الشاكر
كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...
العربية
المؤلف | عبد الله آل طالب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - التاريخ وتقويم البلدان |
يمر مجتمعنا كما هو عالمنا العربي المعاصر بتغيرات جريئة، فصرنا نسمع بين آونة وأخرى طرحًا هنا وهناك، ودعوة هنا وهناك، بدافع التغيير ومحاربة الفساد حينًا، أو الانفتاح على الآخر حينًا، أو مسايرة الركب والتقليد الأعمى أحيانًا أخرى، ولربما انخدع بعض الناس بذلك، واهتزت قلوبهم، واشرأبت أعناقهم لكلام معسول، ووعود براقة، وأمانٍ مخملية، ولكن يا ترى من وراء هذه الدعوات، وما أهدافها؟!
عباد الله: الأحداث المتسارعة التي نعيشها هذه الأيام، والتقلبات المتنوعة، والصراعات الكثيرة التي تمر بها الأمة عامة ومجتمعنا بخاصة، تستدعي منا التوقف عندها وتصور النهج السديد حيالها، والموقف الذي ينبغي علينا اتخاذه والتمسك به.
عباد الله: لا شك أن ما يحصل في هذا الكون من صغير الأمر وجليله، ويسيره وعسيره، ومحببه ومكروهه، إنما هو بتقدير الله وأمره؛ فهو المتصرف في الكون: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)، (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد: 22، 23]، فما من أمر يحصل ولا تغير يطرأ إلا بتقدير الله وعلمه، له فيه حكمة بالغة وتقدير سديد، يقول الله -عز وجل-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [التغابن: 11، 12]، فمن آمن بالله وحده وسلم أمره لله وأطاع الله ورسوله فقد هدي إلى صراط مستقيم، ومن سخط ما أنزل الله وكره تقديره فعليه السخط وأمر الله نافذ لا مرد له.
وكل ما يجري في هذا الكون فهو مقدر مكتوب، إن خيرًا أو شرًّا، ولرُبَّ خيرٍ ضُمِّن شرًّا أو شرٍّ ضُمِّن خيرًا، ولا يعلم الغيب إلا الله سبحانه، وهذا يدعونا إلى اللجوء إلى الله والانطراح بين يدي الله والتوكل عليه والثقة بما عنده وحسن الظن بأقداره.
عباد الله: يمر مجتمعنا كما هو عالمنا العربي المعاصر بتغيرات جريئة، فصرنا نسمع بين آونة وأخرى طرحًا هنا وهناك، ودعوة هنا وهناك، بدافع التغيير ومحاربة الفساد حينًا، أو الانفتاح على الآخر حينًا، أو مسايرة الركب والتقليد الأعمى أحيانًا أخرى، ولربما انخدع بعض الناس بذلك، واهتزت قلوبهم، واشرأبت أعناقهم لكلام معسول، ووعود براقة، وأمانٍ مخملية، ولكن يا ترى من وراء هذه الدعوات، وما أهدافها، وهل ما يجري في بعض البلدان المجاورة لنا يحسن أن ينتقل إلينا؟! وهل كل تغيير يكون خيرًا للإسلام والمسلمين؟! وهل بعد هذا الخير من شر؟! أو هل ينطوي الشر على خير؟!
أسئلة لا بد لها من جواب صريح صحيح.
إننا -ولله الحمد والمنة- في هذا البلاد ننعم بنعم كثيرة، ولدينا مكتسبات عدة تُنفَق من أجلها الأموال وترخص الأرواح، ويطمح العقلاء والمصلحون في البلدان المجاورة الوصول إلى بعضها، ولا يعرف قدرها إلا من حرمها. نعوذ بالله من الحور بعد الكور.
من أهمها كون ولايتنا شرعية، تمت ببيعة شرعية على أسس صحيحة، وأن ولي أمرنا إمام شرعي معتبر له واجب السمع والطاعة، وأن لا ننزع يدًا من طاعته؛ فإن في أعناق أهل هذه البلاد بيعة لولي الأمر، وبيعة الحاكم ملزمة للرعية بالسمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر وعلى أثرة عليهم كما في حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: "دعانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا، ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: "إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان". رواه مسلم.
الأمر الثاني: أن هذه الدولة قامت على إعلاء شأن التوحيد، وتطبيق الشريعة في عامة شؤون الحياة كما نص على ذلك نظام الحكم "بأن المرجعية للكتاب والسنة"، وقامت بإحياء السنة ونشرها، والسعي لإماتة البدعة ودحرها، وهذا لعمري هو غاية ما يسعى لتحقيقه كل مؤمن بالله ورسوله.
الأمر الثالث: الأمن وما أدراك ما الأمن؟! فرايته خفاقة على كافة أنحاء البلاد، فالرجل يسافر شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، آمنًا في بيته، مطمئنًا على سلامة عرضه وأهله وماله، وهذا مكسب عظيم وهدف كبير يسعى كل عاقل إلى تحصيله وقد تحقق ولله الحمد والمنة بفضل تطبيق الشريعة وتحكيم شرع الله.
المكتسب الرابع: الوحدة الوطنية التي نعيشها في بلادنا، فعلى الرغم من وجود قبائل شتى وملل متباينة ومذاهب مختلفة، فقد وحدهم الله تحت راية واحدة، فلا فرق بين شرقي وغربي ولا شمالي ولا جنوبي، فالكل في الحق سواء، والكل في الواجبات سواء، وهذه نعمة كبيرة لا تقدر بثمن، فلا تنافر ولا تناحر ولا تنافس.
ولن يديمها إلا تمسكنا بأصولنا والتزامنا بتوحيدنا الذي جمع كلمتنا ووحد صفوفنا وهدانا الله به إلى الطريق المستقيم والنهج القويم، فلنحمد الله على نعمه، ولنشكره على مننه بالاستقامة على أوامره والانتهاء عن نواهيه. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
عباد الله: إن هذه المكتسبات التي قامت عليها هذه البلاد لا تعني بحال عدم وجود تجاوزات أو مظالم أو تقصير، أو سوء استخدام للسلطة أحيانًا من بعض من ولي من الأمر شيئًا، ولا يعني بحال عدم الرغبة في الإصلاح أو المطالبة بمعالجة أوجه القصور، كلا، ولكن المقصود أن يتم بأسلوب لا يفقدنا المكتسبات، ولا يفرق جمعنا أو يهدد أمننا أو يخالف بين صفوفنا، فلا يجوز بحال التأليب على ولاة الأمر أو استغلال الفرصة لإشاعة الفوضى، أو الحث على الخروج أو التظاهر في الشوارع ونحو ذلك مما ينادي به مدعو الإصلاح، ولكن الواجب المناصحة كما في حديث تميم بن أوس: "النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم"، فالنصيحة بالأسلوب المناسب، والتذكير بأن المظالم يجب رفعها، والتحذير من وقوعها على أي من الناس -برًّا كان أم فاجرًا- أمر تستوجبه البيعة وتقتضيه المصلحة العامة.
وأما الحرية التي يطالَب بها فليست على إطلاقها؛ فإن الحرية في الإسلام مقيدة بما لا يتعارض مع أسس الدين وأركانه، فلا حرية لمن أراد نشر فساده أو إلحاده أو معتقد يخالف التوحيد أو يناهض السنة وما عليه سلف هذه الأمة، وإذا أتيحت الحرية فلن تتاح لأحد دون أحد، وستنقلب حينئذ إلى فوضى في التعبير وخلل في لحمة المجتمع، وستكون الخسارة أعظم من المكاسب؛ فإن المنافقين والمتربصين بهذا المجتمع هم أطول لسانًا وأقدر على الكتابة من غيرهم، ولديهم من الوسائل ما ليس لدى الصالحين، فحينئذ سيكون نصرًا لهم ودعمًا لباطلهم.
عباد الله: علينا جميعًا التنبه لما يرفع من شعارات، ومعرفة ما تنطوي عليه الدعوات من مبادئ براقة ومصطلحات فاتنة، وعلينا أيام الفتن أن نرفع شعار التهدئة لا التصعيد، والتجميع لا التفريق، وأن نحذر من تأزيم الأمور، وعلينا أن نحرص على جمع الكلمة ووحدة الصف، وأن نكون يدًا واحدة ولحمة واحدة مع علمائنا وولاتنا في هذه الظروف التي تعصف بالناس من حولنا، ولا نتيح لمغرض أو حاقد أن يندس بيننا أو يفرق جمعنا أو يشتت صفنا، وعلينا أن نتذكر القاعدة المقررة لدى أهل العلم: "الاجتماع على قول مرجوح خير من التفرق على قول راجح".
وعلى ولاة الأمور -وفقهم الله- النظر في كل ما تحدَّث عنه الغيورون، وما استنكره المصلحون، وما ناشدهم فيه المحبون، مما فيه صلاح الدين والدنيا.
عباد الله: الله الله في أمتكم، وبلدكم، وقبلتكم، وأمنكم، فوالله لن يندم أحد على صبره، بقدر ما سيندم من استعجل على عجلته، تلك العجلة التي قادته إلى فتنة أو فوضى.
فاللهم أعذنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، واعصمنا بالكتاب والسنة، واجعلنا من أنصار دينك، وحملة لواء شريعتك، والذابين عن حياضها.
اللهم اهدِ ضال المسلمين، وعافِ مبتلاهم، وفكَّ أسراهم، وارحم موتاهم، واشفِ مريضهم، وأطعم جائعهم، واحمل حافيهم، واكسُ عاريهم، وانصر مجاهدهم، وردَّ غائبهم، وحقق أمانيهم.
اللهم كن لإخواننا المجاهدين في سبيلك مؤيدًا وظهيرًا، ومعينًا ونصيرًا، اللهم سدد رميهم، واربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم، وأمكنهم من رقاب عدوهم، وافتح لهم فتحًا على فتح.
اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسًا علينا فنضل.
اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك ردًّا جميلاً، اللهم أصلح الراعي والرعية.