البحث

عبارات مقترحة:

المتين

كلمة (المتين) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل على وزن (فعيل) وهو...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الخلافات الزوجية

العربية

المؤلف سالم بن محمد الغيلي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. الحياة الزوجية من آيات الله .
  2. الخلافات أمر طبيعي في الحياة الزوجية .
  3. من أسباب الخلافات الزوجية وعلاجها. .

اقتباس

ومن أسباب الخلاف بين الزوجين: عدم مراعاة الحالات النفسية والظروف التي يمر بها كل منهما, فالمرأة ضعيفة يعتريها التعب والغضب والإجهاد, وضيق الأفق والحساسية الزائدة, والرجل يتعب ويغضب ويتعامل...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وسلم ما سُجد للرحمن, وما تلي القرآن, وما طلع النيِّران, وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

عباد الله: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21], الحياة الزوجية من آيات الله, ومن أكبر نعم الله؛ ميثاق غليظ, ورابط قوي, ومع ذلك ومن الطبيعي أن تقع الخلافات والمفارقات.

وخطبة اليوم عن الخلافات الزوجية التي ما سلم منها بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-, وما سلم منها بيوت الصحابة -رضي الله عنهم-, فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أكمل الخلق, وآدب الناس, ومع ذلك وقع له مع زوجاته خلافات؛ لكنه -صلى الله عليه وسلم- يتعامل معها بأجمل ما يكون.

كان -صلى الله عليه وسلم- جميل العشرة, دائم البِشْر, يداعب أهله ويتلطف معهم, ويوسع عليهم في النفقة, عن عائشةَ -رضيَ اللَّهُ عنها-: أنَّها كانَت معَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في سفَرٍ قالت: فسابقتُهُ فسبقتُهُ على رجليَّ، فلمَّا حَملتُ اللَّحمَ سابقتُهُ فسبقَني, فقالَ: "هذِهِ بتلكَ السَّبقةِ"(صحيح أبي داؤد للألباني), وفي البخاري عن أنس -رضي الله عنه-: "كانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فأرْسَلَتْ إحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتي النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمع النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الذي كانَ في الصَّحْفَةِ، ويقولُ: "غَارَتْ أُمُّكُمْ".

فلا بد من الخلاف والاختلاف هكذا الإنسان, هكذا الحياة هكذا طبيعة البشر, ولكن المحذور والمخيف إذا زادت الخلافات الزوجية عن المعقول وعن الشيء الطبيعي, وعند ذلك عندما تشتد وتزيد عن المألوف يجب الانتباه, ويجب البحث عن الأسباب ثم علاجها؛ ليبقى البيت هادئاً مترابطاً, تسوده السكينة والألفة؛ حفاظاً على سلوك ونفسيات الأجيال, وحفاظاً على عش الزوجية.

الخلافات الزوجية إذا زادت عن المألوف؛ فإن هذا دليل مُتَيَقَّن أن وراءها أسباباً غيرت طبيعتها, ولعلي أذكر بعضها باختصار, واستغفر الله عن التقصير, والحديث -أولاً- عن الزوجين الذين كتب الله بينهم ألفة ومحبة وتقارب وتفاهم وعاطفة, وسارت حياتهم على الأكمل والأجمل, ثم طرأت عليها الخلافات والمنازعات, ومن أسباب ذلك:

وجود معصية في المنزل؛ والمعصية في المنزل من أهم أسباب الخلافات, ومن أهم أسباب خروج السعادة والألفة من المنزل, فإذا بين الزوجين أو أحدهما تقصير في الصلاة, أو وجود قنوات سيئة ومسلسلات واختلاطات وتهاون في الحجاب, وغيبة ونميمة, ومزامير الشيطان الأغاني, أو التعدي على حرمات الآخرين خاصة من الزوج, أو أذية الجيران؛ فإن ذلك أو تلك المعاصي كفيلة بتخريب الحياة الزوجية وإشعال النار في المنزل.

ومن الأسباب: الأمور المالية؛ فقد يكون الزوج مُقتراً بخيلاً على أهله على زوجته, ولديه سعة في الرزق ويستطيع الإنفاق, لكنه بخيل وشحيح ومُقتر, وهذه مصيبة وطبع مكروه وتصرف ليس فيه بركة, نعوذ بالله من البخل! فقد استعاذ منه النبي -صلى الله عليه وسلم-, وأخبرنا -عليه الصلاة والسلام- أن الانفاق على الأهل أعظم أجراً, قال -صلى الله عليه وسلم-: "دِينارٌ أنْفَقْتَهُ في سَبيلِ اللهِ, ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ في رَقَبَةٍ، ودِينارٌ تَصَدَّقْتَ به علَى مِسْكِينٍ، ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ، أعْظَمُها أجْرًا الذي أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ"(صحيح مسلم), وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أَفْضَلُ دِينارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ؛ دِينارٌ يُنْفِقُهُ علَى عِيالِهِ"(صحيح مسلم), وفي حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-:"وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ؛ إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا, حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ"(صحيح البخاري), ونفقة الزوجة على زوجها حتى لو كانت موظفة إلا أن تعفيه منها, أو تشاركه فيها, ونفقة الزوجة التي تعمل أو موظفة أقل من نفقة الزوجة التي لا تعمل, كما يقول أهل العلم وفي ذلك تفصيل.

وراتب الزوجة حق لها لا يجوز للزوج ولا لغيره من أب أو أخ أو أم التصرف في مالها وتعبها, وهذا مجال غرق فيه كثير من الأزواج والآباء والأمهات؛ استخراج قروض وشراء سيارات وبيوت وعقارات باسم الزوجة الموظفة, وهي التي تسدد وقد يكون ذلك من باب الحياء أو الحيلة أو المكر, وكم سمعنا من المآسي والاختلافات والطلاق بسبب التخاصم على راتب الزوجة, وبعض الأزواج الكوارث تشتري الزوجة أرضاً, وتستخرج قرضاً, وتبني بيتاً, ثم يأتي بزوجة أخرى ويسكنها في الطابق الأسفل!.

ومن أسباب الخلافات بين الزوجين: الشك وعدم الثقة والاتهام؛ تُبنى هذه المنغصات على مجرد الظن والاحتمالات والتوقعات, وهذه مصيبة وذنب عظيم أمام الله -تعالى-, إذا وجدت أمور بينة واضحة لا لبس فيها تستدعي الشك فلا بأس ولها علاجات, أما مجرد الظن أو التوقع فإن ذلك من المحرمات, وللشك أسباب من أهمها: أن الزوج له فلتات وتعديات وربما خيانات؛ فيظن ويشك أن زوجته مثله, أو ربما تفعل فعله, والعياذ بالله!.

ومن أسباب الخلافات بين الزوجين: سوء الخلق, التَّجَهُم, التعالي, التفاخر, عدم التغاضي, يتجهم على زوجته ويتقوى عليها ويستأسد, ينطق بالقبيحة يشتم ويلعن ويُعير ويسب الأهل, أو هي كذلك تعير وتستقل وتسترجل, وهكذا يسوء الخلق ويتعكر صفو البيت.

ومن الأسباب: المقارنة, الزوج يرى ويتلفت, ويسافر ويتابع المسرحيات والقنوات ويرى ثم يقارن, والزوجة كذلك تتابع المشهورين والمشهورات وتقارن, وهنا لا يستلذ أحد بالآخر, حرمان ونكد وعدم قناعة وخلافات؛ (جَزَاءً وِفَاقًا)[النبأ: 26].

ومن الأسباب: الجفاف العاطفي, يمنعهم الكبر وضعف الإيمان وعدم الاحتساب والبعد عن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يلين كل منهما للآخر بكلمة طيبة, كلمة حب, كلمة شوق, رسالة غرام, هذا إذا بينهم محبة, جفاف العاطفة, غياب الكلمات الجميلة, الثناء الجميل, الاعتراف بالمعروف, الشكر على التعب والجهد, التركيز في الأغلب على الأخطاء والتقصير, كالذباب لايقع إلا على الجرح, والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ"(أخرجه البخاري ومسلم) (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[سورة الإسراء:53].

ومن الأسباب: تهديد الزوج بالطلاق, يهدد ويتوعد مما ينشأ عنه الخوف والقلق والمرض النفسي لدى الزوجة, والزوج المحترم لا طلق ولا تزوج ولا سكت.

ومن الأسباب: انعدام جلسات الحوار الهادف, جلسات المصارحة والمناصحة لحل المشكلات, كل يريد الحق له فقط, لا يوجد إنصاف من النفس, غياب الصدق والحرص على الألفة وردم الخلافات.

ومن الأسباب: نشدان الكمال, وهذا من المحال؛ فالكل مجبول على النقص, فلا كمال في أحد من الناس, في أحد من الزوجين.

جبلت على كدر وأنت تريدها

صفواً من الأقذاء والأقذار

اللهم أصلح بيوت المسلمين, ألف بين قلوب الأزواج, وأصلح ذات بينهم, وأعذنا وإياهم من الشيطان الرجيم.

أقول ما تسمعون, وأستغفر الله العظيم فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً  كثيراً طيباً مُباركاً فيه, كما يُحب ربنا ويرضى.

عباد الله: ومن أسباب الخلاف بين الزوجين: عدم مراعاة الحالات النفسية والظروف التي يمر بها كل منهما؛ فالمرأة ضعيفة يعتريها التعب والغضب والإجهاد, وضيق الأفق والحساسية الزائدة, والرجل يتعب ويغضب ويتعامل مع الناس باختلافاتهم وأصنافهم, فإذا غابت المراعاة والتماس الأعذار والتغاضي؛ فإن ذلك مصيبة تحل في البيوت.

ومن الأسباب: الغيرة القاتلة, والغيرة لا تأتي إلا من المحبة, وهي مسلك طبيعي لكنها أحياناً تزيد؛ حتى تتبخر معها سعادة البيت وسكينته, واقصد بهذه الغيرة التي يريد بها كل من الزوجين الاستحواذ والاستيلاء على الآخر, أما الغيرة على المحارم والخوف عليهم وصيانتهم وحفظهم, فإن ذلك مطلب وواجب أن يغار المسلم على محارمه, ومن لا غيرة عنده ففيه نوع من الدياثة وقلة الرجولة, فالرجل الشهم الغيور لا يرضى لمحارمه بالاختلاط أو التسيب أو التكشف.

ومن أسباب الخلافات الزوجية: إخراج أسرار البيت, فإن لكل بيت أسراراً وخصوصية, لا يجوز أن يطلع عليها أحد لا قريب ولا بعيد.

ومن الأسباب: التدخلات الخارجية وإفساد علاقة الزوجين, سواء من الأهل أو الأقارب أو الزملاء والزميلات.

ومن الأسباب: عدم وجود الولد, وهنا لا داعي للخلاف؛ فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان, والمطلوب بذل السبب والعلاج بعد الإلحاح على الله -تعالى- في ذلك؛ فإنه على كل شيء قدير.

ومن الأسباب : أن الزوجة دائماً لا تلد إلا البنات, وهذه إرادة الله وحده, لا يتصرف فيها إلا الله -تبارك وتعالى-؛ (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)[الشورى: 49، 50].

ومن الأسباب: عدم الاهتمام بالنفس؛ الإهمال في الزينة, في اللباس, في النظافة, في تزين كل منهما للآخر.

ومن الأسباب: الميل من بعض المعدِّدين, وهذه ظاهرة ومصيبة وإثم وذنب وتعاسة, لا تظلم -أيها الزوج-, لا تفرض واحدةً على واحدة, لا تلزم واحدةً بأخرى, لا تذكر واحدةً عند الأخرى ولا تمدحها, ولا تراسل ولا تتصل إلا أن يكون ذلك هنا وهناك وإلا فلا.

ومن الأسباب: وهذا من أهمها ويغفل عنه الكثيرون, فقد يكون هناك حسد أو عين أو مس أو سحر, وهذه تمزق البيوت والأسر, وعلاجها في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

فالله الله -أيها الناس- عالجوا هذه الأسباب, وأبعدوها من البيوت؛ حتى تسود السعادة والألفة والأُنس, حتى ينشأ الصغار في أمان وترابط, وحياة كريمة سوية.