الله -تعالى- عن ذلك الشأن. وأن الجزاء من جنس العمل؛ فمن رفق بالناس رفق الله به، ومن شق عليهم شق الله عليه، والعياذ بالله.
الخطبة الأولى:
الحمد لله المتفرد بكمال الذات وجميل الصفات، وعالم غيب الأرض والسماوات؛ نحمده سبحانه ونشكره على عظيم نِعمه السابغات، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وما له من الأسماء والصفات، ونشهد أن محمداً عبد الله ورسوله الذي فضله على جميع الكائنات والمخلوقات، وأرسله هادياً إلى طرق الخيرات والمسرات، وختم به النبوة والرسالات، فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، وراقبوه وخافوه، وأكثروا من ذكره -جل جلاله-، وحافظوا على حمده وشكره -سبحانه- بالقول والعمل والنية، واسألوه من عظيم فضله وكريم عطاياه، واستغفروه لذنوبكم وخطاياكم؛ فإنه هو الغفور الرحيم.
عباد الله: صحَّ عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا: "اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ"(رواه مسلم).
ولنا في هذه الخُطبة وقفاتٌ يسيراتٌ مع هذا الحديث النبوي الشريف، وما فيه من الأحكام والمعاني والدلالات، التي نعلم جميعاً أننا في حاجةٍ ماسةٍ إليها في واقع حياتنا اليومية، التي نحتاج في كل شأنٍ من شؤونها، وفي كل جزئيةٍ من جزئياتها أن نستحضر ما جاء فيه من التوجيهات والعظات، والدروس المُباركات التي نطق بها فم المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، لتكون لنا معشر المؤمنين المسلمين الصادقين هدياً، ونبراساً، ومنهجاً، ودليلاً عملياً، نُطبقه في حياتنا، ونلتزمه في أقوالنا وأعمالنا وتعاملاتنا مع بعضنا ومع غيرنا.
فأما أول الدلالات فتتمثلُ في أن هذا الحديث يشتمل على دعاءٍ عظيم المبنى وجميل المعنى من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا شك أن دعاءه -صلى الله عليه وسلم- من الأدعية المُستجابة، فمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّة محمدٍ شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَإن الله -تعالى- سيرفِقُ به، ومَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ الأُمَّة شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ؛ فسيشُقُ الله عليه استجابةً لهذه الدعوة النبوية المباركة.
وهذا يعني أن على من تولى شيئاً من أمور المسلمين الخاصة أو العامة أن يتقي الله -تعالى- في شأنهم؛ وأن من كان مسؤولاً عن قضاء مصالحهم وخدمتهم فإنه مسؤولٌ عند الله -تعالى- عن ذلك الشأن. وأن الجزاء من جنس العمل؛ فمن رفق بالناس رفق الله به، ومن شق عليهم شق الله عليه، والعياذ بالله.
ومن الدلالات في هذا الحديث العظيم أنه يجب على من كانت حاجات المسلمين عنده وتحت يده ألاّ يحتجب عنهم، أو يمتنع عن مقابلتهم وقضاء حوائجهم، وأن عليه أن يعلم علم اليقين أن منصبه أو مكانته أو وظيفته ليست تشريفاً بقدر ما هي تكليفٌ ومسؤولية، وأنه خادمٌ لعباد الله في هذا المكان، وليس له بأي حالٍ من الأحوال أن يُغلق أبواب مكتبه على نفسه، أو يتهرب من مواجهة الناس ومقابلتهم وسماع مطالبهم وشكاويهم، وأن من الواجب عليه أن يجتهد في تيسير مطالبهم وقضاء حوائجهم قدر المُستطاع، ولعل مما يُدعِّم هذا المعنى ما جاء عن أبي مريم الأزدي رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أنه قال لمعاوية رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ سمعت رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من ولاه اللَّه شيئاً من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخُلتهم وفقرهم، احتجب اللَّه دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة"، فجعل معاوية رجلاً على حوائج الناس.(رواه أبو داود والترمذي).
كما أن من الدلالات في هذا الحديث الشريف أن من كانت حاجات المسلمين ومطالبهم وخدماتهم تحت تصرفه ثم وقف دون تلبية مطالب الناس المشروعة والمُستحقة بدون وجه حقٍ أو عطلها أو أخرّها أو تسبب في عدم قضائها؛ فإنه يُعرضُ نفسه لدعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن يشُق الله -تعالى- عليه في دينه أو دنياه؛ والعياذ بالله من ذلك.
وقد قال بعض أهل العلم: إن المشقة قد تكون بما يبتليه الله به من البلايا والرزايا في المال أو الأهل أو الولد، وقد تكون بالأمراض الجسمية أو النفسية، وقد تكون بنكد العيش وضيق النفس، وقد تكون بالهموم والغموم، وقد تكون بعدم صلاح حياته، وقد تكون بضياع دينه ودنياه والعياذ بالله من ذلك، وهو ما يُؤكده الحديث الذي صحَّ عن أبي يعلى معقل بن يسار -رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ- أنه قال: سمعت رَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبدٍ يسترعيه اللَّه رعيةً يموت يوم يموتُ وهو غاشٌ لرعيته، إلاَّ حرَّم اللَّه عليه الجنة"(مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).
فيا عباد الله، عليكم بالرفق في كل شأنٍ من شؤون حياتكم وأمور دينكم ودنياكم، وهنا لا بُد من التنبيه إلى جانبٍ مهمٍ جداً في هذا الشأن، فقد يظن بعض الناس أن معنى الرفق الذي ورد في الحديث الشريف أن يُلبي المسؤول أو الموظف للناس مطالبهم على ما يشتهون، وبالشكل الذي يريدون، وهذا غير صحيح، وليس الأمر كذلك؛ فالرفق بالمسلمين يعني أن يتعامل المسؤول في أي مكانٍ وفي أي منصبٍ وفي أي وقتٍ مع أصحاب الحاجات وفق ما أمر الله -تعالى- به من العدل والإنصاف والإحسان مصداقاً لقوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].
وامتثالاً لما أرشد إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من التيسير على عباد الله -تعالى-، وعدم التعسير عليهم، ودونما تأخيرٍ، أو طول انتظارٍ، أو تنكيدٍ، أو تعطيلٍ، أو تأجيلٍ، أو مشقةٍ، أو مُحاباةٍ، أو نحو ذلك مما يجلب المشقة والعنت.
فيا عباد الله، اعلموا أن في قضاء حوائج الناس والتيسير عليهم والرفق بهم خيرٌ كثيرٌ وفضلٌ عظيم، وكم هو جليلٌ وجميلٌ ذلك الأجر والثواب الذي يناله الإنسان عندما يقضي حاجةً ولو كانت يسيرةً لأخيه المسلم؛ فيدخل بذلك في بركة دعوة حبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم اجعلنا ممن أكرمتهم بقضاء حوائج عبادك، ووفقتهم لنيل أجرك وثوابك، أقول قولي هذا، وأستغفر الله -تعالى- لي ولكم ولكافة المسلمين والمسلمات من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وليكن كل إنسانٍ منّا طامعاً في نيل بُشرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والفوز ببركة دعوته، وأن يحرص كل الحرص على الرفق بمن يتعامل معه من الناس، وأن يسعى في تيسير أمورهم صغاراً كانوا أم كباراً، ذكوراً أم إناثاً، وأن يبذل ما في وسعه لقضاء حوائجهم بالعدل والإحسان واللُطف، وعدم التجاوز في هذا الشأن.
وليحذر كل من ولاّه الله ولايةً، أو حملّه مسؤوليةً في أي مكانٍ أو في أي زمانٍ، من الوقوف في طريق قضاء الحوائج، وتعطيل سير المعاملات، والتحكُّم في إنجاز المطالب المُستحقة، وأن يحرص على عدم التعرُض لدعوات المسلمين ولاسيما الضُعفاء والمساكين والمحتاجين فإن دعوات المظلومين مستجابة وليس بينها وبين الله حجاب.
ثم اعلموا - بارك الله فيكم - أن أصدق الحديث كتاب الله -تعالى-، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور مُحدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
واعلموا أن الله -تعالى- أمركم بالصلاة والسلام على النبي فقال -جل شأنه-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
وقد صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا"؛ فاللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه الطاهرين، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمِّر أعداء الملة والدين، اللهم أحفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وبارك اللهم لنا في دنيانا التي فيها معاشنا، وأحفظ الله لنا ولاة أمرنا، وأرزقهم البطانة الصالحة التي تدُلهم على الخير وتُعينهم عليه.
اللهم اجعلنا من عبادك الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، ونعوذ بك اللهم أن نكون من الخاسرين.
اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِنا شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْنا فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وانتَقِم لنا مِنْه، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِنا شَيْئًا فَرَفَقَ بِنا فَارْفُقْ بِهِ واجزه عنّا خير الجزاء.
اللهم انصر إخواننا المرابطين على ثغور بلاد المسلمين، وأكفنا وإياهم كيد الكائدين، ومكر الماكرين، وحقد الحاقدين، واعتداء المعتدين. اللهم من أراد بلادنا وبلاد المسلمين بسوءٍ فأشغله في نفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا له يا رب العالمين.
اللهم ارحم أمواتنا وأموات المسلمين، واغفر اللهم لنا ولهم ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، وأجمعنا في مُستقر رحمتك غير خزايا ولا مفتونين، واجعل اللهم لنا ولهم من رحمتك ورضوانك أوفر الحظ والنصيب.
اللهم اهدِ وأصلح شباب المسلمين، واحفظهم اللهم من كل شرٍ يُراد بهم، اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكرِّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، إنك ولي ذلك والقادر عليه.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، اللهم اسقنا ولا تحرمنا ولا تجعلنا من القانطين. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا اللهم بفضلك عمن سواك يا رب العالمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذاب النار، يا عزيز يا غفّار. (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر:10].
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90]، وَأَقِمِ الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.