الأحد
كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
أيها المؤمنون: حفزاً للهمم والعزائم في شهر الخيرات في أيامه المباركات ولياليه العظيمات يتكرر نداء عظيم مبارك ينادي المقبلين على الخيرات تحفيزاً لهم، وشحذاً لهممهم، وينادي من هم غافلون عن الطاعات متحركة قلوبهم بالآثام يناديهم بالإمساك والإقصار خوفاً من الله الملك الجبار؛ فإن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -جل وعلا- حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يعلم أن ربه يسمعه ويراه.
أيها المؤمنون -عباد الله-: هنيئاً لكم شهركم الكريم، وموسمكم المبارك، موسم الخيرات والبركات، والعطايا والهبات، والعتق من النيران.
أيها المؤمنون: ما أعظم شأنِ عبدٍ غنِم شهره فربح ثوابه، ونال أجره، وما أعظم خسران عبدٍ دخل عليه شهر الخيرات ثم انقضى وهو من بركاته محروم وعن خيراته غافل.
عباد الله: وحفزاً للهمم والعزائم في شهر الخيرات في أيامه المباركات ولياليه العظيمات يتكرر نداء عظيم مبارك ينادي المقبلين على الخيرات تحفيزاً لهم، وشحذاً لهممهم، وينادي من هم غافلون عن الطاعات متحركة قلوبهم بالآثام يناديهم بالإمساك والإقصار خوفاً من الله الملك الجبار؛ فإن الموسم موسم خيرات وبركات، روى الإمام الترمذي في جامعه وابن ماجه في سننه وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِى مُنَادٍ: يَا بَاغِىَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِي الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ".
فتأمل -رعاك الله- هذين النداءين العظيمين المباركين: "يا باغي الخير، يا باغي الشر"، وقد جاء التصريح في حديثٍ رواه الإمام أحمد في مسنده بأن هذا المنادي ملَك من ملائكة الله، وجاء كذلك التصريح: أن هذا النداء يتكرر كل ليلة من ليالي رمضان.
نعم -أيها المؤمنون- نداءٌ عظيم مبارك يتكرر في كل ليلة من ليالي رمضان "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصِر".
ولئن كان أهل الإيمان لا يسمعون صوت هذا المنادي إلا أنهم من نداءه على يقين؛ لأن الذي أخبر بذلك الصادق المصدوق، صلوات الله وسلامه عليه الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
ألا -عباد الله- لنستشعر في ليالي رمضان المباركات هذا النداء المبارك، هذا النداء العظيم، ولنفعّل هذا النداء في حياتنا، ولنتأمل في أحوالنا وسلوكنا، ولننظر في حالنا من أي أهل النداءين؟ فإنهما نداءان وكل منهما مقصود به فئة من الناس "يا باغي الخير، يا باغي الشر".
وفي هذا دلالة أن قلوب الناس -عباد الله- على قلبين: قلب يبغي الخير ويطلبه ويبحث عنه ويتحراه، وقلب آخر قلبه -والعياذ بالله- يبحث عن الشر ويتحرك في طلب الشر، وينبعث في البحث عن الشر؛ فليسوا سواءً -عباد الله- ليس من كان قلبه قلباً صالحاً مستقيماً يطلب الخير ويتحراه؛ كمن قلبه -والعياذ بالله- قلباً شريراً لئيماً يبحث عن الشر ويتحراه.
نعم -عباد الله- نداءان عظيمان: "يا باغي الخير، ويا باغي الشر" فليفتش كل إنسان في نفسه، وليتأمل في حاله وليحقق ما طُلب منه؛ فإن كان قلبه ذلك القلب العظيم ذلك القلب الكريم الذي يتحرى الخير ويطلبه فليغنم شهر الخيرات بالإقبال على الله، وبالمزيد من الطاعات، وبالاستكثار من العبادات وباغتنام موسم الخيرات بالإكثار من الرغائب والمستحبات، وفي الحديث القدسي يقول الله -جل وعلا-: "مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ" فالمقبِل على الخيرات يجتهد في الفرائض أولا تبكيراً إليها ومزيدَ اهتمامٍ بها وسعياً في تتميمها وتكميلها، ثم بعد ذلك يُوسِع في باب الرغائب والمستحبات اغتناماً واستكثاراً.
ثم -أيها المؤمنون-: إن كان قلب الإنسان ذلك القلب الآخر الذي يبغي الشر ويتحراه؛ فهذا له نداء آخر: "يا باغي الشر أقصر"، و "أقصر" من الإقصار وهو الكف والامتناع، "يا باغي الشر أقصر" أي كف عن الشر، وامتنع منه، وابتعد عنه، واتق الله -جل وعلا- ربك؛ فإنك في شهر الخيرات والبركات شهر العطايا والهبات شهر العتق من النيران شهر الغفران.
إن لم يتحرك قلبك في هذا الموسم المبارك كفاً وامتناعاً وبُعداً عن العصيان فمتى عساه أن يتحرك؟! قال عليه الصلاة والسلام: "وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ".
عباد الله: لنتق الله -عز وجل- في شهرنا، ولنتقيه سبحانه في هذا الموسم العظيم، وليكن لنا جميعاً مغنماً، وليكن لنا جميعاً في الخيرات والبركات مرتقىً وسلَّما.
اللهم غنِّمنا شهر الخيرات، اللهم غنِّمنا شهر الخيرات، اللهم غنِّمنا شهر الخيرات، وجُدْ علينا فيه بواسع العطايا وصنوف الهبات.
اللهم وفقنا لاغتنامه بما يرضيك، اللهم ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
اللهم واغفر لنا ذنبنا كله دِقه وجلّه، أوله وآخره، سره وعلنه.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الكريم الوهاب، وأشهد ن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: عباد الله: اتقوا الله -تعالى- فإن تقوى الله خير زاد، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)[البقرة: 197].
معاشر المؤمنين: وفي الحديث المتقدم: أن "لله -عز وجل- عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة" من ليالي رمضان عتقاء من النار -عباد الله- في كل ليلة من ليالي رمضان تعتق رقابهم من النار؛ أليس هذا الخبر عظيم دافعاً عظيماً وحافزاً مؤثراً لتتوق القلوب وتشتاق أن تكون من هذه الرقاب المباركات التي أعتقت من النار في شهر الخيرات؟
ولهذا -عباد الله- ينبغي على كلٍّ منا أن يتحرك قلبه شوقاً وطمعاً على أن يكون من هؤلاء الذين يعتق المنان الكريم الوهاب رقابهم في موسم الخيرات من النيران.
اللهم إنا نسألك إلهنا وسيدنا ومولانا أن تعتق رقابنا أجمعين من النار. اللهم أعتق رقابنا من النار. اللهم أجرنا من النار.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور)[آل عمران: 185].
وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.
وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وأبي الحسنين علي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنـِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمّر أعداء الدين واحمِ حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك، اللهم وأعنه على طاعتك يا حي يا قيوم.
اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك اللهم من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.
اللهم وأصلح ذات بيننا، وألّف بين قلوبنا واعدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا واجعلنا مباركين أينما كنا.
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين.
ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].