البحث

عبارات مقترحة:

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

الحكم

كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...

ولا تنازعوا

العربية

المؤلف محمد ابراهيم السبر
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. أهمية ائتلاف القلوب واجتماع الكلمة .
  2. مخاطر التنازعُ والتفرُّق .
  3. تكاليف الشريعة تضمن الائتلاف وتمنع التنازع .
  4. التحذير من الخروج عن الطاعة ومُفارقة الجماعة. .

اقتباس

التنازعُ والتفرُّق مُفْضِ إلى جَحْدِ نعمةِ الله وتبديل دينه، ومِعْول هدمٍ في بُنيان الأمة، وسببٌ لتقويضِ قوتها وخيريتها التي كتبها الله لها، ولذا جاء التحذيرُ القرآني من الخلاف الذي وقع فيه مَنْ قبلَنا من الأمم، فحملَهم على التلاعُن وسفك الدماء...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهَد في الله حقّ جهاده، وعبَد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلمونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آل عمران:102- 103].

عباد الله: إن من أجلّ صفات المؤمنين: الأُخوَّة في الدين، وهي أساس العلاقة بينهم، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات:10]، وائتلاف القلوب، واجتماع الكلمة، صفة هذه الأمة: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)[المؤمنون:52].

وقد أمر الله -تبارك وتعالى- بالاعتصامِ بحبلِ الله؛ أي: بدينه، وبكتابه، وبشرعه، فقال –سبحانه-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[آل عمران:103].

فمن نعمة الله -جل وعلا- ومِنّته على عباده أن هداهم للإيمان وجعلهم من الراشدين، وجعلهم من بعد عداواتِ الجاهليَّة وتفرُّقها إخوانًا في الدين، وأعوانًا على الخير.

التنازعُ والتفرُّق مُفْضِ إلى جَحْدِ نعمةِ الله وتبديل دينه، ومِعْول هدمٍ في بُنيان الأمة، وسببٌ لتقويضِ قوتها وخيريتها التي كتبها الله لها، ولذا جاء التحذيرُ القرآني من الخلاف الذي وقع فيه مَنْ قبلَنا من الأمم، فحملَهم على التلاعُن وسفك الدماء مع مجيءِ البيِّنات الهادِيات المانِعات من الوقوع في ذلك: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[آل عمران:105].

وأخرج مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يرضَى لكم ثلاثًا ويكرهُ لكم ثلاثًا، يرضَى لكم: أن تعبدوه ولا تُشرِكوا به شيئًا، وأن تعتصِموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا، وأن تُناصِحوا من ولاَّه الله أمرَكم. ويكرهُ لكم: قيل وقال، وكثرةَ السؤال، وإضاعةَ المال".

ومن مواعظ القرآن التي وُعِظ بها الصحابة -رضي الله عنهم- بعد ما كان من نصرِ الله لهم يوم بدرٍ، (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)[الأنفال:46]. التنازُع والتفرُّق مُؤذِنِ بالفشل وذهابِ الريح ولا عاصِمَ منه، ولا منجاةَ من غوائِلِه إلا بالاعتصام بحبل الله وتوحيده وحسن عبادته.

والتفرُّق في الدين فيه مفاسِد عظيمة، فهو يقوّض الأركان ويهدم البنيان، وسبب لبراءة رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- من أهله: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[الأنعام:159]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن خرج مِن أمتي على أمتي يَضرِبُ برَّها وفاجِرَها ولا يتحاشَى من مؤمنِها، ولا يفِي لذي عهد عهده، فليس مني ولستُ منه"(رواه مسلم).

وقد جاءت تكاليفُ الشريعة الإسلامية بكل سببٍ يضمَنُ الائتلافَ ويحُولُ دون التنازع والتفرُّق؛ فشرعت أداء الصلوات الخمس في اليوم والليلة في جماعةٍ بالمساجد والجوامع، وفي الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "صلاةُ الجماعة أفضلُ من صلاةِ الفَذِّ بسبعٍ وعشرين درجة".

والسعي إلى سماع الذكرِ وأداء صلاة الجُمُعة واجب، يلتقي المسلمون كل أسبُوعٍ، ويأتي الاجتماع السنوي المهيب في صلاة العيدين، وقد فرض الله الحج على المستطيع مرة في العمر، فما زاد فهو تطوع، فالحجّ مؤتمر عظيم يضُمُّ جموعاً تأتي من كل فجٍّ عميقٍ تؤُمُّ البيتَ العتيق في زمانٍ معلومٍ لأداء شعيرة الحجِّ، ليشهدوا منافع لهم، وغيرها من الشعائر والعبادات التي تأتي للشدِّ على الروابطِ، والسعيِ إلى توحيد صفوف الأمة وجمع كلمتها.

وفي هدي القرآن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)[النساء:59].

وجاء التحذير من الخروج عن الطاعة ومُفارقة الجماعة بأشد العبارات وأغلظ العقوبات، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من خرجَ عن الطاعة، وفارقَ الجماعةَ، فمات مات ميتةً جاهليَّةً.."، وقال: "إنه ستكونُ هَناتٌ وهَناتٌ، فمن أرادَ أن يُفرِّقَ أمرَ هذه الأمة وهي جميعٌ فاضرِبوه بالسَّيف كائنًا من كان"(أخرجهما مسلم).

فالخروجُ على جماعة المسلمين وإمامهم من أعظم أسبابِ الشِّقاق والتنازُع؛ وجُرثومة لو سُمِح لها بالحياة لقتَلَت جسدَ الأمة وأوردَته موارِدَ الهلَكَة.

والتطاحُن والتنازُع على متاع الدنيا شأن أهل الجاهلية وعادة أهل الكُفر؛ ولذا نهى -صلى الله عليه وسلم- أهلَ الإسلام عن ذلك، فقال في خُطبة يوم النَّحر: "لا ترجِعوا بعدي كُفَّارًا يضرِبُ بعضُكم رقابَ بعض"(أخرجه البخاري).

إن الخلاف الناشِئ عن تفاوُت المدارِك في الفهمِ، وتبايُن العقولِ في الاستِنباط، لا يصِحُّ أبداً أن يكون سببًا للفُرقة والتنازُع؛ لأنه اختلافٌ بين مُجتهِدين أساغَه الشارِعُ، وجعل الأمرَ فيه دائرًا بين أجرَيْن لمن أصابَ وأجرٍ لمن أخطأ كالخلاف بين العلماء والفقهاء فالمقصودُ معرفةُ الحق، والعملُ به، والرغبة في الخير.

وما أحسن أن تكون المنابر ومنصات الإعلامُ الجديدُ بما تتيحه من وسائل التواصل الاجتماعي سببًا لاجتماع الكلمة، وطريقًا لصلة الرحم، وتوقير العالم والكبير، والعطف على الصغير، لا أن يكون عامل فُرقة وخُصومةٍ وتنازُع.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى وسمع الله لمن دعا، وبعد فاتقوا الله عباد الله، واعلموا -رحمكم الله- أن الاعتصامَ بحبل الله المتين هو الحِصنُ الحصين، والحِرزُ المتين لجمع كلمة المُسلمين، ولَمّ شملِهم، وقوَّتهم ومنَعَتهم: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)[الشورى:13]. فاعملوا -وفقكم الله- على كل ما يُحقِّقُ اجتماع الكلمة، ووحدة الصفِّ، وأشيعوا خُلُق التعاون على البر والتقوى تسعدوا وتفلحوا.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، اللهم ألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.