القاهر
كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...
العربية
المؤلف | راشد بن عبد الرحمن البداح |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
معاشرَ معلمِي التمهيديِّ والصفوفِ الأوليةِ: أنتمْ مؤسِّسونَ، وغيرُكمْ مكمِّلونَ، ومن أسَّسَّ البناءَ ليسَ كمَنْ كمَّلَه، ومع الدراسةِ عن بُعدٍ يَستدعِي الأمرُ مضاعفةً للجهدِ، وتجويدًا وتجديدًا في الطرحِ...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمدُ للهِ على لطفِه الخفيِ، وفضلِه الجليِ، والحمدُ للهِ على إمدِاد الأعمارِ وتَعاقُبِ الأجيالِ، وعلى مضاعفةِ أجورِ الأعمالِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه، أما بعدُ:
فاتقوا اللهَ؛ فتقوى اللهِ ما | جاورَتْ قلبَ امرئٍ إلا وَصَلْ |
أيُها المؤمنونَ: وبعدَ عامٍ عن بُعدٍ نقتربُ -بحمدِ اللهِ تعالى-, ونعودُ كما كنا في ثلاثِ مراحلَ تعليميةٍ، والمرحلةُ الابتدائيةُ ستعودُ قريبًا؛ (ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ)[يوسف: 38] فالحمدُ للهِ، وجزى اللهُ ولاةَ أمرِنا على سدادِ قراراتٍ، وتجددِ اجتماعاتٍ، وجهودِ وزاراتٍ، وضخامةِ تجهيزاتٍ.
فهل استشعرنا طيلةَ سنةٍ مضتْ فضلَ اللهِ، ولطفَ اللهِ، وحفظَ اللهِ لنا؟؛ (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)[الرعد: 11].
فيا معشرَ المتذمِّرينَ من عَودةِ الدراسةِ والدوامِ: املؤُوا قلوبَكم انشراحًا وأعدُوا العُدَّة، ودعُوا عنكمْ النظرةَ المثبطةَ المتثاقلةَ.
يا بُني ويا بِنتيْ: هلْ أنتما مُستحضِرانِ للنيةِ الصالحةِ لطلبِ العلمِ؟, وهل ستتذكرانِ يومَ أن تَسعَيا كُلَّ صباحٍ إلى أماكنِ الدراسةِ قولَه -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا؛ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ"(رواهُ مسلمٌ).
أيُّها المعلمُ: قبلَ أن تبدأ حصتكَ أو تفتحَ منصَّتكَ خططْ درسَك، وحددْ أهدافَك، واجذِب بأساليبِك، وإذا لَمْ يَعُدْ أمامكَ إلا طلابُك لديكَ، فتذكرْ ملائكةَ الرحمنِ بين يديكَ، وأن اللهَ في عليائِه مُطّلعٌ عليكَ، فابذلْ وسعَكَ، ولا يكنْ همُّك متى تنتهيْ الحصةُ.
واعلمْ أنكَ إذا أحببتَ طلابَكَ وأحبوكَ وجدتَ سعادتَكَ بينهم أكثرَ مما تجدُها بين الأصحابِ, ولا تَستهِنْ بكلمةٍ تقولهُا بإخلاصٍ؛ ليُبارِكَ اللهُ فيها، فابذُرْ ما شئتَ أن تبذُرَ؛ (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)[الواقعة: 64].
أيُّها المعلمُ الطموحُ: أتريدٌ أسلوبًا تربويًا فائقًا رائقًا؟, إذًا فاستمعْ إلى أحدِ التلاميذِ وهو يمدحُ معلِّمَه قائلاً: "ما رأيتُ معلمًا قبلَه ولا بعدَه أحسنَ تعليمًا منه؛ فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي", هل عرفتُم من هوَ؟؛ إنه نبيُنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-, والتلميذُ هو الصحابيُ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ -رضي الله عنه- حيث قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: "يَرْحَمُكَ اللهُ!", فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: "وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟!"، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ"(رواهُ مسلم).
وإن المجتمعَ يريدُ معلمًا يعامِلُ طلابَه وكأنَه يعامِلُ رجلًا له كرامتُه، بل كصاحبٍ له يرعاهُ ويراعيهِ, وكم يتهلَّلُ المرءُ بِشْرًا حين يرَى جموعًا من المعلمينَ كثيرةً -بحمدِ اللهِ- تحملُ بين طيَّاتِها أنْفُسًا صادقةً، تحترقُ لإصلاحِ واقعِ طلابِها، وتتألمُ لحالِ شبابِها!.
معاشرَ معلمِي التمهيديِّ والصفوفِ الأوليةِ: أنتمْ مؤسِّسونَ، وغيرُكمْ مكمِّلونَ، ومن أسَّسَّ البناءَ ليسَ كمَنْ كمَّلَه، ومع الدراسةِ عن بُعدٍ يَستدعِي الأمرُ مضاعفةً للجهدِ، وتجويدًا وتجديدًا في الطرحِ.
قلت ما سمعتم, وأستغفر الله الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ مُولِينا، ومُعطِينا، والصلاةُ والسلامُ على داعِينا وهادِينا.
أما بعدُ: فها قد مضَى عامٌ دراسيٌ، وأقبلَ آخرُ، فقفْ واسترجعْ عامَكَ المُنصرِمَ، بأفراحِه وأتراحِه, بإخفاقِه ونجاحِه، استرجِعْ ذلك كلَه وأنتَ تستقبلُ عامًا دراسيًا جديدًا، ماذا قدمتَ؟.
وتأملْ في سرعةِ الزمنِ العجيبةِ, بالأمسِ وُلدَ لكَ مولودٌ، واليومَ هو بالمرحلةِ الابتدائيةِ، بالأمسِ ليسَ في رأسِكَ شعرةُ شَيبٍ، واليومَ اشتعلَ الرأسُ شَيبًا, سرعةٌ في الزمنِ، وهيَ -يا عبدَ اللهِ- سرعةٌ في عمركَ، ودنوٌ لأجلِكَ.
وليخاطِبْ كلٌ منا نفسَه بهذهِ الآيةِ الواعظةِ الموقظةِ: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[البقرة: 281].
فيا حيُّ يا قيومُ: نسألُكَ أن تجعلَ عامَنا المزدلِفَ خيرًا من عامِنا المنصرمِ، عامَ أمنٍ وإيمانٍ، اجعلْهُ عامَ علمٍ نافعٍ وعملٍ صالحٍ، عامًا تُسبغُ به علينا نعمَك وترزقُنا شكرَها, اللهم لك الحمدُ كالذي تقولُ وخيرًا مما نقولُ، اللهم وأعنتَنا على ذكرِك وشكرِك, فسجدْنا لك وحدَك، وصلَينا بعونِك ستةَ آلافِ ركعةٍ خلالَ سنةٍ, وبرمضانَ صمنا ثم ضحينا، فاللهم بفضلِك فاقبلْنا، وزِدنا من بركاتِ عمرِنا، ولك الحمدُ على أن يسرتَ دفعَ الوباءِ، وكشفَ البلاءِ, ربَّنا أوزعنا أن نشكرَ نعمتَك التي أنعمتَ علينا وعلى والدَينا وأن نعملَ صالحًا ترضاه وأدخلنا برحمتِك في عبادِك الصالحينَ, اللهم ارزقنا برَّهما أحياءً وأمواتًا, اللهم وفقْ مليكَنا ووليَ عهدِه، وسددْهم في أقوالِهم وأعمالِهم، واجعلهُم وجنودَنا في ضمانِك وأمانِك وإحسانِك, اللهم وفقْ طلابَنا وطالباتِنا ومعلمِينا ومعلماتِنا، وقادةَ التعليمِ للسدادِ والرشادِ.
اللهم صلِ وسلمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.