البحث

عبارات مقترحة:

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

القدير

كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...

تخويف الله لعباده

العربية

المؤلف سالم بن محمد الغيلي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - الصلاة
عناصر الخطبة
  1. سعة حلم الله على عباده .
  2. عذاب الله للأمم المكذبة بالرسل .
  3. آيات الله نذر وتحذير للعباد .
  4. أمثلة لما يرسله الله من الآيات .
  5. من أحكام صلاة الكسوف والخسوف. .

اقتباس

ما نراه اليوم عند كثير من الناس شيء لا يصدق! قبل الكسوف بأسبوع والناس يحذرون بعضاً: إذا رأيتم الكسوف انتبهوا على أعينكم, ومن قبل أسبوع وهم يجهزون كاميرات التصوير؛ لاستقبال حدث طبيعي ظاهرة كونية...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وخليله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الله: ما أحلم الله, ما أحلم الله على الناس! وما أرحمه بخلقه!؛ يمهل من عصاه لعله يرجع يحاسب نفسه, لعله يرعوي, فإذا أصر وتكبر وتجبر واستحل الحرام؛ أخذه الله أخذ عزيز مقتدر, وقل مثل ذلك في الأسر والمجتمعات وفي الأمم, (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)[هود: 102 - 108].

والله -عز وجل- لا يعذب حتى يرسل الرسل, يرسل الرسل في زمن الرسالات, وفي باقي الأزمان يرسل النذر, يرسل الآيات, ينذر الناس ويحذرهم ويزجرهم؛ لعلهم إليه يرجعون, لعلهم ينتبهون ويراجعون أعمالهم, (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)[الإسراء: 59].

أرسل الله نوحاً -عليه السلام- إلى قومه, فدعاهم وأنذرهم وبشرهم, وحاول فيهم تسع مائة وخمسين سنة, فما آمن معه إلا قليل, وعندها أغرق الله الأرض ومن عليها بالطوفان.

وأرسل الله -سبحانه- موسى -عليه السلام- إلى فرعون عدو الله, وكان الله قادراً أن يأخذه ويمحق ملكه في نَفَس واحد في لمحة بصر, ولكن الله حليم أرسل موسى, وجاء بالآيات والمعجزات الباهرات؛ كل ذلك وكل تلك الآيات لدرء العذاب, فما استفاد وما انصاع بل زاد كبراً وعناداً؛ حتى قال: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)[القصص: 38], وعندها جاء وعيد الله فشق البحر وابتلعه هو وقومه.

وأرسل الله صالحاً -عليه السلام- إلى ثمود, وأخرج لهم من الصخرة الصماء ناقة؛ لأنهم يعرفون الصخر ينحتون منه بيوتاً آمنين, ويعلمون أنه جماد متعب في نحته لا حياة فيه ولا رحمة, فأخرج الله لهم منه ناقة من لحم ودم, ومع ذلك عصوا وأبوا وأدبروا وتكبروا وعقروا الناقة, وعندها أمهلهم الله في مدينتهم ثلاثة أيام, ثم أرسل عليهم صيحة من السماء, ما أبقت فيهم أحداً, وجعلهم الله حصيداً خامدين.

فتأملوا القرآن لتروا كم فيه, تأملوا القرآن -يا أمة القرآن-؛ حتى تروا ما فيه من الزواجر والآيات البينات, (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[البقرة: 134], ونحن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أُرسل إلينا محمد -صلى الله عليه وسلم-, وأنزل إلينا القرآن؛ لنوحد الله ونؤمن برسوله وبكتابه, ونفوز بوعده وثوابه, ونحذر من معصيته وتعدي حدوده؛ كما فعلت الأمم السابقة, وما ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- خيرًا إلا دلنا عليه ولا شرًا إلا حذرنا منه.

ولقد أرشدنا الله -تعالى- وأرشدنا رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلى أن هناك آيات من آيات الله, علامات تحدث في الكون ويراها الناس ويعلمون بها, آيات تحذيرية من الله لعباده؛ أي: إذا رأيناها لنكن على حذر, الله -تعالى- يرسلها يحذرنا, الله يرسلها ويرينا إياها لنخاف منه, الله -تعالى- يرسلها ومفادها أن الناس إذا لم يخافوا ولم يراجعوا أعمالهم؛ فقد تنزل بهم عقوبة سماوية لا يستطيعون ردها؛ كما نزلت العقوبات الأليمة في الأمم السابقة.

لكن عقوبة أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- لا تكن عامة على الناس كافة, لكنها قد تنزل على دول فتدمرها؛ كما هو الحال الذي نراه في كثير من دول العالم, قد تنزل على مجتمع أو أُسر أو أفراد, فلنكن على حذر, وعلى خوف من الله, قال -سبحانه وتعالى-: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا)[الإسراء: 59], الله -عز وجل- يرسل الصواعق والزلازل والفيضانات والبراكين والأعاصير والعواصف, يرسل الجراد, يرسل القحط, يرسل الحروب والقتل والتشريد وخراب المدن, يرسل الخسوف والكسوف, والفقر والجوع.

كسفت الشمس في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-, فخرج من بيته فزعًا يجر رداءه - يسحبه على الأرض-, يخشى أن تكون الساعة, يخشى ويخاف وهو محمد -صلى الله عليه وسلم-, وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الشَّمْسَ والْقَمَرَ آيَتانِ مِن آياتِ اللهِ؛ يُخَوِّفُ اللَّهُ بهِما عِبادَهُ، وإنَّهُما لا يَنْكَسِفانِ لِمَوْتِ أحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فإذا رَأَيْتُمْ مِنْها شيئًا فَصَلُّوا، وادْعُوا اللَّهَ حتَّى يُكْشَفَ ما بكُمْ"(صحيح مسلم), "إنَّ الشَّمْسَ والْقَمَرَ آيَتانِ مِن آياتِ اللهِ، يُخَوِّفُ اللَّهُ بهِما عِبادَهُ"؛ يخوف الله بهما عباده, يخوفهم مماذا؟ من الشمس والقمر؟ من الخسوف والكسوف؟ لا, يخوفهم حتى يراجعوا أنفسهم, حتى لا تنزل بهم عقوبة, يخوفهم من عقوبة قد انعقدت أسبابها, "وإنَّهُما لا يَنْكَسِفانِ لِمَوْتِ أحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فإذا رَأَيْتُمْ مِنْها شيئًا فَصَلُّوا، وادْعُوا اللَّهَ حتَّى يُكْشَفَ ما بكُمْ".

وما نراه اليوم عند كثير من الناس شيء لا يصدق! قبل الكسوف بأسبوع والناس يحذرون بعضاً: إذا رأيتم الكسوف انتبهوا على أعينكم, ومن قبل أسبوع وهم يجهزون كاميرات التصوير؛ لاستقبال حدث طبيعي ظاهرة كونية!, وهي لا شك ظواهر طبيعية لكنها بقدر الله, وليست من فعل الطبيعة كما يقول الطبائعيون!, والتحذير من النظر إلى الشمس أمر مطلوب لكنه ليس الأمر الوحيد الذي نوصي الناس به, لكنه حدث ليس للتصوير والتجمع من أجل المشاهدة, والخروج إلى البراري والسواحل كما يفعل النصارى واليهود, أين سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟! أين الخوف؟! وأين المساجد, وأين الصلاة؟! وأين جر الرداء وأين الاعتبار وأين الاتعاظ؟! ما هذه الغفلة؟! ما هذا الإعراض؟!.

اللهم ثبتنا على الدين, وارزقنا الإيمان واليقين, ولا تجعلنا من الغافلين, اللهم إنا نعوذ بك من الإعجاب بالمعرضين, ومن التشبه بأعداء الدين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولوالدي ولوالديكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله, أهلٌ للحمد والثناء، وصلاة وسلاما على عبده الذي أصطفى، وعلى الآل والصحب ومن سار على نهجهم واقتفى، أما بعد:

عباد الله: من العِبر التي تزيد إيمان المؤمن, وتجعله يتفكر في خلق السماوات والأرض وما فيهما من الآيات الباهرات وتجعله يقول: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[آل عمران: 191], من العِبر أن الشمس لا تكسف إلا في أواخر ليلة الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين أو الثلاثين؛ لأنه في تلك الأيام يكون القمر قريباً من الشمس؛ فيحجب بعض ضوئها عن الأرض فيحدث الكسوف, أما خسوف القمر فلا يحدث إلا في أيام يكون القمر فيها بدراً في ليلة الثامن عشر والرابع عشر والخامس عشر, وقد ذكر ذلك ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى, فسبحان الله رب العالمين!.

وصلاة الكسوف والخسوف ركعتان بأربع ركوعات وأربع سجودات, ويجوز أن تكون ثلاث ركوعات وثلاث سجودات أو أربع أو خمس؛ لثبوت ذلك عن الصحابة -رضي الله عنهم-, والركوع الأول هو الركن دون الثاني, فمن فاته الركوع الأول فاتته الأولى أو الثانية, ويجوز صلاتها في أوقات النهي, ويسن لها خطبة واحدة على الصحيح من أقوال أهل العلم, وحكم صلاة الكسوف سنة مؤكدة, ومن العلماء من قال إنها واجبة؛ كما قال ابن القيم -رحمه الله-.

ويبدأ وقت صلاة الكسوف من حين بداية الكسوف إلى أن ينجلي, والكسوف يرتبط بالشمس بينما الخسوف مرتبط بالقمر وذلك إذا اجتمعتا, فيقال: كسوف الشمس وخسوف القمر, أما إذا انفردا وجاء الكسوف لوحده فنقول: كسوف الشمس أو كسوف القمر, وإذا جاء الخسوف لوحده فنقول: خسوف الشمس وخسوف القمر, لا إشكال في ذلك, (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)[يونس: 5].

ألا فلنتق الله, لا تمر علينا آيات الله ثم نذهب نلهو ونلعب ونُعرض, وكأنها لا تعنينا.

معاشر المسلمين: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56], اللهم صل على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.