الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | يحيى جبران جباري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة |
واليوم اشتغل حتى أصحاب المنابر بلحوم البشر ولاة أمر وشعوب، هدفهم التخريب، وزعزعة الأمن في هذا البلد الحبيب، لم يعجبهم أمن الأرض، وأداء الفرض، وستر العرض، فقاموا يشوِّشون العقول، ويؤثرون على كل مخبول، حتى بقولهم يقول، وكم من شاب من أبنائنا، ذهب ضحية لقول أو فعل غير مسؤول...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي خلقنا على الإسلام، وجعلنا من أهل بلد البيت الحرام، أحمده سبحانه وأشكره، عدد الثواني والدقائق والساعات والأيام، وأستعينه وأستهديه وأستغفره، هو المعين على دفع الطوام، والهادي لمن ضلَّ وسط الفتن والزحام، والغافر لمن جلب على نفسه الخطايا والآثام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين العليم العلام.
وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، أخرج الناس من غياهب الشرك والظلام، إلى نور الهدى والإسلام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وأصحابه وأتباعه، إلى يوم يجتمع الخلق فيه قيام.
ثم أما بعد: فأوصيكم إخوة الإسلام ونفسي المقصرة بتقوى الله، في السر والعلن، وفي ظواهر القول والعمل وما منها بطن؛ فالحياة الدنيا كلها فتن ومِحَن، والناس فيها ما بين طائع لهوى نفسه ولشهوته مرتهن، وبين خائف وَجِل خاضع لربه يبتغي أن تكون الجنة له وطن، يقول عنهم من عرف حالهم:
إن لله عبادًا فُطَنًا | طلقوا الدنيا وخافوا الفتن |
وانثنوا عنها لما علموا | أنها ليست لحي سكنًا |
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)[الحج: 1- 2].
أيها المسلمون: تعلمون -يرحمني الله وإياكم-، بأن التدخل في شؤون الغير إلا بخير، مما جاء النهي عنه شرعًا وعرفًا، فمن تدخَّل فيما لا يعنيه، لقي ما لا يرضيه، يقول ربكم -جل وعلا-: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)[الاسراء: 34]، وقال –سبحانه-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18]، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".
فهل تفقه قلوب الخلق هذا الأمر وعقولهم تعيه، حساب الخلق على الله، وكل صاحب عملٍ يلاقيه، بينا أنا أنظر أحد المقاطع؛ إذ برجل من غير هذه الدولة، يقف على منبر في يوم جمعة، يُلقي خطبتيها، فاستمعت لجزء منها، فإذا به يشُنُّ هجومًا على ولاة الأمر في هذه الأرض المباركة، يتكلم فيهم ويصنّفهم، بل ويقدح فيهم، ومن السوء يصليهم.
فتعجبت، وتساءلت هل موعظة الجمعة، لتذكير الناس بربهم، وحثهم على طاعته وتقواه، وتعليمهم أمر دينهم، أم هي للغيبة والنميمة، وإسماع الناس ما لا يخصهم ولا يعنيهم، ما شأن الناس بالناس، وما شأنه هو وأمثاله، بما يسبب الريبة للعباد والالتباس، فقل: أعوذ برب الناس.
وإنما أريد أن أبيِّن مقصد أمثاله ومبتغاه، فإن تأجيج الناس على الولاة، بأسه عظيم، وشرّه جسيم، وضرره مستطير وَخِيم، توقفوا عن الحديث به عندهم؛ لأن بلاءه أصابهم، ودمَّر أوطانهم، فبدلاً من الخشية على إخوانهم في هذه الدولة، من أن يصيبهم الشر الذي أصاب غيرهم، قاموا يروِّجون، ويشكِّكُون ويشعلون فتيل الفتنة بين الشعوب وبين ولاة أمرهم، والله ما هذا من الدين في شيء، ولا أمَر به الله، ولا جاء في هدي رسول الله -عليه صلوات وسلام الله-.
كم عانَى رسول الله من كفار قريش! وكم من أذًى منهم لاقاه، ومع ذلك تلك خُطَبه -عليه الصلاة والسلام- محفوظة منقولة، ما سبَّ فيها منهم على منبر الجمعة أحدًا، ولا أتى بذكر لما فعلوه وما يفعلوه، رغم أنه كان مُشَرِّعًا، وما اعتلى المنبر إلا معلمًا ومحذرًا ومبشرًا.
ويكفي شاهدًا على هذا، قوله: "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا"، فعمن يأخذ معتلي المنابر في هذا الزمن القدوة، يا ترى، فـ"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، فهل من يقول عن فلان، ويتحدث عن فلان، وفي فلان، راضٍ عن نفسه، ومُؤَدٍّ على الكمال أوامر ربه، حتى يقدح في غيره، (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)[الحجرات: 12].
جاء أحد الطلبة إلى شيخه في زمن السلف؛ فقال له: يا إمام! أسمعت عن فعل فلان، ويقصد بأنه فعل سوءًا، فقال شيخه: لا أريد أن أسمع، فأنا لستُ براضٍ عن نفسي، أفأشغلها بغيري؟!
واليوم اشتغل حتى أصحاب المنابر بلحوم البشر ولاة أمر وشعوب، هدفهم التخريب، وزعزعة الأمن في هذا البلد الحبيب، لم يعجبهم أمن الأرض، وأداء الفرض، وستر العرض، فقاموا يشوِّشون العقول، ويؤثرون على كل مخبول، حتى بقولهم يقول، وكم من شاب من أبنائنا، ذهب ضحية لقول أو فعل غير مسؤول، نسأل الله الثبات على الحق، ونعوذ به من الميول، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ)[الحجرات: 12].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وبهدي سيد المرسلين، قلت ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم …
الخطبة الثانية:
الحمد لله؛ له الحمد كله، وله الشكر كله، كما يحبه ربنا ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وهل من إله إلا الله؟!، وأشهد أن محمدًا رسول الله، بلَّغ الدين كما أراد الله، فعليه من الله أتم سلام وأزكى صلاة، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعدُ: يا من قصد بحضوره الله، اتق الله، فلن ينجو ولن يفوز إلا مَن اتقاه (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)[الطلاق: 2].
عباد الله: اختصارًا لما في النفس عن هذا الموضوع، في قالب موعظة، لم يُلَقِّنِي به أحدٌ، ولم أقتبسه من غير كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وما كان عليه السلف من أحد، لا أرتجي من ورائه أجرًا إلا من الواحد الأحد..
أبناء هذه المملكة خصوصًا، ومن يعيشون عليها عمومًا، صُمُّوا آذانكم عن القائلين في آل سعود، وذَهَبَ آل سعود، وقال آل سعود، وفَعَلَ آل سعود، فهم ولاة أمرنا ولهم علينا السمع والطاعة، والملك بيد الله يؤتيه من يشاء، وما هم إلا بشر، يصيبون ويخطئون، فما بال الخلق بهم مشغولون.
اعبد ربك واحفظ نفسك، واسمع وأطع مالم تُؤْمَر بمعصية، ودَعْ عنك التدخل فيما لا يعنيك، أو الاستماع لما يمليه أولئك المخربون، لتدمير هذا الوطن المبارك، بسبب زرع البغض والحقد، بين الرعية وولاة أمرهم.
وليس المقام مقام ذكر لما قدموه لوطنهم، وشعبهم، ومقدسات ربهم، منذ تأسيس هذه الدولة وإلى اليوم، وهم لم يأمروا ببدعة، ولم يدعوا إليها، ففيما ننكر عليهم، وأما عن تقلُّب الرعية، بين محسن ومسيء، فحساب العباد على ربهم لا عليهم.
والحق أقول: إن في بيوت كثير منا، ولدين أو ثلاثة، أو أكثر أو أقل، ومع هذا لم نتمكن من ضبطهم، وإصلاح حالهم، أو حتى السيطرة عليهم، ثم نطالب خادم الحرمين الشريفين وولي عهده -حفظهما الله- وهما اثنان، بضبط ثمانية وعشرين مليونًا أو يزيدون، أين المنصفون؟! اتقوا الله في أنفسكم، واحفظوا دينكم، وأطيعوا الله ورسولكم وولاة أمركم، ولا تضيعوا وطنكم، وأمنكم، بسبب ناعقين يريدون السوء بكم، وبولاة أمركم وأرضكم، كفانا الله شرّهم وردَّ في نحورهم كيدهم، وخذوا العبرة من غيركم.
ثم صلُّوا وسلِّموا على نبيكم، كما أُمرتم بذلك في كتاب ربكم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56] اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.