البحث

عبارات مقترحة:

المعطي

كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

ختام رمضان وزكاة الفطر

العربية

المؤلف سالم بن محمد الغيلي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الزكاة - الصيام
عناصر الخطبة
  1. سرعة مرور أيام شهر رمضان .
  2. أهمية ختام الأعمال الصالحة بالاستغفار .
  3. أحكام زكاة الفطر وآدابها .
  4. أحكام يوم العيد وآداب صلاته. .

اقتباس

سيذهب الجميع كما ذهبت أيام رمضان، التاجر سيذهب، الفقير سيذهب.. لكن المؤمن يتنقل من طاعة إلى طاعة، ومن إحسان إلى إحسان، ومن قُربة إلى قُربة، بهذه الطاعات والتقرب بها إلى رب البريات تحلو الحياة، وتنشرح الصدور، وتعظم الأجور.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد:

إنا لنفرح بالأيام نقطعها

وكل يوم مضى يُدني من الأجلِ

قبل أيام استقبلنا ضيفنا، وها نحن بعد أيام قلائل نودعه، عزم على الرحيل وآذن بالفراق، وطوى الصحائف وأغلق السجلات، وبيننا وبين رمضان الآخر دهر طويل، رحل بما عُمل فيه من أعمال، نسأل الله أن يكون شاهدًا لنا لا علينا، وأن يجعلنا فيه من المقبولين ولا يردنا خائبين، ونسأله -تعالى- أن يعيده علينا أعوامًا عديدة وأزمانًا مديدة ونحن في صحة وعافية وسلامة وإسلام وأمن وأمان.

إن أعمارنا كأيام رمضان؛ استقبلناه قبل أيام، ونودعه هذه الأيام، وأنت كذلك، وأنا كذلك؛ بدأت أعمارنا وسنودع في يوم من الأيام؛ إن في ذلك لعبرة لأهل العقول، لأهل الأفهام لمن يعرف الدنيا، سيذهب الجميع كما ذهبت أيام رمضان، التاجر سيذهب، الفقير سيذهب.

كلُّ حيُّ سيموتُ

لَيْسَ في الدُّنيا ثُبُوتُ

حَرَكَاتٌ سَوْفَ تَفْنَى

    ثُمَّ يَتْلُوها خُفُوتُ

وكَلامٌ لَيْسَ يَحْلُو  

 بَعْدَهُ إِلاَّ السُّكُوتُ

أيُّها السادِرُ قُلْ لي

 أَيْنَ ذاكَ الجَبَرُوتُ؟

كُنتَ مطبوعاً على

  النُطْقِ، فَمَا هَذَا الصُّمُوتُ؟

ليت شِعري، أَهُمودٌ

ما أراهُ، أَم قنوتُ؟

أَيْنَ أَمْلاكٌ لَهُمْ في

كُلِّ أُفْقٍ مَلَكُوتُ

زالَت التيجانُ عنهم

وخَلَتْ تلْكَ التُّخُوتُ

أَصْبَحَتْ أَوْطَانُهُمْ مِنْ

بَعْدِهِمْ وَهْيَ خُبُوتُ

لا سَمِيعٌ يَفْقَهُ الْقَوْلَ

ولا حَيٌّ يَصُوتُ

عمرَت منهُم قبورٌ

وخلَت منهم بيوتٌ

لم تَذُدْ عَنْهُمْ نُحُوسَ

الدّهْرِ إِذْ حانَتْ بُخُوتُ

خَمَدَتْ تِلْكَ الْمَسَاعِي

وانْقَضَتْ تلكَ النُّعُوتُ

إِنَّما الدُّنْيا خَيَالٌ

 باطِلٌ سَوْفَ يَفُوتُ

ليسَ للإنسانِ فيها

غيرَ تقوى اللهِ قوتُ

إن الله قال لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما أكمل له الدين، وأتم النعمة عندما قرب أجله ونهاية حياته أمره بالاستغفار (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)[سورة النصر:1-3]، وهو مغفور له ليس عليه ذنب ليس عليه خطيئة ومع ذلك يستغفر ويكثر من الاستغفار.

وأمر الله الحُجاج بعد انقضاء مناسكهم وأعمالهم بالاستغفار (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[سورة البقرة:199].

وفي نهاية كل صلاة من السنة الاستغفار ثلاثًا فنقول: "أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله"، فنستغفر الله في نهاية هذا الشهر، نستغفر الله من كل تقصير، نستغفر الله من كل ذنب ومن كل خطيئة ومن كل قطيعة، (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[سورة النمل:46]، (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)[سورة الأنفال:33].

فلنستغفر الله؛ ولنكثر من الاستغفار؛ فإن التقصير كثير، نرفع الأكف إليه، ونُلِحّ في التضرع إليه؛ فإنه يحب الملحين، ويغفر للمستغفرين، ويتوب على التائبين.

لقد أمرنا الله -تعالى- في ختام هذا الشهر بأداء زكاة الفطر؛ لتكون آية على الشكر وسببًا في تكفير الوزر ومواساة لفقراء البلد؛ إنها زكاة بدن تلزم كل مسلم، فرضها الله -سبحانه وتعالى- على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد من المسلمين.

وتُخرَج من الأصناف المنصوص عليها؛ ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا نُعْطِيهَا في زَمَانِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- صَاعًا مِن طَعَامٍ، أوْ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ، أوْ صَاعًا مِن زَبِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وجَاءَتِ السَّمْرَاءُ، قالَ: أُرَى مُدًّا مِن هذا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ"؛ وإذا لم توجد هذه الأصناف فيخرج من بقية أقوات البلد.

وأفضل وقت لإخراجها هو قبل صلاة العيد، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد؛ لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: "فَرَضَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ علَى العَبْدِ والحُرِّ، والذَّكَرِ والأُنْثَى، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وأَمَرَ بهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلَاةِ"(صحيح البخاري).

ولا يجوز إخراجها نقودًا؛ لأن ذلك مخالفٌ لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يجوز إخراجها خارج البلد إلا إذا لم يكن في البلد مَن يستحقها، ويجوز للفقير إخراجها مما أُعطي من الصدقات، ويجوز دفع صدقة الجماعة إلى فقير واحد، ويجوز دفع صدقة الشخص الواحد إلى جماعة من الفقراء، والمسلم يخرجها عن نفسه وعمن يقوم بالنفقة عليه.

"ومن فاته إخراجها قبل صلاة العيد متساهلاً؛ فعليه إثم، وعليه أن يُخرجها في بقية يوم العيد صدقة من الصدقات، ومن فاته إخراجها في يوم العيد فإنه يخرجها بعده قضاءً" (الشيخ صالح الفوزان الخطب المنبرية صـ406).

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "زكاةُ الفطرِ طُهْرَةٌ للصائِمِ مِنَ اللغوِ والرفَثِ، وطُعْمَةٌ للمساكينِ، مَنْ أدَّاها قَبْلَ الصلاةِ فَهِيَ زكاةٌ مقبولَةٌ، وَمَنْ أدَّاها بَعْدَ الصلاةِ فهِيَ صدَقَةٌ مِنَ الصدَقَاتِ"(صحيح الجامع للألباني).

وزكاة الخادم أو الخادمة على نفسه؛ إلا أن يتبرع بها الكفيل أو تشترط عليه، "ولا يجوز دفعها إلى العمال والشغالين أو الشغالات من غير المسلمين"(ابن عثيمين -رحمه الله-).

"ومن كان مغتربًا عن بلده؛ فإنه يخرجها في البلد الذي ينتهي شهر رمضان وهو فيه، وإن وكل من يخرجها عنه في بلده أجزأه، لكنه خلاف الأولى"(الفوزان).

"والولد الغائب تلزمه أينما كان، ولا يدفعها والده عنه إلا إذا كان الولد فقيرًا ووالده غني"(الشيخ السعدي)، ويجوز إخراجها عن الجنين؛ يخرجها عنه والده أو والدته.

هكذا المسلم وهكذا المؤمن من طاعة إلى طاعة، ومن إحسان إلى إحسان، ومن قُربة إلى قُربة، بهذه الطاعات والتقرب بها إلى رب البريات تحلو الحياة، وتنشرح الصدور، وتعظم الأجور.

اللهم سدِّدنا في القول والعمل، اللهم اجعلنا من المخلصين واجعلنا من المقبولين وضاعف أجورنا وحسناتنا يا أرحم الراحمين.

أقول ما تسمعون.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وصلاةً وسلامًا على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: صيام رمضان يعدل عند الله صيام عشرة أشهر، والله يضاعف لمن يشاء، ومن صام ستًّا من شوال؛ فكأنه صام السنة كلها؛ لأن صيامها يعدل صيام شهرين، وفي ذلك يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ"(صحيح مسلم).

والأولى لمن عليه قضاء أيام من رمضان أن يبدأ بها أولاً، وصيامها يكون في أيّ يوم من شوال سوى يوم العيد؛ فإنه يحرم صيامه، ولا يلزم المسلم متابعة صيام تلك الأيام، ووقتها على امتداد الشهر يصوم كيف يشاء.

ومما سنَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- في ختام هذا الشهر الكريم: التكبير من غروب الشمس ليلة العيد إلى صلاة العيد، قال الله -تعالى-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[سورة البقرة:185]؛ ويُسن أن يجهر بها الرجال في المساجد والأسواق والبيوت؛ إعلانًا بتعظيم الله، وإظهارًا لعبادته وشكره، قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يُكبِّرُ يومَ الفطرِ من حين يخرجُ من بيتِه حتى يأتيَ المصَلَّى"(صحيح الجامع للألباني).

ومما شرعه الله في يوم العيد: الاغتسال والتطيب، ولبس أحسن الثياب بدون إسراف ولا مخيلة ولا حلق لحية.

ومما يشرع كذلك: أكل تمرات وترًا واحدة أو ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا، وهكذا قبل الذهاب إلى المسجد أو المصلى؛ وذلك فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- قال أنس -رضي الله عنه-: "كانَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لا يَغْدُو يَومَ الفِطْرِ حتَّى يَأْكُلَ تَمَراتٍ، ويَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا"(صحيح البخاري).

ومما يؤكد عليه ويُحَث عليه: الحرص على حضور صلاة العيد وخطبة العيد مع جماعة المسلمين، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "إن صلاة العيد واجبة ولا تسقط إلا بعذر..".

ولنحذر -أيها الأحبة- من التكبير الجماعي، أو تخصيص يوم العيد لزيارة المقابر والتسليم على الأموات، ولنحذر أن تكون فرحتنا بالعيد؛ لأن شهر رمضان انتهى وتخلصنا من العبادة فيه؛ فإن ذلك من أعظم المصائب، وإنما الفرحة تكون لأن الله -تعالى- منّ علينا بإتمام الصيام وقبول الطاعات -بإذن الله تعالى-.

اللهم تقبّل صيامنا وصلاتنا ودعاءنا، اللهم اجعلنا من المقبولين ولا تردنا خائبين، اللهم أعد علينا رمضان أعومًا ونحن في صحة وعافيه وسلامة وإسلام وأمن وإيمان، اللهم اجعله شاهدًا لنا لا علينا برحمتك وفضلك يا أرحم الراحمين.