الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
العربية
المؤلف | نواف محمد السالم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - أهل السنة والجماعة |
تعيش أمتنا في هذه الأيام أزمات متتابعة، وفتن منتشرة، وكان الناس في القديم إذا أُجلبت عليهم هذه الفتن والملومات والأزمات عادوا إلى كتاب الله -تبارك وتعالى-، وعادوا إلى سنة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ففيهما المخرج والنجاة من جميع الفتن، كما أمر بذلك الله -تبارك وتعالى- في كتابه الكريم. آلمنا وأقض مضاجعنا ..
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
ثم أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثتها بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: تعيش أمتنا في هذه الأيام أزمات متتابعة، وفتن منتشرة، وكان الناس في القديم إذا أُجلبت عليهم هذه الفتن والملومات والأزمات عادوا إلى كتاب الله -تبارك وتعالى-، وعادوا إلى سنة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، ففيهما المخرج والنجاة من جميع الفتن، كما أمر بذلك الله -تبارك وتعالى- في كتابه الكريم.
آلمنا وأقض مضاجعنا، وأحزننا وأدمى قلوبنا قبل أعيننا، ما طالعتنا به وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، من أحوال إخواننا في البحرين، أسأل الله -تبارك وتعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن ينجينا وإياهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل مملكتهم واحة أمن وأمان وسائر بلاد المسلمين، إنه جواد كريم.
لابد من موقف لبيان الموقف الشرعي للمسلم تجاه هذه الأحداث المؤلمة الدامية، لا سيما وقد اختلطت كثير من الأوراق، ولبّس الملبسون الحق بالباطل، ورفع عقيرتهم أهل الفساد والنفس الطائفي، يريدون أن يعيثوا في الأرض الفساد، ويريدون أن يقلبوا أمن هذه البلاد إلى ساحات دامية، وصدامات بين شعوبها؛ ليأتي العملاء أو ليأتي أسيادهم من الخارج ليسيطروا على هذه البلاد.
لنكن واضحين -أيها الأحباب الكرام-، ولنقف وقفة مكاشفة، ووقفة مصارحة مع أنفسنا ومع بلادنا، ولنكن ناصحين للأمة كما أمر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
قبل أن نقف وقفات موجزة مع هذه الأحداث، أحب -أحبتي في الله؛ وأعيروني القلوب والأسماع بارك الله فيكم-، لنقدم هذه المقدمات الثلاث المهمة، وهي فرشة لهذا الموضوع. كما قلت: لا نجاة للمسلمين من الفتن، مهما كانت هذه الفتن، فتن اقتصادية أو فتن سياسية، أو فتن أمنية، والله لا نجاة لهم إلا برجوعهم إلى كتاب ربهم واعتصامهم بسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-.
فأقول -وبالله التوفيق-: هذه القواعد الثلاث التي استقيتها من نصوص الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة -رحمة الله عليهم-.
القاعدة الأولى: وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة؛ يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103]، وحبل الله المتين هو صراطه المستقيم، هو كتابه المبين الذي: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: 42]، وكذلك سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، صلوات ربي وسلامه عليه.
القاعدة الثانية: وجوب اجتماع الكلمة وعدم التفرق، وعدم التحزب والتشرذم: إن هذا يعد أصلاً عظيمًا من أصول هذا الدين، والآيات كثيرة، والأحاديث أكثر وأكثر، التي توجب على المسلم أن يدعو إلى وحدة الصف، وإلى اجتماع الكلمة، وأن يحذر من الشقاق والفراق وشق عصا الطاعة كما قال الله -عز وجل- بل أمر -جل في علاه-: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].
وبيّن -سبحانه وتعالى- أن التفرق والتشرذم والتشتت سمة من سمات المشركين وصفة من صفات الكافرين، وأبى الله أن يتصف المسلم الموحد الذي يرجو ما عند الله والدار الآخرة أن يتصف بصفات المشركين الكافرين، يقول الله -عز وجل-: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم: 32].
القاعدة الثالثة -يرعاكم الله-: وهي قاعدة تصب في قلب هذه الأحداث، وتجلي الموقف الشرعي للمسلم، وترفع المنارة وتقول: الطريق من هاهنا، والمخرج من هاهنا.
ما يجري في البحرين -وهذه هي القاعدة الذهبية التي جاء ذكرها في القرآن والسنة- ألا وهي: "وجوب قتال من خرج على ولي الأمر، وشق عصا الطاعة، ورفع عقيرته على من ولاّه الله -تبارك وتعالى- أمره".
يقول الله -تبارك وتعالى-: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ) [الحجرات: 9]، أي اعتدت وشقّت عصا الطاعة، وكانت لهم شوكة كما هو واقع في الأيام المنصرمة في مملكة البحرين -حرسها الله-.
قال: (فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا)، (فَقَاتِلُوا): فعل أمر، والأمر يقتضي الوجوب، قال العلماء في تفسير هذه الآية: "يجب على المسلمين إذا استنفرهم الإمام عندما تَشقُّ عصا الطاعة طائفةٌ، وتكون لهم شوكة يريدون أن ينازعوا الإمام أمره، يجب على المسلمين إذا استنفرهم الإمام أن ينفروا معه، وأن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية التي شقت عصا الطاعة حتى تفيء إلى أمر الله". أي حتى ترجع إلى الصواب وإلى الصف مرة أخرى.
ويقول -صلى الله عليه وسلم- مبينًا هذه القاعدة أيضًا، قال: "من جاءكم وأمركم جميع -أي مجتمع-، من جاءكم وأمركم جميع على واحد منكم يريد تفريق جماعتكم فاقتلوه كائنًا من كان". وهذا الحديث ينطبق بحذافيره تمامًا على هؤلاء المتظاهرين، على هؤلاء المتطرفين، على هؤلاء المفسدين، على هؤلاء العملاء الذين جازوا الإحسان بالإساءة وشقوا عصا الطاعة، ويريدون للغريب أن يعيث في بلادهم الفساد، فيقول -صلى الله عليه وسلم- مبينًا الموقف الشرعي: "وأن دمهم هدر"، قال: "فاقتلوه كائنًا من كان"؛ لأن المصلحة المترتبة على حفظ الأمن والأمان إقامة الدين، ولا يستطيع العباد أن يوحدوا الله وأن يقيموا شرع الله إذا ضاع الأمن والأمان، والعلماء متفقون أن هذا الدين العظيم مبني على جلب المصالح ودرء المفاسد، قال الناظم: "الدين مبني على جلب المصالح ودرء القبائح"؛ لذلك ما قامت به حكومات دول الخليج -وفقهم الله لما يحبه ويرضاه- هذا هو عين الصواب، وهذا هو الموقف الشرعي تجاه هؤلاء الخارجين.
بعد هذه القواعد -أيها المسلمون-، وقفات أجعلها في رسائل سريعة، لجملة من الأطراف الذين لهم علاقة بهذه الأحداث الجسيمة.
أولى هذه الرسائل: إلى ولاة أمورنا وإلى حكام دولنا، نقول ونصدع بها، وليسمعها القاصي والداني: نجدد البيعة لكم، وندين الله -تبارك وتعالى- بأننا لا ننزع يدًا من طاعة، وإنما طاعتكم تكون في المعروف، ونحن معكم قلبًا وقالبًا وصفًّا واحدًا تجاه المفسدين، تجاه الذين يثيرون الفتن، تجاه خفافيش الظلام الذين يخططون ويدبرون في السراديب المظلمة، يريدون زعزعة أمن هذه الدول، فنقول: نحن معكم قلبًا وقالبًا، والله لو استُنفرنا للجهاد في سبيل الله وللقتال والذود عن حمى الدين والأرض والنفس والوطن والعرض، لكُنَّا أول المتقدمين، نرجو بذلك رضا الله -تبارك وتعالى- والدار الآخرة.
الرسالة الثانية: إلى عموم الشيعة في دول الخليج، نقول: أنتم ونحن كنا شركاء في بناء هذه الأوطان، ولسنا بالذين يطالبون بالنظرة الإقصائية، ولا نقول: إن البلاد لا تتسع لغيرنا، بل البلاد تسعنا وتسع غيرنا، وقد عاش آباؤنا وأجدادنا على هذه البلاد إخوة متحابين شيعة وسنة، حضرها وباديتها، عربها وعجمها، عاشوا إخوة متحابين، لُحمة واحدة، يقدر بعضهم بعضًا، حتى أتت هذه الطائفية البغيضة، العملاء المفسدون، الذين يريدون أن يصدروا الثورة البائسة، الثورة المجرمة، التي تريد زعزعة أمن هذه البلاد، وتريد إعادتها مرة أخرى مجوسية يعبد الناس فيها النيران من دون الله الواحد الأحد الديان.
عندها اغتر بعض سفهائهم وانخرطوا في هذا النفق المظلم، الذي فتت هذا المجتمع؛ لذلك نهيب بإخواننا الشيعة، بالذين بنوا معنا هذه البلاد: أين موقفكم؟! أين كلماتكم؟! عندما قام التكفيريون وفجروا في بلاد المسلمين في بلادنا وغيرها، قام علماؤنا ودعاتنا وخطباؤنا وصاحوا بهم، وقالوا: هذا فعل مشين، وإن الإسلام بريء من هذه التفجيرات براءة الذئب من دم ابن يعقوب، بل ربما هدد بعض علمائنا ودعاتنا بالقتل من هؤلاء التكفيريين بسبب مواقفهم وصدعهم بالحق الذي أخذ الله ميثاقه على الذين أتاهم الله علمًا.
أين موقفكم؟! لقد كانت طعنة، لقد كانت طعنة من إخواننا الشيعة، من الشرفاء منهم، عندما أنكروا على استحياء وبكلمات خافته عندما قام ذلك الزنديق الكافر ياسر حبيب، وطعن في أمنا طعنًا سافرًا، كنا ننتظر ونترقب في وسائل الإعلام تصريحات واضحة لإخواننا الشرفاء من الشيعة فلم نجد، وللأسف الشديد، وحتى المتكلمين منهم يلفون ويدورون ولا يتكلمون بصريح العبارة، فهذا والله آلمنا، وكنا نود أن تكون المواقف واضحة.
هنا محك آخر واختبار آخر، لنرى الصادق من الكاذب، لنرى الذي يدعو إلى التعايش وإلى التحاب وإلى أن نبني هذا الوطن، وأن لا تكون المسؤوليات من منطلق الطائفية أو القبلية، لنرى الصادق من الكاذب، ولنرى من الذي يجعل تصريحاته واقعًا ملموسًا عمليًا، ومن الذي يجعل تصريحاته مجرد حروف تطلق في الهواء بين فينة وأخرى!!
إخوانكم من أهل السنة ينتظرون وقفتكم وأن لا تنجرفوا، ونحن على قناعة أن هؤلاء المتظاهرين في الكويت وفي البحرين وفي القطيف والأحساء وفي غيرها لا يمثلون الشرفاء من الطائفة الشيعية والعقلاء منهم، لذلك أين أصواتكم؟! أين تصريحاتكم؟! لابد أن تقفوا وأن تبرهنوا ولاءكم؛ لأن أصابع الاتهام أصبحت الآن تُشار إليكم وتطعن في ولائكم، فاثبتوا بكلمة حق وبموقف مُشرف، وقولوا كما قال أهل السنة عندما أخذوا على أيدي أولئك التكفيريين: "لا تمثلوننا والولاء لهذه البلد قبل ذلك لدين الله -عز وجل-".
الرسالة الثالثة: إلى نواب مجلس الأمة، والنواب ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: منهم المؤيدون للمتظاهرين، ونقول بصريح العبارة: إن الذي يعين المجرم على إجرامه هو مجرم، إن الذي يعين الظالم على ظلمه هو شريكه في الظلم، أين أنتم؟! ماذا تقولون؟! هل أنتم تدينون بالولاء لهذه البلاد؟! هل أنتم تدينون بالولاء لأهل هذه البلاد؟!
تعلمون ويعلم القاصي والداني أن الخليج العربي لُحمة واحدة، المصير واحد، والدين واحد، والدم واحد، والعرض واحد، وكل ذلك تُوّج بذلك المجلس التعاوني فأصبح بوتقة واحدة، فأمن البحرين من أمننا.
فكيف تقولون بأن هؤلاء المتظاهرين مظلومون؟! كيف يكونون مظلومين وقد قال لهم ملك البحرين -وفقه الله- ودعاهم إلى الحوار وصبر عليهم ما لا يصبر إنسان على من ظلمه في هذا الزمان، صبرًا وحلمًا واحتواءً، ومد يد الحوار مع أنهم هم البادئون، هم الظالمون، هم المعتدون، وهذه وسائل الإعلام -وليس هناك سر- رفعت شعارات: "الشعب يريد إسقاط النظام"، ورفعت أعلامًا لحزب اللات والعزى!! هذا الحزب المجرم الذي ما دخل في بلاد إلا وأثار فيها الفتن، إلا وأثار فيها القلاقل.
أين ولاؤكم؟! وأين انتماؤكم؟! وأين مطالبكم التي تقولون بأنها مطالب عادلة؟!!
عودوا إلى إحصائيات البعثات في البحرين، غالب المبتعثين من الطائفة الشيعية، وانظروا إلى عدد الوزراء هناك، وإلى عدد المدراء هناك، وانظروا أين تذهب هذه الثروات؟! ثم بعد ذلك يقولون: نحن مظلومون!! أي مظلومية هذه؟!
لذلك لهؤلاء النواب المتطرفين الذين يعينون الظالم على المظلوم فقالوا: إن هذه حرب إبادة!! هذه حرب إبادة وما يجري في تلك البلاد على الضفة الأخرى من الخليج العربي، من سحل، وقتل على الهوية، وتعليق للمشانق، وإبادة للناس دون تفريق بين شيعي وسني، ليست بحرب إبادة؟! أهذا هو العدل الذي ينشده هؤلاء؟!
أقول لهم: إذا كنتم تريدون ولاية الفقيه في دول الخليج فهذا والله أبعد عنكم من نجوم السماء، بإذن الله -تبارك وتعالى-.
نقول لكم: أريحوا أنفسكم وأريحونا، إن كنتم تريدون ولاية الفقيه فسوف نقوم بدفع التكاليف لكم من حجز التذاكر لتذهبوا إلى الضفة الأخرى من الخليج العربي؛ لتنعموا هناك بعدل ولاية الفقيه!!
أما الرسالة الثانية: للقسم الثاني من النواب المعارضين لهذه التظاهرات:
نقول لهم: لا تزال مواقفكم خجولة، لا تزال مواقفكم على استحياء، هذه والله أعظم من علاوات الأولاد، وأعظم من زيادة المتقاعدين، وأعظم من الأزمة الاقتصادية، وأعظم من المشاكل الرياضية، إنه أمن وأمان، لابد أن تكون تصريحاتكم مشرفة، وهذه وقفات تاريخية لن ينساها لكم الناس ما حيوا، وقبل ذلك رب العالمين قد أخذ عليكم هذا الميثاق: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا) [آل عمران: 30].
أما نواب القسم الثالث وهم الصامتون، الساكتون الذين لم يتكلفوا ببنت شفة، أين أنتم؟! تريدون أن تمسكوا العصاة من الوسط؟! لا، إن مثل هذه المواقف ليس فيها طرف وسط، إما حق وباطل، إما حق وباطل، إما ظالم ومظلوم، فإذا لم تقفوا مع الحق الذي تمثله هذه الجيوش المباركة التي ذهبت إلى مملكة البحرين لتطهرها من نجس هؤلاء العملاء، فإنكم ستكونون في صف أولئك المؤيدين لهذا الظلم السافر.
الرسالة الرابعة: للنظام المستبد في طهران؛ عندما قالوا قبل أيام بعد دخول القوات إلى مملكة البحرين قالوا: سيدفع حكام الخليج الثمن!!
نقول لهم ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن صياد عندما اتهم بأنه المسيح الدجال قال له: "اخسأ عدو الله لن تعدو قدرك".
نقول لهم: اخسؤوا لن تعدوا قدركم، حكام الخليج حكام من ظهور حكام، من أسر حاكمة قبل أن توجدوا، وما أنتم إلا أفاكون في زيّ حكام، نظام مستبد، نظام ديكتاتوري، نظام إقصائي.
قلت لكم وواقعكم شاهد على ذلك، تظاهرات مليونية في أنحاء إيران تطالب بزوال هذا النظام، أتعلمون هذا النظام الذي يدعو إلى الإسلام ويريد أن يأخذ زعامة العالم الإسلامي الذي يدعو ويطالب حكام الخليج وشعوب الخليج بقبول الآخر، أتدرون أنه لا يوجد في طهران مسجد واحد لأهل السنة والجماعة؟!
يوجد في أمريكا، يوجد في أمستردام، يوجد في لندن، يوجد في الصين واليابان، ولكن لا يوجد مسجد واحد لأهل السنة والجماعة في عاصمتي طهران وتل أبيب، ولا تعليق على هذه الملحوظة.
لذلك نقول لهذا: اخسأ عدو الله، اخسأ عدو الله لن تعدو قدرك، ألم يكن لك في درس الكويت درسًا عندما خرج الناس وذهبت الشرعية بين ليلة وضحاها، وكان النظام الغازي المجرم يبحث ترغيبًا وترهيبًا بين شعب الكويت سنتهم وشيعتهم حضرهم وبدويهم، يبحث عن رجل واحد، بل عن طفل واحد، ليقبل أن يكون حاكمًا لهذه البلاد، صاح الناس جميعهم في الداخل والخارج، لا نريد إلا حكم آل صباح.
هذه إشارة واضحة -أيها المُخرف-، إشارة واضحة، فأنت تهرف بما لا تعرف، الناس لُحمة واحدة، مهما بثثتم من شروركم، ومهما ضخختم من ميزانياتكم: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ) [الأنفال: 36]، هكذا هو حالهم.
الرسالة الخامسة: لوزارة الإعلام في الكويت: نقول لهذه الوزارة الموقرة، ونقول لوزير الإعلام الفاضل، الذي نحبه ونقدره ونكن له كل احترام وتقدير وسائر وزرائنا، نقول: حفظك الله، لابد من وقفة جادة، حازمة، حاسمة، تشفي صدور قلوب مؤمنين، تجاه قنوات الفتنة، قناة الظلمات، هذه التي تبث من الكويت، وأصبحت بوقًا للذين يثيرون الطائفية ويتجرؤون على أهل السنة والجماعة، لابد من وقفة من وزارة الإعلام الموقرة وعلى رأسهم وزيرها الذي نكن له كل تقدير واحترام.
الرسالة السادسة قبل الأخيرة: رسالة إلى قواتنا الباسلة، إلى درع الجزيرة: نرفع لكم العقال تقديرًا وتبجيلاً واحترامًا لما تقومون به من أمن هذه البلاد بعد الله -تبارك وتعالى-، ونقدّر هذه الفزعة المباركة، ونقدّر هذا التدخل المبارك، وكذلك نحث المسؤولين الطيبين الغيورين -وكلهم كذلك في بلادنا- نحثهم على الإسراع في إرسال قواتنا لحفظ مملكة البحرين حبيبتنا.
وأسوق هذا الحديث لإخواننا وأحبابنا في تلك البقاع على دخولهم الباسل، أقول لهم ما قاله -صلى الله عليه وسلم-: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، وابشروا والله إنكم على الحق، أقسم بالله العظيم إنكم على الحق، فأنتم لا تقاتلون تحت راية عمية، الحق واضح والباطل واضح، الحق أبلج والباطل لجلج، الحق ما أنتم عليه، أعدتم الشرعية وأقمتم النظام، وحفظتم الأمن والأعراض، فجزاكم الله خيرًا، وبيض الله وجوهكم، يوم تسود وجوه وتبيض وجوه.
يقول الله -عز وجل-، وأسوق هذه الآية عندما ارتفعت مكبرات الصوت في أحياء هؤلاء المتطرفين، وهم يدعون إلى الجهاد!! الجهاد ضد من؟! والقتال ضد من؟! لو كان هؤلاء يعتقدون أن هؤلاء إخوانهم المسلمين لما رفعوا الجهاد، ولكنهم بما أنهم ابتدؤوا -وعلى نفسها جنت براقش- أقول للمجاهدين، للقوات الباسلة: تقدموا وأعيدوا النظام، وأخرجوا هؤلاء الجرذان العملاء، وطهروا البلاد منهم.
يقول الله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا) [التوبة: 111]، أيتها القوات الباسلة: (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرًا.
ثم أما بعد:
الرسالة السابعة الأخيرة: لإخواننا في أهل البحرين؛ نقول: حيا الله مملكة البحرين، وحيا الله شعب البحرين، شعب البحرين البطل، شعب البحرين الوفي، شعب البحرين الكريم، شعب البحرين أهل التوحيد، شعب البحرين أهل العلم والإيمان، حيا الله شعب البحرين.
نقول لهم: دماؤكم من دمائنا، وأنفسكم من أنفسنا، وأعراضكم من أعراضنا، ودياركم من ديارنا، وأموالكم من أموالنا، فوالله الذي يمسكم يؤذينا، ولم ننس وقفتكم المشرفة التي نسيها هؤلاء المتظاهرون في الكويت، ونسيها هؤلاء النواب الذين يؤيدون العدو عليكم، نقول: إن شعب الكويت ليس هؤلاء النواب، وليس هؤلاء المتظاهرين، وليس هؤلاء الذين ردوا إحسانكم بالإساءة، بل إن شعب الكويت يقدّم لكم التحية ويقدم لكم الدعم الكامل، وما هي إلا سويعات قليلة بإذن الله -تبارك وتعالى- وستدفع الكويت بفلذات أكبادها، بقواتنا الباسلة ليشاركوكم وليردوا الجميل لكم.
تذكروا -أيها الإخوة- عندما خرج شعبنا كسيرًا حسيرًا خائفًا متشرذمًا عندما جاء الغزو الغاشم ففتح أهل البحرين قلوبهم قبل بيوتهم ودارهم، وشاركونا في لقمة العيش، وساندونا بالأموال والدفاع، وهذا يشهد به كل إنسان منصف.
آن الأوان -أهلَ الكويت- أن نرد الجميل لأهل الجميل، وأن نرد الفضل لأهل الفضل، وهذا بإذن الله -تبارك وتعالى- لناظره لقريب، ونراه -بإذن الله عز وجل- في السويعات القادمة.
فنقول لهم -حفظهم الله-: إن من المحن تأتي المنح، (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [النور: 11]، (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19].
انظروا إلى هذه المنح الكثيرة التي تمخضت عن هذه التظاهرات وعن هذه الأزمة، كيف عاد الناس إلى كتاب ربهم وإلى سنة نبيهم، وكيف التحمت الشعوب مع بعضها البعض وحول قيادتها الشرعية وكلهم صاحوا بصوت واحد: نعم لدحض الباطل ونعم لمجيء الحق، (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء: 81].
اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام والعظمة والسلطان، اللهم جنبنا الفتن، اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، من أرادنا يا رب بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا له، واجعل الدائرة عليه يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح اللهم ولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ذا الجلال والإكرام.