الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
العربية
المؤلف | أيمن بن شعبان السكري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
وإذا كان المسخ هو تحويل صورة إلى صورة أقبح منها فإنه يتضح لنا كيف كان مسخُهم هذا جزاءً من جنس عملهم، فعملهم هو أنهم اصطادوا الحيتان في يوم السبت الذي تُحرم شريعتُهم العمل فيه ولم يخرجوها من الماء إلا في يوم الأحد، فإذا قيل لهم: إنكم عصيتم أمر الله، تحججوا بأن عملهم لا بأس به، ولا تثريب عليه، لأنهم لا يخرجون الحيتان من الماء إلا في يوم الأحد.
الخطبة الأولى:
نختتم اليوم إن شاء الله الموعظة من أصحاب السبت الذين ذكرهم الله تعالى في أكثر من موضع في القرآن، فذُكرت قصتهم بتفصيل في سورة الأعراف، حيث أمر الله تعالى نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أن يسأل أهل الكتاب سؤال تذكير ووعظ عن هذه القصة التي يعلمونها، والتي جعلها الله تعالى موعظة للمتقين، فقال تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ).
ولقد ذكرنا القصة تفصيلًا من قبل، وتحدثنا عن اعتداء أصحاب السبت على شريعتهم، وما يقع منا -نحن المسلمين- من اعتداء على شريعتنا.
وتحدثنا أيضًا عن ابتلاء أصحاب السبت، وما نتعرض له -نحن المسلمين- من ابتلاء مماثل لابتلائهم ليعلم الله من يخافه بالغيب.
وتحدثنا أيضًا عن وعظ أصحاب السبت، وما ينبغي أن نقوم به من واجب الوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى وإن كان العصاة على علم بحرمة ما يفعلون، وحتى إن ظننا عدم استجابتهم، وذلك معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون.
وتحدثنا أيضًا عن عذاب أصحاب السبت، ورأينا سنة الله في أخذ الفاسقين بالعذاب في الدنيا، عسى أن يتضرعوا إلى الله، ويرجعوا إليه تائبين. فإذا ظهرت المعاصي ولم ينكرها الناس رغم قدرتهم على الإنكار حل بهم الهلاك، سواء أكان هلاكَ الانحلال والاختلال، أم كان هلاكَ الاستئصال، وعندئذ لن ينجو من بأس الله إلا المصلحون، الذين ينهون عن الفساد في الأرض، فيأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، أما الصالحون فيصيبهم ما أصاب الناس من عذاب الدنيا. ولهذا قلنا: إنه لا يكفي أن تكون صالحًا فقط، بل يجب أيضًا أن تكون مصلحًا تأمر وتنهى. يجب أن ننخلع من هذه السلبية، فنأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، فهذا هو سبيل النجاة من عذاب الله في الدنيا والآخرة.
ولأن أصحاب السبت نسوا ما ذكروا به، رغم الوعظ والنهي والتذكير، فقد أخذهم الله تعالى بعذاب بئيس بسبب فسقهم واعتدائهم على أمر الله، فلم يفهموا أن هذا العذابَ دعوةٌ للرجوع والتوبة إلى الله، بل عتوا واستكبروا عما نهوا عنه، وعندئذ قال الله تعالى فيهم: (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ)، أي: مسخهم الله تعالى قردة أذلاء.
إن القلب الذي لا ترده الشدة إلى الله قلبٌ تحجر، فلم تعد فيه نداوة تعصرها الشدة، ومن كان في قلبه حياةٌ أيقظته الشدة من غفلته وردته إلى ربه. وهكذا يكون بأسُ الله الذي يصيب به عبدًا من عباده في الدنيا، في بدنه أو أهله أو ماله، يكون رحمةً من الله باعتبار المآل.
أما من كان قلبه مَيْتًا لم تفده الشدة شيئًا، بل تكون حينئذ تَقْدمَةَ عذاب؛ ولهذا لما تحجرت قلوب أصحاب السبت فلم يردهم العذاب البئيس إلى الله كان المسخ -والعياذ بالله-.
وإذا كان المسخ هو تحويل صورة إلى صورة أقبح منها فإنه يتضح لنا كيف كان مسخُهم هذا جزاءً من جنس عملهم، فعملهم هو أنهم اصطادوا الحيتان في يوم السبت الذي تُحرم شريعتُهم العمل فيه ولم يخرجوها من الماء إلا في يوم الأحد، فإذا قيل لهم: إنكم عصيتم أمر الله، تحججوا بأن عملهم لا بأس به، ولا تثريب عليه، لأنهم لا يخرجون الحيتان من الماء إلا في يوم الأحد.
وهكذا كان اعتداؤهم على شريعة الله، واستحلالُهم لمحارم الله، من باب التحايل الذي ظاهره الاتقاء، وباطنه الاعتداء. فكان جزاؤهم من جنس عملهم جزاءً وفاقًا، فكما مسخوا شريعة الله بالتحايل مسخهم الله قردة، وهي في الظاهر أشبه الحيواناتِ بالإنسان، وفي الباطن ليست بإنسان.
ولهذا حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من أن نسلك مسلكهم في استحلال محارم الله بالحيل، فقد روى ابن بطة بإسناد حسن عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل"، قال ابن كثير في تفسيره: إسناده جيد وحسنه ابن القيم.
كما أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بعض صور استحلالهم لمحارم الله بالحيل، ليحذرنا من أن نفعل مثلهم، فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس وأبي هريرة وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهم- وأيضًا روى أحمد في مسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لعن الله اليهود، حُرِّمت عليهم الشحوم، فَجَمَلوها وباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله -عز وجل- إذا حرم على قوم أكل شيء حرم ثمنه".
أرأيتم -إخوة الإسلام- كيف استحلوا محارم الله؟! لقد حرّم الله عليهم أكل بعضِ شحومِ البقر والغنم، كما قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ).
والشحم هو المادة الدهنية التي يكون الحيوان بها سمينًا. والمحلَّلُ لهم من شحوم البقر والغنم هو شحمُ ما فوق الظهر، وما حملته الحوايا وهي الأمعاء التي نسميها نحن المصريين "الممبار"، وما اختلط بعظم، مثل شحم الأَلْية التي نسميها نحن "اللية"، فهي عندهم حلال من عند العُصْعُص، لأنها تُمسك بعظم عَجْب الذَّنَب. هذا هو الشحم المستثنى من التحريم.
أما الشحم المحرم عليهم فهو ما عدا ذلك، مثل الكُظْر وهو الشحم المحيط بالكُليتين، والثَّرْب وهم شحم رقيق يغشى الكرْش والأمعاء، وهو ما نسميه نحن المصريين "التَّرْب" أو "منديل الدهن".
وتحريم هذا الشحم ثابت عندهم حتى الآن، كما في التوراة التي بأيديهم، في الإصحاح الثالث من سِفْر اللاوِيِّين، الذي ورد فيه أن هذه الشحوم المحرمة من القرابين تستخدم كوقود للرب على المذبح. وقرابين اليهود من البهائم لا تكون إلا من البقر والغنم. ولكن القرآن يؤكد أن هذا التحريم ليس بسبب الوقود، وإنما هو بسبب بغيهم وظلمهم، أي: أنه تحريمُ عقابٍ وتأديب، كما قال تعالى: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ).
هذه هي الشحوم المحرمة على اليهود، فكيف تحايلوا على هذا التحريم؟! لقد أخذوا هذه الشحوم المحرمة عليهم، فجملوها -أي: أذابوها- على النار وباعوها مذابة وأكلوا ثمنها، فلعنهم الله.
أرأيتم كيف استحلوا ما حرم الله بتغيير هيئته وتبديل اسمه وبيعه لمن يستحله؟! وإن الله -عز وجل- إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه؛ ولهذا قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "قاتل الله سَمُرة"؛ وكان سَمُرَةُ بنُ جُنْدُبٍ صحابيًا جليلًا، غزا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقاتل معه ومع الخلفاء الراشدين من بعده، وكان في خلافة عمر أميرًا على البصرة، ولما دفع إليه بعض أهل الكتاب الجزية خمرًا استحل أن يقبلها منهم، وباعها إلى بعضهم، ظنًا منه أن ذلك يجوز، فلما بلغ ذلك عمرَ زجره ونهاه، فانتهى –رضي الله عنه-. ففي صحيح مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: بلغ عمرَ أن سَمُرَة باع خمرًا، فقال: قاتل الله سمرة، ألم يعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لعن الله اليهود، حُرِّمت عليهم الشحوم، فجملوها فباعوها". رواه مسلم. وفي هذا دليل على إبطال كل حيلة يتوصل بها إلى استحلال المحرم، وأن المحرم لا يتغير حكمه بتغيير هيئته أو تبديل اسمه أو بيعه لمن يستحله.
وإذا كان عمر -رضي الله عنه- قال: "قاتل الله سمرة"، فماذا يقول فينا وفينا من استحل كثيرًا من المحرمات بحيلة وبغير حيلة، بحُجة داحضة وبغير حجة؟!
ماذا يقول فينا عمر ونحن نفتح شواطئنا للسائحين، ليتعروا فيها كما يشاؤون، ويَسْكَروا كما يشاؤون، ويغشوا الفواحش كما يشاؤون، ويخدمهم على ذلك أبناء المسلمين، تحت حماية شرطتنا وقضاتنا، كل ذلك بحجة تشجيع السياحة؟! ماذا تقول فينا يا عمر؟! أتقول: قاتل الله سمرة؟!
ماذا تقول فينا -يا عمر- وفينا من يستحل الربا بتغيير اسمه إلى فائدة أو أرباح أو عمولة أو عائد استثمار ونحو ذلك من المسميات؟! أتقول: قاتل الله سمرة؟!
ماذا تقول فينا -يا عمر- وفينا من يستحل التبرج والعري والمجون بتغيير اسمه إلى فن، أو بحجة أنه حريةٌ شخصية؟! أتقول: قاتل الله سمرة؟!
لعن الله اليهود الذين استحلوا ما حرم الله، ولعن الله من فعل مثلهم، واستحل محارم الله.
واستحلال الحرام يكون باعتقاد حل المحرم بأدنى الحيل، كالاستدلالات الواهية، والتأويلات الضعيفة، والشبه الهزيلة، كما فعل أصحاب السبت، وكما فعل أصحاب الشحوم.
ويكون استحلال الحرام أيضًا بعدم الإذعان لحكم الشرع فيه، لعدم رضا القلب بالتحريم رغم اعتقاده بالتحريم. وهذه الصورة يغفُلُ عنها كثيرٌ من الناس، فترى امرأةً تعلم أن التبرج حرام، ولكنها لا ترضى بالحجاب، فهي تكره حكم الله، وتراه مقيدًا لحريتها ومقيدًا لرغبتها في إظهار مفاتنها، حتى انتشر التبرج وكأنه حلال. وهكذا تستباح وتستحل محارم الله.
إن استحلال الحرام كان فيما يبدو هو سبب مسخ أصحاب السبت، يقوي هذا: أن الله تعالى قد ذم اليهود بقوله: (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).
فلم يذكر سبحانه أنه مسخ أولئك الظالمين من اليهود بظلمهم وصدهم عن سبيل الله وأخذهم الربا وأكلهم الأموال بالباطل، فإن من أكل الحرام عالمًا بحرمته معترفًا بخطئه يكون قد قرن معصيته باعترافه بالتحريم، وهذا قد يترتب عليه من خشيةِ الله ورجاء مغفرته وإمكانِ التوبة ما قد يفضي به إلى خير، أما من أكل الحرام مستحلًا له بتأويل أو باحتيال فهو قد قرن معصيته بالإصرار على استحلال الحرام، فأنَّى لهذا توبة وهو لا يرى بأسًا فيما يفعل؟!
ومما يؤكد أيضًا أن استحلال الحرام كان -والله أعلم- هو سبب مسخ أصحاب السبت أن نبينا قد أخبر بوقوع المسخ في أمته للذين يستحلون بعض المحرمات، فقد روى أحمد في مسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله قال: "والذي نفسي بيده، لَيَبِيتَنَّ ناسٌ من أمتي على أَشَرٍ وبَطَرٍ ولعب ولهو، فيصبحوا قردةً وخنازيرَ باستحلالهم المحارمَ، واتخاذهم القَيْنَاتِ -أي: الجاريات المغنيات-، وشُربهم الخمرَ، وأكلهم الربا، ولُبْسِهم الحريرَ". الحديث ضعيف، وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب.
وروى ابن ماجه في سننه بسند صححه الألباني عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليشربن ناسٌ من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يُعزفُ على رؤوسهم بالمعازف والمغنيَاتِ، يخسِفُ الله بهم الأرض، ويجعلُ منهم القردة والخنازير". رواه ابن ماجه. والمعازف هي آلات العزف والطرب، أي: الآلات الموسيقية.
وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أقوامًا كثيرة من أمته سوف يستحلون المعازف، ما يدل على حرمتها، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحِرَ -أي: الزنا- والحرير والخمر والمعازف". رواه البخاري.
وروى الترمذي في سننه بسند صححه الألباني عن عِمران بن حُصين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "في هذه الأمة خسفٌ ومسخٌ وقذفٌ"، فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله: ومتى ذاك؟! قال: "إذا ظهرت القَيْنَاتُ والمعازف وشُربت الخمور".
وها هي القينات -أي: المغنيات- والمعازف قد ظهرت على الشاشات والمسارح، بل على المحمول، وها هي الخمور والمخدرات قد شُربت، فاتقوا الله -يا عباد الله-، وتوبوا إلى ربكم لعلكم ترحمون.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
ثم أما بعد:
إن أمة الإسلام -ولله الحمد- لا تجتمع على ضلالة، فإنه وإن استحل كثير من المسلمين المعازف، إلا أنه لا تزال طائفة من هذه الأمة لا تستحلها، فالأزهر لا يعلّم طلابه الموسيقى ولله الحمد، وإذاعة القرآن الكريم لا تسمع فيها أبدًا صوت الموسيقى ولله الحمد، بل هناك العديد من القنوات الفضائية الإسلامية لا تسمع فيها أبدًا صوت الموسيقى ولله الحمد. فمن فضل الله على هذه الأمة أنها لا تجتمع أبدًا على ضلالة.
ويبقى في قصة أصحاب السبت سؤالٌ، وهو: كيف عاشوا بعدما مسخوا؟!
لنا أن نتخيل كيف يعاني من أصيب بحريق أو حادث نجم عنه تشوّه في الوجه أو في الأعضاء، فكيف برجل خلقه الله تعالى في أحسن تقويم صار قردًا؟! بل كيف بامرأة صارت قردة؟! لقد عاش الممسوخون معاناةً عظيمةً مدة يعلمها الله. فهل تناسلوا؟!
يجيب عن هذا السؤال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث سُئل عن القردة والخنازير: هم مما مُسخ أو شيء كان قبل ذلك؟! فقال: "لا، بل كان قبل ذلك، إن الله -عز وجل- لم يُهلك قومًا فيجعلَ لهم نسلًا ولا عاقبة". رواه أحمد ومسلم.
وهنا يتضح لنا خطأ من يقول عن اليهود أنهم أحفاد القردة والخنازير؛ لأن الممسوخ ليس له نسل، فكيف يكون له أحفاد؟!
إخوة الإسلام: إذا كان الله تعالى قد جعل عقوبة المسخ لأصحاب السبت نكالًا أي: ردعًا وزجرًا لكل من أتى بعدهم، وجعلها أيضًا موعظة للمتقين، فحقيق بالمؤمن أن يحذر استحلال محارمِ الله، لا تُصِر على معصية، فكم من ذنب تراه هينًا وهو عند الله عظيم، لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من عصيت، واعلم أن الله تعالى قد قال في كتابه: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ).
فاتقوا الله -يا عباد الله-، وتوبوا إلى ربكم لعلكم ترحمون.
اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا وارزقنا. اللهم باعد بيننا وبين الخطايا كما باعدت بين المشرق والمغرب...