الباسط
كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...
العربية
المؤلف | ماهر بن حمد المعيقلي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
إنَّ مَنْ آمَن باسم الله اللطيف، عَلِمَ أنَّ كلَّ مُصاب يأتيه، إنما هو سُلَّمٌ يرتقي به لأعلى الدرجات، فكم في البلايا من عطايا؟! والمحن في ثناياها المنحُ، ولولا المصائبُ والابتلاءاتُ ما تاب بعضُ العاصين من ذنوبهم، واللطيفُ جلَّ جلاله وتقدَّسَت أسماؤه يبتلي عبدَه المؤمن، ليهذِّبَه لا ليعذِّبه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله اللطيف الخبير، عمَّ بلطفه العالَمِينَ، وخصَّ به عبادَه المؤمنينَ، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الْأَنْعَامِ: 103]، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، أخبَر عن ربه -تبارك وتعالى- بما يملأ القلوب عبوديةً له وتعظيمًا، ومحبةً وخوفًا ورجاءً، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعدُ معاشرَ المؤمنينَ: فأُوصِيكم ونفسي بتقوى الله وشكره في السراء، والصبر على أقداره في الضراء؛ فإن الله -تعالى- لطيف بعباده؛ (اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ)[الشُّورَى: 19].
أمةَ الإسلامِ: إن أشرفَ العلومِ وأجلَّها، ما كان يُعرِّفُ بالله جلَّ جلالُه، وبأسمائه وصفاته وأفعاله، وهو حقيقةُ الإيمانِ، وغايةُ دعوةِ الرسلِ؛ فإنَّ العبدَ إذا عرَف ربَّه، بصفاته العليا وأسمائه الحسنى، أخلَص بتوحيده، وأحبَّه وأطاعه، وابتَعَد عن معصيته ومخالَفة أمره، فالمقصودُ من إيجاد الخَلْق عبادة الخالق، والتعرُّف عليه -سبحانه-، بعظيم قدرته، وشمول علمه وكمال تدبيره: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا)[الطَّلَاقِ: 12].
وقد بيَّن القرآنُ الكريمُ كثيرًا من أسماء الله وصفاته وأفعاله، وأعظمُ سورِ القرآنِ الكريمِ وآياتِه، هي المشتملةُ على بيان أسماء الربِّ وصفاتِه وأفعالِه، فسورةُ الفاتحةِ، أعظمُ سُوَرِ القرآنِ، فيها حمدٌ وثناءٌ، وتعظيمٌ وتمجيدٌ، وبيانٌ لأسماء الله الحسنى وصفاته العلا، وأنه الإله المتفرِّد بالألوهية، والرب المتفرِّد بالربوبية، الرحمن الرحيم، المالك ليوم الدين.
وسورة الإخلاص، تعدِل ثلثَ القرآن؛ لأنها أُخلِصَتْ لبيانِ صفةِ الرحمنِ، وفي الصحيحين: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلاتِهِمْ، فَيَخْتِمُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: "سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟"، فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ"؛ وكلما كان العبد بالله أَعْرَفَ، كان منه أخوفَ، ولعبادته أطلبَ، وعن معصيته أبعدَ، ومنه جلَّ جلالُه وتقدَّسَت أسماؤُه أقربَ، وكان قلبُه في شوق دائم إلى لقاء ربه، ومحبته ورؤيته، ومَنْ أحبَّ لقاءَ اللهِ، أحبَّ اللهُ لقاءه.
إخوةَ الإيمانِ: إنَّ لكلِّ اسمٍ من أسماء الله -تعالى-، ولكلِّ صفةٍ من صفاته عبوديةً تليق به، وإن من أسماء الله -تعالى- الحسنى، ومن صفاته العليا: اسم الله اللَّطِيف، الذي دقَّ علمُه بكل الخفايا، فيعلَم السرَّ وأخفى، من خلَجات الصدور، ومكنُونات النفوس، وفي هذا المعنى، ما جاء في (صحيح مسلم): "أن جبريل -عليه السلام-، أتى للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالليل، وقد تهيَّأَ -صلى الله عليه وسلم- لنومه، فأخبَرَه بأمر الله -تعالى-، أن يستغفر لأهل البقيع، فقام -صلى الله عليه وسلم- برِفْق من فراش عائشة، فلمَّا خرَج لَحِقَتْه عائشةُ -رضي الله عنها وأرضاها-، متخفِّيةً تنظر ماذا يفعل، فلمَّا انحرف راجعًا رَجَعَتْ، فأَسْرَعَ فأَسْرَعَتْ، فهروَلَ فهروَلَتْ، فسبَقَتْه إلى فراشها؛ كأنها نائمةٌ، فدَخَل -صلى الله عليه وسلم- فقال: "مَا لَكِ يَا عَائِشُ، حَشْيًا رَابِيَةً"؛ أي: مرتفعةَ النَّفَس، قَالَتْ: قُلْتُ: لَا شَيْءَ، قَالَ: "لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ"، فأخبرَتْه وقَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ، وكانت رضي الله عنها وأرضاها، تظنُّ أنه -صلى الله عليه وسلم- ذاهبٌ لبعض نسائه في ليلتها.
مَعاشِرَ المؤمنينَ: ومن معاني اللطيف، أنه يُوصِل إلى عبادِه نِعَمَه، ويدفع عنهم نِقَمَه، بِلُطفِه وإحسانِه، ويسوقُهم إلى كمالهم وسعادتهم، بطُرُق خفية قد لا يشعرون بها، ولا يهتدون لمعرفتها، إلَّا إذا لاحَتْ لهم عواقِبُها، (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 216].
وأعرفُ خلقِ اللهِ به أنبياؤه ورسلُه، فمَن نظَر فيما جرى عليهم، من الأمور التي في ظاهرها امتحانٌ وابتلاءٌ، وبأساءٌ وضرَّاءُ، ولكِنْ في باطنها لطفٌ ورأفةٌ، ورِفْق ورحمة، أيقَن أن الأمر كله بيد اللطيف، فهذا يوسف -عليه السلام-، توالَت عليه الشدائد منذ صِغَره؛ فتآمَر عليه إخوتُه، وحرموه من البقاء مع والديه؛ وألقَوْه في الجُبِّ، وبِيع بثمن بخس، ثم لبث في السجن بضع سنين، وهو وحيد بعيد، ولكِنَّ اللهَ -تعالى- لطَف به؛ فالجُبُّ كان حمايةً له من القتل، والرق كان حماية له من التيه في الصحراء، والسجن ابتلاءٌ وعصمةٌ من دواعي المعصية، وفيه التقى بمَنْ أوصَل نبأه إلى الملك، فأصبحت هذه البلايا والرزايا سببًا لرفعة يوسف -عليه السلام-، في الدنيا والآخرة، وجمَع اللهُ شملَه بوالديه وأهله، وهو في غاية العز والعظمة والرفعة، مع ما منَّ اللهُ -تعالى- به عليه من النبوة، (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)[يُوسُفَ: 100].
أيها المؤمنون: إن مظاهر لطف الله بعباده كثيرة، لا يمكن حصرُها، أو الإحاطة بها، فمِن لُطفِ اللهِ بعباده أنه يقدِّر أرزاقَهم، بِمَا يَحْتَسِبُونَ وَمَا لَا يَحْتَسِبُونَ، وَبِمَا يَظُنُّونَ وَمَا لَا يَظُنُّونَ، وكل ذلك بحسب علمه بمصالحهم، لا بحسب رغباتهم، لطفًا بهم وبرًّا، ورحمةً وإحسانًا، (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)[الشُّورَى: 27]، وفي (مسند الإمام أحمد): "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللهَ لَيَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الدُّنْيَا، وَهُوَ يُحِبُّهُ، كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمْ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، تَخَافُونَهُ عَلَيْهِ".
ومن لطفه -سبحانه- بعباده المؤمنين، يُخرِجُهم من ظلمات الجهل والكفر والمعصية، إلى نور العلم والإيمان والطاعة، ويُذِيقهم حلاوةَ بعض الطاعات؛ ليرغبوا بما هو أجلُّ وأعلى منها، كما يوفِّقُهم بلطفه وإحسانه؛ لنَهْيِ النفسِ عن الهوى، فيجازيهم جنة المأوى، (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[النَّازِعَاتِ: 40-41].
ومن لطف الله بعبده: أن يبتليه ببعض المصائب، فيوفِّقه -سبحانه- للصبر عليها، فينال الدرجات العالية، التي لا يُدرِكُها بعمله، فإن كان قويَّ الإيمان، شُدِّدَ عليه في البلاء؛ ليزداد بذلك إيمانُه، ويعظُمَ أجرُه، وأمَّا المؤمنُ الضعيفُ، فيخفَّف عنه في البلاء؛ لطفًا به ورحمةً؛ لئلا يضعف إيمانه، فسبحان اللطيف، في سرَّائه وضرَّائه، وعافيته وابتلائه، وفي الصحيحين: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ، وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ، وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ"، (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النِّسَاءِ: 19]، وفي الزهد لابن المبارك، قال عمر -رضي الله عنه وأرضاه-: "ما أبالي على أي حال أصبحتُ، على ما أحب أو على ما أكره؛ لأني لا أدري الخير فيما أُحِبُّ، أو فيما أَكرَهُ".
ومن لطف الله -تعالى- بعبده: أن يجعل ما يقترفه العبد من المعاصي سببًا لرحمته وعفوه، فيَفتَح له بعد وقوع المعصية، بابَ التضرع والتوبة، حتى لَترى العبدَ يُسرِفُ على نفسِه بالمعاصي، فإذا لم يبقَ بينَه وبينَ قبره إلا ذراعٌ، فتَح اللطيفُ عليه أبوابَ الاستغفارِ والتَّوبةِ، فنَدِمَ على ما مضى من حياته، وعَمِلَ بعملِ أهلِ الجنةِ، وفي الصحيحين: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الجَنَّةَ"، قال ابن القيم -رحمه الله-: "فإنه -سبحانه- القيوم، المقيم لكل شيء من المخلوقات، طائعها وعاصيها، فكيف تكون قيموميته بمن أحبَّه وتولَّاه، وآثَرَه على ما سواه، ورضي به من الناس، حبيبًا وربًّا، ووكيلًا وناصرًا، ومعينًا وهاديًا، فلو كشف الغطاء عن ألطافه وبره وصنعه له، من حيث يعلم، ومن حيث لا يعلم لذاب قلبُه حبًّا لله، وشوقًا إليه، ويقع شكرًا له" انتهى كلامه -رحمه الله-، فسبحان من كان بعباده لطيفًا خبيرًا، حليمًا كريمًا، عفوًّا غفورًا رحيمًا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الْمُلْكِ: 13-14].
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الحمد لله الذي نِعَمُه علينا وافيةٌ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا تخفى عليه خافيةٌ، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، راقَب ربَّه واتَّقاه، فطهَّره ونقَّاه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه ومن والاه، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعدُ؛ معاشرَ المؤمنينَ: إن من آثار الإيمان باسم الله اللطيف: مجاهَدة النفس على صلاح القلب؛ فالقلب هو محلُّ نظر الرب، فبصلاح القلوب، تصلُح الأجساد والأعمال، فَعِلْمُ العبد أنَّ ربَّه مُطَّلِعٌ على ما في السرائر، محيطٌ بكل صغير وكبير، يحمله على محاسَبة نفسه في أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته، قال لقمان لابنه وهو يعظه: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)[لُقْمَانَ: 16].
إنَّ مَنْ آمَن باسم الله اللطيف، عَلِمَ أنَّ كلَّ مُصاب يأتيه، إنما هو سُلَّمٌ يرتقي به لأعلى الدرجات، فكم في البلايا من عطايا؟! والمحن في ثناياها المنحُ، ولولا المصائبُ والابتلاءاتُ ما تاب بعضُ العاصين من ذنوبهم، واللطيفُ جلَّ جلاله وتقدَّسَت أسماؤه يبتلي عبدَه المؤمن، ليهذِّبَه لا ليعذِّبه، وفي (سنن الترمذي): قال -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "مَا يَزَالُ البَلاءُ بِالمُؤمِنِ وَالمُؤمِنَةِ في نَفسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ، حَتَّى يَلقَى اللهَ وَمَا عَلَيهِ خَطِيئَةٌ".
أمةَ الإسلامِ: إن من مُقتَضيات الإيمان باسم الله اللطيف، أن يتخلَّق المرءُ بصفة اللُّطف؛ فالله -تعالى- لطيف، ويحب اللطيف من عباده، ويَبغَض الفظَّ الغليظَ القاسيَ، وفي الصحيحين: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ"، والعُتُلُّ: هو الفظُّ الغليظُ الجافي، الشديد الخصومة في الباطل، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أعظم الناس لطفًا، وقد زكَّاه اللهُ -تعالى- بقوله: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[آلِ عِمْرَانَ: 159]، واللطف من الرحمة؛ فلذا اجتمع الناسُ حولَه، ولو كان فظًّا لانفضَّ الناسُ عنه، ومَنْ عامَل الخلقَ بصفة يُحِبُّها اللهُ ورسولُه، عامَله اللهُ -تعالى- بتلك الصفة في الدنيا والآخرة، فالجزاء من جنس العمل.
اللهم الطُفْ بنا، وتُبْ علينا وارْحَمْنَا، وعافِنا واعفُ عنا، اللهم إنَّا نسألك إيمانًا يُباشِر قلوبَنا، ويَقِينًا صادقًا، حتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كتبتَ لنا.
اللهم صلِّ على محمد، وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك بفضلك ومنتك، وجودك وكرمك، أن تحفظنا من كل سوء ومكروه، برحمتك يا رب العالمين، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ومن درك الشقاء، وسوء القضاء وشماتة الأعداء، اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم إنا نسألك الجنة، وما قرَّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول أو عمل.
اللهم أَحْسِنْ عاقبتَنا في الأمور كلها، وأَجِرْنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا، وكن للمستضعفين منا، اللهم يا ذا الجلال والإكرام، وفِّق خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهم واجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، اللهم وفقه ووليَّ عهده لما فيه خير للإسلام والمسلمين، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه.
لا إله إلا أنت سبحانك، إنَّا كنَّا من الظالمينَ، ربنا تقبَّل توبتَنا، واغسل حوبتَنا، وأَجِبْ دعوتَنا، وثبِّت حُجَّتَنا، وَاهْدِ قلوبَنا، وسدِّد ألسنَتَنَا، وَاسْلُلْ سخيمةَ قلوبِنا، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].