العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
القاتلُ البطيءُ، والمرضُ الفتَّاكُ الذي أُبتلي به الكثيرُ، فأثْمرَ قلوبًا سقيمةً، وأنفُسًا مضطربةً، وأذهانًا ضعيفةً، وأعصابًا متوترةً، وحياةً قصيرةً مُرهَقَةً، وأضْعفَ الدينَ، وأَضاعَ الصِّحةَ، وأَهلكَ الأنْفسَ والأموالَ. وهذا الوباءُ يَقْتلُ سنويًّا على مستوى العالمِ ملايينَ البشرِ، ونسبةُ أمراضِ السَّرطانِ الناتجةِ عنه تُمَثِّل أربعينَ بالمائةِ من...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ تفرَّدَ بالجمالِ والكمالِ، وتَكرَّمَ بجزيلِ النوالِ، لهُ الحمدُ سبحانَه على كلِّ حالٍ، وأشكرُه تعالى شكرًا وافيًا لجزيلِ نعمِه بالغُدُوِّ والآصالِ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، تنزَّه عن الأشباهِ والأمثالِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه المنعوتُ مِنْ ربِّهِ -جلَّ وعلا- بشريفِ الصفاتِ، وجميلِ الخصالِ، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه، ومَنْ تَبِعهَم بإحسانٍ إلى يومِ الدِّينِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ حقَّ التَّقوى، وراقبُوه في السرِّ والنَّجوى.
عبادَ اللهِ: مِنْ أَعظمِ نعمِ اللهِ على عبادِه: نعمةُ العافيةِ في النَّفسِ والدِّينِ، وكمْ من إنسانٍ يتقلَّبُ في هذِه النِّعمِ ولا يشعرُ بهَا، ولا يَعلمُ قدْرهَا، بلْ يُضيِّعُها بسببِ شهواتِ النَّفسِ ومن ذلكَ: التدخينُ، القاتلُ البطيءُ، والمرضُ الفتَّاكُ الذي أُبتلي به الكثيرُ، فأثْمرَ قلوبًا سقيمةً، وأنفُسًا مضطربةً، وأذهانًا ضعيفةً، وأعصابًا متوترةً، وحياةً قصيرةً مُرهَقَةً، وأضْعفَ الدينَ، وأَضاعَ الصِّحةَ، وأَهلكَ الأنْفسَ والأموالَ.
وهذا الوباءُ يَقْتلُ سنويًّا على مستوى العالمِ ملايينَ البشرِ، ونسبةُ أمراضِ السَّرطانِ الناتجةِ عنه تُمَثِّل أربعينَ بالمائةِ من المصابينَ بالمرضِ وأكثرُهُم بسببِ التدخينِ السَّلبيِّ مِنْ مجالسيْ المُدخِّنِ، فضلاً عن أمراضٍ أخرى مُزْمنةٍ من تَصلُّبَ للشرايينَ، وتليُّفِ الكبدِ، والسُّعالِ، والذبحةِ الصَّدريةِ، والفشلِ الكُلويِّ، وضعفِ الجهازِ المناعيْ.
فهلْ لعاقلٍ أَنْ يرضى لنفسِه الاستسلامَ لهذَا الوباءِ المدمِّرِ، ويُلقي بنفسِه إلى التهلُكةِ، عاصيًا لأمرِ ربِّهِ -جلَّ وعلا- القائلِ: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[البقرة: 195]، والقائل: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء: 29].
عبادَ اللهِ: إنِّ مَنْ يُدخِّنُ يَظنُّ أَنْ تَدخينَه لهذِه السيجارةِ سوفَ يُطفأُ حرارةَ قلقِه واكتئابِه، ويذهبُ همَّهُ وغمَّه، ويجعلُ له شخصيةً في مجتمعِه، فغدَا مُستجيرًا مِنْ الرمضاءِ بالنَّارِ، ولو استعاذَ باللهِ مِنَ الشَّيطانِ، لعَلِم يقينًا أنَّ كُلَّ ما يعانيْ من أمراضٍ نفسيةٍ لنْ يُذهبَه إلا كتابُ اللهِ وذكرُه وطاعتُه، والتزامُ أمرِه.
فعلى كلِّ مدخِّنٍ أَنْ يُحكّمَ عقلَه، وينقادَ إلى شرعِ رَبِّهِ ليتخلَّصَ من ضررِه وأسْرِه، وأن يستعينَ باللهِ ويعقدَ العزمَ صادقًا على هجْرِه، ويعلمَ عِلْمَ اليقينِ أَنْ مَنْ ترْكَ شيئًا لله عوَّضه اللهُ خيرًا منه.
وقد وفَّرتْ الدولةُ -ولله الحمدُ- مراكزَ ومستشفياٍ للعلاجِ مجانيةً، فليبادرْ المبتلى به بعلاجِ نفسِه، وليحذرْ من سوءِ الخاتمةِ، بسببِ هذا الوباءِ، وليراجعْ نفسَه قبل فواتِ الأوانِ، حتَّى لا يكون عبرةً وعظةً لغيرهِ، وليعلمْ أنَّ الأَضرارَ المترتَّبة على هذا الوباءِ كثيرةٌ وخطيرةٌ، وأنها تنهى حياتَه بغيرِ ما يتمنَّاهُ.
أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا)[النساء: 29-30].
باركَ اللهُ لي ولكمْ في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذِّكرِ الحكيمِ، فاسْتَغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ الكريمِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ النبيِّ الأمينِ، صلى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين.
أما بعدُ: فاتَّقوا اللهَ -أيها المؤمنون-، واعلموا أنَّ تقواه خير زاد لكم يوم لقاه.
أَخيْ المُدَخِّنْ: اعلمْ -وفَّقكَ اللهُ- أنَّ شُربكَ للدُّخانِ لا يعنيْ أبدًا أَنْ تكونَ مُدمنًا لهُ، بلْ كُنْ على قناعةٍ أنَّكَ تملكُ أعظمَ قوةِ إيمانٍ في قلبكَ، وسوفَ تُعينُكَ -بإذنِ اللهِ تعَالى- على ترْكِه، وأَنَّ ترَكَهُ سوفَ يعودُ عليكَ بمنافعَ عُظْمى، ومن ذلك: أولاً: أَنَّكَ أرضيتَ ربَّكَ الذي خَلَقَكَ، وأَنْعمَ عليكَ بجزيلِ فضلِه ونعمِه، والحياء منه أن تَتْركَ هذا الشيءَ الخبيثَ المُضرَّ، وبذلكَ تنالُ رضاهُ، ويعينُكَ على تَرْكِه.
ثانيًا: الفرحُ والسُّرورُ الذي تَجدُه في قلبِكَ، وانشراحُ الصدرِ وطمأنينةُ النَّفسِ.
ثالثًا: أنَّكَ بتَركِه تُحافظُ على صحَّتِكَ ومالِكَ من التَّحولِ عنكَ وزوالِهمَا.
رابعًا: العافيةُ من الغضبِ والقلقِ والهمِّ والغمِّ والكآبةِ، وضيقِ الصَّدرِ.
خامسًا: بُعْدكَ عن أصحابِ السُّوءِ وأماكنِ الفُحشِ والمعاصي.
سادسًا: تَذوقُ حلاوةِ الإيمانِ الناتجةِ عن طاعتِكَ للهِ، وهَجْركَ للخبائِثِ والآثامِ.
سابعًا: النَّجاةُ مِنْ أمراضِ التَّدخينِ وأعراضِه مِنْ موتِ الفجاءةِ، والسَّكتةِ القلبيةِ، وانسدادِ الشرايينِ، وسرطانِ الفمِ والحنجرةِ والبُلعومِ والمريءِ والرئتينِ، وغيرِها.
ثامنًا: اجْتنَابُكَ للإسرافِ والتبذيرِ، وإنفاقُكَ في وجوِه الخيرِ بدلاً عن ذلك.
تاسعًا: عافيةُ اللهِ لكَ من الحَرَجِ والمشقَّةِ أمامَ أهلِك وأولادِك، وغيرِهم.
عاشرًا: كفُّ الأذى عن نَفْسِكَ ومَنْ حولَكَ، والملائكةِ، والنَّاسِ أجمعينَ، فالمسلمُ الصادقُ هو مَنْ سَلِمَ المسلمونَ من أذاهْ.
أسألُ اللهَ -تعَالى- أَنْ يُعينَ كلَّ مُدخنٍ على تَرْكِه، وأن يوَّفقَه لما يُرضيْ عنه ربَّه.
هذا، وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفَى، والقدوةِ المجتبى، فَقَد أمَرَكُم اللهُ بذلكَ، فقالَ جلَّ وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].