البحث

عبارات مقترحة:

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

مفسدات الأخوة (2)

العربية

المؤلف سعد بن ناصر الغنام
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. تكملة مفسدات الأخوة .
  2. أسباب زيادة الحب وتوثيق الأخوة .
  3. علاج المفسدات .

اقتباس

إخوة الإسلام: قال -صلى الله عليه وسلم- كما ثبت في صحيح مسلم: "الأرواح جنود مجندة؛ ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". أخذ منه البغوي -رحمه الله- أن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد، والذي يعنينا أن الألفة تدوم وتنشأ وتستمر إذا فعلت الأسباب الموجبة لذلك، وتنقطع العلاقات وتنفصم العرى إذا لم يستشعر الإخوان أهمية المودة والإخاء. لذلك حديثنا موصول عن أسباب ..

 

 

 

 

ثم أما بعد:

إخوة الإسلام: قال -صلى الله عليه وسلم- كما ثبت في صحيح مسلم: "الأرواح جنود مجندة؛ ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". أخذ منه البغوي -رحمه الله- أن الأرواح مخلوقة قبل الأجساد، والذي يعنينا أن الألفة تدوم وتنشأ وتستمر إذا فعلت الأسباب الموجبة لذلك، وتنقطع العلاقات وتنفصم العرى إذا لم يستشعر الإخوان أهمية المودة والإخاء.

لذلك حديثنا موصول عن أسباب قطع المودة ومفسدات الأخوة.

نقول غير ما سبق من أسبابها: كثرة المعاتبة، وعدم التسامح، لذلك قالوا: السيد هو من يتغافل وليس المغفل، الذي يتغافل ويتجاهل العثرات ويسكت عن الزلات هو السيد والمربي، وهو الذي يشعر بقدر الأخوة.

هذا على افتراض أنها هفوات وزلات وليست أخطاءً متكررة توجب النصيحة وربما الصدود المؤقت، حتى يستشعر المخطئ أنه أخطأ، لذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- وجه النساء لكثرة الصدقة؛ لأنه رآهن أكثر أهل النار، ما السر؟! يكفرن العشير، بمجرد زلة وغلطة تنقلب الحسنات إلى سيئات، وتنسى تلك المناقب العظيمات.

فالمؤمن يعدل وينصف ويعطي كل ذي حق حقه وينسى الزلات، لذلك يقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: (فَصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) [الحجر:85]، قال علي -رضي الله عنه- في تفسير هذه الآية: "الرضا بغير عتاب"، لو أخطأ في حقه يرضى، يرضى ولا يعاتب، يبلعها ويهضمها ويدخلها في نسيج خبراته.

وقال الفضيل: "الفتوة الصفح عن عثرات الإخوان؛ لأن كثرة المعاتبة تقطع حبال المودة"، ليت المربين يدركون هذه الخاصية العظيمة وهم يخوضون غمار التربية لأنفسهم ولإخوانهم، ولكن -كما قلت- إذا كثرت الأخطاء لا بد من التوجيه والعتاب، فقد يكون الخطأ متكررًا، وقد يكون قبيحًا، وقد لا يدرك المخطئ أن الخطأ جسيم، فلا بد من العتاب ولو بالصدود ولو بالهجران.

من القضايا المهمة التي تفسد الأخوة: الخلط بين الحب في الله والإعجاب الذي ضرب في واقع فتياتنا وشبابنا بسبب إعجابهم بالكافرين والفاسقين، فأصبح عندهم خلط، فمن أصبحت نفسه تميل إليه بهندامه وشكله ونكاته أصبح يظهر شيئًا من الحب بدعوى الحب في الله، وقديمًا قال الشاعر:

لا تركنن إلى ذي منظر حسن

فربـما رائعة قد ساء مخبرهـاما كلُّ أصفرَ دينارٌ لصفرتـه صفر العقارب أرداها وأنكرها

إذن ليست القضية قضي منظر، وإنما قضية مخبر، وقد وجد في واقعنا إعجاب، إعجاب بعض الطالبات بالمعلمات، إعجاب بشكلها، بقصتها، بآخر التقليعات التي تقلد بها أحفاد القردة والخنازير، فأصبحت تتقمص هذه الشخصية، بسبب غياب مفهوم الحب في الله المبني على الإيمان والصدق في ذلك.

لذلك النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول كما مرّ علينا في حديث سابق رواه البخاري وغيره، يذكر من الثلاث العظيمات: "وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله"، لله وفي الله، أحبه لدينه وخلقه وقربه من الله، والنبي -عليه الصلاة والسلام- سما بهذه الرابطة إلى درجة أنه إثر غزوة أحد -والحديث في صحيح البخاري- كان يدفن الرجلين والثلاثة في القبر الواحد، لوعورة الأرض ولجراحات الصحابة كان يلفهم في كفن واحد، وكان يقدم أكثرهم أخذًا للقرآن في اللحد، ثم يضع صاحبه معه لحبه في الله، فقد دفن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام في قبر واحد لمحبتهما في الله واشتهار ذلك عند صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فدفنهما في قبر واحد لأنه سيكون حميمًا له يوم القيامة، بينما الحب الذي بُني على مصالح وشهوات (فَمَا لَنَا مِن شَـافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ) [الشعراء:100، 101].

كذلك من مفسدات الأخوة: الإصغاء للنمامين والحاسدين والحاقدين، والله قد وضع لنا دستورًا لضبط علاقتنا واستقبال الأخبار والوشايا، فقال: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَـادِمِينَ) [الحجرات:6]، الله أكبر، (إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ)، نزلت هذه الآية في صدر الإسلام في وجود صحابة النبي الكرام -رضي الله عنهم وأرضاهم-، إذًا نحن أحرى أن نأخذ بهذا المنهج، أن نغربل الأخبار وأن ندرس مصادرها وأن نتأكد من منابعها، حتى لا نصيب قومًا بجهالة فنظلم أنفسنا، ونظلم إخواننا، خاصة في هذا الوقت الذي ضعف فيه الإيمان، ورق الدين وتعددت المصالح، فوجب المصير إلى هذا المنهج بشكل أظهر وأكبر.

من المفاسد كذلك: إذاعة السر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الرجل إذا حدث أخاه بحديث ثم التفت فهو أمانة"، إذا حدثك أخاك بحديث فهو أمانة، والحديث ثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما أشار إلى ذلك الألباني في صحيح الجامع.

تأتي تحدث بعض الناس بخصوصياتك، تبث له مشاكلك لعلك تجد منه رأيًا حصيفًا، لعلك تجد منه شعورًا بمشكلتك، فتفاجأ بأن هذه الخصوصيات والدقائق قد سارت بها الركبان، وانتقلت هذه المشكلة إلى الآفاق بسبب عدم حفظ السر، وتأتي لشخص تحذره من شخص آخر لأنك تعلم بأنه طريقه للهلاك، فيذهب قليل الدين إلى هذا الشخص ويخبره بأن فلانًا قال فيك كذا وكذا، وهو قصد نصحه، وهذا جزاؤه!!

فنسأله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا وإياكم ممن يكتمون أسرار المسلمين.

وأهل المروءة -فضلاً عن الديانة- لا ينشرون الأسرار، ولو من دون وصية؛ لأنه يعلم أهمية الخبر فيدفنه في أغوار نفسه؛ لذلك قال الشاعر:

إذا ما الـمرء أخطـأه ثـلاث

فبعه ولـو بكـف من رمـادسلامة صدره والصـدق منـه وكتمـان السرائـر فـي الفؤاد

إذا لم يلتزم بهذه الثلاث فبعه ولو بكف من تراب.

ومن أسباب قطع المودة: اتباع الظن؛ لذلك قال -سبحانه وتعالى-: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ الظَّنّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنّ إِثْمٌ) [الحجرات:12]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث"، رواه البخاري ومسلم.

الظن: أن يُحمِّل التصرف ما لا يتحمل، وأن يطير بالكلام فيحمله ما لا يحتمله؛ بسبب ضعف نفسه وحقده وحسده، لا يبحث عن المحامد الطيبة، أن يسارع شيطانه إلى تحميل الكلام ما لا يتحمل، وقد روي في بعض الآثار: "التمس لأخيك ولو سبعين عذرًا"، ولو لم تجد واحدًا من السبعين، فصارحه -بارك الله فيك-: سمعت كذا، رأيت كذا، لعلك تقصد شيئًا لا أدري عنه، الله أكبر على المكاشفة والمصارحة بدلاً من ملء القلوب بمخزون الحقد والحسد والرواسب، لذلك صاحب حسن الظن لا يظلم أخاه أبدًا، ولو صار بينهما سوء تفاهم، لا يظلمه ولا يلقي عليه أسوأ الكلام؛ لذلك قال جعفر بن محمد لابنه: "يا بني: من غضب من إخوانك ثلاث مرات فلم يقل فيك سوءًا فاتخذه لنفسك خليلاً". غضب، لكنه احتفظ برباطة الجأش، ولم يلقِ عليك قبيح الكلام، ولم يلق عليك بالعظائم، فاعلم أنه رجل كريم، شهم، ليس ذا لؤم، عند أدنى خصومة يلقي عليك بالعفونات والنتن بما لا تتصور أن يقال.

لكن اللئيم صاحب سوء الظن، بمجرد سوء التفاهم يستخرج من جعبته أسوأ التهم وأفظع الألفاظ وأفظع الكلام، يلقيه ذات اليمين وذات الشمال، فمخالطة هذا الصنف سم زعاف، عياذًا بالله -سبحانه وتعالى-.

من أسباب قطع المودات كذلك: التدخل في الخصوصيات وإقحام النفس في ميادين لا علاقة له بها، مما يسمه الناس في هذا الزمن التطفل والفضولية، وقد وضع لنا النبي -عليه الصلاة والسلام- معلمًا آخر من معالم حفظ الإخوان فقال: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، عندما يسألك شخص عن أحوالك المادية، راتبك، رصيدك، ممتلكاتك، تطلعاتك، تصرفاتك الخصوصية الخاصة بك، هل تحبه؟! تشعر بأنه ضيف ثقيل، وأنه متطفل أيما تطفل فيسقط من عينيك، أليس كذلك؟! تذكر حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

والعجيب أن هذا الصنف لا يُسأل عن الأشياء التي تعنيه في دينه، أما في القضايا التي لا تعنيه متكلم جيد، يملك ثقافة واسعة في صياغة الأسئلة، عجبًا!

أسأله -سبحانه وتعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم لأحسن الأخلاق وأقوم الفضائل.

كذلك تجد من يكلمك عن بعض الأمور الخاصة، بل ربما في خاصة الخاصة، حتى إنك تجلس فترة تستغرب كيف دفعه الفضول لطرح هذا السؤال، ولا تدري هل تجيب؟! إن أجبت مشكلة، وإن كذبت مشكلة، يوقعك في حرج لا يعلمه إلا الله، سبحان الله العظيم.

لذلك قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح المشهور: "لا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا -عباد الله- إخوانًا".

انظر، عطف التباغض والتدابر على ماذا؟! على التجسس والتحسس، قال الأوزاعي -رحمه الله- في شرح هذا الحديث: "التحسس الاستماع إلى حديث القوم وهم له كارهون"، يصغي، ويلقي بوجهه نحو المتحدث وهو لا يريد أن يسمع حديثه، ومع ذلك يطل بطلعته البهية من أجل استماع حديث لا يعنيه، فهذا جنى على نفسه وسبَّب التدابر والبغضاء، وكتب على نفسه العزلة من حيث يشعر أو لا يشعر.

من أسباب عدم الألفة بين المسلمين: عدم الشعور بمشاكلهم والوقوف معهم في ظروفهم، قد يحتاج أخوك دَينًا، مساعدة، شفاعة، تَدَخُّلاً، وأبخل الناس من يبخل بجاهه، ولكن البخل والشح فنون ودروب وعلوم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة". متفق عليه.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله -عز وجل- سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربًا، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا". رواه الألباني في السلسلة الصحيحة.

في مسجده -عليه الصلاة والسلام- الصلاة تعدل ألف صلاة مما سواه، ومن يمشي في حاجة أخيه خير من أن يعتكف شهرًا في هذا المسجد، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- كما ثبت في البخاري عن رجل يبعث بعماله لأخذ أمواله من المدينين ويقول: "انظروا إلى المعسر فتجاوزوا عنه، فتجاوز الله عنه".

الله أكبر، ليس الطريق إلى الجنة باللحية والصلاة فقط، وهي من الدين، بل من مظاهر الدين العظام، وفي القرآن: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:280]، أبلغ من الإنذار أن تتركها إلى وجه الله، ما أحوجنا لمراجعة الأسباب الموجبة للجنة والنجاة من النار.

وكل هذا يزرع الأخوة، أخ في كربة ومصيبة تقف معه، وتشعره بأن قضيته قضيتك، لا شك أنك تسكب في القلب من معاني الأخوة والود ما لا يعلمه إلا الله، لكن هذا الشخص الذي لا يعرف إلا الدينار والدرهم، لا يعرف إلا كم دخل عليه، أهلك الناس، نعوذ بالله، بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "تجاوزوا عنه"، ويفتخر بأنه لا يتسامح، وأنه يضع الشروط العظام حتى لا يفلت أحد من بأسه وشدته.

أسأله -سبحانه وتعالى- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيذنا وإياكم من حب الدنيا، وأن يرزقنا العيش في جو الآخرة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:
 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

من الأمور التي يحسن أن نقف عندها أن لا نفرِّط في زيادة رصيد المحبة والإخاء، وأن نكون فعلاً إخوانًا متحابين، يُرى حبنا في الله من خلال تعاملنا وتصرفاتنا، هناك أمور كثيرة شرعها لنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- تزيد من حبنا في الله، فيقع لنا الفضائل ما أخبر عنه نبينا من أن المتحابين يغبطهم النبيون والشهداء.

من المعاني الجميلة التي تزيد الحب، أن تخبر أخاك بأنك تحبه في الله، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه"، ليقل له: أحبك في الله، وليقل الآخر: أحبك الله الذي أحببتنا فيه، وليتنا نطبق هذا الأمر ونحييه في حياتنا، لماذا تجعل هذا الشعور مدفونًا؟! لماذا لا تقوله لأخيك كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أخبره أنك تحبه في الله".

كذلك من موجبات الأخوة الهدية، وليست الهدية عبارة عن مكافأة وعادة كما يصنع الناس الآن، لا، الهدية قيمتها المعنوية، ولو بسواك، أشعره بأنك تحبه، "تهادوا تحابوا"، كلمتان يقولهما النبي -عليه الصلاة والسلام-.

كذلك الشكر للناس، والاعتراف بالفضل لهم والمعروف، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله"، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صُنع له معروفٌ فقال لصاحبه: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء"، حديث صحيح. كافئوه، اشكروه، كل ذلك يزيد معدل الحب في الله.

كذلك الثناء والمدح في وجهه إذا لم يخشَ عليه مفسدة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأشج عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله"، وقال في محضر من الصحابة: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم عمر -يعني في الدين-، وأصدقهم حياءً عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ، وأفرضهم زيد"، ذكر مناقب وفضائل لهؤلاء الصحب الأجلاء لأنه يعلم بأنهم ليسوا ممن يتأثرون بمثل هذا، وإنما يحمدون الله -عز وجل-، وهذه عاجل بشرى المؤمن كما قال -صلى الله عليه وسلم-.

التبسم، هذا الشعور النبيل، الذي يدل على صلاح القلب، التبسم النابع من القلب، وليس تبسم التماسيح، تبسم المنافقين، تلك الابتسامات الصفراء، الابتسامات العريضة التي تشعر بالحقد، قال -صلى الله عليه وسلم-: "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، صدقة!! لا إله إلا الله، عمل تؤجر عليه، ابتسامة تلقى بها أخاك، تشرح صدره وتشعره بمخزون الحب، صدقة في ميزان حسناتك.

السلام، وقد تعوّد الكثير من الأبناء والبنات ترك السلام، يمر في السوق ولا يسلم بسبب هجمة المسلسلات التي لا تقيم للقضايا الكبار -فضلاً عن هذه القضايا- أي قيمة.

النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم"، أفشوا السلام، السلام عليكم، عليكم السلام، في السوق، في الشارع، في السيارة، في أي مكان، أفشوا السلام بينكم، فإنه رسالة إلى القلوب.

الدعاء بظهر الغيب، كرامة للداعين، والدعاء بظهر الغيب من أظهر علامات الحب في الله، الدعاء بحضور المدعو له طيب لا بأس به، لكن قد يخالطه نوع رياء، لكن لما تدعو لأخيك وأنت في سجودك وأخوك لا يدري، وتدعو له في سجودك بالثبات والتسديد والتوفيق، أي حب أجل من هذا، لا يدري عنك إلا الله، من كان هذا حاله، فاسمع الجائزة والبشرى له، يقول -صلى الله عليه وسلم-، والحديث في مسلم: "من دعا لأخيه بظهر الغيب له ملك موكل عند رأسه يقول: آمين ولك بالمثل"، لك مثل ما تدعو لأخيك، فأنت في الحقيقة تدعو لنفسك فاستشعر هذا الأمر.

كذلك من أسباب زيادة الحب: الذب عن عرضه في غيبته، يأتي شخص فاسق، شخص متسرع، شخص حقود، شخص حسود، يبث الأراجيف والشكوك والأوهام، وأنت تسمع لأخيك غيبة وكلامًا وأنت بارد الشعور متبلد، لا، ذُب عن عرضه، دافع، أسكته باللطف والحسنى، وإن بالغ فاطلب منه الدليل والبينة حتى لا ينخدع بكلامه الرعاع والجهال فيظنون بأفاضل الأمة سوءًا، وما أكثر الهجمات على الصالحين في هذا الزمان!! فنحن في حاجة إلى أن نذب عن رجال الحسبة ورجال الدعوة حتى تبقى صورتهم بيضاء تتعلق بها القلوب فتكون سبيلاً للاهتداء بها، ومن ثم إن شاء الله تكون الأمة في خير عميم.

المسائل التي قلناها كلها من المسائل المُعِينة على زيادة المحبة، نعود مرة أخرى لبعض المفسدات: كثرة الحديث عن الذات، فعلت أنا وقمت بواجبي، وفعلت، وأتيت، ويظهر الأستاذية والقيادة والريادة، ويسفّه آراء الآخرين، ويشعر السامعين بأنه هو صاحب الفضل وصاحب المعروف، وما درى بأنه يترك انطباعًا سيئًا عند العقلاء فضلاً عن النابهين والعلماء.

ما الحل إذن أمام هذه المفسدات، والتفريط في تلك الوسائل المُعِينة على زيادة المحبة؟!

لا بد أن نأخذ بالأسباب الشرعية لإزالة القطيعة والوحشة والجفاء فيما بيننا، وقديمًا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم خطّاء، وخير الخطائين التوابون"، فوجب على من عنده سلسلة من العداوات ورصيد من كره المجتمع وأفراده، عليه أن يتراجع وأن يرجع إلى صوابه، وهذا لا ينقص من قدره، هذا علامة لجديته وصدق توبته.

أولاً: لا بد أن نستشعر الفضل بسلامة القلوب، النبي -صلى الله عليه وسلم- كما تعلمون جميعًا أخبر عن صحابي من صحابته -رضي الله عنهم- أنه من أهل الجنة، فراقبه عبد الله بن عمرو، النبي يخبر أنه من أهل الجنة، والنبي لا ينطق عن الهوى، إذًا هو إخبار صادق، وهذه عقيدة، فنظر في حياته فلم يجد كثير قيام ولا صيام يذكر -عندما طلب الضيافة عنده ليرى صيامه وقيامه-، فأخبره بعد ثلاثة أيام بأنه جلس معه ليس من أجل الضيافة، إنما من أجل أن يرى كيف يعيش هذا الرجل، لعله يلتقط أعماله فيبني بها جنته، فقال: "إنني أنام كل ليلة وليس في قلبي على مسلم شيء"، قلب طاهر كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبر عن أناس من أمته، أفئدتهم كالطير لا حقد ولا غل، لا يقر له عين ولا ينام حتى يتسامح مع إخوانه.

وبالمقابل إذا لم يستشعر الفضل فليخف من التحريم: "لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"، في أمور دنيوية، لا يجوز، حرام، آثم، في أمور دينية لا بأس، شهر شهران، هجر النبي بعض الصحابة مددًا طويلة، وهجر زوجاته في قضايا دينية، هجر المبتدع، هجر الفاسق لا شيء فيه إذا كان يرجى من هجره خير.