السبوح
كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | النكاح - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
الْوَالِدَانِ لَا يَسْمَحَانِ بِاسْتِمْتَاعِ ابْنَتِهِمْ بِزَوْجِهَا فِي فَتْرَةِ "الْمِلْكَةِ"؛ خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ مَا يَمْنَعُ إِتْمَامَ الزَّوَاجِ، أَوْ يَحْدُثَ انْفِصَالٌ وَطَلَاقٌ وَيَكُونُ الرَّجُلُ قَدْ دَخَلَ بِالْفَتَاةِ وَلَمْ تَعُدْ بِكْرًا، وَرُبَّمَا تَحْمِلُ الزَّوْجَةُ مِنْهُ، وَيَظْهَرُ حَمْلُهَا أَمَامَ النَّاسِ؛ فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ إِحْرَاجٌ لِأُسْرَتِهَا...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ شَرَعَ اللَّهُ -تَعَالَى- الزَّوَاجَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَقَاصِدِ الْعَظِيمَةِ، كَالْعِفَّةِ، وَإِحْصَانِ الْفَرْجِ، وَتَكْثِيرِ نَسْلِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ؛ فَالزَّوَاجُ آيَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، امْتَنَّ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ؛ (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الرُّومِ: 21].
وَالزَّوَاجُ مِيثَاقٌ غَلِيظٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)[النِّسَاءِ: 21]، وَلَهُ فِي الْإِسْلَامِ أَحْكَامُهُ الْخَاصَّةُ بِهِ؛ حِفَاظًا عَلَى حُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ، وَقَدْ شُرِعَ عَلَى مَرَاحِلَ تَبْدَأُ بِالْخِطْبَةِ، وَتَنْتَهِي بِالْعَقْدِ وَالدُّخُولِ، وَبِالْعَقْدِ تُصْبِحُ الْمَرْأَةُ زَوْجَةً؛ يَحِلُّ لِزَوْجِهَا مِنْهَا كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْحُقُوقِ الْأُخْرَى.
عِبَادَ اللَّهِ: يَقَعُ عَقْدُ الزَّوَاجِ وَلَا يُعْلَنُ النِّكَاحُ إِلَّا بَعْدَهُ بِفَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ، وَهَذَا الْأَمْرُ لَا حَرَجَ فِيهِ؛ إِذْ لَمْ يُحَدِّدِ الشَّرْعُ وَقْتًا مُعَيَّنًا بَيْنَ عَقْدِ الزَّوَاجِ وَالدُّخُولِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَزَوَّجَ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- وَزُفَّتْ إِلَيْهِ بَعْدَ سَنَتَيْنِ، فَفِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ يَتِمُّ الْعَقْدُ وَتُزَفُّ الْمَرْأَةُ إِلَى زَوْجِهَا بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَيَكُونُ الدُّخُولُ بَعْدَ الْعَقْدِ مُبَاشَرَةً، وَفِي بُلْدَانٍ أُخْرَى يَتِمُّ الْعَقْدُ وَيُؤَخَّرُ الْعُرْسُ إِلَى سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَتُسَمَّى الْفَتْرَةُ بَيْنَ الْعَقْدِ وَإِعْلَانِ الزِّفَافِ بِ"فَتْرَةِ الْمِلْكَةِ"، وَلَا حَرَجَ فِيمَا تَعَارَفَ عَلَيْهِ النَّاسُ مَا لَمْ يُخَالِفْ شَرْعًا.
أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ: قَدْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ بِمَنْ عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَمِنَ الْأَحْكَامِ:
أَنَّ لَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ إِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ تَحْصُلَ خَلْوَةٌ صَحِيحَةٌ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ يَتَمَكَّنُ فِيهَا الزَّوْجُ مِنْ وَطْئِهَا أَوِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا؛ لِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ)[الْبَقَرَةِ: 237]؛ "أَيْ: إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ قَبْلَ الْمَسِيسِ، وَبَعْدَ فَرْضِ الْمَهْرِ، فَلِلْمُطَلَّقَاتِ مِنَ الْمَهْرِ الْمَفْرُوضِ نِصْفُهُ، وَلَكُمْ نِصْفُهُ، هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ مَا لَمْ يَدْخُلْهُ عَفْوٌ وَمُسَامَحَةٌ؛ بِأَنْ تَعْفُوَ عَنْ نِصْفِهَا لِزَوْجِهَا"(تَفْسِيرُ السَّعْدِيِّ).
وَمِنْهَا: أَنْ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا؛ لِقَوْلِهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا)[الْأَحْزَابِ: 49].
وَمِنَ الْأَحْكَامِ: أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ وَاجِبَةً لِلزَّوْجَةِ قَبْلَ دُخُولِهَا عَلَى زَوْجِهَا، وَتَمْكِينِهِ مِنْ نَفْسِهَا؛ فَالنَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- عَقَدَ عَلَى عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- وَتَأَخَّرَ دُخُولُهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ دُخُولِهِ، فَإِذَا مَكَّنَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا؛ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: "الْمَرْأَةُ إِذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إِلَى الزَّوْجِ، عَلَى الْوَجْهِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا، فَلَهَا عَلَيْهِ جَمِيعُ حَاجَتِهَا؛ مِنْ مَأْكُولٍ، وَمَشْرُوبٍ، وَمَلْبُوسٍ، وَمَسْكَنٍ"(الْمُغْنِي)، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ التَّأْخِيرُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِينَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وَلَكِنَّ الزَّوْجَ قَالَ: أَنَا لَا أُرِيدُهَا الْآنَ؛ عِنْدِي اخْتِبَارَاتٌ لِمُدَّةِ شَهْرٍ، وَسَآخُذُهَا بَعْدَ هَذَا الشَّهْرِ، فَمُدَّةُ هَذَا الشَّهْرِ تَجِبُ فِيهِ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ قِبَلِهِ"(الشَّرْحُ الْمُمْتِعُ).
إِخْوَةَ الْإِيمَانِ: قَدْ عَرَفْنَا أَنَّ مَنْ عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ فَهِيَ زَوْجَتُهُ، يُبَاحُ لَهُ مِنْهَا مَا يُبَاحُ لِلزَّوْجِ مِنْ زَوْجَتِهِ، لَكِنْ كَيْفَ الْحَالُ بِمَنْ يُؤَخِّرُ الدُّخُولَ إِلَى سَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَحِينَهَا يُعْلَنُ النِّكَاحُ لِلنَّاسِ، وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي عُرْفِهِمْ هُوَ الزَّوَاجَ!، فَهَلْ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِزَوْجَتِهِ فِي فَتْرَةِ "الْمِلْكَةِ" تِلْكَ؟.
قَدْ تَكَلَّمَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيَّنُوا أَنَّ الْعُرْفَ يَجْرِي كَالشَّرْطِ، لِلْقَاعِدَةِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ "الْمَعْرُوفَ عُرْفًا كَالْمَشْرُوطِ شَرْطًا"، وَ"الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ"؛ فَمَا تَعَارَفَ عَلَيْهِ النَّاسُ بَيْنَهُمْ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الشُّرُوطِ؛ مَا دَامَ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا شَرْعِيًّا، وَقَدْ عَرَفْنَا أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ رَتَّبَ أَحْكَامًا عَلَى مُجَرَّدِ الْعَقْدِ، وَأَحْكَامًا أُخْرَى عَلَى الدُّخُولِ، فَالْعُرْفُ قَائِمٌ مَقَامَ الِاتِّفَاقِ؛ خَاصَّةً فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِيعِ الْمُهِمَّةِ، وَالَّتِي قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَفَاسِدُ وَأَضْرَارٌ؛ وَ"الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ)، وَالشَّرْطُ فِي النِّكَاحِ أَوْثَقُ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
فَالْوَالِدَانِ لَا يَسْمَحَانِ بِاسْتِمْتَاعِ ابْنَتِهِمْ بِزَوْجِهَا فِي فَتْرَةِ "الْمِلْكَةِ"؛ خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ مَا يَمْنَعُ إِتْمَامَ الزَّوَاجِ، أَوْ يَحْدُثَ انْفِصَالٌ وَطَلَاقٌ فَـ"الْأَفْضَلُ لِمَنْ عَقَدَ أَنْ لَا يَدْخُلَ حَتَّى يُعْلِنَ ذَلِكَ؛ لِمَا قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الدُّخُولِ قَبْلَ الْإِعْلَانِ مِنْ مَفَاسِدَ كَبِيرَةٍ، فَقَدْ تَكُونُ الزَّوْجَةُ بِكْرًا فَتُفَضُّ بَكَارَتُهَا، وَقَدْ تَحْمِلُ مِنْ هَذَا الْجِمَاعِ ثُمَّ يَحْصُلُ طَلَاقٌ أَوْ وَفَاةٌ، وَسَيَكُونُ هَذَا مُقْلِقًا لَهَا وَلِأَهْلِهَا، وَسَيُسَبِّبُ حَرَجًا بَالِغًا؛ لِذَا فَإِنَّ لِلْعَاقِدِ أَنْ يَلْمِسَ وَيُقَبِّلُ زَوْجَتَهُ، لَكِنْ يُمْنَعُ مِنَ الْجِمَاعِ لَا لِحُرْمَتِهِ؛ بَلْ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ مَفَاسِدَ".
قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "فَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ قَدْ تَمَّ وَلَكِنَّ أَهْلَهَا لَمْ يَرْضَوْا بِالدُّخُولِ؛ فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا بَلْ يَصْبِرُ، حَتَّى يَسْمَحُوا لَهُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا مِنْ دُونِ عِلْمِهِمْ أَوْ قَهْرًا عَلَيْهِمْ؛ قَدْ يُفْضِي هَذَا إِلَى شَرٍّ عَظِيمٍ وَفِتْنَةٍ، وَقَدْ تُتَّهَمُ الْبِنْتُ بِأَنَّهَا اتَّصَلَ بِهَا غَيْرُ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ هُوَ إِعْلَانُ النِّكَاحِ، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا سِرًّا أَوْ بِصِفَةٍ غَيْرِ مَعْلُومَةٍ غَيْرِ مَأْلُوفَةٍ قَدْ يَقَعُ ضَرَرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهَا، وَقَدْ تُتَّهَمُ الْبِنْتُ إِذَا حَمَلَتْ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا دُخُولَهُ بِهَا، فَالَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَعْجَلُ حَتَّى تَتِمَّ الْأُمُورُ بِالطُّرُقِ الْمَأْلُوفَةِ الْمَعْرُوفَةِ، وَحَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهَا الدُّخُولَ الْمَعْرُوفَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ رِيبَةٌ وَلَا شُبْهَةٌ".
وَسُئِلَ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ: "لَوْ جَامَعَهَا -يَعْنِي وَقَعَ مِثْلُ هَذَا الْأَمْرِ-، هَلْ يَكُونُ آثِمًا فِي ذَلِكَ؟
الْجَوَابُ: إِذَا كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَرٌّ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَلْجَأَهُمْ إِلَى شَرٍّ أَوْ أَلْجَأَهَا إِلَى شَرٍّ، فَيُخْشَى عَلَيْهَا أَنْ تُتَّهَمَ بِالشَّرِّ، وَأَنْ يُظَنَّ بِهَا أَنَّهَا زَنَتْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا وَلَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ، مَا جَرَتِ الْمَرَاسِيمُ الْمَعْرُوفَةُ، فَهَذَا خَطَرٌ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ فَهِيَ حِلٌّ لَهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ تُؤْتَى الْبُيُوتُ مِنْ أَبْوَابِهَا، وَلَا تُؤْتَى مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا؛ حَتَّى لَا يَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهَا مَشَاكِلُ".
أَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: قَدِيمًا كَانَتِ الْمُدَّةُ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالزِّفَافِ قَصِيرَةً؛ لِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ ثَمَّةَ مُشْكِلَاتٌ نَاتِجَةٌ عَنْ هَذِهِ الْفَتْرَةِ الطَّوِيلَةِ كَمَا فِي زَمَانِنَا؛ لِذَا فَلَيْسَ مِنَ الْمُسْتَحْسَنِ إِطَالَةُ الْفَتْرَةِ بَيْنَ عَقْدِ النِّكَاحِ وَإِعْلَانِ الْعُرْسِ؛ لِمَا لَهُ مِنْ سَلْبِيَّاتٍ عَلَى الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ؛ خَاصَّةً وَقَدْ كَثُرَتِ الْفِتَنُ، وَانْتَشَرَ الْفَسَادُ الْأَخْلَاقِيُّ، وَوَسَائِلُ إِثَارَةِ الشَّهَوَاتِ كَثِيرَةٌ فِي الْمُجْتَمَعِ.
إِنَّ مِنْ سَلْبِيَّاتِ فَتْرَةِ "الْمِلْكَةِ" صُعُوبَةَ تَعَامُلِ الزَّوْجَةِ مَعَ زَوْجِهَا، وَمَا يَنْتِجُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ تَفَاهُمٍ، وَرُبَّمَا مُشْكِلَاتٍ تُخَيِّمُ عَلَى عَلَاقَتِهِمَا مُسْتَقْبَلًا!؛ فَهُمَا بَيْنَ خِيَارَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ الْعَلَاقَةُ طَبِيعِيَّةً وَكَأَنَّهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ، وَتَأْمُلُ فِي عَدَمِ وُقُوعِ الْمَحْظُورِ، الَّذِي لَا يَرْجُوهُ الْوَالِدَانِ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ صَعْبُ التَّحَقُّقِ؛ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ لَا يُمْكِنُ كَبْحُهَا، كَيْفَ وَهُمَا زَوْجَانِ، وَالشَّرْعُ يُحِلُّ لَهُمَا الِاسْتِمْتَاعَ؛ وَلَنْ يَجِدَا فِي نُفُوسِهِمْ مَانِعًا يَمْنَعُهُمَا، بَلِ الدَّافِعُ أَقْوَى مِنْ أَيِّ مَانِعٍ؟!.
وَالثَّانِي: أَنْ تنفر من زوجها وتمتنع من الخلوة معه؛ حِرْصًا عَلَى مَصْلَحَتِهَا، وَهَذَا الْأَمْرُ صَعْبٌ أَيْضًا، بَلْ رُبَّمَا سَبَّبَ مَشَاكِلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَلَرُبَّمَا أَسَاءَ فَهْمَ تَمَنُّعِهَا وَتَجَنُّبِهَا لَهُ!.
أَيُّهَا الْآبَاءُ: إِنَّ هَذَا الْقَلَقَ وَالْحَرَجَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا؛ قَدْ أَفْقَدَ الزَّوَاجَ أَهَمَّ مَقْصِدٍ فِيهِ؛ أَلَا وَهُوَ السَّكَنُ النَّفْسِيُّ؛ (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[الرُّومِ: 21]، وَمِنْ هُنَا فَإِنَّنَا نَنْصَحُ أَوْلِيَاءَ الْأُمُورِ بِعَدَمِ إِطَالَةِ فَتْرَةِ "الْمِلْكَةِ"؛ إِذْ لَا مُبَرِّرَ لَهَا مِنَ النَّاحِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ؛ إِلَّا اتِّبَاعَ الْأَعْرَافِ وَالتَّقَالِيدِ؛ فَمِنْ أَجْلِ تَلَافِي هَذِهِ السَّلْبِيَّاتِ سَوَاءٌ عَلَى الزَّوْجَيْنِ، أَوِ الْمَحَاذِيرِ الَّتِي يَخْشَى مِنْهَا الْوَالِدَانِ، فَلَا أَفْضَلَ مِنْ عَقْدٍ يَتْلُوهُ زِفَافٌ وَإِعْلَانٌ لِلنِّكَاحِ.
ومن سلبيات إطالة فترة الملكة: الانفصال والطلاق قبل إعلان النكاح؛ بسوء فهم بين الزوجين, وسوء الفهم والخلاف أمرٌ طبيعي, لكن حصوله بعد الدخول والسكن حله أيسر من حصوله قبل ذلك؛ ولذلك قد يتعجل الرجل طلاق زوجه قبل أن يدخل بها بسبب خلافٍ ولو يسير, وقد تتعجل المرأة فتطلب الطلاق, ويدخل بينهما الشيطان؛ فيزين لهما الطلاق وأنه خلاص من ورطة, ويقنعهما بأنه أفضل لهما قبل الارتباط الكامل بينهما, وتكوين الأسرة وإنجاب الأولاد!, وما فرح الشيطان بشيءٍ فرحه بطلاق الرجل زوجته!.
والخلاف الأسري واقعٌ لا ينكره أحد, بل هو من طبيعة البشر, وقد وقع بين أفضل خلق الله نبينا -عليه الصلاة والسلام- وزوجاته أمهات المؤمنين, وقد أرشدنا الشرع الحكيم إلى السبيل لحل خلافاتنا الأسرية, ونقضي على مشكلاتنا, وحل الخلافات بين الزوجين بعد السكن أمره ميسور, وقد أرجع المتخصصون ظاهرة الانفصال في فترة الملكة إلى قلة الخبرة الزوجية, وطلب المثالية فيها, والملازمة الدائمة بين الزوجين, وعلاج هذه الأسباب أن تكون فترة الملكة فترة تعارف, ويكفي فيها وقت قصير, ثم الدخول والسكن الذي يجعل الله فيه المودة والرحمة بين الزوجين.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].