البحث

عبارات مقترحة:

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

المهيمن

كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...

البصير جل جلاله

العربية

المؤلف د عبدالله بن مشبب القحطاني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التوحيد
عناصر الخطبة
  1. معنى اسم الله البصير ودلائله .
  2. آثار الإيمان باسم الله البصير. .

اقتباس

وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ رَبَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ؛ اسْتَحَى أَنْ يَرَاهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ أَوْ فِيمَا لَا يُحِبُّ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يَرَاهُ؛ أَحْسَنَ عَمَلَهُ وَعِبَادَتَهُ، وَأَخْلَصَ فِيهِمَا حَتَّى يَصِلَ لِمَقَامِ الْإِحْسَانِ؛ وَهُوَ أَعَلَى مَقَامَاتِ الطَّاعَةِ الَّتِي.. وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْهِدَايَةَ مِنْ عِبَادِهِ، وَهُوَ خَبِيرٌ بِمَنْ يَصْلُحُ حَالُهُ بِالْغِنَى وَالْمَالِ، وَبِمَنْ يَفْسُدُ حَالُهُ...

الخطبة الأولى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللَّهِ: مَرَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَيْلًا فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ؛ فَسَمِعَ عَجُوزًا تَقُولُ لِابْنَتِهَا: "امْزُجِي اللَّبَنَ بِالْمَاءِ، فَقَالَتِ الْبِنْتُ: أَمَا عَلِمْتِ أَنَّ عُمَرَ نَهَى عَنْ مَزْجِ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ؟ فَقَالَتِ الْعَجُوزُ: وَأَيْنَ عُمَرُ حَتَّى يَرَانَا؟! فَقَالَتِ الْبِنْتُ -الْمُوقِنَةُ بِنَظَرِ اللَّهِ إِلَيْهِمَا-: إِنْ كَانَ عُمَرُ لَا يَرَانَا؛ فَرَبُّ عُمَرَ يَرَانَا!".

هُنَاكَ أُنَاسٌ عَاشُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا فِي مَنْزِلَةٍ عَالِيَةٍ، فِي أَمْنٍ دَائِمٍ، فِي سَعَادَةٍ أَبَدِيَّةٍ، فِي ثَبَاتٍ عَلَى الْحَقِّ، مُتَلَذِّذِينَ بِالْعُبُودِيَّةِ؛ وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا: أَنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ، وَاللَّهُ قَالَ عَنْ نَفْسِهِ إِنَّهُ الْبَصِيرُ، وَاسْمُ اللَّهِ: (الْبَصِيرُ) وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مَوْضِعًا؛ (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[الْبَقَرَةِ: 233].

فَرَبُّنَا الَّذِي يُبْصِرُ كُلَّ شَيْءٍ؛ وَإِنْ دَقَّ وَصَغُرَ، فَيُبْصِرُ دَبِيبَ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ عَلَى الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ، يُبْصِرُ مَا تَحْتَ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ، كَمَا يُبْصِرُ مَا فَوْقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ.

وَهُوَ الْبَصِيرُ الْعَالِمُ بِالْأَحْوَالِ كُلِّهَا، وَبِخَفِيَّاتِ الْأُمُورِ؛ الْخَبِيرُ بِهَا، الْمُطَّلِعُ عَلَى بَوَاطِنِ الْأُمُورِ؛ فَهُوَ يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ وَيُمِيتُ، وَيَهْدِي وَيُضِلُّ، يَنْصُرُ وَيَخْذِلُ بِحَسْبِ حِكْمَتِهِ؛ (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)[آلِ عِمْرَانَ: 15].

وَهُوَ الْبَصِيرُ يَرَى دَبِيبَ النَّمْلَةِ

السَّوْدَاءِ تَحْتَ الصَّخْرِ وَالصَّوَّانِ

وَيَرَى مَجَارِي الْقُوتِ فِي أَعْضَائِهَا

وَيَرَى عُرُوقَ بَيَاضِهَا بِعَيَانِ

وَيَرَى خِيَانَاتِ الْعُيُونِ بِلَحْظِهَا

وَيَرَى كَذَاكَ تَقَلُّبَ الْأَجْفَانِ

رَبُّنَا أَثْبَتَ صِفَةَ (الْبَصَرِ) لَهُ؛ فَاللَّهُ لَهُ عَيْنَانِ حَقِيقِيَّتَانِ، تَلِيقَانِ بِذَاتِهِ، نُؤْمِنُ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَلَا تَمْثِيلٍ وَلَا تَأْوِيلٍ؛ (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشُّورَى: 11].

وَاشْتِرَاكُ الْمَخْلُوقِ مَعَ الْخَالِقِ فِي هَذَا الِاسْمِ لَا يَعْنِي: الْمُشَابَهَةَ؛ فَإِنَّ صِفَاتَ الْمَخْلُوقِ تُنَاسِبُ ضَعْفَهُ وَعَجْزَهُ وَخَلْقَهُ، وَصِفَاتِ الْخَالِقِ تَلِيقُ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ؛ (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشُّورَى: 11].

وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ رَبَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ؛ اسْتَحَى أَنْ يَرَاهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِ أَوْ فِيمَا لَا يُحِبُّ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يَرَاهُ؛ أَحْسَنَ عَمَلَهُ وَعِبَادَتَهُ، وَأَخْلَصَ فِيهِمَا حَتَّى يَصِلَ لِمَقَامِ الْإِحْسَانِ؛ وَهُوَ أَعَلَى مَقَامَاتِ الطَّاعَةِ؛ الَّتِي قَالَ عَنْهَا الْحَبِيبُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

فَإِذَا بَلَغْتَ ذَلِكَ كُنْتَ فِي مَعِيَّةِ اللَّهِ الْخَاصَّةِ لِعِبَادِهِ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ فِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ: "وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ؛ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ).

رَاوَدَ بَعْضُهُمْ أَعْرَابِيَّةً عَنْ نَفْسِهَا؛ فَقَالَ لَهَا: "لَا يَرَانَا إِلَّا الْكَوَاكِبُ"، فَقَالَتْ لَهُ: "أَيْنَ مُكَوْكِبُهَا؟".

إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلَا تَقُلْ *** خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ: عَلَيَّ رَقِيبُ

وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ يَغْفُلُ سَاعَةً

وَلَا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيبُ

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِعِبَادِهِ: أَنَّهُ يُخَاطِبُهُمْ خِطَابَ رَحْمَةٍ، وَحَثَّهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ؛ مَعَ أَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ عِبَادَتِهِمْ، وَيُنَبِّهُ الْغَافِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ.

وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْهِدَايَةَ مِنْ عِبَادِهِ، وَهُوَ خَبِيرٌ بِمَنْ يَصْلُحُ حَالُهُ بِالْغِنَى وَالْمَالِ، وَبِمَنْ يَفْسُدُ حَالُهُ بِذَلِكَ؛ فَاللَّهُ -تَعَالَى- قَدْ قَالَ: (إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)[الشُّورَى: 27].

خَرَجَ ابْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- إِلَى مَكَّةَ فِي بَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَاسْتَرَاحُوا فِي الطَّرِيقِ؛ فَانْحَدَرَ عَلَيْهِمْ رَاعٍ مِنْ جَبَلٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: "يَا رَاعِيَ الْغَنَمِ! بِعْنَا شَاةً!

فَقَالَ الرَّاعِي: إِنِّي مَمْلُوكٌ -أَيْ: أَنَا عَبْدٌ مَمْلُوكٌ-.

فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: قُلْ لِسَيِّدِكَ: أَكَلَهَا الذِّئْبُ، فَقَالَ الرَّاعِي: أَيْنَ اللَّهُ؟".

فَبَكَى ابْنُ عُمَرَ، وَاشْتَرَى الْغُلَامَ (الرَّاعِيَ) مِنْ سَيِّدِهِ وَأَعْتَقَهُ.

عِبَادَ اللَّهِ: مَنْ فَهِمَ سِرَّ اسْمِ اللَّهِ (الْبَصِيرِ)؛ فَوَّضَ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ، وَتَفْوِيضُ الْأَمْرِ لِلَّهِ لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِمَّنْ يَصْبِرُ مُتَطَلِّعًا إِلَى مَعِيَّةِ اللَّهِ؛ (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ)[الطُّورِ: 48].

وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ؛ وَجَدْتَ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُمْ: آمَنُوا حَقَّ الْإِيمَانِ بِأَنَّ اللَّهَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ؛ فَعَبَدُوهُ كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ؛ فَنَالُوا الْمَنْزِلَةَ.

وَبَشَّرَ اللَّهُ أَوْلِيَاءَهُ بِقَوْلِهِ: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ  * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ  * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[يُونُسَ: 62-64].

وَالْمُؤْمِنُ يَحْذَرُ مِنْ ذُنُوبِ الْخَلَوَاتِ، جَاءَ فِي "الصَّحِيحِ" مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ هَبَاءً مَنْثُورًا"، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا؛ أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ! قَالَ: "أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).

فَيَا مُرْتَكِبًا الْمَعَاصِيَ مُخْتَفِيًا عَنْ أَعْيُنِ الْخَلْقِ.. أَيْنَ اللَّهُ؟! مَا أَنْتَ إِلَّا أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إِنْ كُنْتَ ظَنَنْتَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَرَاكَ؛ فَقَدْ كَفَرْتَ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهَ يَرَاكَ؛ فَلِمَ تَجْتَرِئُ عَلَيْهِ وَتَجْعَلُهُ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ إِلَيْكَ؟! (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)[النِّسَاءِ: 108].

وَبِهَذَا الِاسْمِ دَعَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ مِنْ قَوْمِ مُوسَى، مُلْتَجِئًا لِلَّهِ، وَمُعْتَصِمًا بِهِ، مِنْ مَكْرِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ؛ (إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)[غَافِرٍ: 44]، فَمَاذَا كَانَتِ النَّتِيجَةُ؟ اسْتَجَابَ اللَّهُ لِدُعَائِهِ: (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ)[غَافِرٍ: 45].

يَا مَنْ يَرَى صَفَّ الْبَعُوضِ جَنَاحَهَا

فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ الْبَهِيمِ الْأَلْيَلِ

وَيَرَى نِيَاطَ عُرُوقِهَا فِي نَحْرِهَا

وَالْمُخَّ مِنْ تِلْكَ الْعِظَامِ النُّحَّلِ

امْنُنْ عَلَيَّ بِتَوْبَةٍ تَمْحُو بِهَا

مَا كَانَ مِنِّي فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ

اللَّهُمَّ يَا بَصِيرُ تَجَاوَزْ عَنْ تَقْصِيرِنَا وَزَلَّاتِنَا.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.