البحث

عبارات مقترحة:

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

أهمية صلاح الأسرة

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات النكاح - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. معالم الأسرة الصالحة .
  2. حتمية تأثير الأسرة على أفرادها .
  3. الأسرة حصن ضد المتغيرات .
  4. أمر الإسلام الأسر بإصلاح أبنائها .
  5. خطورة تقصير الأسرة في واجبها. .

اقتباس

إِنَّ تِلْكَ الْأُسْرَةَ الْمُتَخَلِّيَةَ الْمُقَصِّرَةَ الْمُضَيِّعَةَ لِوَاجِبَاتِهَا كَجُنْدِيٍّ خَائِنٍ دَلَّ الْعَدُوَّ عَلَى عَوْرَاتِ قَوْمِهِ، أَوْ كَمُحَارِبٍ جَبَانٍ فَرَّ هَارِبًا وَتَرَكَ الْمُغِيرِينَ يَسْتَبِيحُونَ بَيْضَةَ قَوْمِهِ، أَوْ كَحَارِسٍ رِعْدِيدٍ ذَهَبَ يُعَاقِرُ الْخَمْرَ وَتَرَكَ الثُّغُورَ بِلَا حِرَاسَةٍ...

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

الْحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- بِحِكْمَتِهِ وَبَدِيعِ صُنْعِهِ قَدْ جَعَلَ الْأُسْرَةَ نَوَاةَ بِنَاءِ الْمُجْتَمَعِ، وَجَعَلَ اجْتِمَاعَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ سَبَبًا فِي اسْتِمْرَارِ النَّوْعِ الْبَشَرِيِّ عَنْ طَرِيقِ الْإِنْجَابِ وَالتَّكَاثُرِ؛ فَقَالَ -عَزَّ مِنْ قَائِلٍ-: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً)[النحل:72]؛ فَالْأُسْرَةُ هِيَ اللَّبِنَةُ الَّتِي يُقَامُ ويُرْفَعُ بِهَا صَرْحُ الْمُجْتَمَعِ؛ فَإِنْ كَانَتِ اللَّبِنَاتُ قَوِيَّةً صَالِحَةً كَانَ الْبِنَاءُ قَوِيًّا صَالِحًا، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لَعَلَّكُمْ تَتَسَاءَلُونَ: مَا هِيَ صِفَاتُ الْأُسْرَةِ الصَّالِحَةِ؟ وَنُجِيبُ بِاخْتِصَارٍ: هِيَ الْأُسْرَةُ الَّتِي تُقِيمُ حُدُودَ اللهِ فِي شَأْنِهَا كُلِّهِ، هِيَ الْبَيْتُ الْمُسْلِمُ الْمُلْتَزِمُ بِشَرِيعَةِ اللهِ، هِيَ الْأُسْرَةُ الَّتِي اجْتَمَعَتْ عَلَى كَلِمَةِ اللهِ، هِيَ الَّتِي تُرَبِّي أَفْرَادَهَا عَلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، هِيَ الَّتِي تَتَوَاصَى بِالتَّقْوَى، هِيَ الَّتِي لَا يُرَى فِي بَيْتِهَا مُحَرَّمٌ وَلَا يُسْمَعُ فِيهِ مُحَرَّمٌ، هِيَ الْأُسْرَةُ الَّتِي تُؤَدِّي جَمِيعَ وَاجِبَاتِهَا الشَّرْعِيَّةِ؛ مِنْ تَوْحِيدٍ وَصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَإِحْسَانٍ إِلَى الْجَارِ عَلَى خَيْرِ وَجْهٍ، ثُمَّ تَقُومُ بِوَاجِبِهَا تَامًّا نَحْوَ أَفْرَادِهَا مِنْ تَعْلِيمٍ وَتَأْدِيبٍ وَتَقْوِيمٍ، وَلَا تُقَصِّرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنَ الْحَقَائِقِ الْمُقَرَّرَةِ الْمُشَاهَدَةِ: أَنَّ الْأَفْرَادَ الصَّالِحِينَ الْمُسْتَقِيمِينَ النَّافِعِينَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِمَنْ حَوْلَهُمْ لَا يَخْرُجُونَ إِلَّا مِنْ أُسَرٍ صَالِحَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ؛ فَإِنَّ الْأُسْرَةَ هِيَ الْمَحْضَنُ الْمُخْرِجُ لِلذُّرِّيَّةِ الصَّالِحَةِ أَوِ الْفَاسِدَةِ؛ فَصَلَاحُ حَالِ الْمُسْلِمِينَ يَبْدَأُ بِصَلَاحِ أُسَرِهِمْ، وَفَسَادُ حَالِهِمْ يَبْدَأُ كَذَلِكَ بِفَسَادِ أُسَرِهِمْ، وَمِنْ هُنَا تَأْتِي أَهَمِّيَّةُ صَلَاحِ الْأُسْرَةِ.

وَقَدْ جَاءَتْ عِدَّةُ أَحَادِيثَ نَبَوِيَّةٍ تُبَيِن أَهمِيَة الْأُسَرِ وَشِدَّةِ تَأْثِيرِهَا عَلَى مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا صَلَاحًا أَوْ فَسَادًا، وَلَعَلَّ أَوْضَحَهَا هُوَ مَا رَوَاهُ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ؛ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟!"، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)[الروم:30](مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)؛ فَالْمَوْلُودُ يُولَدُ عَلَى التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَمَا أَنْ يَشِبَّ عَنِ الطَّوْقِ حَتَّى تَقَعَ عَلَيْهِ تَأْثِيرَاتُ أُسْرَتِهِ، فَيُعَلِّمُهُ أَبَوَاهُ الْيَهُودِيَّةَ؛ فَيَشِبُّ يَهُودِيًّا، أَوْ تُعَلِّمُهُ النَّصْرَانِيَّةَ؛ فَيَنْشَأُ نَصْرَانِيًّا، أَوِ الْمَجُوسِيَّةَ؛ فَيَتَحَوَّلُ مَجُوسِيًّا، بَعْدَ أَنْ كَانَ عَلَى التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ!

وَقَالَ تَعَالَى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا)[الأعراف: 58]. وَذَلِكَ إِنْ كَانَتْ صَالِحَةً، أَمَّا إِنْ كَانَ الْمُجْتَمَعُ وَالْبِيئَةُ الْمُحِيطَةُ بِالْفَرْدِ فَاسِدَةً فَإِنَّهَا لَا مَحَالَةَ تُصِيبُهُ مِنْ غُبَارِهَا وَشَظَايَاهَا، لَكِنْ إِنْ كَانَ لِهَذَا الْفَرْدِ أُسْرَةٌ صَالِحَةٌ تَحُوطُهُ وَتَصُونُهُ وَتَحْفَظُهُ وَتُوَجِّهُهُ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُسْرَةَ الصَّالِحَةَ تُقَلِّلُ تَأْثِيرَ ذَلِكَ الْمُجْتَمَعِ الْفَاسِدِ عَلَى أَفْرَادِهَا إِلَى الْحَدِّ الْأَدْنَى، بِحَيْثُ لَا يَكَادُ يَظْهَرُ عَلَى أَفْرَادِهَا مِنْ غُبَارِ الْمُجْتَمَعِ الْمُحِيطِ شَيْءٌ يُذْكَرُ، إِلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ.

أَيُّهَا الْمسلمونَ: إِنَّ أَدَلَّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْأُسْرَةَ الصَّالِحَةَ قَادِرَةٌ عَلَى صِيَانَةِ أَفْرَادِهَا مِنَ الضَّيَاعِ وَالشَّتَاتِ وَالِانْحِرَافِ: هُوَ أَنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ فَرَضَ عَلَى الْأُسْرَةِ فِعْلَ ذَلِكَ وَكَلَّفَهَا بِهِ، وَاللهُ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِمُسْتَطَاعٍ؛ فَفِي الْقُرْآنِ صَدَرَ الْأَمْرُ الْإِلَهِيُّ الْمُبَاشِرُ إِلَى المْسْئُولِينَ عَنِ الْأُسَرِ قَائِلًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التحريم: 6]؛ فَأَوَّلُ الْأَهْلِ هُمُ الزَّوْجُ وَالْأَوْلَادُ الَّذِينَ هُمُ الْأُسْرَةُ، وَمَا دَامَتِ الْأُسْرَةُ قَدْ أُمِرَتْ بِوِقَايَةِ أَفْرَادِهَا مِنَ النَّارِ بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّأْدِيبِ فَهِيَ قَادِرَةٌ عَلَى ذَلِكَ.

وَهَذَا أَمْرٌ نَبَوِيٌّ مُوَجَّهٌ -أَيْضًا- إِلَى الْأُسْرَةِ، وَمُحَمِّلًا إِيَّاهَا مَسْئُولِيَّةَ إِصْلَاحِ أَفْرَادِهَا، يَرْوِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فَيَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، قَالَ: فَسَمِعْتُ هَؤُلاَءِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

وَهَكَذَا كَلَّفَ الْإِسْلَامُ الْأُسْرَةَ بِرِعَايَةِ أَوْلَادِهَا وَحِمَايَتِهِمْ مِنْ كُلِّ شَرٍّ، فَلْتَقُمْ أُسَرُنَا بِوَاجِبِهَا خَيْرَ قِيَامٍ؛ لِأَنَّهَا سَتُحَاسَبُ عَلَيْهِ أَمَامَ رَبِّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللهِ: دَعُونَا نَتَسَاءَلُ: مَاذَا لَوْ خَرَجَ أَحَدُنَا فِي الْبَرْدِ الْقَارِصِ وَالْمَطَرِ الْغَزِيرِ إِلَى الطَّرِيقِ الْعَامِ بِمَلَابِسَ خَفِيفَةٍ لَا تُغْنِي مِنَ الْبَرْدِ وَالْمَطَرِ، مَا يَحْدُثُ لَهُ؟! وَمَاذَا لَوْ خَرَجَ فِي الشَّمْسِ الْحَارِقَةِ يَتَجَوَّلُ فِي الصَّحْرَاءِ مَاشِيًا بِلَا مِظَلَّةٍ وَلَا حَائِل؟!

وَلَيْسَتْ هَذِهِ النَّمَاذِجُ الَّتِي عَرَضْنَاهَا بِبَعِيدَةٍ عَنْ حَالِ الْمُجْتَمَعِ إِذَا مَا تَخَلَّتْ أُسَرُهُ عَنِ الْقِيَامِ بِوَاجِبِهَا فِي تَحْصِينِ أَفْرَادِهَا وَحِمَايَتِهِمْ.

إِنَّ تِلْكَ الْأُسْرَةَ الْمُتَخَلِّيَةَ الْمُقَصِّرَةَ الْمُضَيِّعَةَ لِوَاجِبَاتِهَا كَجُنْدِيٍّ خَائِنٍ دَلَّ الْعَدُوَّ عَلَى عَوْرَاتِ قَوْمِهِ، أَوْ كَمُحَارِبٍ جَبَانٍ فَرَّ هَارِبًا وَتَرَكَ الْمُغِيرِينَ يَسْتَبِيحُونَ بَيْضَةَ قَوْمِهِ، أَوْ كَحَارِسٍ رِعْدِيدٍ ذَهَبَ يُعَاقِرُ الْخَمْرَ وَتَرَكَ الثُّغُورَ بِلَا حِرَاسَةٍ.

بَلْ دَعُونِي أُقَرِّرْ فِي غَيْرِ مَا تَرَدُّدٍ: أَنَّ الْأُسْرَةَ الْمُفَرِّطَةَ أَكْثَرُ جُرْمًا، وَأَفْدَحُ خَطِيئَةً مِنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا؛ فَإِنَّ الْأُسْرَةَ إِنْ فَرَّطَتْ فِي التَّعْلِيمِ وَالتَّأْدِيبِ وَالتَّحْصِينِ؛ فَقَدْ تَرَكَتِ الْمَجَالَ لِلْعَدُوِّ يَغْزُو الْقُلُوبَ وَالْعُقُولَ؛ حَتَّى يَصِيرَ الْأَفْرَادُ تَبَعًا وَذَيْلًا لِعَدُوِّهِمْ ضِدَّ أُمَّتِهِمْ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْجُنْدِيَّ الْخَائِنَ وَذَلِكَ الْمُحَارِبَ الْجَبَانَ وَذَاكَ الْحَارِسَ الرِّعْدِيدَ مَا هُمْ جَمِيعًا إِلَّا ثَمَرَةُ أُسَرٍ مُقَصِّرَةٍ أَسْلَمَتْهُمْ حَتَّى ضَاعُوا.

وَيَا لَهُ مِنْ ذَنْبٍ عَظِيمٍ تَرْتَكِبُهُ الْأُسَرُ الْخَائِنَةُ لِأَمَانَاتِهَا، أَوَمَا سَمِعُوا عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو وَهُوَ يُحدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ"(السُّنَنُ الْكُبْرَى لِلنَّسَائِيِّ)، وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ"، فَقَدْ ضَيَّعَتْ تِلْكَ الْأُسَرُ أَفْرَادَهَا وَنَفْسَهَا، وَقَدْ حَبَسَتْ عَنْهُمْ مَصَابِيحَ الْهِدَايَةِ وَالنُّورِ لَمَّا حَرَمَتْهُمْ بَرَكَاتِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالدِّينِ وَالْإِيمَانِ، فَمَا وَقَتْ نَفْسَهَا، وَلَا وَقَتْهُمْ مِنْ نَارٍ وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ!

فَيَا عِبَادَ اللهِ: احْرِصُوا أَنْ تَكُونَ بُيُوتُكُمْ مَحَاضِنَ خَيْرٍ وَهُدًى وَنُورٍ وَصَلَاحٍ، وَمُخْرِجَةً لِلْأَبْطَالِ وَالْأَفْذَاذِ وَالصَّالِحِينَ مِنَ الشَّبَابِ وَالْفَتَيَاتِ، وَامْنَعُوا عَنْ بُيُوتِكُمْ أَسْبَابَ الْغَوَايَةِ وَالْعِصْيَانِ مِمَّا يَجْلِبُ الشَّرَّ وَيَصُدُّ عَنْ سَبِيلِ الْخَيْرِ، وَاصْرِفُوا جُلَّ أَوْقَاتِكُمْ إِلَى الْعِنَايَةِ بِأُسَرِكُمْ، أَدِّبُوهُمْ وَعَلِّمُوهُمْ، اغْرِسُوا فِيهِمُ الْفَضَائِلَ، وَحَصِّنُوهُمْ ضِدَّ التَّيَّارَاتِ الْفَاسِدَةِ وَالْمَوْجَاتِ الْمُلْحِدَةِ؛ فَلْتَكُنْ أُسَرُكُمْ مَحْضَنًا لِلصَّلَاحِ، وَحِصْنًا حَصِينًا يُقْصِي الْخَبَالَ وَيَقُودُ إِلَى الْفَلَاحِ، إِذًا تَسْعَدُوا وَأَهْلُوكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

فَاللَّهُمَّ احْفَظْ أُسَرَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَاجْلِبْ إِلَيْهَا كُلَّ خَيْرٍ، وَرُدَّ عَنْهَا مَنْ يُرِيدُ إِفْسَادَهَا خَائِبًا، بِفَضْلِكَ وَحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ يَا قَوِيُّ يَا مَتِينُ.

وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَتَابِعِيهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.