العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن الانحطاط في هذه القنوات يكمن في أنها تنقل إلى الناس أنماطاً من الحضارة الغربية، وتعطيهم تصوراً عن الغرب، فالذي يعرض في التلفاز ليس هو واقع المجتمع المحافظ، ولا هو الواقع المطلوب إسلامياً، وإنما الذي يعرض في الغالب هو نمطٌ من الحياة الغربية المنحطة التي يتطلعون أن تصطبغ بها الحياة الإسلامية...
الخطبة الأولى:
الحمد لله قضى ألا تعبدوا إلا إياه، لا مانع لما أعطاه، ولا راد لما قضاه، ولا مظهر لما أخفاه، ولا ساتر لما أبداه ولا مضل لمن هداه، ولا هادى لمن عصاه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ومصطفاه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومن والاه.
أما بعد:
عباد الله: نريد اليوم أن نتحدث حول موضوع رهيب، وانحطاط خطير، ومكر كبير، إنه الانحطاط الإعلامي الذي يتصدر الكثير من وسائلنا الإعلامية الموجودة اليوم على الساحة.
إن كثيراً من القنوات الإعلامية -وللأسف الشديد- تتسابق نحو الفحش والرذيلة، وتحاول أن تكسب الناس بعرض العُري والفجور، وتأتي لهم بكل جديد في عالم العهر والفساد, والله المستعان.
لقد بلغ بهم الانحطاط كل مبلغ، ولم يقتصر انحطاطهم وفسادهم على جانب معين أو أمور محددة، وإنما وصل الانحطاط عندهم في كل شيء، فالمشهد منحط، والعرض له يتم بطريقة منحطة، ومن يعرضه يكون في الغالب شخص منحط، تظهر عليه كل علامات الهبوط والدياثة.
صور عاهرة عارية سافلة، تهيج الشهوات وتثير الغرائز، وتعبث في النفوس، وتفسد القلوب، وتحجب البصيرة عن نور الله وهديه وصراطه المستقيم، صور منحطة في ألوانها، ومنحطة في تقسيماتها، ومنحطة في تصويرها وعرضها، ومنحطة في كل أجزائها وتقسيماتها، يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء : 36].
هذه المشاهد الهابطة يصاحبها موسيقى صاخبة منحطة في تغنجها, ومنحطة في حدة صوتها, ومنحطة في التلاعب بطريقة عرضها, حتى تصل إلى القلوب فتمرضها وتهلكها؛ لأن الشيطان مصدرها والمُحسن لها (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) [الإسراء : 64].
مسلسلات يُخدَش فيها الإيمان والحياء، وتغيب فيها الفطرة والفضيلة، وتضيع منها القيم والأصول، وليس فيها من الفوائد شيء، فكلها انحطاط في انحطاط، وسموم في سموم، ففكرتها تدعو إلى الانحطاط، وطريقتها تدعو للانحطاط، ومغزاها يؤدي للانحطاط، ولهذا لا يشاهدها أحد إلا تأثر بانحطاطها وفجورها؛ لأنها لا تتحدث إلا حول الانحطاط.
ولهذا نجد أن النساء اللاتي يكثرن من مشاهدة هذه المسلسلات والصور يظهر الانحطاط عليهن في كلامهن، ومشيتهن، وحركاتهن، ولباسهن، وتجد النساء البعيدات عن مشاهدة هذه المسلسلات المنحطة معتزات بقيمهن وحجابهن وثوابتهن.
لقد بلغ بهم الانحطاط إلى أن يعرض الرجل وعليه لباس ساتر، وبنطال طويل، وثياب سابغة، وتظهر المرأة بصورة سافلة، وثياب عارية، وانحطاط رهيب.
وكان من النتائج المرة لهذا السفول والانحطاط أن تجد لباس الرجال أستر من لباس النساء، ولباس العجائز والكبار اللاتي لا يطالعن في هذه المسلسلات المنحطة أستر بكثير وأحشم من لباس الفتيات الصغار والشابات.
أيها المسلمون: إن ما تقدمه القنوات الإعلامية الهابطة من تمثيليات ومسرحيات وبرامج مختلفة إنما هي في الحقيقة تعمل على تكريس قيم وأفكار ومبادئ منحطة، يريد صانعوها أن يفسدوا بها عقول أبنائنا وبناتنا، وينكسوا بها فطرهم، ويمحوا بها دينهم وإيمانهم.
إن على كل الغيورين من أبناء هذه الأمة أن يتقوا الله في أبناء المسلمين وبناتهم، وأن يكفوا المسلمين شر هذا الانحطاط المخزي، ويحذروهم منه، ويَحولوا بينهم وبينه هذا الخزي والفسوق الذي يعرض عليهم ليل نهار.
إن الانحطاط في هذه القنوات يكمن في أنها تنقل إلى الناس أنماطاً من الحضارة الغربية، وتعطيهم تصوراً عن الغرب، فالذي يعرض في التلفاز ليس هو واقع المجتمع المحافظ، ولا هو الواقع المطلوب إسلامياً، وإنما الذي يعرض في الغالب هو نمطٌ من الحياة الغربية المنحطة التي يتطلعون أن تصطبغ بها الحياة الإسلامية، حتى تكون الدنيا كلها نمطاً واحداً، لا يوجد حضارة أخرى، أو نمطا آخر من الحياة يعارض ما عليه الغرب.
لقد صدّروا إلينا هذه الأنماط الغربية المنحطة بعد أن ملّ الغرب نفسه منها، وصار يلفظها، وضج أهله منها، فقاموا ببثها لنا، وانتاجها من جديد لتقوم بتخريبنا وتدميرنا.
لقد أرعبتهم النتائج السافلة لهذا الانحطاط، فهناك الملايين من الفتيات عندهم يحملن من السفاح من غير زواج ولانكاح، وهناك أكثر الولادات التي تتم للبنات بين سن الخامسة عشرة، والتاسعة عشرة سنة تتم خارج نطاق قانون الزواج!, وانتشر العنف والجريمة في كل مكان انتشاراً مخيفاً، وأصبحت البيوت والعائلات مهددة من الداخل بسبب هذه السلسلة الطويلة من الأفلام المملوءة بالكلام البذيء والعري والخزي والجنس والعنف والقذارة والقتل.
وأظهرت لهم نتائج الاستبيانات أن العنف الذي يظهر في التلفاز هو المسؤول في الغالب عن جرائم الأطفال، وعن أكثر حالات الانتحار، بسبب مشاهدة الأطفال لها وتأثرهم بها.
إنها قنوات أكثر، وفجور أكبر، وتطبيع أظهر، وإشغال وإلهاء، ألسنا نرى ذلك، ونتحدث به في مجالسنا؟! ألا نرى خطرها يسري في صفوفنا، ويتسلل إلى بيوتنا، ويؤثر في شبابنا وفتياتنا، ويغير في كلماتنا ومصطلحاتنا، وأصبح الحال كما قال الشاعر:
يموت المسلمون ولا نبالي | ونهرف بالمكارم والخصال |
ونحيا العمر أوتاراً وقصفاً | ونحيا العمر في قيل وقال |
وننسى إخوة في الله دارت | بهم كف الزمان على الرمال |
ألسنا نرى القنوات ترقص وتغني، ومن بعد في نشرة الأخبار الدبابات تقصف وتدمر؟! ألسنا نرى الفوازير والفيديوهات المنحطة المخجلة في بعض القنوات، بل نسمع ونرى في الإعلام المنحط من يطعن في كل المعاني الإسلامية، ابتداء بحجاب نسائنا وعفة بناتنا وانتهاء بكل قيمنا وثوابتنا، كما هو الحال في قنواتنا الفضائية الكثيرة الشهيرة؟! أليس ذلك جديراً بأن يلفت نظرنا؟! ويدعونا إلى إعلان الثورة على هذا الانحطاط الإعلامي المدمر.
إن إعلامنا يجب أن يكون أداة لخدمة الدين والتمكين له في عقول الناس وقلوبهم وواقعهم، وطاعة الله تعالى ورسوله، لا أن يكون بوقاً من أبواق الشر وصدى من أصداء المكر، (قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) [القصص:17] ويقول -جل وعلا-:(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج:41] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى، والذي أخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-.
أما بعد:
أيها الناس: إن الانحطاط الإعلامي ظاهرة يلحظها المتابع للوسائل الإعلامية في الوطن العربي بكل أنواعها المقروءة والمسموعة والمرئية.
ومن صور هذا الانحطاط الإعلامي: تحريف النصوص التي ينقلها هذا الإعلام على لسان العلماء والدعاة والمصلحين في الوطن العربي والإسلامي، وهذا النوع من الانحطاط يكثر بشكل ملحوظ في الصفحات المخصصة للتحليل الإخباري ذي الصبغة السياسية في الصحافة المقروءة بطريقة تبعث على النفور والتقزز.
ومن صور هذا الانحطاط: التهميش المقصود للمشكلات التي تعاني منها الأمة الإسلامية، وتجاهل القضايا الكبرى الموغلة في جذور المعاناة، والاشتغال بقضايا فرعية تافهة تأتي في ذيل اهتمامات المجتمع.
إنها دعوة للتعقل الإعلامي في مجتمعاتنا العربية للقضاء على مظاهر الانحطاط في أجهزته بكل صورها وأشكالها. دعوة تنادي بترميم شامل للواجهات الإعلامية التي عفى عليها الزمن، والتي سودتها الشعارات، وطمست معالمها التيارات الظلامية التي عصفت بالأمة سنين عدداً، وما الروائح المسمومة المنبعثة من هذه الوسائل إلا دليل على امتزاج قذر في عقول أصحابها.
إن لوازم العقل، ودواعي الفطرة، ومتطلبات المرحلة، ومنطق الحاجة، واستقراء الواقع.. كل ذلك يحتم استئصال الفساد المجوف الذي عشش وفرّخ في كثير من أجهزة الإعلام، واستبداله بفكر حي يثبت عقيدة الأمة، ويحمل همها، ويوسع مداركها.
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فبدأ بنفسه، وثنى بالملائكة المسبحة بقدسه، وثلث بكم أيها المؤمنون من جنه وإنسه، فقال عز من قائل –كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.