الفتاح
كلمة (الفتّاح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من الفعل...
العربية
المؤلف | تركي بن علي الميمان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - الصيام |
ويَوْمُ عَاشُوْرَاءَ مِنْ أَيَّامِ اللهِ تَعَالى، الَّتي يَنْبَغِي أَنْ يَتَذَكَّرَهَا أَهْلُ الإِيمانِ، وَيَحْمَدُوا اللهَ عَلَيْهَا؛ لأنَّهُ اليومُ الذي أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسى وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المؤمنين، وأَغْرَقَ فِرْعَونَ ومَنْ مَعَهُ مِنَ الكافرين...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
عِبَادَ الله: مِنْ رَحْمَةِ اللهِ بِعِبَادِه؛ أَنْ شَرَعَ لَهُمْ مَوَاسِمَ يَسْتَكْثِرُونَ فِيْهَا مِنْ الصَّالِحَات، ويَتَزَوَّدُونَ مِنَ القُرُبَات، ومِنْ تِلْكَ المَواسِمِ الفَاضِلَة، والأَعْمَالِ المُضَاعَفَة: صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ؛ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ"(رواه مسلم).
وَصِيَامُ عَاشُوْرَاء؛ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَةٍ كَامِلَةً، قال -صلى الله عليه وسلم-: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؛ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ"(رواه مسلم) وهذا فَضْلٌ عَظِيمٌ؛ لا يَنْبَغِي التَّفْرِيطُ فِيْه.
وكانَ صِيَامُ عَاشُوراءَ مَعْرُوْفًا في الجَاهِلَيَّة؛ فَعَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: "كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؛ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ"(رواه البخاري).
وصِيَامُ عَاشُورَاءَ كَانَ فَرْضًا فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ، حَتَّى إِنَّ الأنْصَارَ كَانُوا يُصَوِّمُونَ فيهِ صِبْيَانَهُمْ؛ فَعَنْ الرُّبَيِّعِ بنتِ مُعَوِّذٍ رضي اللهُ عنها قالت: "أَرْسَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا؛ فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ"، قالَتْ: "فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ؛ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ؛ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ"(رواه البخاري، ومسلم).
ثُمَّ زَالَتْ فَرْضِيَّةُ صَوْمِ عَاشُورَاءَ؛ بِفَرْضِ رَمَضَانَ؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ؛ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ"(رواه مسلم).
ويَوْمُ عَاشُوْرَاءَ مِنْ أَيَّامِ اللهِ تَعَالى، الَّتي يَنْبَغِي أَنْ يَتَذَكَّرَهَا أَهْلُ الإِيمانِ، وَيَحْمَدُوا اللهَ عَلَيْهَا؛ لأنَّهُ اليومُ الذي أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسى وَمَنْ مَعَهُ مِنَ المؤمنين، وأَغْرَقَ فِرْعَونَ ومَنْ مَعَهُ مِنَ الكافرين، قال ابنُ عَبَّاس: قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- المَدِينَةَ، فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: "مَا هَذَا؟"، قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّىَ اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ؛ فَصَامَهُ مُوسَى، قال -صلى الله عليه وسلم-: "فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ" فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِه (رواه البخاري ومسلم)
وكانَ نَبِيُّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- حَرِيْصًا على صَوْمِ عَاشُوْرَاء أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الأيامِ؛ قال ابْنُ عَبَّاس: "مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ؛ إِلا هَذَا اليَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ"(رواه البخاري)
وَالْيَهُودُ قَدِ اتَّخَذُوا عَاشُوراءَ عِيْدًا وَصَامُوْه؛ فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِمُخَالَفَتِهِمْ بِصِيَامِ التَّاسِعِ مَعَهُ؛ لِتَتَمَيَّزَ هَذِهِ الأمَّةُ عن مُشابَهَتِهِمْ؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ؛ لأَصُوْمَنَّ التَّاسِعَ"(رواه مسلم)
وأَفْضَلُ دَرَجَاتِ صَوْمِ عَاشُوْرَاء:
1-أَنْ يَصُوْمَ (التَّاسِعَ والعَاشِر).
2-فإذا عَجَزَ عن التَّاسِعِ؛ فصامَ (الحادِيَ عَشَرَ) مَعَ العَاشِر؛ تَحَقَّقَتِ المُخَالَفَةُ.
3-فَإِنِ اقْتَصَرَ على صَومِ (العَاشِرِ) وَحْدَهُ؛ نالَ الأَجْرَ المُرَتَّبَ عليه، وفَاتَهُ فَضْلُ مُخَالَفَةِ أَهْلِ الكتاب.
وَلَوْ صَامَ عَاشُوْرَاءَ، وَعَلَيْهِ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَان؛ فَصِيَامُهُ صَحِيح، وإذا نَوَىَ أَنْ يَصُومَ عاشوراءَ بِنِيَّةِ (القَضَاء)، وبَيَّتَ النِيَّةَ مِنَ الليلِ: أَجْزَأَهُ ذَلكَ، وَحَصَلَ لَهُ الأَجْرَان: أَجْرُ عَاشوراء، مَعَ أَجْرِ القَضَاء.
وَلَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ في عَاشُورَاء إِقَامَةُ شَعَائِرِ الْحُزْنِ وَالتَّرَح، أو شَعَائِرِ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ، والأَصْلُ في المُسْلِمِ الاِتِّبَاعُ وَلَيْسَ الابْتِدَاع؛ (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)[آل عمران:31].
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
أَيُّهَا الأَحِبَّة: جَاءَ يَومُ عاشوراء؛ لِيَقْطَعَ اليَأْسَ مِنْ قُلُوْبِنَا، ويَبْعَثَ الأَمَلَ في نُفُوْسِنَا، وَيُذَكِّرَنَا بِنَصْرِ اللهِ لِأَوْلِيَائِه، وَانْتِصَارِهِمْ على أَعْدَائِه، حَيْثُ أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوْسَى وَقَوْمَه، على أَعْظَمِ طَاغِيَةٍ في القُرآن! (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا)[التوبة:40].
فَصُومُوا عَاشُورَاء، وَصُومُوا التَّاسِعَ مَعَهُ؛ تَحَرِّيًا لِلسُّنَّةِ، وَطَلَبًا لِلأجْرِ، ومُخَالَفَةً لِلْيَهُود، وَشُكْرًا للهِ على نَصْرِ المؤمنينَ، وهَلَاكِ الكافرينَ (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ)[الأعراف:137].