البحث

عبارات مقترحة:

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

غبار خانق

العربية

المؤلف خالد القرعاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. كثرة الآيات التي ينذر الله بها عباده .
  2. تقلبات المناخ والواجب نحوها .
  3. الغبار جندي من جنود الله .
  4. التحذير من الأمن من مكر الله .
  5. بعض أحكام الريح .

اقتباس

أيُّها الْمؤمنونَ: نَعيشُ الآنَ تَقَلُّباتٍ جَوِّيَّةٍ مُتباينَةٍ، أمطارٌ وغُبارٌ، وسُكُونٌ ورياحٌ، وَحَرٌّ وَبَرْدٌ، وفي هذه التَقَلُّباتِ قَد يَضجَرُ أُنَاسٌ ويَتأفَّفونَ، وقد يَسُبُّ أُنَاسٌ ويَعتَرِضونَ؛ لأجْلِ غَسِيلِ مَنْزِلٍ أو سَيَّارَةٍ، وَقد يسْخَرونَ ويَهْزَؤونَ، والمُؤمِنُ مَن يَقِفُ عندَ هذهِ الآياتِ وقفَةَ اعتبارٍ وادِّكارٍ، لا وقفةَ استطلاعٍ ومُتابعةٍ للأخبارِ فَحَسْبُ، غَافِلاً عن الآياتِ العظمى، والعِبَرِ الكُبرى، فَإنَّ...

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ خَلقَ فَقَدَّرَ، وَمَلَكَ فَدَبَّرَ، أَشهدُ ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لَهُ، أَظْهَرَ الأَدِلَّةَ على وَحدَانِيتِهِ وَجَلاَّهَا، وَتَوَعَّد الغَافِلِينَ بالنَّارِ وَلَظَاهَا، وَأشْهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورسولُهُ، خيرُ البَرِيَةِ وأزكَاها، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ، والتَّابعينَ لهم ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدِّينِ.

أمَّا بعدُ: عبادَ الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -تعالى-، فبالتَّقوى تُدفَعُ البَلايا، وَتُغْفَرُ الخَطَايَا.

عبادَ الله: آياتٌ ونذرٌ من رَبِّ الْعالَمينَ نَرَاها يوماً بعدَ يومٍ، أَوبِئَةٌ مُهْلِكَةٌ، وَحوادِثُ في البَرِّ والبَحرِ والْجَوِّ، وَعَواصِفُ وَأَعَاصِيرُ، وغُبارٌ يَخنِقُ البَشَرَ وَيَشُلُّ حَرَكَتَهم: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)[المدثر: 31].

وَالمُسلِمُ بِمَا يَحمِلُهُ مِن عَقِيدَةِ التَّوحيدِ يَعلمُ أنَّ مَا يَجري فِي هَذا الكَونِ الفَسِيحِ إنَّما بِعْلْمِ اللهِ -تَعَالى- وَلِحِكَمٍ يُريدِها سُبْحَانَهُ، عَلِمَها بَشَرٌ وَغَابَتْ عنْ آخَرِينَ، قَالَ اللهُ -تَعَالى-: (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ * لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)[الأنعام: 66-67].

أيُّها الْمؤمنونَ: نَعيشُ الآنَ تَقَلُّباتٍ جَوِّيَّةٍ مُتباينَةٍ، أمطارٌ وغُبارٌ، وسُكُونٌ ورياحٌ، وَحَرٌّ وَبَرْدٌ، وفي هذه التَقَلُّباتِ قَد يَضجَرُ أُنَاسٌ ويَتأفَّفونَ، وقد يَسُبُّ أُنَاسٌ ويَعتَرِضونَ؛ لأجْلِ غَسِيلِ مَنْزِلٍ أو سَيَّارَةٍ، وَقد يسْخَرونَ ويَهْزَؤونَ، والمُؤمِنُ مَن يَقِفُ عندَ هذهِ الآياتِ وقفَةَ اعتبارٍ وادِّكارٍ، لا وقفةَ استطلاعٍ ومُتابعةٍ للأخبارِ فَحَسْبُ، غَافِلاً عن الآياتِ العظمى، والعِبَرِ الكُبرى، فَإنَّ اللهَ -تَعَالى- يَقُولُ: (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[الجاثية: 5].

فَلْنَقِفْ -يَا مُؤمِنُونَ- مَعَ سُنَنِ اللهِ في الرِّياحِ، وَكَيفَ كَانُ هَدْيُ نَبِيِّنا -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إذا رَأَى ذَلِكَ؟ لأنَّ رَسُولَنَا الكَرِيمَ يُدرِكُ أَنَّ اللهَ -تَعَالَى- قَالَ: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ)[الأنبياء: 16] فَمِنَ الخَطَأِ أَنْ يَقصِرَ الإنسانُ مَا يَجْرِي فِي الكَونِ على الأسبابِ المَادَّيَةِ الحِسِّيةِ بِمَعزِلٍ عن الأسبابِ الشَّرعِيَّةِ والحِكَمِ الإِلهِيَّةِ. فَلا يَصِحُ أنْ يُقالَ: أنَّ الرِّياحَ الفُلانِيَّةَ بسببِ النَّجمِ الفُلانِيِّ، أو أنَّ هذا وقتُها المُعتادُ، ففي صحيحِ مُسلمٍ -رحمهُ اللهُ- أنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَلَمْ تَرَوْا إِلَى مَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَ: مَا أَنْعَمْتُ عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ. يَقُولُونَ: الْكَوَاكِبُ وَبِالْكَوَاكِبِ" قَالَ الْعُلَمَاءُ: "مَن اعْتَقدَ أَنَّ الْكَوْكَبَ فَاعِلٌ مُدَبِّرٌ مُنْشِئٌ لِلْمَطَرِ، كَمَا كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يَزْعُمونَ، فهَذَا فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ.

ومَن اعْتَقدَ أَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- بِرَحْمَتِهِ أنزَلَ المَطَرَ، وَأَنَّ النَّوْءَ مِيقَاتٌ لَهُ وَعَلَامَةٌ باعْتِبَارِ الْعَادَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: مُطِرْنَا فِي وَقْت كَذَا، فَهَذَا لَا يَكْفُر. ولكنَّهُ يُكرَهُ لَهُ لأَنَّهَا كَلِمَةٌ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْن الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ، فَيُسَاءُ الظَّنُّ بِصَاحِبِهَا، وَلِأَنَّهَا شِعَارُ الْجَاهِلِيَّة، وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ".

إخوةَ الإيمانِ: والرِّيحُ والغبارُ نُذُرٌ من عندِ اللهِ -تعالى- وآيةٌ من آياتِهِ؛ كَمَا قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا)[الإسراء: 59].

وهي جُندٌ من جُنُودِ اللهِ يَنصُرُ بِها مَن يَشاءُ، ويُعَذِّبُ بِها مَن يَشاءُ، فَفِي غَزوةِ الْخَندَقِ صَارَتِ الرِّيحُ جُنداً ونعمَةً لِلمُؤمِنِينَ، وَعَذَاباً وَدَمَاراً على الكَافِرِينَ، وبِالمُقَابِلِ جَعَلَها اللهُ رَحْمَةً وَرُخَاءً وَلَقَاحَاً: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ)[الروم: 46]، ولِعَظَمَةِ الرِّيحِ أَقْسَمَ اللهُ بِها، فَقَالَ: (وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا * وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا)[المرسلات: 1-3] قَالَ ابنُ كثيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: الْمُرْسَلاتِ هيَ الرِّيَاحُ إذا هَبَّت شَيئَاً فَشَيئَا، والْعَاصِفَاتِ: الرِّيحُ العَاصِفُ إذَا هَبَّت بِتَصوِيتٍ، وَالنَّاشِرَاتِ: الرِّيَاحُ التي تَنْشُرُ السَّحَابَ فِي آفَاقِ السَّمَاءِ. كَمَا يَشَاءُ الرَّبُّ -عَزَّ وَجَلَّ-.

عبادَ اللهِ: واللهُ -تَعَالى- جَعَلَ الرِّياحَ بُرهَانَاً على كَمَالِ رُبُوبِيَّتِهِ وأُلُوهِيَّتِهِ، فَقَالَ: (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[الجاثية: 5]، فَلولا تَسخِيرُ اللهِ الرِّياحَ لَمَاتَ النَّباتُ وَهَلَكَ الحَيوَانُ وَفَسَدَ الطَّعامُ واختَنقَ الإنسانُ، فسُبحانَ مَنْ سَخَّرها وأرسلَها.

ولتَعْلَمُوا -يَا رَعَاكُمُ اللهُ-: أَنَّ الْمَطَرَ قائِمٌ على خَمْسِ رِيَاحٍ: رِيحٌ يَنشُرُ السَّحَابَ، ورِيحٌ يُؤلِّفُهُ ويَجمَعُهُ، ورِيحٌ يُلَقِّحُهُ، ورِيحٌ يَسُوقُ السَّحَابَ حيثُ يُريدُ اللهُ، ورِيحٌ يَذْرُوهُ ويُفَرِّقُهُ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ.

فاللهمَّ انفعنا وارفعنا بالقرآنِ العظيمِ، وَبِهَدْيِ سَيِّدِ المُرسَلِينَ، وأستغفرُ اللهَ العَلِيَّ العَظِيمَ لِي وَلَكُم ولِسَائِرِ المُسلِمِينَ من كلِّ ذَنبٍّ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبةُ الثانيةُ:

الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، أَشهدُ أنَّ اللهَ المَلِكُ الْحقُّ الْمبِينُ، لا إلهَ إلَّا هو يَفعلُ ما يَشاءُ ويَحكُمُ ما يُريدُ، وَأَشهدُ أنَّ مُحمدَاً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ خيرُ العبيدِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ والتَّابِعينَ لهم ومن تَبِعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الْمَزِيدِ.

أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ -عبادَ الله-، واعلموا أنَّهُ ليسَ بينَ اللهِ وبينَ أحدٍ مِن خَلقِهِ نَسَبٌ ولا حَسَبٌ، فاللهَ -تعالى- يقولُ: (فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)[الأعراف: 99]؛ لِذا كانَ لِنَبِيِّنا -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- مع الرِّياحِ شَأنٌ عَظِيمٌ، ولا عجَبَ فهو عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أعلَمُ النَّاسِ بِرَبَّهِ، وأَخْبَرُ الْخَلْقِ بَأسَبَابِ عَذَابِهِ وعِقَابهِ.

تُصَوِّرُ لَنَا أُمُّ الْمؤمِنينَ عَائشةُ -رضيَ اللهُ عنها- حالَ نَبِيِّنا -صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِقَولِها: "كانَ إِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ، يعني تَلَبَّدَتْ بالغُيُومِ، تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، وَخَرَجَ وَدَخَلَ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ، فَإِذَا أمْطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: "لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)[الأحقاف: 24](رواه مسلم).

عبادَ اللهِ: ومن أَحكَامَ الرِّيحِ أَنَّهُ لا يَجوزُ سَبُّها ولا لَعنُها، ولا التَّأفَّفُ منها على سَبِيلِ الاعتراضِ عليها، فَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ"(قالَ الألبانيُّ: "حديثٌ صحيحٌ")، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضيَ اللهُ عنهما- أَنَّ رَجُلًا نَازَعَتْهُ الرِّيحُ رِدَاءَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، فَلَعَنَهَا، فَقَالَ: "لَا تَلْعَنْهَا، فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ"(حديثٌ صحيحٌ).

عِبَادَ اللهِ: وَينْبَغِي أَخذُ الحَيطَةِ والحَذَرِ أثناءَ هُبوبِ الرِّيحِ والأعاصيرِ، فلا تُلقِ بِنَفْسِكَ ومَنْ معكَ إلى التَّهلُكَةِ بِمُطارَدَتها، والدُّخول فيها بقصدِ التَّصوير والمُغامَرَةِ، كَمَا يَنْبَغِي أنْ نَلزَمَ المَنازِلَ أثناءَ الغُبارِ خاصَّةً في الَّليلِ البَهيمِ فَبِهِ تَكثُرُ الحَّوادِثُ والأخطارُ.

أيُّها المُؤمنونَ: ومن الأسبابِ الشَّرعِيَّةِ لِمَنعِ الرِّياحِ والغُبارِ: الإكثارُ من التَّوبةِ والاستغفارِ، فاللهُ -تعالى- يقولُ: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[الأنفال: 33].

والْمؤمنُ الصَّادِقُ هو مَنْ يَتَأَثَّرُ قَلبُهُ بالآياتِ الكَونِيَّةِ التي يَراهَا، فَتُذَكِّرُهُ باللهِ، وَتُحيي قَلبَهُ، وَتُجَدِّدُ إيْمَانَهُ، وَتَجعَلُهُ مُتَّصِلاً باللهِ، ذَاكِرَاَ لَهُ، مُستَجِيرَاَ من سَخَطِهِ وَنِقَمِهِ.

فاتَّقُوا اللهَ -يا مؤمنون- وَتَذَكَّروا: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم: 41] فَهل تَدْعُونا الآياتُ والنُّذُرُ لِمُرَاجَعَةِ أَنْفُسِنا وَتَصحِيحِ أَخطَائِنَا؟!

فاستَمسِكُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- بِدِينِكُم واحذَرُوا مُخالَفَةَ رَبِّكم فإنَّ اللهَ -تَعَالى- يَغَارُ، ويُمهِلُ ولا يُهمِلُ فانظُرُوا في أعمَالِكُم، احذَرُوا ثُمَّ احذَرُوا مِنْ المُجَاهَرَةِ بالمُنْكَرَاتِ، وأَقِيمُوا صَلاتَكُم، وأدُّوا زِكَاةَ أموالِكُم، واحفَظُوا جَوَارِحَكُم، وامنَعوا الفَسَادَ، وتَذَكَّروا أنَّ الفِتَنَ تُدفَعُ بالأَمِرِ بالْمَعرُوفِ والنَّهي عن الْمُنكَرِ: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الأنفال: 25].

فاللهمَّ إنَّا نَعوذُ بك من زَوالِ نِعمَتِكَ، وَتَحوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقمَتِكَ، وَجَميعِ سَخَطِكَ.

اللهمَّ لا تَجعلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنَا، ولا تَجعلْ الدُّنيا أكبَرَ هَمِّنَا، واغفر لَنا وارحَمنَا واعفُ عنَّا.

اللهمَّ آمِنَّا في دُورِنَا، وَأَصلِح أَئِمَتَنَا وَوُلاَةَ أُمُورِنَا، اللهم انصرْ جُنُودَنا واحْفَظْ حُدُودَنا، اللهم لا تجعل لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا ديناً إلا قَضَيتَهُ، ولا هَمَّاً إلا نَفَّستَهُ، ولا مَرِيضَاً إلا شَفَيتَهُ، ولا مَيْتَاً إلا رَحِمتَهُ، ولا مَظلُوماً إلا نَصَرتَهُ، ولا ظَالِمَاً إلا دَحرتَهُ.

(ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[آل عمران: 147].

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].

عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].