البحث

عبارات مقترحة:

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

الرفيق

كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

خطر تهنئة الكفار بأعيادهم

العربية

المؤلف محمد بن مبارك الشرافي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الأديان والفرق - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. تميز الأمة المسلمة في أعيادها .
  2. التحذير من التشبه بالكفار .
  3. خطورة التساهل بالمشاركة في أعياد الكفار .
  4. أقوال العلماء في تحريم مشاركة الكفار في أعيادهم. .

اقتباس

إِنَّ الْبَلْوَى عَمَّتْ فِي هَذَا الزَّمَنِ بِهَذِهِ الْأَعْيَادِ الْوَثَنِيَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَصَارَ الاحْتِفَالُ بِهَا ظَاهِرًا مُعْلَنًا، وَتَسَاهَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي حُضُورِهَا وَالْمُشَارَكَةِ فِيهَا، أَوِ الْإِعَانَةِ عَلَيْهَا، وَالتَّهَادِي بِمُنَاسَبَتِهَا، وَالتَّهَانِي بِهَا، وَهَذَا مِنَ التَّسَاهُلِ بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ الظَّاهِرَةِ،...

الخطبة الأولى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].

أما بعد: فعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: "مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟"، قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "قَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

نَعَمْ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ-؛ إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَنَا نَحْنُ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ بِيَومَيْنِ نَفْرَحُ فِيهِمَا وَنُظْهِرُ السُّرُورَ وَالْبَهْجَةَ شُكْرًا للهِ وَاعْتِرَافًا بِنِعَمِهِ، وَنُعْطِي أَنْفُسَنَا وَأَهَالِيَنَا حَقَّهُمْ فِي الانْبِسَاطِ وَإِظْهَارِ الْأَفْرَاحِ، نَخْرُجُ جَمِيعًا خَارِجَ الْبَلَدِ لابِسِينَ أَحْسَنَ مَا نَجِدُ مِنَ الثِّيَابِ وَنَضَعُ أَجْمَلَ مَا نَسْتَطِيعُ مِنَ الطِّيبِ، حَتَّى إِنَّنَا مَأْمُورُونَ بِإِخْرَاجِ النِّسَاءِ الصَّغِيرَاتِ اللَّاتِي لَمْ يَعْتَدْنَ الْخُرُوجِ، فَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْعَوَاتِقَ، وَالْحُيَّضَ فِي الْعِيدَيْنِ; يَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّنَا عَلَى الدِّينِ الْحَقِّ الذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ آخِرَ رُسُلِهِ وَخَاتَمَهُمْ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة:3]، إِنَّنَا نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ اللهَ لا يَرْضَى دِينًا غَيْرَ الْإِسْلَامِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران:85].

إِنَّنَا مُتَأَكِّدُونَ أَنَّ الْأَدْيَانَ السَّابِقَةَ، وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا صَحِيحًا، إِلَّا أَنَّهَا حُرِّفَتْ وَغُيِّرَتْ وَبُدِّلَتْ، فَلا نَقْبَلُهَا وَلا نُقِرُّهَا؛ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)[النساء:46]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ"(رَوَاهُ مُسْلِم).

إِنَّنَا أُمَّةٌ نَعْتَزُّ بِدِينِنَا وَنَفْخَرُ بِعَقِيدَتِنَا وَنَتَبَاهَى فَرَحًا بِمَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَيْنَا مِنْ هَذَا الدِّينِ الذِي ارْتَضَاهُ لَنَا، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس:58]، إِنَّنَا لا يَهُمُّنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ رِضَا النَّاسِ عَنَّا وَعَدَمُهُ؛ لِأَنَّنَا عَلَى الْحَقِّ، وَالْعِزَّةُ لَنَا وَلَيْسَتْ لِغَيْرِنَا، وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسَ يَجْهَلُونَ، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[المنافقون:8].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: جَاءَتِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ بِإِبْعَادِ الْمُسْلِمِ عَنِ الْكُفَّارِ بِأَنْوَاعِهِمْ وَأَشْكَالِهِمْ، فَقَدْ أَمَرَ اللهُ مَنْ أَسْلَمَ بِالْهِجْرَةِ مِنْ بِلَادِ الكُفَّارِ إِلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَجَعَلَهَا وَاجِبَةً وَبَاقِيَةً إِلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبَهَا.

وَتَبَرَّأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الذِي يَبْقَى فِي بِلَادِ الْكُفْرِ مِنْ غَيْرِ  ضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ، فعَنْ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- "أَنَا بَرِئٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ الْمُشْرِكِين"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

وشَدَّدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي التَّحْذِيرِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِمْ سَوَاءً أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ أَوِ الدِّينِيَّةِ، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ، فَهُوَ مِنْهُمْ"(أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْعِرَاقِيُّ).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: بَعْدَ كُلَّ مَا سَمِعْتُمْ نَأْتِي إِلَى مَسْأَلَةٍ خَطِيرَةٍ قَدْ وَقَعَ فِيهَا بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ إِمَّا جَهْلًا أَوْ تَقْلِيدًا أَوْ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْأَمْرَ يَسِيرٌ، أَلَا وَهِيَ التَّهْنِئَةُ بِأَعْيَادِ الْكُفَّارِ أَوِ الْمُشاَركَةُ فِيهِ، وَخَاصَّةً مَا يُسَمَّى بِعِيدِ رَأْسِ السَّنَةِ أَوْ مِيلادِ الْمَسِيحِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَيُسَمُّونَهُ عِنْدَهُمْ بِعِيدِ الْكِرِيسْمَاس. وَهَذَا أَمْرٌ مُفْزِعٌ، وَيُخْشَى عَلَى مَنْ فَعَلَهُ فِي دِينِهِ، لِأَنَّ هَذَا شِعَارُهُمْ، بَلْ مِنْ أَعْظَمِ صِفَاتِ دِينِهِمُ الْمُحَرَّفِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْبَلْوَى عَمَّتْ فِي هَذَا الزَّمَنِ بِهَذِهِ الْأَعْيَادِ الْوَثَنِيَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَصَارَ الاحْتِفَالُ بِهَا ظَاهِرًا مُعْلَنًا، وَتَسَاهَلَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي حُضُورِهَا وَالْمُشَارَكَةِ فِيهَا، أَوِ الْإِعَانَةِ عَلَيْهَا، وَالتَّهَادِي بِمُنَاسَبَتِهَا، وَالتَّهَانِي بِهَا، وَهَذَا مِنَ التَّسَاهُلِ بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ الظَّاهِرَةِ، حَتَّى وَصَلَ الْأَمْرُ أَنَّ بَعْضَ الْمُذِيعِينَ وَمُقَدِّمِي الْبَرَامِجِ فِي أَكْثَرِ الْفَضَائِيَّاتِ وَالْإِذَاعَاتِ يَفْتَتِحُونَ بَرَامِجَهُمْ هَذِهِ الْأَيَّامَ بِتَهْنِئَةِ جُمْهُورِهِمْ بِهَذِهِ الْأَعْيَادِ الْمُحَرَّمَةِ، وَهَذَا أَمْرٌ لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَسْتَهِينَ بِهِ وَلا أَنْ يُشَارِكَ فِيهِ بِأَيِّ شْكْلٍ أَوْ صُورَةٍ.

إِنَّ دِينَنَا الْإِسْلَامَ قَدْ سَدَّ هَذَا الْبَابَ ومَنْعَ التَّشَبُّهَ بِالْكُفَّارِ، وَشدَّد فِي ذلك، حَتَّى خَاطَبَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- بِقَوْلِهِ: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ)[الجلاثية:18]، فَكَيْفَ يَحِلُّ إِذَنْ لِمُسْلِمٍ يَرْجُو اللهَ وَيَطْمَعُ فِي جَنَّتِهِ أَنْ يُخَالِفَ هَذِهِ الْأُصُولَ الْعَظِيمَةَ ثُمَّ يُشَارِكَ الْكُفَّارَ فِي شَعَائِرِهِمُ الدِّينِيَّةِ أَوْ يُهَنِّئَهُمْ بِهَا؟!

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ الذَي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، وَالصَّلاةُ عَلَى خَاتَمِ رُسُلِهِ وَأَفْضَلِ أَنْبِيَائِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ لِقَائِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيراً.

أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ بَازٍ -رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ يُشَارِكُونَ النَّصَارَى فِي أَعْيَادِهِمْ، فَمَا تَوْجِيهُكُمْ؟

فَأَجَابَ: لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ وَلا الْمُسْلِمَةِ مُشَارَكَةَ النَّصَارَى أَوِ الْيَهُودِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْكَفَرَةِ فِي أَعْيَادِهِمْ، بَلْ يَجِبُ تَرْكُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنَ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَالرَّسُولُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- حَذَّرَنَا مِنْ مُشَابَهَتِهِمْ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِمْ. فَلا يَجُوزُ الاشْتِرَاكُ فِيهَا، وَلا التَّعَاوُنُ مَعَ أَهْلِهَا، وَلا مُسَاعَدَتُهِمْ بَأَيِّ شَيْءٍ لا بِالشَّايِ وَلا بِالْقَهْوَةِ وَلا بِغَيْرِ ذَلِكَ كَالْأَوَانِي وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ اللهَ -سُبْحَانَهُ- يَقُولُ: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)؛ فَالْمُشَارَكَةُ مَعَ الْكَفَرَةِ فِي أَعْيَادِهِمْ نَوْعٌ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. (مَجْمُوعُ فَتَاوَى الشَّيْخِ ابْنِ بَاز 6/ 405).

وَسُئِلَ شَيْخُنَا مُحَمَّدُ الْعُثَيْمِينُ -رَحِمَهُ اللهُ-: عَنْ حُكْمِ تَهْنِئَةِ الْكُفَّارِ بِعِيدِ الْكِرِيسْمَاس؟ وَكَيْفَ نَرُدُّ عَلَيْهِمْ إِذَا هَنَّؤُونَا بِهِ؟

فَقَالَ: تَهْنِئَةُ الْكُفَّارِ بِعِيدِ الْكِرِيسْمَاسِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَعْيَادِهِمُ الدِّينِيَّةِ حَرَامٌ بِالاتِّفَاقِ، كَمَا نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي كِتَابِهِ "أَحْكَامُ أَهْلِ الذِّمَّةِ"؛ حَيْثُ قَالَ: "وَأَمَّا التَّهْنِئَةُ بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ فَحَرَامٌ بِالاتِّفَاقِ، مِثْلُ أَنْ يُهَنِّئَهُمْ بِأَعْيَادِهِمْ وَصَوْمِهِمْ، فَيَقُولُ: عِيدٌ مُبَارَكٌ عَلَيْكَ، أَوْ تَهْنَأُ بِهَذَا الْعِيدِ، وَنَحْوَهُ، فَهَذَا -إِنْ سَلِمَ قَائِلُهُ مِنَ الْكُفْرِ- فَهُوَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ تُهَنِّئَهُ بِسُجُودِهِ لِلصَّلِيبِ بَلْ ذَلِكَ أَعْظَمُ إِثْمًا عِنْدَ اللهِ.. فَمَنْ هَنَّأَ عَبْدًا بِمَعْصِيَةٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَوْ كَفْرٍ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمَقْتِ اللهِ وَسَخَطِهِ، انْتَهَى كَلامُ ابْنِ الْقَيَّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-.

وَإِنَّمَا كَانَتْ تَهْنِئَةُ الْكُفَّارِ بِأَعْيَادِهِمُ الدِّينِيَّةِ حَرَامًا وَبِهَذِهِ الْمَثَابَةِ التِي ذَكَرَهَا ابْنُ الْقَيِّمِ لِأَنَّ فِيهَا إِقْرَارًا لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ شَعَائِرِ الْكُفْرِ، وَرِضًا بِهِ لَهُمْ.. وَتَهْنِئَتُهُمْ بِذَلِكَ حَرَامٌ سَوَاءٌ كَانُوا مُشَارِكِينَ لِلشَّخْصِ فِي الْعَمَلِ أَمْ لا.

وَإِذَا هَنَّؤُونَا بِأَعْيَادِهِمْ فَإِنَّنَا لا نُجِيبُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَعْيَادٍ لَنَا، وَلِأَنَّهَا أَعْيَادٌ لا يَرْضَاهَا اللهُ -تَعَالَى-، وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ التَّشَبُّهُ بِالْكُفَّارِ بِإِقَامَةِ الْحَفَلَاتِ بِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ، أَوْ تَبَادُلِ الْهَدَايَا أَوْ تَوْزِيعِ الْحَلْوَى أَوْ أَطْبَاقِ الطَّعَامِ أَوْ تَعْطِيلِ الْأَعْمَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.. وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ آثِمٌ سَوَاءٌ فَعَلَهُ مُجَامَلَةً أَوْ تَوَدُّدًا أَوْ حَيَاءً أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْمُدَاهَنَةِ فِي دِينِ اللهِ وَمِنْ أَسْبَابِ تَقْوِيَةِ نُفُوسِ الْكُفَّارِ وَفَخْرِهِمْ بِدِينِهِمْ" ا. هـ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ القَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَه، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.

اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنَا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لَنَا وَتَوَفَّنَا إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لَنَا.

اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الغَضَبِ والرِّضَا، وَنَسْأَلُكَ القَصْدَ فِي الفَقْرِ وَالغِنَا وَنَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ وَنَسْأَلُكَ الرِّضَا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَنَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَنَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَنَسْأَلُكَ الشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ.

اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.