السبوح
كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...
العربية
المؤلف | عبد الله حماد الرسي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة - أركان الإيمان |
إن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام التي تأخذ بيد المسلم المنقاد لله رب العالمين، فتوصله إلى الغاية الحميدة، ويأمن بها من العثرة، ويأمن بها من الفزع في يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فيأمن المسلم بهذه الصلاة حين يخاف الناس، ثم هذه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أعز بالإسلام من تمسك به، وأذل وخذل من ابتغى غير الإسلام ديناً، أحمدك اللهم وأشكرك، بنيت هذا الدين على أركان وأسس متينة، ومن أهمها بعد التوحيد الصلاة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، المبلغ عن ربه دين الإسلام، وما مات حتى أكمل الله به الرسالة، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله حق تقاته، وتمسكوا بأهداف دينكم القويم الحنيف، دينكم دين السماحة والسهولة.
عباد الله: يقول الله -جل وعلا-: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت: 45].
إن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام التي تأخذ بيد المسلم المنقاد لله رب العالمين، فتوصله إلى الغاية الحميدة، ويأمن بها من العثرة، ويأمن بها من الفزع في يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فيأمن المسلم بهذه الصلاة حين يخاف الناس، ثم هذه الصلاة تكون له برهاناً على إيمانه، وصدقاً على إسلامه، وفي النهاية تكون له الصلاة نجاة من النار، وما ذاك -يا عباد الله- إلا لعظم منزلة الصلاة من الدين القويم؛ لأن الصلاة عمود الإسلام.
أمة الإسلام: الصلاة هي الصلة الوثيقة بين العبد وبين خالقه وموجده جل وعلا، فإذا قطع تلك الصلة ونسي الله، وتركها قطع الله عنه عونه، ووكله إلى نفسه، ونسيه الله، عند ذلك يتولاه الشيطان، ويكون من حزب الشيطان، أولئك حزب الشيطان وهم الخاسرون في الدنيا والآخرة.
فإذا تولاه الشيطان تقاذفته المحن، وتسلطت عليه البلايا، وهيهات أن يفلح عبد تخلى عنه رب العالمين، وهيهات أن يفلح عبد تولاه الشيطان الرجيم، وهيهات وهيهات أن يفلح عبد أعرض عنه أرحم الراحمين وتولاه شيطان رجيم مطرود عن رحمة الله.
إنه صار بترك الصلاة كافراً -والعياذ بالله-، وبرئت منه ذمة الله.
ولقد أكثر الله -سبحانه- من ذكر الصلاة، وأكثر من ذكرها في القرآن الكريم، وعظم شأنها، وأمر بالمحافظة عليها، وأمر بأدائها مع الجماعة في بيوت الله، وحذر من التهاون بها، والتكاسل عنها، وأن ذلك من صفات المنافقين الذين لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا يذكرون الله إلا قليلاً، ومآلهم إلى الدرك الأسفل من النار، فهم يصلون ويذكرون الله، لكنهم لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، ويذكرون الله لكنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً وبدون رغبة، فمآلهم إلى الدرك الأسفل من النار.
عباد الله: لقد أمركم الله بالمحافظة على الصلاة في كتابه الكريم، فقال وقوله الحق: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة: 238].
عباد الله: إن الذي يتخلف عن أدائها مع الجماعة بدون عذر شرعي يكون عاصياً لله، مرتكباً كبيرة من كبائر الذنوب، وتوعده الله بويل في جهنم؛ وهو وادٍ لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من حره، وهذا لمن تهاون بالصلاة.
عباد الله: صلوا مع الجماعة في بيوت الله امتثالاً لأمر الله -تعالى-، حيث قال: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة: 43].
وهذه الآية نصٌ في وجوب الصلاة مع الجماعة، ولو كان المقصود إقامتها فقط لم تظهر مناسبة واضحة في ختم الآية بقوله جل وعلا: (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) لكونه قد أمر بإقامتها في أول الآية.
ولقد أوجب الله -سبحانه وتعالى- الصلاة في جماعة في حال الحرب، فأوجبها رب العالمين وأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، فكيف بحال السلم؟! فكيف بحال الأمان؟! فكيف بحال الطمأنينة؟! فكيف بحال رغد العيش؟! فكيف بحالٍ والشوارع منارة؟!
لا حجة لأحدٍ أبداً.
أجل -يا عباد الله- لو كان أحدٌ يُسامح بترك الصلاة في جماعة لكان المصافُّون للعدو والمهددون بهجوم العدو؛ أولى بأن يسمح لهم بترك الجماعة، فلما لم يقع ذلك عُلم أن أداء الصلاة في جماعة من أهم الواجبات، وأنه لا ينبغي لأحدٍ يدعي الإسلام ويدعي الإيمان أن يتخلف عن الصلاة في الجماعة امتثالاً لأمر الله ولأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وفي الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام البخاري والإمام مسلم وغيرهما -رحمهم الله- في بيان وجوب الصلاة مع الجماعة، حيث يقول أبو هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً أن يصلي بالناس، ثم انطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار".
أمة الإسلام: عجباً لمن عرف الدليل وحاد عن الجادة! عجباً لمن يسمع قال الله وقال رسوله، ويقول: أنا آخذ بقول فلان وفلان وعلان!.
لو فكر هذا المسكين المعاند لمن أمر أن يتبع، هل أمر أن يتبع ويقتدي بفلان وفلان، أو أمر أن يقتدي ويتبع بمن جاء بالهدى والنور الذي جاء بالشرع الحكيم والذي يهدي إلى صراط الله المستقيم، الذي قال الله فيه: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) [الأحزاب: 21].
إنه الشرع القويم الذي جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم-.
أمة الإسلام: متى ظهر الحق واتضحت أدلته، لم يجز لأحد أن يحيد عنه لقول فلان وفلان.
أمة الإسلام: متى ظهر الحق واتضحت أدلته فإنه لا يجوز لأحد أن يحيد عنه لقول أحد كائناً من كان؛ لأن الله -عز وجلَّ-يقول: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) [النساء: 59].
عباد الله: الأدلة في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في وجوب الصلاة في جماعة وإقامتها في بيوت الله كثيرة؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً أعمى قال: "يا رسول الله! إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: "نعم" فلما ولى دعاه صلى الله عليه وسلم وقال له: هل تسمع النداء؟ -هل تسمع: "الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله الله، أشهد أن محمداً رسول الله، هل تسمع: حي على الصلاة، حي على الفلاح؟"- قال: نعم، قال: "فأجب".
أمة الإسلام: ما أكثر من يسمع الأذان ويضع الغطاء على رأسه، ما أكثر من يسمع الأذان وينام ويهنأ تحت المكيف عصياناً لله ولرسوله، متى يجد غب ذلك؟ يجد غب ذلك: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88-89].
عباد الله: إن مكبرات الصوت حجة عليكم، إنها ليست تسمع فحسب بل هي تهز البيوت، ولكن -مع الأسف الشديد- أكثر المجاورين لبيوت الله لا يحضرون الصلوات، اللهم اهدهم بهداك، أو أزلهم عن مجاورة بيوتك المطهرة، فإنهم -ولا حول ولا قوة إلا بك- لا يحضرون الصلاة، يسمعون الأذان والإقامة ويسمعون الصلاة تقام ولا يحضرون الصلوات مع الجماعة في المساجد.
إنها المصيبة العظمى -يا عباد الله-، إنه الخطر الكبير الذي يشعر أن الكثير من المسلمين قد تخلوا عن دينهم الحنيف!.
نعم -يا عباد الله- إنه الخطر الجسيم الذي يشعر أن الكثير من المسلمين ابتعدوا عن أهم موقف يقف به العبد بين يدي رب العالمين، إنها المصيبة العظمى، إنه الإعلان من كثير من المسلمين بترك عمود الإسلام.
ومع الأسف الشديد: إنهم إذا تركوا عمود الإسلام وتركوا الصلاة، فإنهم كفار مرتدون لا يصلى على جنائزهم ولا تتبع، ولا يعاد مرضاهم، ولا يدفنوا في مقابر المسلمين، ولا يغسلون إذا ماتوا، والله ثم والله لو أتي بجار من جيران المسجد وأخبرنا أنه لا يصلي فلن نصلي عليه، بل نتركه يخزيه الله في الدنيا قبل الآخرة.
نعم -يا عباد الله- نقولها بصراحة: لو أتي بأحدٍ من جيران المسجد الذين لا يشهدون الصلاة، وجاء شهود على تركه للصلاة فلا نصلي عليه؛ ليخزيه الله في الدنيا قبل الآخرة، ألا فليتقوا الله، ألا فليخافوا الله -عز وجلَّ- قبل أن يأتيهم أمر الله وهم غافلون، إنا لله وإنا إليه راجعون!.
يا عباد الله: إنها مصيبة عظمى، وأكبر من تلك المصيبة، الذين يأتون إلى المسجد ويتركون أولادهم في الشوارع يلعبون، أو في فرشهم نائمون، لم يبذلوا الأسباب فلم يوقظوهم، من أين لهم حجة إذا وقفوا بين يدي رب العالمين، وما هي حجتهم إذا وقفوا بين يدي رب العالمين؟ ألا يفعلون الأسباب؟ ألا يوقظون أولادهم؟ حتى ولو يتأخرون عن الصف الأول، إنما أنت مطالب بهذه الأمانة في عنقك، ولست مطالباً في أن تكون في الصف الأول، بل أنت مطالب بهذه الأمانة في عنقك أن تأتي به إلى المسجد فيصلي.
وهذه -يا عباد الله- مصيبة عظمى سوف نسأل عنها يوم القيامة، ولنبحث ما هو السبب الذي جعل الأبناء يبتعدون عن المساجد، ما هو السبب -يا عباد الله-؟ لنفكر في ذلك، ولنبحث عن ذلك لعلنا نعالج هذا المرض الخطير الذي قضى على كثير من الشباب فصاروا لا يعرفون بيوت الله طرفة عين، فإنا لله وإنا إليه راجعون!.
عباد الله: البعض من الناس إذا دعي إلى هذا الصلوات تكلم بكلماتٍ تشمئز منها القلوب، سواء كان مجاوراً أو غير مجاور، سواء كان من الجيران أو غير الجيران، إذا دعي إلى هذه الصلوات الخمس تكلم بكلمات تشمئز منها القلوب المؤمنة، ولكن لا تيئس -يا أخي المسلم-، ادع جارك ونبهه إلى الصلاة لعلك تبرأ من تبعته يوم القيامة، إنه في الدنيا يتكلم عليك، ولا تدري غداً لعل الله يأخذه وترتاح منه أو يهديه ويكون في صفك في المساجد.
أما في الآخرة، فإنه يتعلق في رقبتك يوم القيامة، ويقول: يا رب! جاري ظلمني، فتقول: والله ما ظلمته بحق يا رب العالمين، فيقول: بلى إنه رآني على المعاصي فلم ينهني، ولم يأمرني بطاعة الله.
فالخلاص الخلاص -يا عباد الله-، الخلاص ما دمت في وقت الإمكان، فالبعض من الناس -ويخشى أن يكونوا من الذين يعلمون أولادنا- يسمون الصلاة رجعية مع الأسف الشديد، وهم يعلمون أبناءنا، لا رد الله رجعتهم إذا سافروا إن كان قصدهم الفساد وتثبيط أولادنا عن دين الإسلام، فهم يسمون الصلاة رجعية، ويسمون من يصلي رجعياً، ويرمونه بالجمود، فحسبنا الله ونعم الوكيل! وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون.
لقد أخبر عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-؛ وهو من أجلاء صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حيث قال رضي الله عنه: "لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق عُلم نفاقه أو مريض" ثم يقول: وإن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة" وقال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى: الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه".
وقال أيضاً: "من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صلَّيتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم".
ثم يخبرنا بهذا الفضل، ويقول: "ما من رجل يتطهر فيمس الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة".
عباد الله: إن الواجب على كل مسلم العناية بهذا الأمر، والمبادرة إليه، والتواصي به، إنها الصلاة -يا عباد الله-.
اللهم وفقنا لما فيه رضاك وإصلاح أمر ديننا ودنيانا، وأعذنا من مشابهة الكفار والمنافقين إنك جواد كريم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طـه: 132].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل: (وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) [البقرة: 43].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمر ألا تعبدوا إلا إياه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، معلم الخير والهدى، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل-.
أمة الإسلام: اعلموا أن شأن الصلاة عظيم، وقد بلغ من عناية الإسلام بأمر الصلاة أن أمر بإقامتها في الحضر والسفر، وفي السلم والحرب، ولم يرخص في تركها للمريض، فقال صلى الله عليه وسلم للمريض: "صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب".
يسرٌ وسهولة، هكذا دين الإسلام؛ دين الكرامة والعزة، دين المفخرة العظمى لأهل الإسلام الذين تمسكوا به وأقاموه وقاموا بواجباته على نور من الله وبرهان، وعلى رأس ذلك وفي مقدمته الصلاة التي هي الركن العظيم من أركان الإسلام ومبانيه التي لا يقوم إلا عليها، فمتى حافظ عليها العبد، فإنها تهديه بنورها إلى الطريق السوي، ويبدو أثر ذلك في سلوكه واتجاهه نحو الخير، وبعده عن الإثم والرذيلة.
يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن العبد إذا صلى فأحسن الصلاة صعدت ولها نور، فإذا انتهت إلى أبواب السماء فتحت أبواب السماء لها وتشفع لصاحبها وتقول: حفظك الله كما حفظتني، وإذا أساء في صلاته فلم يُتمَّ ركوعها ولا سجودها ولا حدودها -إنما جاء مكرهاً ليس مطيعاً، إنما جاء مدبراً غير مقبلٍ، إنما جاء اتباعاً للعادة لا عبادة- صعدت ولها ظلمة، فتقول: ضيعك الله كما ضيعتني، فإذا انتهت إلى أبواب السماء غلقت دونها، ثم لُفَّت كما يلَفُّ الثوب الخلق فيُضرب بها وجهه".
نسأل الله العفو والعافية.
فاتقوا الله -عباد الله- وأقيموا فرائض الله، وفي طليعتها الصلاة.
الصلاة -يا عباد الله- لا يُشغلنكم عنها، أو يحملكم على التهاون بأدائها في وقتها أي شاغل، من وظيفة، أو رئاسة، أو ندوة؛ أو بيع أو شراء؛ أو حرفة أو لهو، فإن في ترك فريضة رب العالمين غبنٌ يا له من غبن! ويا لها من خسارة! ومروا أبناءكم بالصلاة وحثوهم عليها ما داموا في السابعة، واضربوهم إذا تركوها وهم أبناء عشر سنين، هكذا حثكم الناصح الأمين.
وصلَّوا على رسول الله امتثالاً لأمر رب العالمين، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "من صلَّى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً".
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الدين، وإن زعموا أنهم معلمين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين وإن زعموا أنهم أساتذة محضرون، اللهم دمرهم تدميراً، اللهم أبدل الإسلام والمسلمين بخيرٍ منهم يا رب العالمين، اللهم أبدل أولاد المسلمين إناثاً وذكوراً بمعلمين يعلمونهم الخير ويهدونهم الصراط المستقيم يا رب العالمين.
اللهم من أتى إلى هذه البلاد ليعلم أولادنا الشر والفساد، ويدعي أن الإسلام رجعية، وأن الصلاة رجعية، فاجعل منيَّتُه في طريقه، واجعله فريسة لسباع البر، يا رب العالمين، اللهم أغرقه في البر، اللهم اخسف به الأرض من تحته يا رب العالمين، ومن أتى لينشر التعاليم الإسلامية، ويدل أولادنا على الخير، فاجعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، وارزقه من حيث لا يحتسب، ويسر أمره حيثما كان يا رب العالمين.
اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا واجعلنا هداة مهتدين يا رب العالمين.
اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلهم قرة أعينٍ لنا يا رب العالمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أرنا جميعاً الحق حقاً وارزقنا اتباعه، واجبلنا على اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجبلنا على اجتنابه يا رب العالمين.
اللهم احمِ بلادنا من مضلات الفتن، وجميع بلدان المسلمين يا رب العالمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن جميع بلدان المسلمين عامة يا رب العالمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) [النحل: 90-91].
واذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.