الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | راشد بن عبد الرحمن البداح |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - الصيام |
ففي غمرةِ الشعورِ باليأسِ والإحباطِ مما يصيبُ المسلمينَ اليومَ من نكباتٍ، يأتي يومُ عاشوراءَ ليعلمَنا الفألَ وانتظارَ الفرج، وأن العاقبةَ للمتقينَ، وأن الدائرةَ على الظالمينَ. نعمْ؛ إنه يومُ عاشوراءَ، يومُ التمكينِ والانتصارِ، ويومُ المغفرةِ للأوزارِ، ويومُ الشكرِ والإقرارِ. وفي القصةِ فضلُ التوحيدِ في الملماتِ، وتفويضِ الأمرِ إلى اللهِ وحدَه...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ المبتدئِ بحمْدِ نفسهِ قبل أن يَحمده حامدٌ. أشهدُ أن لا إلهَ إلا هوَ الربُّ الصمدُ الواحدُ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه إلى الثقلينِ الأقاربِ والأباعدِ، فصلى اللهُ وسلمَ عليه ما اختلفَ الملوانِ، وعلى آله وصحبِهِ والتابعينَ لهم بإحسانٍ، أما بعدُ: فاتقوا ربَكم؛ فتقواهُ خيرُ ما اخترتُم وادخرتُم.
يومُ الخميسِ القادمِ يوافِقُ حدَثًا تاريخيًّا كبيرًا في حياةِ البشريةِ، أتدرونَ ما هوَ؟! نتذكرُ في يومِ الخميسِ القادمِ فرعونَ الذي طغَى، وتجبرَ في الأرضِ وعلا، فحينَ أكرمَ اللهُ موسى -عليهِ السلامِ- بالنبُّوةِ، قابَلَه فرعونُ بالصدِّ والتكذيبِ، وفي النهايةِ جعلَ يُعبِّئ جيشًا هائلاً عِدَّتُه مليونُ جنديٍ، ليطاردَهم حتى وإن فرُوا عن مصرَ بدينِهم.(تفسير ابن أبي حاتم 6/ 1981).
وعلى ساحلِ البحرِ يشتدُ الكربُ، وتصِلُ الجنودُ الفرعونيةُ الطاغيةُ مع شروقِ شمسِ يومِ عاشوراءِ (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ)[الشعراء:60]، البحرُ مِن أمامِهم، وفرعونُ مِن خلفِهم: (فَلمَّا تَرَاءَى الجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء:61].
وفي تلكَ الساعةِ الرهيبةِ ينطِقُ ويُطلِقُ موسى كلمةَ التوحيدِ يقينًا بوعدِ الذي اصطنَعَه لنفسِهِ: (كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)[الشعراء:62]، وإذا بالفرجِ الربانيِ العجيبِ يأتي بثوانٍ! وسُرعانَ ما أمرَه اللهُ: (أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ)[الشعراء:63].
نظرَ موسى إلى البحرِ، وهو يتلاطَمُ بأمواجِهِ، وإذ بهِ ينفلقَ بإذنِ اللهِ -تعالى- وقدرتِهِ، ويتكونُ وسطَ الماءِ اثنا عشرَ طريقًا (كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ العَظِيمِ)[الشعراء:63]. يا لله العجبُ! الماءُ المائعُ يصبحُ بقدرةِ الكبيرِ المتعالِ؛ قائمًا جامدًا مثلَ الجبالِ!
فيأمرُ اللهُ -سبحانَه- موسَى أن يَجوزَ ببنيِ إسرائيلَ البحرَ، فانحدَروا فيه مسرعينَ مستبشرينَ، فلما جاوَزَ آخرُهم، أرادَ موسَى أن يضربَ البحرَ بعصاهُ؛ ليرجعَ كما كانَ، فأمرَه ربَه القديرَ أن يدَعَه على حالِه لتكتملَ المعجزةُ الباهرةُ القاهرةُ (وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ)[الدخان:24].
وعلى الطرفِ الآخرِ يَنظرَ فرعونُ مبهورًا مقهورًا، فيُحْجِمُ ويترددُ، ثم تحملُه نفسُه الكافرةُ وسجيتُه الفاجرةُ على اللحاقِ بموسى. فيتبعُه قومَه عن آخرِهم، فلما استكمَلوا فيه، أمرَ اللهُ كليمَه موسَى فضربَ بعصاهُ البحرَ، فانطبَقَ، وعادَ بحرًا هائجًا، فابتلعَهم، ولم ينجُ منهم إنسانٌ: (وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ)[الشعراء:65-68].
لقد تكررَ ذِكرُ قصةِ موسى وفرعونَ في خمسةٍ وعشرينَ سورةً من القرآنِ؛ لأنها من أحسنِ القِصَص وربُنا يقولُ عنها: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى)[النازعات:26].
ففي غمرةِ الشعورِ باليأسِ والإحباطِ مما يصيبُ المسلمينَ اليومَ من نكباتٍ، يأتي يومُ عاشوراءَ ليعلمَنا الفألَ وانتظارَ الفرج، وأن العاقبةَ للمتقينَ، وأن الدائرةَ على الظالمينَ. نعمْ؛ إنه يومُ عاشوراءَ، يومُ التمكينِ والانتصارِ، ويومُ المغفرةِ للأوزارِ، ويومُ الشكرِ والإقرارِ.
وفي القصةِ فضلُ التوحيدِ في الملماتِ، وتفويضِ الأمرِ إلى اللهِ وحدَه (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)[الشعراء:62].
فيا أيُها الموحدُ المكروبُ: مهما ضعُفَتْ قوتُك، وتكالبتْ عليكَ الهمومُ فتذكرْ أن اللهَ معكَ يسمعُ ويرَى، وأن اللهَ لا يُعجزه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ؛ (فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا)[مريم:84].
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ مجيبِ دعوةِ المضطرِ، وصلى اللهُ وسلمَ على الداعي إليهِ في السرِ والجهرِ.
أما بعدُ: فمِن حكمةِ اللهِ -جل وعلا- أن جعلَ طرفيِ العامِ شهرينِ محرّمينِ، فينتهي بشهرِ ذي الحِجةِ ويبتدئُ بشهرهِ المحرَّمِ؛ إشعارًا للمؤمنِ بأن يختمَ عملَه بالخيرِ ويفتتحَه بالخيرِ، فقبلَ أن ينتهيَ العامُ نصومُ عرفةَ ليغفرَ اللهُ لنا، وفي بداية العام نصومُ عاشوراءَ ليغفرَ لنا، ويأبى اللهُ إلا أن يتوبَ علينا، ويمُنَّ علينا -سبحانَه- بأن نبدأَ عامَنا طاهرينَ. فاللهم طهرْنا، واجعلْ خيرَ عملِنا ما ولِيَ أجلَنا.
أيُها المسابقُ للخيراتِ: لو سألتَ: ما الأفضلُ في صيامِ عاشوراءَ؟
فيُقالُ: الأفضلُ أن تتسحرَ وتصومَ حسبَ الرؤيةِ يومَيِ الأربعاءِ والخميسِ (الضياء اللامع من الخطب الجوامع لابن عثيمين 4/ 133).
لتجمعَ بينَ أجرينِ: أجرِ تكفيرِ سنةٍ، وأجرِ مخالفةِ أهلِ الكتابِ. ولا يُكرَهُ إفرادُ العاشرِ بالصومِ (الاختيارات لابن تيمية: ص10).
ومَن صامَه بنيةِ القضاءِ والنفلِ يُرجَى أن يُحصّلَ أجرينِ: أجرِ عاشوراءَ وأجرِ القضاءِ (لقاءات الباب المفتوح لابن عثيمين 77/ 17).
ولقد كانَ الصحابةُ يُصوِّمونَ صبيانَهم عاشوراءَ، فيستحبُ حثُّ صبيانِنا على صيامِه، خاصةً وأنهم بإجازةٍ، ولا يتعرضونَ للشمسِ.
ومن المظاهرِ المبشراتِ المفرحاتِ أن نساءَنا أكثرُ منا صيامًا للنوافلِ خصوصًا شهرَ محرمٍ، فلماذا والرجالُ أقوى تحملاً؟
والجوابُ المشرِّفُ أنهن صالحاتٌ قانِتَاتٌ اعتدْنَ على الصيامِ، والخيرُ عادةٌ. وكثيرٌ من نسائِنا -بحمدِ اللهِ- فيهن خيرٌ كثيرٌ، ولسْنَ -كما يتصورُه مَن قلَّ حظُه من العلمِ والعقلِ- محلاً للأوزارِ واللهوِ فقطْ.
فاللهم هبْ لنا من أزواجِنا وذرياتِنا قرةَ أعينٍ واجعلنا للمتقينَ إمامًا.
اللهم لكَ الحمدُ على الأمنِ والإيمانِ، وعلى إمدادِ الأعمالِ والأعمارِ، والإغداقِ بالأرزاقِ.
اللهم لا تخيِّبنا ونحنُ نرجوكَ، ولا تعذبنا ونحنُ ندعوكَ.
اللهم يا سامعَ دعوتِنا! ويا مقيلَ عثرتِنا! اكشفْ عنا وعن المسلمينَ كل ضيقٍ، وأعنا والمسلمينَ على ما نطيقُ واكفنا ما لا نُطيقُ.
اللهم أيدْ بالحقِ إمامَنا ووليَ عهدِه، اللهم ارزقهمْ بطانةَ الصلاحِ والرشادِ.
اللهم احفظ علينا دينَنا ودنيانا وجنودَنا وحدودَنا وصحتَنا وقواتِنا وثمراتِنا.
اللهم يا ذا النعمِ التي لا تحصى عدداً! نسألكَ أن تصليَ وتسلمَ على محمدٍ أبداً.