المتعالي
كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...
العربية
المؤلف | حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات |
فأكثِروا -رحمكم الله- في هذا الشهر من الطاعات والقربات بأنواعها، وسارِعوا فيها إلى سُبُل الخيرات التي حثَّ عليها كتابُ الله، وسُنَّةُ رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ من صلاة وصيام، واعتمار وصدقة وإحسان، وكثرة ذِكْر وتلاوة للقرآن، ومن الأفعال التي فيها النفعُ للمسلمين...
الخطبة الأولى:
الحمد لله المنعوت بنعوت الكمال، الموصوف بصفات الجلال، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ هو الواحد الكبير المتعال، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه وعلى آل الآل.
أما بعد فيا أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -جل وعلا-؛ (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[الْبَقَرَةِ: 197].
عبادَ اللهِ: شهر شعبان من الشهور الفاضلة، وهو كغيره من شهور السنة التي وظيفة المسلم فيها أن يعمُرَها بطاعة الله -جل وعلا-، والاستقامة على شرعه؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].
عبادَ اللهِ: اغتنِموا أوقاتكم، وسارِعوا فيها إلى مرضاة الله -جل وعلا-، واعلموا أن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- هذا دأبُه، فكان يصوم معظم شعبان، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "ما رأيتُه أكثر صيامًا منه في شعبان"(متفق عليه)، ولمسلم: "كان يصوم شعبان إلا قليلًا"، وكان سلف هذه الأمة يُسَمُّونَ شعبانَ شهرَ القُرَّاء؛ لكثرة قراءتهم للقرآن، والانقطاع لذلك.
فأكثِروا -رحمكم الله- في هذا الشهر من الطاعات والقربات بأنواعها، وسارِعوا فيها إلى سبل الخيرات التي حثَّ عليها كتابُ الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ من صلاة وصيام، واعتمار وصدقة وإحسان، وكثرة ذكر وتلاوة للقرآن، ومن الأفعال التي فيها النفع للمسلمين، من المحتاجين والمعوزين، وبما فيه التقرب لله رب العالمين، روى أحمد والنسائي عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: "قلتُ: يا رسولَ اللهِ، لم أركَ تصوم في شهرٍ من الشهور ما تصوم في شعبان؟ فقال: ذلك شهرٌ يغفُل الناسُ عنه، وهو شهرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ، إلى ربِّ العالمينَ، فأُحِبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائمٌ"(حَسَّنَ سندَه العلماءُ)، وهكذا ينبغي على المسلم أن يكون في حياته كلها.
وأمَّا ما ورَد في المسنَد، وسنن أبي داود، والنسائي، من حديث: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا"، فأكثرُ أهلِ العلمِ على تضعيف هذا الحديث، وقالوا: "إنه منكَر الإسناد والمتن"، ومن صحَّحه منهم فقد حمَل معناه على مَنْ لم يكن له عادةٌ في الصوم، وإنما صامه بعد نصفه احتياطًا لرمضان؛ فسارِعوا -رحمكم الله- إلى الصالحات، واغتنِموا الأوقات بالخيرات وبفعل القُرُبات؛ (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 133].
بارَك الله لي ولكم فيما سمعنا، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله.
أما بعدُ، فيا أيها المسلمون: إن من الأصول الكبرى والقواعد العظمى تحريم البدع في الإسلام، والأمر بعبادة الله -جل وعلا-، وفقَ الهدي الرباني والمنهج النبوي، واعلموا -وفَّقَكم اللهُ-، أن تخصيص ليلة النصف من شعبان بصلاة قيام، وتخصيص يومها بصيام فذلك أمر لم يقم عليه دليلٌ معتبَرٌ من الشريعة، بل نصَّ محقِّقُو علماء الفقهاء من جميع المذاهب أن ذلك بدعة، وما ورَد ممَّا حسَّنَه بعضُ أهل العلم من حديث أن الله -جل وعلا-، يطَّلِع في ليلة النصف من شعبان على عباده فيغفر لأهل الأرض إلا لمشرك أو مشاحن، فعلى القول بصحة هذا الحديث وبصحة سنده فليس فيه ما يفيد تخصيص ذلك بعبادة، وأما ما انتشر عند بعض من القيام باحتفالات في بعض ليالي هذا الشهر والاجتماع على موائد أكل يسمونها "الشعبة"، فهذا إن قُصِدَ به التعبدُ والتقربُ إلى الله -جل وعلا- فهو بدعة منكَرة، وعمل غير جائز؛ فاتقوا الله -عباد الله-، احذروا البدع، فهي شر وضلال، وزيغ عن السنة، التي هي المدار الأقوم، والركن الذي لا تصح عبادةٌ إلا به.
ثم إن الله -جل وعلا- أمرنا بأمر تزكو به حياتُنا، وتسعد به آخرتنا؛ ألا وهو الصلاة والسلام على رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقنا عذابَ النار.
اللهم وفِّقْنا لما ترضى به عنا، اللهم اجعلنا من المتقين الموفَّقين المسدَّدين، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق ولي أمرنا ونائبه لما تحبه وترضاه، اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل مكروه وسوء، اللهم مَنْ أرادنا أو أراد بلادنا بسوء، أو أراد بلاد المسلمين بشر اللهم فاكْبِتْه، وردَّه خائبًا خاسئًا يا قوي يا عزيز، اللهم اجمع بين كلمة المسلمين على التقوى، اللهم ارفع ما أصابهم من اللأواء والضراء، اللهم ارفع ما أصاب أمة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- من اللأواء والضراء والتفرق والفقد والإعواز يا ذا الجلال والإكرام، اللهم احقن دماءهم في كل مكان.
اللهم رد كل غائب إلى بلده غانمًا سعيدًا يا حي يا قيوم، اللهم أنزِلْ عليهم رحمة من عندك، تُصلح بها أحوالَهم، وتلم بها شعثَهم، يا حيُّ يا قيوم، اللهم أغثنا، اللهم إنك تعلم ما أصابنا من القحط واللأواء يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اسقنا، اللهم لا تعاملنا بذنوبنا، اللهم أفضل علينا من بركاتك، اللهم أنزل علينا من بركاتك ما يغنينا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أنت الغفور، أنت الرحيم، أنت الغني، أنت الحميد، اللهم لا تَرُدَّنا خائبينَ، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنَّا ضعفاء إليكَ، اللهم أنتَ القيوم، اللهم أنزل علينا ما يكون به قوام حياتنا يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارحمنا، اللهم ارحم ضَعْفنا، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على النبي الكريم.