السيد
كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...
العربية
المؤلف | عبدالمحسن بن محمد القاسم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الأديان والفرق |
أوضح طريق السعداء، وأبان سبل الأشقياء، مدح المتقين، وذم الكافرين وحذر من صفاتهم، أبان في كتابه العزيز أعمال الكافر، وفسادَ معتقده، وسوء سلوكه وأخلاقه، ينكر البعث، ويستبعد قيام الساعة، لا يؤمن بالقضاء والقدر، يجزع عند المصاعب والمصائب، قطع الرجاء والأمل من الله، اليأس والقنوط من خصائصه، (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ?للَّهِ إِلاَّ ?لْقَوْمُ ?لْكَـ?فِرُونَ) يوسف:87.
أما بعد:
فاتقوا الله – عباد الله – حق التقوى، فتقوى الله نِعمَ المغنم، وإيثار الهوى بئس المغرم.
أيها المسلمون:
خلق الله الخلق بقدرته، فهدى من شاء بفضله، وأضل من شاء بعدله، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، (هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ) [التغابن:2].
أوضح طريق السعداء، وأبان سبل الأشقياء، مدح المتقين، وذم الكافرين وحذر من صفاتهم، أبان في كتابه العزيز أعمال الكافر، وفسادَ معتقده، وسوء سلوكه وأخلاقه، ينكر البعث، ويستبعد قيام الساعة، لا يؤمن بالقضاء والقدر، يجزع عند المصاعب والمصائب، قطع الرجاء والأمل من الله، اليأس والقنوط من خصائصه، (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَـافِرُونَ) [يوسف:87].
في حديثه الكذب، (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُكَذّبُونَ) [الانشقاق:22]. الكبر والغرور سجيته، قال عز وجل: (إِنِ الْكَـافِرُونَ إِلاَّ فِى غُرُورٍ) [الملك:20]. عند الآيات والعبر والعظات يعرض، الحسد ملأ قلبه و فاض من عينه، يحسد المؤمنين على ما هم فيه من النعم، ويتمنى زوالها، (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مّنْ خَيْرٍ مّن رَّبّكُمْ) [البقرة:105].
من قبيح حسده يسعى لإضلالك لتحشر معه في جهنم (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء) النساء:89. ذو مكر بالمسلمين بالليل، وخديعة لهم بالنهار، يسعى للإضرار بهم، وسلب النعمة منهم، (إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوء) [الممتحنة:2]. لاحت العداوة على صفحات وجهه وفلتات لسانه، يعض أنامله من الغيظ على المسلمين، تنطوي ضمائره على الشرور، وتكنّ سرائره البغضاء، يكيد للمسلمين كيداً، قال الله: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً) [الطارق:15-16].
يتظاهر بالأمانة وجميل الأخلاق وحسن الطباع، يلهث خلف منافعه، فضحهم الله بقوله: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران:118]. يظهر الكذب في الصدق، والخيانة في الأمانة (يُرْضُونَكُم بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ) [التوبة:8]. كثير الجدل بالباطل وإخفاء الحقائق، كيده ضد المسلم شديد، ولكن الله مبطل كيده، (وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِى ضَلَالٍ) غافر:25. الذلة والصغار محيطة به.
إن طاعة الكفار ذلة، ومعصيتهم عزة، قال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم: (ياأَيُّهَا النَّبِىّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ) [الأحزاب:1]. علمهم محصور في الدنيا، ومع هذا يقول شيخ الإسلام – رحمه الله -: "جميع أعمال الكافر وأموره لا بد فيها من خللٍ يمنعها أن تتم منفعته بها، وكل أموره إما فاسدة وإما ناقصة"، وأما علم الآخرة التي هي الباقية، فهم بها جاهلون، يقول تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَـافِلُونَ) [الروم:7]. ويقول جل وعلا: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) [الأنعام:111]. وأموالهم وأولادهم محنة عليهم، يعيش في حيرة وتيه، همته في الحياة التمتع والمأكل والمشرب، ومطعمه ومشربه منزوع البركة، القليل لا يشبعه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الكافر يأكل في سبعة أمعاء، والمسلم يأكل في معًى واحد". ليتعبَّد؛ ثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه، وطعام المؤمن مبارك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "طعام الاثنين يكفي الثلاثة، وطعام الثلاثة يكفي الأربعة" رواه البخاري.
ولبُعد الكافرين عن نور الهداية هم أحزاب متفرقون، وفي آرائهم منقسمون، وفي أفكارهم مختلفون، يقول عنهم خالقهم جل وعلا: (فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:137]. والنزاع بينهم قائم إلى قيام الساعة بنص الكتاب المبين (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ) [المائدة:64].
إنهم عند اللقاء جبناء، المسلم يغلب اثنين، قال الله تعالى: (فَإِن يَكُن مّنكُمْ مّاْئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِاْئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ) [الأنفال:66].
بالبخل يتواصون، وفي الإنفاق شحيحون، وعن إكرام الضيف متثاقلون، قال جل وعلا: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً) [النساء:37].
الكافر للخير مانع، وللسحت آكل، وللجميل ناكر، نِعم الله لا يشكرها، وآلاء ربه يجحدها، (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَـافِرُونَ) [النحل:83].
يعيش في الجهالات والأهواء والضلالات، لا يهتدي إلى منفذ، ولا يوفّق إلى مخرج، جوارحه التي هي سبب الهداية لم ينتفع بها، فقلبه أصم، وأذنه فيها وقر، وعينه عليها غشاوة، لا يسمع حقاً، ولا يبصر هدى.
الشياطين تؤزُّه إلى المعاصي أزاً، أقبل على تحصيل اللذات، وموافقة الهوى، فأصبحت أعماله هباءً، يعمل وعلى عمله لا يجازى، في الدنيا ينصب، وفي الآخرة يُعذّب، وربنا جل وعلا لا يحبه، وأخبر أنه سبحانه عدو للكافرين، وما من عبد يعمل خيراً أو شراً إلا كساه الله رداء عمله، "وإذا أبغض الله عبداً دعا جبريل: يا جبريل، إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء، ثم يوضع له البغضاء في الأرض" متفق عليه.
يقول الإمام أحمد – رحمه الله -: "إذا رأيتُ الكافر أغمضت عيني مخافة أن ترى عدو الله".
الجماد ينطق بكفره، والأراضي المباركة تنبذه في آخر الزمان، "تقول الشجرة: يا مؤمن هذا كافر، ويقول الحجر: يا مؤمن هذا كافر" رواه أحمد.
وإذا خرج الدجال ترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج الكافر من مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
في البعد عن الله آلام نفسية، معاناة لآلام الذنوب، صدرٌ ضيقٌ حرج ٌ، وحرمان من لذة الإيمان والسكينة، اللعنة محدقة به، والغضب نازل عليه، إنهم شرّ من خلق الله، قال تعالى: (أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) [البينة:6].
وأما عددهم فهم أكثر أهل الأرض، قال تعالى: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ) [هود:17]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "قال الله: يا آدم، أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين" رواه البخاري. وفي لفظ: "من كل مائة تسعة وتسعين".
وبموت الكافر يستريح العباد والبلاد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب" رواه البخاري.
يودُّ الكافر أن يعمّر في الحياة ألف سنة، فإذا حضره الأجل كرهه، فتضرب الملائكة وجهه ودبره لإخراج روحه، وإذا وضع في قبره ضيق فيه عليه حتى تختلف أضلاعه، ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين، وفي لفظ: "لو ضرب بها جبل لصار تراباً" ويفرش قبره ناراً، والعذاب متوالٍ عليه، فإذا قام من قبره للحساب، قام ووجهه أسود كالح، عليه غبرة، عابس باسر، تعلوه قترة، وقلبه واجس، وعيناه زرقاوان من الفزع، يحضر ويمشي بين الخلائق على وجهه، قال أنس رضي الله عنه: إن رجلاً قال: يا رسول الله، كيف يحشر الكافر على وجهه؟ قال: "أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادراً على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟!". رواه البخاري.
والأغلال والسلاسل في عنقه، ويساق المجرمون مقرنين بعضهم مقيد إلى بعض، وهم في هذا عطاش ظماء، وهم صم بكم عمي، يتبرّأ منهم الأصدقاء، ويتبرؤون هم من الأصدقاء، (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ) [الشعراء:100-101].
طعامهم من الزقوم، وشرابهم الماء المغلي من الحميم، يتجرعه تارة، فيقطّع أمعاءه وأحشاءه، ويصب فوق رأسه أخرى، فيذيب جلده وما في بطنه، وهو في غمرات النيران يتلظى، يُعظَّم جسده وضرسه، مضاعفة في إيلامه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ضرس الكافر مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث" رواه البخاري. وفي لفظ: "ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع" (جَزَاء وِفَاقاً) [النبأ:26]. (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ) [فصلت:46].
وبعد أيها المسلمون:
هذه صفات الكافرين، وتلك خلالهم، وذلك جزاؤهم، قبائح مترادفة، وشنائع متتابعة، فاخشَ على نفسك من الوقوع فيها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً، ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل" رواه أحمد.
واحذر مشابهة الكافرين، واسلك سبيل المتقين، وأدّ الصلوات المفروضة، وحافظ عليها في المساجد فمن تركها لحق بالركب المشؤوم، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لاَ يَسْتَوِى أَصْحَـابُ النَّارِ وَأَصْحَـابُ الْجَنَّةِ أَصْحَـابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) [الحشر:20].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد،
أيها المسلمون:
المشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة في الأمور الباطنة، ومشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين تزيد العقل والدين والأخلاق، والتشبه بغير المسلمين في الظاهر سبب في مشابهتهم في الأخلاق والأفعال الذميمة، وتورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، فخالف المشركين في سلوكهم ومذاهبهم، واحذر موالاتهم، ولا تتولّهم وأبغضهم وعادهم، وتبرّأ منهم، ومن دينهم، واعتزّ بدينك، واحرص على هدايتهم ودعوتهم إلى الإسلام.
وأكثر من الثناء عليه جل وعلا أن هداك، واسأله دوام الثبات واصدق مع الله يصفُو لك الحال، واسلل سخَم القلب يحبّك الخلق.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].