النصير
كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...
العربية
المؤلف | عبد الله بن علي الطريف |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
كيف يُحقّقُ المسلم في نفسه الخوفَ من الله؟؛ يحقق المسلم ذلك بقراءة القرآن الكريم وتدبّره, قال الله -تعالى-: (وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)[مريم:58], ومما يعين -كذلك- استشعار عِظَم حجم الذنب, ومما يعين إتيان الطّاعات والاجتهاد في ذلك وترك المحرّمات، ومعرفة الله -تعالى- بأسمائه وصفاته...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيِكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَو مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[ الأحزاب: 70 – 71 ].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.
أيها الإخوة: يقول الله -تعالى- عن كتابه العظيم: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)[يونس:57]؛ نعم في كتاب الله من المواعظ ما يَهُزُ النفوسَ ويذكي الإيمان؛ فذِكْرُ مواقف القيامة وعرصاتها، وما يحدث فيها من أحداث؛ فيها عظيم الموعظة.
ومن ذلك قولُ اللهِ -تعالى-: (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى)[النازعات: 34]؛ إذا جاءت القيامة الكبرى، والشدة العظمى، التي يهون عندها كل شدة؛ فحينئذ يذهل الوالد عن ولده، والصاحب عن صاحبه وكل محب عن حبيبه, (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى)[النازعات: 35]؛ هنا وفي هذا الموقف يستحضر الإنسان شريط ذكرياته فيتذكر تفاصيل سعيه، فإن كانت أحداثُ الحياةِ، وشواغلُ المتاعِ أغفلتْه عنه وأنستْه إياه، فإنه في هذا الموقف، وهو يرى الجنةَ والنارَ أمامَه رأي عين، ولا يدري أين يُساق؟ وهو يعلم أن تذكره لأعماله لن يفيدُه شيئاً إلا الحسرةَ والأسى، وتصور ما وراءه من العذاب والبلوى، إن كان مسيئاً، بل ويتمنى زيادة مثقال ذرة في حسناته, (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى)[النازعات: 36]؛ أي: جُعِلَتْ ظاهرةٌ لكلِ أحد، قد برزت لأهلها، واستعدت لأخذهم، منتظرة لأمرِ ربِها.
(فَأَمَّا مَنْ طَغَى)[النازعات: 37]؛ تجاوز الحق والهدى, وتجرأ على المعاصي الكبار, (وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)[النازعات: 38]؛ على الآخرةِ فصارَ سعيُه لها، ووقتُه مستغرقاً في حُظُوظِها وشهواتِها، ونسيَ الآخرةَ وتركَ العملَ لها, (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى)[النازعات: 39]؛ أي: المقر والمسكن لمن هذه حاله, (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى)[النازعات: 40]؛ أي: خاف القيام عليه ومجازاته بالعدل؛ فأَثَّرَ هذا الخوف في قلبه فنهى نفسه عن هواها الذي يقيدها عن طاعة الله، وصار هواه تبعاً لما جاء به الرسولُ، وجاهدَ الهوى والشهوةَ الصادين عن الخير, (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[النازعات: 41]؛ المشتملة على كل خير وسرور ونعيم, (هِيَ الْمَأْوَى)[النازعات: 41]؛ لمن هذا وصفه.
أيها الإخوة: والخوف هو تألمُ القلبِ واحتراقُه بسببِ توقع مكروه في المستقبل, وأخوفُ الناس أعرَفُهم بنفسه وبربه؛ ولذلك قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أنا أعرَفُكم باللهِ وأخوَفُكم مِنْهُ"(المقاصد الحسنة للزرقاني وصححه عن ذر الغفاري), وقال -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر:21], قال ابن القيم: "قَالَ أَبُو حَفْصٍ: الْخَوْفُ سَوْطُ اللَّهِ، يُقَوِّمُ بِهِ الشَّارِدِينَ عَنْ بَابِهِ، وَقَالَ: الْخَوْفُ سِرَاجٌ فِي الْقَلْبِ، بِهِ يُبْصَرُ مَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَكُلُّ أَحَدٍ إِذَا خِفْتَهُ هَرَبْتَ مِنْهُ إِلَّا اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ فَإِنَّكَ إِذْ خِفْتَهُ هَرَبْتَ إِلَيْهِ، فَالْخَائِفُ هَارِبٌ مِنْ رَبِّهِ إِلَى رَبِّهِ... وقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: مَا فَارَقَ الْخَوْفُ قَلْبًا إِلَّا خَرِبَ".
والذي يخاف مقام ربه لا يقدم على معصية، فإذا أقدم عليها بحكم ضعفه البشري قاده خوف هذا المقام الجليل إلى الندم والاستغفار والتوبة, فظل في دائرة الطاعة.
ونَهْيُ النفسِ عن الهوى هو نُقطةُ الارتكازِ في دائرة الطاعة؛ فالهوى هو الدافعُ القويُ لكلِ طغيانٍ، وكلِ تجاوزٍ، وكلِ معصيةٍ، وهو أساسُ البلوى، وينبوعُ الشرِ، وقَل أَنْ يُؤتى الإنسانُ إلا من قبلِ الهوى, فالجهلُ سهلٌ علاجُه، ولكن الهوى بعد العلمِ هو آفةُ النفسِ التي تحتاجُ إلى جِهادٍ شَاقٍ طويلِ الأمدِ لعلاجِها.
والخوفُ من الله هو الحاجز القوي أمام جواذب الهوى العنيفة، ولا يثبت أمامها إلا هو، والذي يبين ذلك خالق هذه النفس العليم بدائها الخبير بدوائها، وهو وحده الذي يعلم دروبها ومنحنياتها، ويعلم أين تكمن أهواؤها وأدواؤها؟ وكيف تطارد في مكامنها ومخابئها؟؛ ولذلك جمع بينهما القرآن في آية واحدة؛ فقال: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى).
أيها الأحبة: ومن عظيمِ لطفِ اللهِ بعبادِهِ أَنَّهُ لم يُكلِفْ الإنسانَ ألا يُغَالِبَ في نفسه الهوى؛ فهو -سبحانه- يعلم أن هذا خارجٌ عن طاقته، ولكنه كلَّفه أن ينهاها ويكبحَها ويُمْسكَ بزمامِها، وأن يَستعينَ في هذا بالخوفِ من مقامِ ربه الجليلِ العظيم المهيب، وكَتبَ له بهذا الجهادِ الشاقِ الجنةَ مثابةً ومأوى؛ فقال: (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)؛ لعلمه -سبحانه- بضخامة هذا الجهاد، وقيمته في تهذيب النفس البشرية وتقويمها, ورفعها إلى المقام الأسنى.
إن الإنسان إنسانٌ بهذا النهي، وبهذه المجاهدة، لكنه بهذه المجاهدة يرتفعُ بقامات العبودية، وليس إنساناً بترك نفسه لهواها، وإطاعةِ جواذبه إلى دَرَكِها، بحجة أن هذا مُرَكَبٌ في طبيعَتِهِ، فالذي أودع في نفسِهِ الاستعدادَ لجيشانِ الهوى، هو الذي أودعَ فيها الاستعدادَ للإمساكِ بزمامِهِ، ونهيَ النفسَ عنه، ورَفْعَها عن جاذبيتِه، وجعل له الجنةَ جزاءً ومأوى؛ حين ينتصرُ ويرتفعُ ويرقى.
وهنالك حرية إنسانية تليق بتكريم الله للإنسان، تلك هي حرية الانتصار على هوى النفس، والانطلاق من أسر الشهوة، والتصرف بها في توازن تَثْبُتُ معه حريةُ الاختيارِ والتقديرِ الإنساني، وهنالك حريةٌ حيوانية، هي هزيمةُ الإنسانِ أمامَ هواه، وعبوديتُهُ لشهوته، وانفلاتُ الزمام من إرادته، وهي حريةٌ لا يهتف بها إلا مخلوق مهزوم الإنسانية مستعبد يلبس عبوديته رداء زائفاً من الحرية!.
إن الأول هو الذي ارتفع وارتقى, وتهيأ للحياة الرفيعة والأنس بجوار المولى -سبحانه- في جنة المأوى، وأما الآخر فهو الذي ارتكس وانتكس, وتهيأ للدخول في درك الجحيم حيث تُهْدَرُ إنسانيته، ويكون شيئاً توقد به النار التي وقودها الناس من هذا الصنف والحجارة!.
وهذه وتلك هي المصير الطبيعي للارتكاس والارتقاء في ميزان هذا الدين, الذي يزن حقيقة الأشياء.
اللهم وفقنا لخوف مقامك وجلالك، واجعلنا راجين لعفوك ونوالك والفوز بفسيح جنانك.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه.
أيها الإخوة: الخوف من الله عبادة قامت في قلب النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فارتفعت نفسه عن المحرمات والمحظورات؛ لأنه يخاف رب الأرض والسموات, (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ)[الأنعام: 15، 16]؛ فهو يخشى عذاب الله ولا يتعد حدوده.
أعظم ثمرة للخوف من الله -تعالى- هو نهي النفس عن الهوى, وكبح جماحها، وله ثمرات أخرى كثيرة منها: أنه يبعث على العمل الصالح والإخلاص فيه, قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا)[الإنسان: 9-10].
ومن ثمراته: أنه يقمع الشهوات، ويكدرُ اللذات المحرَّمة؛ فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة.
ومن أعظم ثمراته: أنه يكون سبباً في الاستظلال بعرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله, قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ -تعالى- فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ... -وَذَكَرَ مِنْهُم-: وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ"(رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
ومن ثمراتِ خوفِ اللهِ -تعالى-: أَنَّهُ أمانٌ يوم القيامة، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَرْوِيه عَنْ رَبِّهِ -جَلَّ وَعَلَا-: "وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ؛ إِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رواه ابن حبان وقال الألباني حسن صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ), وقِيلَ لِيحيى بنِ معاذٍ: مَنْ آَمَنَ الخَلْقَ غَدَاً؟ فَقَالَ "أَشَدْهُم خوفاً اليومَ".
وخوف الله -تعالى- سببٌ من أسباب المغفرة، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ رَجُلًا فِيمَنْ قَبْلَكُمْ أَعْطَاهُ اللهُ مَالًا وَوَلَدًا فَأَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمْ يَعْمَلْ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا التَّوْحِيدَ, فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لِبَنِيهِ: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ قَالَ: فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا فَاطْحَنُونِي, ثُمَّ اذْرُوا نِصْفِيَ فِي الْبَرِّ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ, وَنِصْفِي فِي الْبَحْرِ, فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي؛ لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ, فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، فَقَالَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا: أَدِّ مَا أَخَذْتَ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَمَرَ اللهُ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فِي قَبْضَةِ اللهِ فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟، قَالَ: خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: مَخَافَتُكَ، قَالَ: فَغَفَرَ اللهُ لَهُ بِذَلِكَ"(رواه البخاري ومسلم والنسائي وأحمد).
ومن ثمرات الخوف اليانعة: أنه يؤدي بصاحبه إلى الجنة، قَالَ اللهُ: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)[الرحمن:46]؛ أي: وللذي خاف ربه وقيامه عليه، فترك ما نهى عنه، وفعل ما أمره به، له جنتان من ذهب, آنيتهما وحليتهما وبنيانهما وما فيهما، إحدى الجنتين جزاء على ترك المنهيات، والأخرى على فعل الطاعات, وقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الجَنَّةُ"(رواه الترمذي وصححه الألباني عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-).
وهنا سؤال: كيف يُحقّقُ المسلم في نفسه الخوفَ من الله؟؛ يحقق المسلم ذلك بقراءة القرآن الكريم وتدبّره, قال الله -تعالى-: (وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا)[مريم:58], ومما يعين -كذلك- استشعار عِظَم حجم الذنب, ومما يعين إتيان الطّاعات والاجتهاد في ذلك وترك المحرّمات، ومعرفة الله -تعالى- بأسمائه وصفاته تزيد من جلاله وعظمته في القلب.
ومنها: معرِفةُ فضل الخائفين؛ فمَن أدرك فضل خشية الله عَمِل حتى يكون من أهلها, قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ؛ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ"(رواه الترمذي والنسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وصححه الألباني).
ومنها: تدبّرُ آيات الوعيد, وما فيها من وصف لمصير أصحاب الجحيم, وسماع المواعظ والرقائق؛ لما فيها من ترقيق للقلب وإشعار بخشية الله.
وأعظم معينٍ للشعور بخوف الله: كثرة الذّكر؛ فذكر الله -تعالى- يجلو القلب ممّا أصابه من كَدْر وذنوب، ثم إن الخوف من الأخذ بالذّنب سبب قوي لاستشعار الخوف من الله -تعالى-.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ؛ فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[ الأحزاب: 56 ]، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).