الكبير
كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...
العربية
المؤلف | عبدالله عوض الأسمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
وحصائد الألسنة، أي نتائج أقوالهم المحرمة من غيبة ونميمة وسبّ وشتم ولعن وغير ذلك، فالإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات، ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيراً من قول أو فعل حصد الكرامة، وهي الجنة، ومن زرع شراً من قول أو فعل حصد الندامة وهي النار .
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا مباركًا فيه، يفعل ما يشاء، ويخلق ما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
وبعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
عباد الله: نتحدث بمشيئة الله عن آفات اللسان، وما يجر اللسان من سيئات على الإنسان إذا استخدمه في المعاصي، ولذلك فإننا نُؤَاخذ بما تكلم به، وهناك ملائكة ترصد كل صغيرة وكبيرة، قال الله -عز وجل-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق:18]، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ: "كُفّ عليك هذا"، وأشار إلى لسانه -عليه الصلاة والسلام-، قال معاذ: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكبّ الناسَ في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم"(رواه الترمذي، وقال حسن صحيح).
وحصائد الألسنة، أي نتائج أقوالهم المحرمة من غيبة ونميمة وسبّ وشتم ولعن وغير ذلك، فالإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات، ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيراً من قول أو فعل حصد الكرامة، وهي الجنة، ومن زرع شراً من قول أو فعل حصد الندامة وهي النار .
ومعصية القول باللسان يدخل فيها الكلام بأمور شركية تخرج الإنسان من دينه أو تنقص إيمانه، ويدخل في الكلام قول الزور وشهادة الزور، وهي الشهادة الكاذبة ويدخل في آفات اللسان: معاصي الناس بالسحر والكذب والدجل، وكذلك القذف وهو اتهام المسلمين والمسلمات بالزنا أو اللواط كذبًا وزورًا، بالإضافة إلى الغيبة والنميمة .
وفي الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال :"إن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم"(رواه البخاري).
اعلموا أن السلف الصالح خافوا من آفات اللسان، فكان أبو بكر -رضي الله عنه- يمسك لسانه ويقول: "هذا الذي أوردني الموارد"، وكان ابن عباس يأخذ بلسانه ويقول: "قل خيراً تغنم، أو اسكت عن سوء تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم".
عباد الله: إن آفات اللسان كثيرة منها :
الآفة الأولى: الكلام فيما لا يعني، وفي الحديث الصحيح : "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"(رواه الترمذي) .
الآفة الثانية: الخوض في الباطل، وهو الكلام في المعاصي وإشاعة الفاحشة بين الناس بالترويج له أو التسلية أو غير ذلك؛ فإن هذا يدعو لفاحشة الزنا أو اللواط قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النور: 19].
الآفة الثالثة: السب والشتم واللعن لإخوانه المسلمين سواء كانوا من عائلته أو غيرهم؛ فإن من يعتاد النطق باللعن على أهله وأقاربه، فإن هذا من كبائر الذنوب، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لعن المؤمن كقتله"(رواه أحمد)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "ليس المؤمن بالطعان واللعان ولا الفاحش ولا البذيء"(حسنه الترمذي).
وقد لعنت امرأة ناقه لها فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأخذ ما عليها وتركها وقال: "لا تصحبنا ناقة ملعونة"(رواه مسلم)، وقد وجهنا الشرع بأنه إذا حصل خلاف مع أحد أن تدفع بالتي هي أحسن قال -تعالى-: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[فصلت:34]، وهذا نهي عن استخدام الشتائم واللعن عند الخصومة بل ادفع بالأفضل .
الآفة الرابعة: الاستهزاء بالناس والسخرية منهم وتتبُّع أخطاءهم وانتقاصهم والضحك عليهم على سبيل الاستهزاء قال -تعالى-: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)[الهمزة:1]. وهذا وعيد لمن يستهزئ بالناس بالقول والفعل .
الآفة الخامسة: الغيبة المنتشرة في بيوتنا ومجالسنا -والله المستعان-، وهي من كبائر الذنوب فالغيبة أن تذكر أحد بسوء وهو غائب عنك في دينه أو صفاته الجسمية كشكله أو لباسه أو أخلاقه أو عائلته أو قبيلته، أو غير ذلك .وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الغيبة ذِكْرك أخاك بما يكره"(رواه مسلم) .
الآفة السادسة: النميمة، وهي من كبائر الذنوب، وهي نقل الكلام بما يفسد بين شخصين أو عائلتين أو أكثر من ذلك، وهو ما يُسمى التحريش بين الأطراف حتى يحصل بينهم العداوة والبغضاء سواء قصد ذلك أم لم يقصد، وهذا فيه وعيد شديد قال -تعالى-: (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)[القلم:11]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يدخل الجنة نمام"(رواه مسلم).
نسأل الله -عز وجل- أن يوفّقنا لحفظ ألسنتنا من السيئات والمعاصي؛ إنه ولي ذلك، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
وبعد: احفظوا ألسنتكم عن الآفات التي تجر إلى السيئات، واعلموا أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده كما في صحيح مسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".
ومن وقع في شيء من آفات اللسان فعليه أن يبادر بالتوبة إلى الله -عز وجل-؛ لأن كل الآفات التي ذكرناها من الكبائر وهي اللعن والغيبة والنميمة والسخرية بالمسلمين، وإشاعة الفاحشة بين المسلمين، وشهادة الزور، وإذا كان الكلام في الاستهزاء في الدين فإنه يخرج المسلم عن دينه ويكون كافرًا، ويلزمه الرجوع للإسلام من جديد .
وعلى المسلم أن يعوّد نفسه على ترك الغيبة أو النميمة أو اللعن، أو أي شيء يقع فيه، فإذا تعود المسلم على تركها أصبحت عادة عنده، وأن يبتعد عن المجالس التي فيها شيء من ذلك، وإذا حصل شيء من ذلك يستغفر ويتوب إلى الله -عز وجل-.
وفقنا الله في حفظ ألسنتنا من كل سوء، ثم صلوا وسلموا على رسول الله؛ فمن صلى عليه صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، اللهم صَلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن آله الأطهار وصحابته الأخيار من المهاجرين والأنصار، وعنّا معهم بمنّك وجودك ورحمتك يا عزيز يا غفار.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأيد بالحق والنصر إمامنا ووليّ أمرنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم من أردنا وأراد بلادنا وبلاد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره.
اللهم ارحم موتانا، واشفِ مرضنا، وعافِ مبتلانا، وانصرنا على من عادانا يا أرحم الراحمين.