البحث

عبارات مقترحة:

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...

الإله

(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

ولتنظر نفس ما قدمت لغد

العربية

المؤلف سالم بن محمد الغيلي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. عظمة مواعظ القرآن .
  2. التقوى أعظم وصية أوصى الله بها عباده .
  3. أقسام الناس مع مواعظ القرآن .
  4. ماهية التقوى وبعض فضائلها .
  5. انتفاع أهل الإيمان بالأعمال الصالحة يوم القيامة .
  6. لقاء الله في الآخرة وبعض أهوال يوم القيامة .

اقتباس

عباد الله: ما أعظم القرآن! وما أعظم مواعظه! إنه عظيم؛ لأنه كلام الله، ومواعظه عظيمة؛ لأن الله -جل شأنه- هو الواعظ بها. وتأملوا وتخيلوا أن الله -سبحانه- ينادينا ثم يلقي علينا موعظة؛ هل ترون أحداً يلتفت يميناً أو شمالاً؟ أو يُكلم أحداً؟ أو ينام عندما يسمع المواعظ؟ فها...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله صلى الله وسلم وبارك عليه ما تعاقبت الليالي والأيام. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[الأحزاب: 70].

عباد الله: ما أعظم القرآن! وما أعظم مواعظه! إنه عظيم؛ لأنه كلام الله، ومواعظه عظيمة؛ لأن الله -جل شأنه- هو الواعظ بها.

وتأملوا وتخيلوا أن الله -سبحانه- ينادينا ثم يلقي علينا موعظة: هل ترون أحداً يلتفت يميناً أو شمالاً؟ أو يُكلم أحداً؟ أو ينام عندما يسمع المواعظ؟

فها هو ربنا -جل وعلا- يعظنا بموعظة عظيمة في القرآن، وما أعظم القرآن، وما أعظم الرجال الذين لا يهجرون القرآن، يقرؤونه ويتدبرونه ويعملون به؛ إنهم عُظماء لقربهم من أعظم كتاب، لتلاوتهم لرسالة السماء، عُظماء يتدبرون كلام العظيم، وهو يقول في كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18]، هذه الموعظة آية أربعة عشر كلمة، جعلها الله بين أكتافنا لينظر ماذا نفعل بعدها، والله -تعالى- نادى بها المؤمنين، وكلف بها المكلفين جميع المكلفين معنيين بها، لكنه لم يناديهم بها كلهم، لم يقل يا أيها الناس، ولم يقل يا أيها المسلمون؛ لأن في المسلمين من يستجيب ومن لا يستجيب.

في المسلمين أحياء القلوب، وموتى القلوب، في المسلمين من يقول: سمعنا وأطعنا، وفيهم من يقول: سمعنا وإن شاء الله متلاحقين على خير، ولذلك نادى بها المؤمنين؛ لأن المؤمنين وصلوا إلى درجة الاستجابة، وصلوا إلى مرتبة سمعنا وأطعنا، وصلوا إلى درجة الانصياع لأوامر الله، وصلوا إلى درجة الارتباط بالقرآن، أصبح القرآن جزء من حياتهم، فناداهم الله وشرفهم بالنداء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) نعم يا رب لبيك يا رب (اتَّقُوا اللَّهَ)، ثم نادانا ثم أمرنا، والنداء بعده أمر إنما هو من أجلِ شيء عظيم ومهم للغاية.

(اتَّقُوا اللَّهَ) كونوا أتقياء، اعملوا بأمر الله، وانتهوا عن نهيه، قفوا عند حدوده، اعملوا بطاعته، اجتهدوا في جمع الحسنات، سارعوا إلى الخيرات، اثبتوا على الدين، حافظوا على الصلوات، احذروا من المحرمات والمسكرات والملهيات والمغريات، وما عليه الكفار أهل النار.

إن العاقل من الرجال دائماً يوصي أولاده بالرجولة، يوصيهم بالطاعة، يوصيهم بالاجتهاد، يوصي أهله، يوصي جيرانه دائماً، حريص على الخير، والله -تعالى- يوصينا، ما هي وصية الله؟ الله -سبحانه- أوصى الأنبياء وأوصى الأولين والأخرين بماذا؟

بالتقوى التقوى وصية الله: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء: 131]، ثم يقول سبحانه بعد الوصية مباشرة: (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)، (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ) تنظر إلى أين؟ تلتفت إلى أي جهة؟

تنظر في أعمالها، تنظر في إيمانها، تنظر في حسناتها، تنظر في تقواها، تنظر ماذا عندها، تنظر ماذا جمعت، وماذا أعدت، وماذا كسبت، وماذا جهزت لكي تقدمه وتعرضه على الله في يوم غدٍ: (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) وما هو غدٍ؟ هل هو يوم السبت؟ بل هو يوم القيامة، يوم غد في الآية، أي: يوم القيامة يوم الحساب يوم الجزاء: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ)[الحاقة: 18]، والله -تعالى- قال: (يوم غد)؛ لأنه اليوم الآتي، اليوم الذي سيأتي، اليوم الذي تنتظره الخلائق وتبعث فيه وتعرض فيه على الله.

شيء عظيم -أيها الناس- دليل قاطع على أن أعمالك الصالحة التي عملتها اليوم وتلقاها غد في يوم العرض على الله؛ إنها بعد رحمة الله نجاتك وفوزك، دليل قاطع على أن لا أحد يقدم على الله يوم غد يوم القيامة بنسبه ولا شهاداته ولا بأولاده ولا بماله، لا أحد يغتر بها لا تساوي شيئاً إلا من اتقى الله فيها: (إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ) علمت نفس ماذا؟ (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وأَخَّرَتْ)[الإنفطار: 1-5].

مثِّل وقوفك يوم الحشر عريانا

مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا

والنار تزفر من غيظٍ ومن حنقٍ

على العصاةِ وتلقى الرب غضبان

اقرأ كتابك يا عبدي على مهلٍ

فهل ترى فيه شيئاً غير ما كانا

يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، لا تكلنا إلى أعمالنا، ولا إلى أنفسنا طرفة عين.

اللهم اجعلنا من المتقين، ومن عبادك الصالحين المقربين.

أقول ما تسمعون...

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يُحب ربُنا ويرضى.

عباد لله: إن الله -تعالى- أوصانا في هذه الآية بالتقوى والعمل، وجمع الحسنات ليوم غدٍ يوم القيامة؛ إلا لأن الأمر والله أعظم من خيالنا، حتى لا يأتي أحد في ذلك اليوم، فيقول: (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)[الفجر: 24]، (يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا)[الأنعام: 27]، (رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ)[المؤمنون: 99-100].

لا نُعرِّض أنفسنا لهذه المواقف، مواقف صعبة، مواقف مذهلة: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا) أي القيامة (تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى)[الحج: 2].

في يوم غدٍ ينتهي الزمان، ويفوت الأوان، ويتبعثر الأهل والخلان، تبعثر القبور، وينشر ما في الصدور، تدك الجبال، وتجف الأنهار وتُسجر البحار، وتُبدل الأرض، وتنشق السماء ولا ليل ولا نهار، تنزل الملائكة بأشكالهم وهيئاتهم واقفون صفاً صفا: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)[الفجر: 21-22]، وتدنو الشمس ويرتفع العرق وتشخص الأبصار إلى السماء، يجثو الناس على الركب الأنبياء والأولياء والملوك والوزراء والوجهاء والعلماء، الجميع والكل يقول: نفسي نفسي، اللهم سلم سلم.

ويتجلى الله -جل جلاله- فيراه المؤمنون، ويحجب عنه الكافرون والمنافقون، ثم ينادي: يا فلان ابن فلان أنت وأنا، نُدْعَى للعرض على الله ونرى ما قدمنا: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ)[الحاقة: 18]، والناس يقولون: (يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)[الكهف: 49].

عباد الله: القصة طويلة ولكن لا تغِب هذه الموعظة عن ناظرينا ولنجعلها تأكل معنا وتشرب حتى نلقى الله بعمل صالح.

اللهم اجعلنا من المتقين ومن أهل الايمان واليقين.

اللهم يمن كتابنا، ويسر حسابنا، وارزقنا تقوانا.

وصلوا وسلموا...