البحث

عبارات مقترحة:

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

العبادة والشكر تحصل بهما النعم

العربية

المؤلف صالح بن محمد آل طالب
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - صلاة الاستسقاء
عناصر الخطبة
  1. ضرورة العبادة والشكر .
  2. زيادة الخيرات ونقص أو محق البركات .
  3. المعاصي سبب للبلايا والكروب .
  4. الابتلاء رحمة وتذكير .
  5. الاستسقاء حدث عظيم عند من مضى .

اقتباس

لقد كان الاستسقاء حدثاً عظيماً يتهيأ له الناس، وقد واعد النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس يوماً للخروج بهم إلى المصلى، وسار السلف الكرام إلى عهد قريب على تقديم القُرُبات من الصيام والصدقات.. فضلاً عن التحلل من المظالم وإشهار التوبة والاستغفار، ثم يخرجون جميعاً بصبيانهم وعامتهم وبهائمهم ومواشيهم.. يخرج الناس إلى المصلى متذللين مُتخشعين باكين.. وربما حفاةً أو ماشين ..

 

 

 
الحمد لله. الحمد لله فالق الإصباح فالق السحاب الثقال بهبوب الرياح.. سبحانه وبحمده له الحمد والتسبيح في موج البحار وبر الرمال وفي خفق الجناح، سبّح الرعد بحمده والملائكة من خيفته مقاليد السموات والأرض بيده، وهو المهيمن في الأكوان.. يعطي ويمنع ويخفض ويرفع؛ فلله الأمر من قبل ومن بعد، وله الملك والعز والسلطان.

اللهم لك الحمد كله ولك الشكر كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله.. لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا هادي لمن أضللت ولا مضِلّ لمن هديت ولا قابض لما بسطْت ولا باسط لما قبضْت، اللهم ابْسطْ علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك.

نحمد الله -تعالى- أبلغ الحمد على نعمه، ونسأله المزيد من فضله وكرمه، سبحانه وبحمده تَتَابع بره واتصل خيره وعظُم رفده وتواصل إحسانه وصدق وعده وبَرّ قسمه وعمَّتْ فواضله وتمت كلماته.. والحمد لله رب العالمين.

بسم الله ما شاء الله.. ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيءٍ علما، على الله توكلنا، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين ونجنا برحمتك من القوم الكافرين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وسع كل شيء رحمةً وعلما وأرخى ستره عفواً منه وحلما، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخليله ومصطفاه.. أعرف الخلق بربه وأخشاه.

صلى الله وسلم عليه صلاةً وسلاماً دائماً أبداً، وبارك عليه مزيداً سرمداً، وصلى الله وسلم وبارك على الآل الأطهار والصحب الأخيار ومن سار على نهجهم واقتفى.

أما بعد:

أيها المؤمنون: فإن تقوى الله -تعالى- خير عياذٍ وآمن مهرب وألجأ ملاذ، مَنْ اتقى الله وقاه ومن راعى حرماته رعاه وحماه (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2- 3].

اللهم قد خاب الرجاء إلا فيك وانقطع الأمل إلا إليك، نبرأ من الثقة إلا بك ومن التسليم إلا لك ومن التوكل إلا عليك ومن الذل إلا إليك ومن الطلب إلا منك.. اللهم إنا نسألك رحمةً من عندك تهدي بها قلوبنا وتَلُم بها شعثنا وترد بها غائبنا وتغنينا بها عمن سواك.

أيها المسلمون : إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبانِ زمانه عنكم، وقد خرجتم ترجون ما عند الله وتأملون رزقه وغناه: (فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [العنكبوت: 17].

العبادة والشكر بهما تحصل النعم وتِقر وبكفرها تزول وتفر، وإن الله -تعالى- رحيمٌ بخلقه لطيفٌ بعباده، وهو -سبحانه- القادر وهو القاهر: (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ) [الشورى: 19].

له الحكم في المنع والعطاء وله الحكمة في البأساء والضراء: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ * وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى: 27- 28].

وقد بين الله -تعالى- في كتابه العزيز سبب الرزق والبركة: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) [الأعراف: 96].

والبركة شيءٌ زائدٌ عن العطاء.. فإن الناس اليوم قد فُتح عليهم من العطاء والوجد ما لم يفتح عليهم من قبل.. ولكن كثيراً منهم يشكون القلة والضيق والنقص والحاجة..

تطور الطب والدواء وازدادت الأمراض والأدواء واجتاحت الأوبئة الأرض والأجواء، تزايدت القوة وكثرت الأنظمة والقوانين والمنظمات والهيئات ولازال العالم يشكو تزايد الحروب وسفك الدماء وكثرة النزاعات والخصومات، وما ذاك إلا لقلة البركة والبعد عن هدي الله وصراطه المستقيم: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].

عباد الله: لاشك أن المعاصي والذنوب سببٌ للبلايا والكروب وضيق الأرزاق ومحق البركات، وقد نبه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أصول الذنوب الجالبة للفقر ونزول الأوبئة وامتناع المطر والماحقة للبركة.

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "أقبل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يامعشر المهاجرين: خمسٌ إذا ابتُليْتُمْ بهن -وأعوذ بالله أن تُدرِكُوهن- لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاعُ التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطانِ عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء..ولولا البهائم لم يُمطَروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سَلَّط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم" أخرجه ابن ماجة والحاكم، وقال: صحيح الإسناد.

عباد الله: إن من أقبح آثار الذنوب والمعاصي ما يقوم بالقلب من الخروج عن طاعة الله والتمرد على أمره ونهيه وعدم القبول والرضا بما جاء في شرعه، وهذا ينافي حقيقة العبودية التي خلق الله لأجلها الجن والإنس: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]، وهل العبودية إلا كمال الذل وكمال الطاعة مع كمال المحبة.

أيها المسلمون: ومن رحمة الله -تعالى- بخلقه أن يبتليَهم ليتذكروا ويُلجِأهم ليرجعوا ويحققوا مقام العبودية ويُظهِروا الافتقار إليه والتذلل بين يديه والاستسلام له ودعاءه ورجاءه والرغبة فيما عنده؛ لذا كان من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الأكرمين وعباد الله المؤمنين تحقيق هذه المقامات والتوسل بها إلى رب الأرض والسموات.. فكن لله عبداً بكل معاني العبودية كما أنه لك ربٌ بكل معاني الربوبية؛ فبهذا تُستجدَى من الله الرحمات.

لقد كان الاستسقاء حدثاً عظيماً يتهيأ له الناس، وقد واعد النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس يوماً للخروج بهم إلى المصلى، وسار السلف الكرام إلى عهد قريب على تقديم القُرُبات من الصيام والصدقات.. فضلاً عن التحلل من المظالم وإشهار التوبة والاستغفار، ثم يخرجون جميعاً بصبيانهم وعامتهم وبهائمهم ومواشيهم.. يخرج الناس إلى المصلى متذللين مُتخشعين باكين.. وربما حفاةً أو ماشين يلهجون بالاستغفار ويجأرون بالدعاء.. بادية عليهم آثار الذل والانكسار ودلائل الافتقار لله الواحد القهار؛ فيرفعون أيديهم لمن بيده العطاء وعنده كشف البلوى فلا ينزلونها إلا وقد أغاثهم ربُّ الأرض والسماء؛ وذلك لما قام في قلوبهم من صدق اللجأ إلى الله والتوبة إليه.. وفي كتب التاريخ والسير مواقف وعِبَر تحكي حال القوم وتصوِّر استسقاءهم وسرعة إجابة ربهم.

أيها المسلمون: إن خزائن الله -تعالى- ملأى وهو الجواد الكريم، وباب التوبة مفتوح، والله هو الغفور الرحيم: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) [النساء: 27]، (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ) [يونس: 25]، وليس بينكم وبين الإجابة إلا صدق السؤال وصلاح الحال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60]، (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل: 62]، وقد قال هود -عليه السلام-: ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ) [هود: 52]..

فأكثروا من الاستغفار، ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، وحافظوا على صلواتكم، وأدوا زكاة أموالكم وطيبوا مكاسبكم، وتحللوا من المظالم..

ثم صلُّوا وسلموا على خير البرية وأزكى البشرية محمدٍ بن عبد الله رسول الله وخاتم أنبيائه. اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد..

ثم ارفعوا أكفكم بالدعاء ضارعين ولفضله راجين ولخيره مؤمِّلين وله مستغفرين..

نستغفر الله. نستغفر الله. نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيَ القيوم ونتوب إليه، اللهم أنت ربُّنا لا إله إلا أنت.. خلقتنا ونحن عبيدك ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا.. نعوذُ بك من شر ما صنعنا.. نبوء لك بنعمتك علينا ونبوء بذنوبنا فاغفر لنا فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.

لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا لا تؤاخذنا بذنوبنا ولا بما فعل السفهاء منا، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا.. أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
لا إله إلا الله الحليم الكريم. سبحانه. تبارك الله ربُ العرش العظيم. الحمدُ لله رب العالمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت.. أنت الغني ونحن الفقراء؛ أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مرئياً غدقاً طبقاً مجللا سحاً عاماً دائماً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل.. اللهم تحيى به البلاد وتسقي به البلاد وتجعله بلاغاً للحاضر والباد، اللهم اسقِ عبادكَ وبهائمك وأحْي بلدك الميت، اللهم سقيا رحمة. اللهم سقيا رحمة. اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرق.

اللهم إن في العباد والبلاد واللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك. اللهم أنبِتْ لنا الزرع وأدِر لنا الضرع، وأنزل علينا من بركاتك. اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعُري، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غُيرك.

اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل علينا السماء مدراراً، اللهم إنا خلقٌ من خلقكِ فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك.. اللهم أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين. اللهم أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوة لنا على طاعتك وبلاغاً لنا إلى حين..

اللهم أسقنا الغيث وآمنا من الخوف ولا تجعلنا آيسين ولا تهلكنا بالسنين، واغفر لنا أجمعين، واكشف ما بالمسلمين من بلاءٍ يارب العالمين.

اللهم اسقنا سقيا واسعةً وادعةً عامةً ماتعة غير ضارة.. تعم بها حاضرنا وبادينّا وتزيد بها في رزقنا وشكرنا، اللهم اجعله رزق إيمان وعطاء إيمان إن عطاءك لم يكن محذوراً..

اللهم أنزل علينا في أرضنا سكنَها وأنبت فيها زينتها ومرعاها ياحي ياقيوم ياذا الجلال والإكرام.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

ثم اعلموا -رحمكم الله- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قلب رداءه حين استسقى تفاؤلاً بقلب حال الشدة إلى الرخاء والقحط إلى الغيث، وإظهاراً للتذلُّل والتواضع لله رب العالمين؛ فاقتدوا بسنة نبيكم، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.