المتكبر
كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...
العربية
المؤلف | ياسر دحيم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | السيرة النبوية - الحياة الآخرة |
فحين يأذن له ربه بالشفاعة ويقول له: "يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ"؛ فيرفع رأسه وأول كلمةٍ تخرج من فيه -عليه الصلاة والسلام-: "أُمَّتِي يَا رَبِّ! أُمَّتِي يَا رَبِّ!"(متفق عليه), بأبي هو وأمي لازال فكره مشغولاً بأمته, ما طلب شيئاً لنفسه, ولا لأحدٍ من أهله...
الْخُطبَةُ الْأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أيها المؤمنون: بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- خير وبركة ورحمة, يقول الحق -سبحانه- في وصفه: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة: 128]؛ أي: يشق عليه الأمر الذي يشق عليكم, ويحب لكم الخير، ويسعى جهده في إيصاله إليكم، ويكره لكم الشر، ويسعى جهده في تنفيركم عنه؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- شديد الرأفة والرحمة بكم؛ فهو أرحم بكم من والديكم.
بلغ -عليه الصلاة والسلام- في الرحمة مبلغاً عظيماً, حتى إنه ليحزن على المعرضين عن دعوته؛ أن يكونوا من أهل النار, فهو يسعى جاهداً كي يؤمنوا لينقذهم منها؛ شفقةً منه -صلى الله عليه وسلم- عليهم ورحمة بهم؛ فيقول له ربه: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ)[فاطر: 8], وقال له: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)[الكهف: 6]؛ أي: لعلك مهلك نفسك غما وأسفا عليهم أن لا يؤمنوا, وفي هذا تسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم- عن حزنه عليهم لعدم إيمانهم؛ لأن ذلك بيد الله فهو الهادي -سبحانه-, وصدق الله إذ يقول في وصفه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الأنبياء: 107].
فإن كانت هذه رحمته -صلى الله عليه وسلم- بالمعرضين من أمته, فكيف تكون رحمته بالمقلبين عليه, المؤمنين برسالته؟! "تَلاَ -صلى الله عليه وسلم- قَولَ الله -عز وجل- في إبراهيم -عليه السلام-: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[إبراهيم: 36]، وقَولَ عِيسَى -عليه السلام-: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[ المائدة : 118 ]؛ فَرَفَعَ يَدَيهِ وَقالَ: "اللَّهُمَّ أُمّتي أُمّتي" وبَكَى؛ فَقَالَ الله -عز وجل-: "يَا جِبْريلُ! اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ -وَرَبُّكَ أعْلَمُ- فَسَلْهُ مَا يُبْكِيهِ؟, فَأتَاهُ جبريلُ, فَأخْبَرَهُ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: "يَا جِبريلُ! اذْهَبْ إِلَى مُحَمّدٍ؛ فَقُلْ: إنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمّتِكَ وَلاَ نَسُوؤكَ"(رواه مسلم).
إن رسولنا -عليه الصلاة والسلام- حين قرأ هاتين الآيتين, تذكر أمته وخاف أن يكون مصيرها مصير الأمم السابقة, خاف على أمته من عذاب الله -تعالى-؛ فبكى -صلوات ربي وسلامه عليه-, بكى عليَّ وعليك وعلى المؤمنين جميعاً؛ شفقةً بنا ورحمة علينا, فما أعظم هذا النبي, وما أرقَّ قلبه, وما أشد حبه لأمته -عليه الصلاة والسلام-!.
"فَقَالَ اللهُ -تعالى-: "يَا جِبريلُ! اذْهَبْ إِلَى مُحَمّدٍ؛ فَقُلْ: إنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمّتِكَ وَلاَ نَسُوؤكَ"؛ فالله أكبر! سيعطيه الله -تعالى- ما يرضيه, وما الذي يرضي رسول الله -عليه الصلاة والسلام-؛ يرضيه أن تكون أمته مرحومة, أن تكون أمته أكثر الناس دخولاً الجنة, أن تسبق أمته جميع الأمم إلى الجنة؛ (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)[الضحى: 5], فلا تحسبوا هذه الآية خاصة برسول الله وحده؛ بل هي له -عليه الصلاة والسلام- ولأمته, بل إن أمته أكثر انتفاعاً وسعادة بإرضاء الله له -عليه الصلاة والسلام-, أتدرون بماذا فسر العلماء رضا نبينا؟!؛ قال ابن عباس -رضي الله عنه-: "هو الشفاعة في أمته حتى يرضى".
نبينا مشغول بنا -معشر المؤمنين-, هذا همُّه في الدنيا, ورجاؤه من ربه -عز وجل- أن يرضيه في أمته, فكيف الحال يوم القيامة؛ يوم الشدائد والكربات؛ (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)[عبس: 34 - 37]؟, كل الأنبياء والرسل يقول: "نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي؛ إِنَّ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ, وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ", إلا نبينا -عليه الصلاة والسلام-؛ فحين يأذن له ربه بالشفاعة ويقول له: "يَا مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ"؛ فيرفع رأسه وأول كلمةٍ تخرج من فيه -عليه الصلاة والسلام-: "أُمَّتِي يَا رَبِّ! أُمَّتِي يَا رَبِّ!"(متفق عليه), بأبي هو وأمي لازال فكره مشغولاً بأمته, ما طلب شيئاً لنفسه, ولا لأحدٍ من أهله؛ إنما "أُمَّتِي يَا رَبِّ! أُمَّتِي يَا رَبِّ!".
أيها المؤمن: إن أقرب الناس لك يوم القيامة يودُّ أن ينجو من النار ولو قدمك فداءً له؛ ليدخل الجنة وينجو بنفسه؛ (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ)[المعارج: 11 - 14], أما الحبيب المصطفى -عليه الصلاة والسلام- فهمُّه في ذلك اليوم العصيب "أُمَّتِي يَا رَبِّ! أُمَّتِي يَا رَبِّ!", فلا عجب إذن -أيها المؤمنون- أن لا يكتمل الإيمان حتى يكون حب النبي -عليه الصلاة والسلام- مقدَّماً على ما سواه, قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ والِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعينَ"(البخاري).
حب النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمته حب عظيم, واهتمامه بها أمر عجيب!, أخبرنا -عليه الصلاة والسلام- بقوله: "خُيِّرْتُ بَيْنَ الشَّفَاعَةِ أَوْ يَدْخُلُ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ؛ لأَنَّهَا أَعَمُّ وَأَكْفَى"(رواه أحمد), اختار الشفاعة يوم القيامة لأنه يرجو أن يدخل بها أكثر أمته الجنة؛ لذلك ورد في الصحيح أنه -عليه الصلاة والسلام- يسجد يوم القيامة ثلاث سجداتٍ أمام العرش, وفي كل مرةٍ يأذن الله له في الشفاعة؛ فيرفع رأسه ولا يكون على لسانه إلا: "يَا رَبِّ! أُمَّتِي أُمَّتِي", ولازال نبينا -عليه الصلاة والسلام- يلحُّ على ربه -سبحانه- طلباً لرحمة أمته حتى يقول في الرابعة: "يَا رَبِّ! ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ؛ فَيَقُولُ: وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي وَكِبْرِيَائِي وَعَظَمَتِي؛ لأُخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ: لا إِله إلاَّ اللهُ"(متفق عليه).
وتتواصل رحمات الله -تعالى- لأمة محمد -عليه الصلاة والسلام-؛ وعداً منه ليرضيَه في أمته ولا يسوؤه؛ فيكون من أمة محمد أقوامٌ كثر يدخلون الجنة بغير حساب, قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَعَدَنِي رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ, مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا, وَثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ حَثَيَاتِ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ-"(أحمد والترمذي)؛ والحثَيَات: هي الغرفات بلا عدٍ ولا حد؛ لتكون أمة محمدٍ أكثر أهل الجنة؛ كما قال -عليه الصلاة والسلام-: "أهْلُ الجنَّةِ عِشرونَ ومائةُ صفٍّ؛ ثمانونَ منها من هذهِ الأمَّةِ, وأربَعونَ من سائرِ الأممِ"(صحيح الترمذي), فالله أكبر! ثلثا أهل الجنة من أمة محمد, فما أعظم كرم الله -تعالى- لأمة حبيبه -عليه الصلاة والسلام-؛ فضلاً منه ورحمة!.
أتدرون -عباد الله- لماذا فضَّل الله أمتكم على جميع الأمم, وخصَّها بهذا الفضل دون غيرها؛ إنها لمنزلة ومكانة رسولكم -عليه الصلاة والسلام- من ربه, فلقد نالتكم بركة نبيكم, واستجاب الله -تعالى- فيكم دعوته, ولن يخيَّب الله رجاء حبيبه في أمته, قال الحافظ ابن حجر: "فهذه الأمة إنما شرفت وتضاعف ثوابها؛ ببركة سيادة نبيها وشرفه وعظمته", وقال الإمام ابن كثير: "وَإِنَّمَا حَازَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَصَبَ السَّبْقِ إلى الخيرات؛ بنبيها محمد -صلوات الله وسلامه عليه-؛ فإنه أشرف خلق الله, وأكرم الرُّسُلِ عَلَى اللَّهِ، وَبَعَثَهُ اللَّهُ بِشَرْعٍ كَامِلٍ عظيم, لم يعطه نبي قبله, ولا رسول مِنَ الرُّسُلِ".
فعجباً -والله- لمن يرغب عن ملة محمد -عليه الصلاة والسلام-, ويسعى للنيل منه ومن دعوته, ألا خاب وخسر من ارتد عن دين الإسلام, وطعن فيه؛ لمطمعٍ دنيويٍ عاجل, أو لنيل شهادة زائلة, أو قرباناً للُّجوء إلى دول الكفر, فقولوا لشراذم العلمانية والليبرالية ولمن في قلبه مرض: "إنا رضينا بربنا وبديننا وبنبينا"؛ (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران: 85].
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ:
يا أحباب المصطفى: قد علمتم ما كان يشغل نبيكم -عليه الصلاة والسلام- ويحزنه في حياته, وما كان يبكيه أشدَّ البكاء, وعلمتم عظيم حبه لكم واهتمامه بكم في الدنيا والآخرة!, فهل بادلنا نبينا -عليه الصلاة والسلام- مشاعر الحب بالحب, والاهتمام بالاهتمام؟! تُرى ما مقدار حبنا لنبينا -عليه الصلاة والسلام-؟ وما مدى اهتمامنا وانشغالنا بما يحبه منا -صلى الله عليه وسلم-؟ وكيف نحن من سنته وهديه؟ وكم من أوقاتنا نفرغها للصلاة والسلام عليه كل يوم وليلة؟؛ فالله -تعالى- يقول في حقه: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ)[الفتح: 9], وقال -تعالى-: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الأعراف: 157]؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "التعزير: اسم جامع لنصره وتأييده, ومنعه من كل ما يؤذيه".
من أراد أن ينال شفاعة نبيه -عليه الصلاة والسلام- في الآخرة؛ فليسأل الله لنبيه الوسيلة, قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ؛ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ, ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً؛ صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ؛ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ"(رواه مسلم).
إذا سمعت المؤذن فلا تنشغل بشيءٍ يحول بينك وبين أن تردد معه ما يقول؛ فإن أكثر الناس اليوم ينشغلون بالقيل والقال, وسماع ما لا يرضي العزيز المتعال, وصوت النداء يعلو ويرفع؛ (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ)[الحج: 30], (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج: 32].
وبعد أن تصغي للنداء وتصلي على نبيك -عليه الصلاة والسلام-, ردِّد الدعاء الذي في أرشدك إليه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قال: "مَنْ قَالَ حِيْنَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ, وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ, آتِ مُحَمَّداً الوَسِيلَةَ, وَالفَضِيلَةَ, وَابْعَثْهُ مَقَامَاً مَحْمُوداً الَّذِي وَعَدْتَهُ؛ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتي يَوْمَ القِيَامَةِ"(رواه البخاري).
وإذا أردت أن تكون من أهل التميُّز, من الذين يحضون بسبق الأولوية في شفاعة الحبيب المصطفى -عليه الصلاة والسلام- حين يقول: "أمتي أمتي"؛ فأكثر من الصلاة عليه, قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاة"(رَوَاهُ التِّرْمِذِي), وقال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَن صلَّى عليَّ حينَ يصبحُ عَشراً, وحينَ يُمسي عشراً؛ أدرَكَتْهُ شفاعتي يومَ القيامةِ"(رواه الطبراني وهو في صحيح الجامع)؛ فيا له من فضل كبير على عمل يسير, لا يستغرق منا أكثر من دقيقتين, فأين المحبون للمصطفى -عليه الصلاة والسلام-؟!؛ فإن الواقع يخبر عن تقصيرٍ وجفاءٍ في حقه -عليه الصلاة والسلام-, فنسأل الله السلامة, والتجاوز عن التقصير.
أنتم -أيها الأحبة- في يومٍ فاضلٍ مبارك, فأكثروا من الصلاة على النبي-عليه الصلاة والسلام- فيه؛ فقد رغَّب في ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنَّ مِنْ أفْضَلِ أيَّامِكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَأكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ؛ فَإنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ"(رواه أَبُو داود), وقال -عليه الصلاة والسلام-: "أَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ؛ فَإِنَّ صَلاَةَ أُمَّتي تُعْرَضُ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَمَنْ كَانَ أَكْثَرَهُمْ عَلَيَّ صَلاَةً؛ كَانَ أَقْرَبَهُمْ مِنِّى مَنْزِلَةً"(رواه البيهقي), فليتأمل كل واحدٍ منا في نفسه؛ هل هو من المكثرين في الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- أم من المقصرين؟ فلازال في العمر بقية أن نتدارك هذا الجفاء والتقصير, بكثرة الصلاة والسلام على نبينا -عليه الصلاة والسلام-.