الكبير
كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...
العربية
المؤلف | أحمد طالب بن حميد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - المنجيات |
واعلموا أن اللسان المطلَق والقلب المطبَق، علامةُ الشقاوة، فلن تُحيِيَ قلبَكَ بأنوار المعرفة حتى تقتل نفسَك بصدق المجاهَدة، واعمل لدنياكَ بقدرِ مقامكَ فيها، واعمل لآخرتكَ بقدر بقائكَ فيها، واعمل لله بقدرِ حاجتِكَ إليه، واعمل للنار بقدرِ صبرِكَ عليها...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].
أما بعدُ: فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ سيدنا محمد رسول الله، وشر الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
يقول ربكم -تبارك وتعالى- في كتابه المجيد: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ * وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)[فَاطِرٍ: 29-37].
فعِشْ ما شئتَ عبد الله فإنك ميت، وأحبِبْ مَنْ شئتَ فإنكَ مُفارِقُه، واعمَلْ ما شئتَ فإنكَ مجزيٌّ به، ولا تحصِّلْ من العِلْم والعمل ما يضيع العمل، فما تصنع بغير الله وأنت محفوف بخير الله؟! واعلم بأن العلم بلا عمل جنون، وأن العمل بلا علم لا يكون، وعلم لا يبعدك اليوم عن المعاصي، ولا يحملك على الطاعة لن يبعدك غدًا عن النار، فاجعل الهمة في الروح، والعزيمة في النفس، والموت في البدن، فالأجساد إما قفص الطيور، أو إصطبل الدوابِّ، فإن كنتَ من الطيور العلوية تطير صاعدًا حتى ترجع إلى ربك، إلى أن تقعد في أعالي بروج الجنان؛ (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي)[الْفَجْرِ: 27-30].
ومن كان من الدواب فلا يأمن الانتقال من زاوية الدار إلى هاوية النار؛ (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[الْأَعْرَافِ: 179].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وصلاةً وسلامًا على خير خلق الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن اللسان المطلَق والقلب المطبَق، علامةُ الشقاوة، فلن تُحيِيَ قلبَكَ بأنوار المعرفة حتى تقتل نفسَك بصدق المجاهَدة، واعمل لدنياك بقدر مقامك فيها، واعمل لآخرتك بقدر بقائكَ فيها، واعمل لله بقدرِ حاجتِكَ إليه، واعمل للنار بقدرِ صبرِكَ عليها.
هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله، على خير خلق الله محمد بن عبد الله؛ فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، فاللهم صلِّ وسلِّم وزِدْ وبارِكْ على عبدك ورسولك سيدنا محمد، اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آله سيدنا محمد، كما صليتَ على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهم وبارِكْ على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهم وتحنَّنْ على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما تحنَّنْتَ على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهم وترحَّمْ على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما ترحمتَ على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالَمِينَ إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهم وسلِّم على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما سلَّمْتَ على إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، دقَّها وجلَّها، أولها وآخرها، علانيتَها وسرَّها، اللهم أَحْسِنْ عاقبتَنا في الأمور كلها، وأَجِرْنا من خزيِ الدنيا وعذابِ الآخرةِ، اللهم (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، اللهم وراضَ عن الأئمة الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعين.
اللهم لا تحرمنا أجرَهم، ولا تفتِنَّا بعدَهم، واغفر لنا ولهم، يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِلَّ الشركَ والمشركينَ، ودَمِّر أعداءَكَ أعداءَ الدِّينِ، واجعَلْ هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً، وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنا، واجعل ولايةَ المسلمين فيمن خافَكَ واتقاكَ واتَّبَعَ رضاكَ، يا ربَّ العالمينَ.
اللهم وَفِّقْ إمامَنا لهداكَ، واجعَلْ عملَه في رضاكَ، اللهم وهيِّئْ له البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، التي تَدُلُّهُ على الخير وتُعِينُه عليه يا ربَّ العالمينَ، اللهم ووليَّ عهده وإخوانهم وأعوانهم على الخير يا ربَّ العالمينَ، اللهم اغفر لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرنا، وَثَبِّتْ أقدامَنا وانصرنا على القوم الكافرين.
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم؛ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].