المليك
كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...
العربية
المؤلف | مرزوق بن سالم الغامدي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أركان الإيمان |
إن ترك الأمة الإسلامية الاحتكام إلى شرع الله وإعراضها عن هذا الذكر وما فيه من أحكام هو سبب تفرقها وتشتتها واختلافها وضعفها، وما أصابها من ذل وهوان على الأمم الأخرى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124]، وسواء ترك الاحتكام بالكلية، أو ترك الاحتكام في جزء وطبق في جزء آخر، فالحكم واحد على الجميع ..
إن من أعظم البدع في الدين، البدعة في المعتقد، ومن أعظم بدع العقيدة التي ابتدعت في العصر الحديث الاعتقاد أن بوسع المسلم التحاكم إلى شريعة غير شريعة الله من القوانين الوضعية، أو الأعراف القبلية، والتي هي من اتباع الهوى وترك ما شرع الله -عز وجل-؛ قال الله تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [ص: 26]، فجعل سبحانه ما سوى الحق هوىً مضلاً وطاغوتًا، فماذا بعد الحق إلا الضلال، (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) [البقرة: 256].
وهؤلاء الذين يحكمون القوانين في أنفس الناس وأعراضهم وأموالهم ويجبرونهم على التحاكم إليها سيحملون أوزارهم وأوزار من أجبروهم على ذلك: (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [العنكبوت: 13]، وصدق الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: "أول ما تفقدون من دينكم الحكم، وآخر ما تفقدون منه الصلاة"، وهذا هو حال بلاد المسلمين اليوم مع الأسف الشديد، فالحكام في كثير من بلاد المسلمين يتخيرون من شرع الله ما يروق لهم ولا يزعجهم ولا يتعارض مع مصالحهم ولا يحرجهم مع الغربيين من اليهود والنصارى أو مع غيرهم من المنافقين فيطبقونه، أما ما عدى ذلك فيتركونه، قال تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة: 85].
إن ترك الأمة الإسلامية الاحتكام إلى شرع الله وإعراضها عن هذا الذكر وما فيه من أحكام هو سبب تفرقها وتشتتها واختلافها وضعفها، وما أصابها من ذل وهوان على الأمم الأخرى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه: 124]، وسواء ترك الاحتكام بالكلية، أو ترك الاحتكام في جزء وطبق في جزء آخر، فالحكم واحد على الجميع: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [البقرة: 101]. وقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب: 36]، وقال سبحانه: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء: 65].
لقد نفى الله الإيمان عمن لم يحكموا النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يحصل بينهم من شجار وتخاصم، بل ولم يكتف بقبولهم تحكيم الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى يضيفوا إلى ذلك عدم وجود شيء من الحرج في نفوسهم، وهو ضيق الصدر، بل لا بد من اتساع صدورهم لذلك وسلامتها من القلق والاضطراب، وأيضًا التسليم، وهو كمال الانقياد لحكمه -صلى الله عليه وسلم- في جميع الأمـور صغـيرها وكبيرها.
أيها الإخوة: إن الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، في الحكم به بين العالمين، والرد إليه عند تنازع المتنازعين، مناقضةً لقول الله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: 59]، فشيء يطلق الله عليه أنه خير لا يتطرق إليه شر أبدًا، بل هو خير محض، عاجلاً وآجلاً، وهو أحسن تأويلاً، أي مآلاً وعاقبة في الدنيا والآخرة، فيفيد أن الرد والتحاكم إلى غير الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإلى غير شرعه وسنته عند التنازع، شرٌ محض، وأسوأ عاقبة في الدنيا والآخرة، حتى وإن قال المنافقون، كما قال الله عنهم: (إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) [النساء: 62]، أو قولهم: (إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) [البقرة: 11، 12]. وقال الله تعالى منكرًا على هؤلاء الناس، ومقررًا ابتغاءهم حكم الجاهلية، وموضحًا أنه لا حكم أحسن من حكمه سبحانه، قال تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50]، فالناس في هذه الحالة قسمان: متبعون لحكم الله، ومتبعون لحكم الجاهلية، وقد قال الله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة: 44]، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [المائدة: 45]، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [المائدة: 47].
فقد وصف الله الحاكمين بغير ما أنزل الله بالكفر والظلم والفسوق، وهؤلاء الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله قد يدَّعون الإيمان والاستجابة لله وللرسول ثم هم يحكمون أو يتحاكمون إلى من ليس له حق في الحكم: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 40]، وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء: 60]، وقال تعالى: (وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ) [النور: 47-50]، (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور: 51، 52].
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذه رسالة عظيمة كتبها المفتي السابق لهذه البلاد الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله تعالى-، واسمها "تحكيم القوانين". وقد ذكر -رحمه الله- في هذه الرسالة ستة أنواع من أنواع الاحتكام إلى غير شرع الله والتي هي كفر اعتقاد ناقل عن الملة، وسوف يتم توزيع هذه الرسالة عليكم -أيها الإخوة- بعد الصلاة إن شاء الله تعالى. أسأل الله العلي العظيم أن ينفع بها إنه سميع مجيب.