الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة الاستسقاء |
فالمؤمن -عبادَ الله- في سرّائه شاكرٌ لله -جلّ وعلا- على نعمائه وجزيلِ عطائه، وفي ضرائه صابرٌ يرجو ثوابَ الصابرين المحتسبين، في النعماءِ شاكرٌ لنعماء الله، وفي ضرائه صابر على قضاءِ الله، وهو في كل أحواله يرجو رحمةَ الله ويطمَعُ في نوالِه، ويعلم أن الفضلَ بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم...
الحمد لله العظيم الحليم المجيد، (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى: 28]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أهل الثناء والتمجيد، شهادةً خالصةً لوجهه الكريم، فيها البراءة من الشرك والكفر والتنديد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الدّاعي إلى كل خُلُقٍ حميد وفعلٍ رشيد وقول سديد، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه صلاةً دائمةً مستمرة في دوام ومزيد.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله وراقبوه، راقبوه مراقبةَ من يعلمُ أن ربَّه يسمعُه ويراه، وأقبلوا على طاعة الله -جلّ وعلا- في الشدّة والرخاء، وتعرَّفوا إليه –سبحانه- في العُسر واليُسر، والمنشَط والمكرَه وفي كل الأحوال.
ومن عجيب أمر المؤمن -عبادَ الله-: أن أمره كله فيه خير في شدَّته ورخائه وفي سرَّائه وضرائه وفي عُسرِه ويُسرِه وفي جميع أحواله، وفي هذا يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمره كلَّه خير، إن أصابته سراءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرًا له، وذلك لا يكون إلا للمؤمن".
فالمؤمن -عبادَ الله- في سرّائه شاكرٌ لله -جلّ وعلا- على نعمائه وجزيلِ عطائه، وفي ضرائه صابرٌ يرجو ثوابَ الصابرين المحتسبين، في النعماءِ شاكرٌ لنعماء الله، وفي ضرائه صابر على قضاءِ الله، وهو في كل أحواله يرجو رحمةَ الله ويطمَعُ في نوالِه، ويعلم أن الفضلَ بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
المؤمن في كل أحواله -عبادَ الله- مُقبِلٌ على الله -جلّ وعلا- بإخلاصٍ وإنابةٍ وصدق ورجاءٍ، يطمع في رحمة الله ويخاف من عذابه ويرجو فضله -جلّ وعلا-، وهو يعلمُ أن الأمرَ كله بيد الله -جلّ وعلا-، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حولا ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يقول الله -جل وعلا-: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62].
عبادَ الله: وإنكم تعلمون ما يحصل في الديار والزروع وللبهائم بسبب قلَّة الأمطار وجُدوبة الأرض، ما يحصل لها من الأضرارِ المتنوعة؛ لأن الماءَ هو مادةُ حياتِها كما قال الله -عز وجلّ-: (وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) [الأنبياء: 30]، وقد ندب الله -جلّ وعلا- عبادَهُ عند احتباسِ الأمطار وقِلَّة نزولِها وجدوبةِ الأرض، نَدبَهم إلى الإقبال على هذه الصلاةِ الجامعة، وإلى التوبة والاستغفار ودعاء الله -جلّ وعلا- بصدقٍ وإلحاح، مع يقينٍ تام وثقةٍ بالله أنه -جلّ وعلا- يجيبُ المضطرين ويغيث الملهوفين ويجبُر المكسورين، وأنه -جلّ وعلا- الذي بيده أزمة الأمور سبحانه.
فعلينا -عبادَ الله- أن نقبل على الله -جلّ وعلا- بقلوبٍ منيبة ودعواتٍ صادقة وإلحاحٍ على الله -جلّ وعلا-، بدون قنوطٍ أو يأسٍ من روح الله، فـ(إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) [يوسف: 87].
عباد الله: وإن من أعظم ما يندب إليه في هذا المقام العظيم الإكثارُ من الاستغفار، يقول الله -جلّ وعلا- فيما حكاه عن نبيه نوح -عليه السلام-، أنه قال لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) [نوح: 10-12]، خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، خَرجَ بالناس للاستسقاء فما زادَ على الاستغفار، فقيل له في ذلك قال: لقد سألتُ الله -جلّ وعلا- بمجَادِيحِ السماء التي يُستَنزلُ بها المطر. وجاء رجل إلى الحسن البصري -رحمه الله- يشكو إليه الفقرَ فقال: استغفر الله، فجاءه آخرُ يشكو جفافَ بستانه، فقال: استغفر الله، فجاءه ثالثٌ يشكو عدمَ الإنجاب، فقال له: استغفر الله، فقيل له في ذلك، قال: لم أزد على كتاب الله -جلّ وعلا-، فتلا قول الله -سبحانه وتعالى-: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) [نوح: 10-12].
اللهم إنا نستغفرُك ونتوبُ إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم إنا نستغفرك ونتوب إليك، نستغفرُ الله الحيَّ القيومَ الذي لا إله إلا هو ونتوب إليه، اللهم اغفر لنا ذنبنا كلَّه: دِقَّه وجِله أوله وآخره سِرَّه وعلنه، اللهم اغفر لنا ما قدّمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعللنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياءِ منهم والأموات.
اللهم اغفر ذنوبَ المذنبين من المسلمين، وتُب على التائبين، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونَنَّ من الخاسرين، لا إله إلا الله، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، اللهم اغفر لنا وتب علينا، اللهم اغفر لنا وتب علينا، اللهم اغفر لنا وتب علينا، إنك أنت التواب الغفور، لا إله إلا أنت العظيمُ الحليم، لا إله إلا أنت الولي الحميد، اللهم أنت الغني ونحن الفقراء، فأَنْزِل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقُصنا، وآثرنا ولا تُؤْثِر علينا.
اللهم إنا نتوجه إليك بأسمائك الحسنى وصفاتك العظيمة وبأنَّكَ أنت الله الذي لا إله إلا أنت، يا مَنْ وَسِعْتَ كل شيء رحمة وعلمًا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم سُقيا رحمة لا سُقيا هدم ولا عذاب ولا غَرَق، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم أَغِثْ قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا سَحًّا طبقًا نافعًا غير ضار، عاجلاً غير آجل، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم لا تُؤَاخذنا بما فعله السفهاء منا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين.
اللهم رحمتَك نرجو فلا تكلنا إلا إليك، اللهم لا تكلنا إلا إليك، اللهم لا تكلنا إلا إليك، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم، وتأسوا -رعاكم الله- بنبيكم -صلى الله عليه وسلم- بقلب الرداء، تفاؤُلاً بتغير الأحوال وتبدُّلِ الأمور، وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.