البحث

عبارات مقترحة:

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

فيما يجب على المسلم بعد شهر رمضان

العربية

المؤلف صالح بن فوزان الفوزان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام -
عناصر الخطبة
  1. محاسبة النفس عند انتهاء رمضان .
  2. أحوال الناس عند إدراك رمضان .
  3. العبادة واجبة في كل وقت .
  4. بعض الاعتقادات الخاطئة المتعلقة بالعبادة .
  5. رمضان خير معين على العبادة .
  6. بعض علامات قبول أو رد الأعمال الصالحة في رمضان .
  7. التوبة والحذر من القنوط من رحمة الله .

اقتباس

شهر رمضان خير عونِ لِمَنْ يريدُ أن يتوبَ توبةً صحيحة؛ لأنَّه يستطيعُ فيه السيطرَة على نفسِه وهواه، ويستطيعُ فيه تركَ مألوفاته وشهواته، ويستطيعُ فيه فعلَ الطاعات بسهولةٍ، فهو يسهُلُ فعلَ الطاعات، والابتعادَ عن المعاصي والمحرمات، وصار منطلقاً له في المستقبل في الاستمرار على ما اعتادَه فيه من فعلِ الخير. والمخذولُ...

الخطبة الأولى:

الحمدُ لله مقدِّرِ المقدور، ومصرِّفِ الأيام والشهورِ، أحمَدُه على جزيلِ نِعَمِه، وهو الغفورُ الشكور.

وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كل شيءٍ قدير. وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله البشير النذير، والسراجُ المنير، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم البعث والنشور.

أما بعدُ:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وتَفَكَّروا في سرعة مرور الأيام والليال، وتذكَّروا بذلك قربَ انتقالِكم من هذه الدنيا، فتزوَّدوا بصالحِ الأعمال.

حَلَّ بكم شهرُ رمضان المبارك بخيراتِهِ وبركاته، وعشتُم جميعَ أوقاته، ثم انتهى وارتحَلَ سريعاً شاهداً عند ربِّهِ، لِمَنْ عَرَفَ قدره، واستفادَ من خيرِهِ بالطاعة، وشاهداً على مَنْ تجاهل فضلَه، وأساء فيه بالإِضاعة.

فليحاسِبْ كلٌّ منَّا نفسَه، ماذا قَدَّمَ في هذا الشهر، فمن قَدَّمَ فيه خيراً، فليحمَدِ الله على ذلك، وليسألْهُ القَبولَ والاستمرارَ على الطاعةِ في مستقبلِ حياته، ومَنْ كان مُفَرِّطاً فيه، فليتُب إلى الله، وليبدأْ حياةً جديدة يستغلُّها بالطاعة، بدلَ الحياةِ التي أضاعَها في الغفلة والإِساءة، لعلَّ الله يُكَفِّرُ عنه ما مضى، ويوفِّقُه فيما بقي من عمره، قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود:114].

وقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "وأتبعِ السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها".

وقال تعالى: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان:70].

عبادَ الله: إنَّ شهرَ رمضان كما وصفَه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "شهرٌ أولُه رحمةٌ، وأوسطُه مغفرةٌ، وآخرُه عتقٌ من النار".

وذلك؛ لأنَّ الناس مع هذا الشهرِ لهم حالاتٌ مختلفة، فمنهم مَنْ وافاه هذا الشهر وهو مستقيمٌ على الطاعة، محافظٌ على صلاة الجمع والجماعة، مبتعدٌ عن المعاصي، ثم اجتهدَ في هذا الشهر بفعلِ الطاعات، فكان زيادةَ خير له، فهذا تنالُه رحمةُ الله؛ لأنه محسنٌ في عمله، وقد قال تعالى: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:56].

ومنهم مَنْ وافاه هذا الشهر، فصامَ نهاره، وقام ما تيسَّرَ من ليله، وهو قبل ذلك محافظٌ على أداءِ الفرائض، وكثيرٍ من الطاعات، لكن عندَه ذنوبٌ دون الكبائر، فهذا تنالُه مغفرةُ الله، قال تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) [النساء:31].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الصلواتُ الخمسُ، والجمعة إلى الجمعةِ، ورمضانُ إلى رمضانَ، كفارةٌ لِما بينهُنَّ إذا اجتُنبت الكبائرُ".

ومنهم مَنْ وافاه شهرُ رمضان، وعنده ذنوبٌ كبائر، لكنها دونَ الشركِ، وقد استوجبَ بها دخولَ النار، ثم تاب منها، وصامَ هذا الشهر، وقامَ ما تيسر منه، فهذا ينالُهُ الإِعتاقُ من النار بعد ما استوجبَ دخولَها.

ومنهم مَنْ وافاه الشهر، وهو مقيمٌ على المعاصي من فعل المحرمات، وتركِ الواجبات، وإضاعةِ الصلاة، فلم يتغيَّرْ حالُهُ، ولم يتُبْ إلى الله من سيئاته، أو تابَ منها توبةً مؤقتة في رمضان، ولَمَّا انتهى عادَ إليها، فهذا هو الخاسرُ الذي خَسِرَ حياته، وضَيَّعَ أوقاتَهُ، ولم يستفِدْ من هذا الشهر إلا الذنوبَ والآثام، وقد قالَ جبريلُ للنبي -عليهما الصلاة والسلام-: "ومَنْ أدركه شهرُ رمضانَ، فلم يُغفر له فأبعدَه الله، قُل: آمين، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: آمين".

والمحرومُ مَنْ حرمَهَ الله، والشقيُّ من أبعدَه الله.

عبادَ الله: إنَّ عبادةَ الله واجبة في كل وقت، وليس لها نهاية إلا بالموت، قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر:99].

وقال تعال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا ماتَ ابنُ آدم انقطعَ عملُه إلا من ثلاثٍ" الحديث.

والموتُ قريب، ولله عباداتٌ تؤدَّى في مواقيتها المحددة يوميّاً وأسبوعيّاً وسنويّاً، وهذه العبادات منها ما هو أركانٌ للإِسلام، ومنها ما هو مكملٌ له.

فالصلواتُ الخمسُ، تؤدَّى في كل يوم وليلة، وهي الركن الثاني من أركان الإِسلام بعد الشهادتين، وهي عمودُ الإِسلام.

والجمعةُ، تؤدَّى كلَّ أسبوع، وهي من أعظم شعائر الإِسلام، يجتمعُ لها المسلمون في مكان واحدٍ اهتماماً بها.

والزكاةُ، قرينةُ الصلاة، وهي في غير المُعَشَّرات تؤدَّى كل سنة، وأما المعشراتُ فتؤدى زكاتُها عندَ الحصولِ عليها.

وصيامُ شهر رمضان، يجبُ في كل سنة.

وحجُّ بيت الله الحرام، يجبُ على المسلمِ المستطيع في العمر مرة، وكذا العمرةُ، وما زاد على المرة من الحج والعمرة، فهو تطوُّعٌ.

وإلى جانبِ هذه العبادات الواجبة عباداتٌ مستحبة؛ مثل: نوافل الصلوات، ونوافل الصدقات، ونوافل الصيام، ونوافل الحج والعمرة، وهذا مما يدل على أنَّ حياة المسلم كلَّها عبادةٌ إما واجبةٌ وإما مستحبة.

فالذي يظُنُّ أنَّ العبادةَ مطلوبة منه في شهرِ رمضان وبعده، يُعفى من العبادةِ، فقد ظَنَّ سُوءاً، وجَهِلَ حقَّ الله عليه، ولم يعرِفْ دينهَ، بل لم يعرِفِ الله حقَّ معرفته، ولم يقدِرْهُ حقَّ قدره، حيث لم يُطعه إلا في رمضانَ، ولم يخَفْ منه إلا في رمضان، ولم يرجُ ثوابَه إلَّا في رمضان.

إن هذا الإِنسان مقطوع الصلة بالله، مع أنَّه لا غنى له عنه طرفةَ عين.

والعملُ مهما كان؛ إذا كان مقصوراً على شهرِ رمضان، فهو عملٌ مردودٌ على صاحبه مهما أتعبَ نفسَهُ فيه؛ لأنَّه عملٌ مبتور لا أصلَ له ولا فرعَ، وإنما ينتفع برمضان أهلُ الإِيمان الذين هم على الاستقامةِ في كل الزمان، يعلمون أنَّ ربَّ الشهور واحد، وهو في كل الشهور مطَّلعٌ على أعمالِ عباده وشاهد.

ولقد بلغَ الجهلُ ببعض المنتسبين إلى الإِسلام: أن اعتقدَ أنه إذا صَلَّى الجمعةَ كَفَتْه عن العبادة في بقية الأسبوع، فيُضيع الصلواتِ الخمس.

وبعضُهم يعتقدُ: أنَّ صيامَ رمضان، والتعبُّدَ فيه، يكفيه عن التعبدِ في بقية السنة، فيترك الصلواتِ أحدَ عشرَ شهراً، ويُصلي في شهر واحد.

والبعض الآخر يعتقدُ: أنه إذا حَجَّ مرة في عمره كَفَّرَ الحجُّ عنه ما مَضَى، وكفاه عن العمل في المستقبل، وربما يستدِلُّ خطأً على ذلك بما جاء في الحديث: أنَّ هذه العبادات كفاراتٌ لما بينهن، ولو استكملَ الحديث وتأمَّلَهُ لوجدَ أنَّ التكفير المذكور فيه مشروطٌ باجتنابِ الكبائر، والله -تعالى- يقول: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) [النساء:31].

وليس بعدَ الشرك أكبرُ من إضاعة الصلوات الخمس، وهؤلاء قد ضيَّعُوها وضيَّعوا غيرَها من أوامرِ الدينِ، ولا يُكَفِّر ذلك عنهم إلا التوبةُ النصوح، والعمل الصالح، قالَ تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) [مريم:59 - 60].

فدلَّت الآية على أنَّ تركَ الصلاة لا يكفّرُ إلا بالتوبةِ، ويشترطُ لصحة التوبة ثلاثة شروط:

أحدها: تركُ الذنوب تركاً نهائيّاً.

أما من تابَ بلسانه، وهو مقيمٌ على الذنوب، فتوبتُه غير صحيحة ولا مقبولة.

الثاني: أن يندَمَ على ما حصل منه من الذنوبِ، فإن لم يندَمْ ويخجَلْ من الله على ما حصَلَ منه من المعاصي، فإن توبَتَه غير صحيحة.

الثالث: وهذا مُهِمٌّ جدّاً: أن يعزِمَ على أن لا يعودَ إلى المعاصي، طولَ حياته إلى الممات.

أما مَنْ تابَ من المعَاصي في وقت محدَّدٍ، كشهر رمضان، وفي نيته أن يعودَ إليها في وقت آخرٍ، كبعد رمضان، فتوبتُه غير مقبولة.

وشهر رمضان خير عونِ لِمَنْ يريدُ أن يتوبَ توبةً صحيحة؛ لأنَّه يستطيعُ فيه السيطرَة على نفسِه وهواه، ويستطيعُ فيه تركَ مألوفاته وشهواته، ويستطيعُ فيه فعلَ الطاعات بسهولةٍ، فهو يسهُلُ فعلَ الطاعات، والابتعادَ عن المعاصي والمحرمات، وصار منطلقاً له في المستقبل في الاستمرار على ما اعتادَه فيه من فعلِ الخير.

والمخذولُ من يعتبرُ شهرَ رمضان سجناً ثقيلاً يستطيلُ أيامه، وينتظر نهايتَهُ لينطلقَ إلى العصيان، وطاعة النفسِ والشيطان.

فاتقوا الله -عباد الله-، وأتبعوا شهرَ رمضان بالاستمرار على الطاعات.

أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200].

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله الذي مَنَّ علينا بنعمةِ الإِسلام، ولا يزالُ يوالي على عباده مواسمَ الفضل والإِنعام، فبعدَ أن انتهى شهرُ رمضان أعقبَهُ بأشهُرِ الحج إلى بيته الحرام.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإِكرام، وأشهَدُ أن محمداً عبده ورسوله عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة والسلام.

أما بعدُ:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وتابعوا فعلَ الخيرات بعد رمضان، فإنَّ من علامةِ قبول الحسنة: فعلَ الحسنة بعدها.

وما شهرُ رمضان إلا منشِّطٌ على الخيرِ، ومبدأٌ للتوبة، والعمل الصالح.

ونهايةُ العمل تكون بالموتِ، لا بخروجِ رمضان.

وإن من علامة قبولِ التوبة والأعمال في رمضان: أن يكونَ الإِنسانُ بعد رمضان أحسنَ حالاً في الطاعةِ عمَّا قبل رمضان.

ومن علامةِ الردّ والخذلان: أن يكونَ الإِنسان بعد رمضان أسوأَ حالاً مما قبله.

فتنبَّهُوا لأنفُسِكم -رَحِمَكُم الله- وانظُروا حالَكم بعد رمضان، واعلموا أنَّ بابَ التوبة مفتوحٌ دائماً في رمضان، وفي كل زمان، فمن فاتته التوبة في رمضان، فلا يقنَطْ من رحمةِ الله، بل يبادرُ بالتوبة في أي وقت كان، فإن الله يتوبُ على من تاب، ويغفرُ الذنوب لمن رَجَعَ إليه وأناب، قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [الزمر:53 - 55].

حافظوا على ما كسبتم في رمضان من الحسنات، ولا تُفسدوه بالرجوع إلى المعاصي والسيئات، فتهدموا ما بنيتُم، وتُبطلوا ما قَدَّمتم، فإن السيئاتِ إذا كَثُرت أهلكت الإِنسانَ، ورجحت بحسناتِهِ في الميزان: (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) [الأعراف:9].

واعلموا أنَّ خيرَ الحديث كتاب الله... الخ.