الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | سامي بن خالد الحمود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان |
ها هو العملاق النائم يستيقظ, ها هو الإسلام ينتشر, هاهي رايات الجهاد ترفرف رغم أنوف المجرمين, هاهي بشائر النصر تلوح أمام الناظرين, وقد رأينا أسود الله في فلسطين يجاهدون في سبيل الله، ويرفعون لا إله إلا الله، ويثبتون للعالم أن هذه الأمة لا تموت بحال، ولا يضرها كيد الأنذال، وأن رحمها ولودٌ بالأبطال..
نحن اليوم على موعدٍ مع التاريخ, مع ملحمةٍ من ملاحم الانتصار، حينما ابتليت هذه الأمة بغزو التتار، فانكسرت وانهزمت، لكنَّها سرعان ما انتفضت وانتصرت.
قصَّتنا اليوم أبطالها العزُّ بن عبد السلام وابن تيمية وقطز وبيبرس وغيرهم من أئمةِ وأبطالِ الإسلام.
المشهد في القرن السابع، حيث الضعف والوهن يتفشَّى في الخلافة العباسية، السيطرة لسلاطين الدويلات أو الإمارات الإسلامية، القرن السابق السادس يشهد ثلاثَ حملات صليبيةٍ سابقة، تصدى لها الأبطال: عمادُ الدين زنكي وولدُه نور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي الذي كسر الصليبيين في حطين سنة 583هـ واستعاد منهم القدس.
وبدأ خطر آخر يظهر في الساحة من المشرق، التتار أو التتر أو المغول، شعب بدوي يعيش في أطراف بلاد الصين، مشهورون بالشر والغدر، عراض الوجوه، صغار الأطراف، سمر الألوان، سفَّاكون للدماء، تصل إليهم أخبار الأمم، ولا تصل أخبارهم إلى الأمم؛ بسبب شبكة تجسس محكمة.
في سنة 616هـ بدأ التتار بقيادة جنكيز خان هجومهم على أراضي الخوارزميين في شرق البلاد الإسلامية.
فهجموا على بخارى ثم سمرقند ثم مَرْو ثم غزنة، فتصدى لهم السلطان جلال الدين بن خوارزمشاه فهزمهم.
ثم هزموه بعد وقوع الفتنة بين بعض أمراء المسلمين، واستمرت الحروب بين جلال الدين الخوارزمي والتتار حتى توفي سنة 628هـ.
وبوفاة جلال الدين كُسِر الباب الذي كان يحول بين التتار وبين بلاد الإسلام.
في مصر والشام ضعُف أمر الدولة الأيوبية بعد صلاح الدين، ودب الخلاف بين الأمراء، ثم كانت المصيبة العظمى سنة 625هـ فسلم الكامل بيت المقدس لإمبراطور ألمانيا، وتحالف الصالح إسماعيل أمير دمشق مع الصليبيين، فلما رأى الشيخان العزُّ بن عبد السلام وابن الحاجب هذه الخيانة انسحبا من الجيش، وأفتى العزُّ بتحريم إعانة الصليبيين أو بيعهم السلاح وعرّض بالأمير، فنقلت الاستخبارات هذه الأخبار إلى إسماعيل، فأمر بعزل العز عن الخطابة واعتقاله، ثم أُطلق سراحه وأرسل إليه السلطان من يقول له: إن السلطان يريد أن يعيدك إلى منصبك وزيادة، بشرط أن تنكسرَ بين يديه وتقبِّلَ يده فقط, فانتفض العز وقال: "والله يا مسكينُ ما أرضى أن يقبل السلطان يدي فضلاً أن أقبل يده، يا قوم أنتم في وادٍ وأنا في واد، الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به", فاعتقلوه مرة أخرى، ووضعوه في خيمة بجوار خيمة السلطان، فكان العز يشغل وقته بالصلاة والقرآن, فيقول إسماعيل لملوك الصليبيين: هل تسمعون هذا الشيخ الذي يقرأ القرآن؟ قالوا: نعم, قال: هذا أكبر قُسُوس المسلمين، وقد حبسته لإنكاره تسليمي حصونَ المسلمين لكم، وفعلت به كذا وكذا لأجلكم, فقالوا: لو كان هذا قسّيسَنا لغسلنا رجليه وشربنا ماءها.
سبحان الله! بعض الكفار إلى يومنا هذا يعرفون قدر العلماء والمصلحين، وبعض الحكومات العربية الآن في فلسطين وغيرها تتقرب إلى أعداء الله بحرب الدين، واعتقال العلماء والمجاهدين.
خرج العزُّ من الاعتقال وسافر إلى مصر، فاستقبله الملك الصالح أيوب وأكرمه وولاه القضاء والخطابة.
وفي سنة 647هـ توفي الملك الصالح أيوب، فتزوجت زوجته شجرة الدر بأحد المماليك وهو عز الدين أيبك، ثم تنازلت له عن الملك، ليكون أول ملوك دولة المماليك التي خلفت الأيوبيين.
في بغداد كانت الخلافة العباسية تعاني من الضعف الشديد على مختلف الجوانب:
في الجانب السياسي: فكان الخليفة العباسي في بغداد المستعصم بالله ضعيفاً يقضي وقته بسماع الأغاني والتفرُّج على التوافه، وتسلط في عهده الحاشية ورجال السلطة.
وفي الجانب العسكري: فكان للوزير الرافضي ابنِ العلقمي دورٌ كبير في تقليص عدد الجيش وإهماله وتسريح الجند.
وفي الجانب الاجتماعي: فكانت الثورات الداخلية بسبب وجود الرافضة في بغداد.
هنا، بدأ هولاكو بن جنكيز خان حملته العسكرية باتجاه الغرب في سنة 651هـ، فقضى على الإسماعيلية في إيران ثم اتجه غرباً إلى العراق وأرسل إلى الخليفة رسالة مليئة بالكبرياء والغطرسة، وأمره بهدم الحصون وردم الخنادق المحفورة حول بغداد -وهذا على طريقة نزع الأسلحة عند تتار العصر-، رد الخليفة المستعصم على هولاكو برسالة متناقضة جمعت الكبرياء والتحدي، والضعف والخور، قال: إننا مستعدون للقتال، لكننا لا نريد أن نعلن الحرب لئلا نزعج المواطنين، ونصح هولاكو بأن يصغي إلى صوت السلام، وأن يَقنع بالأراضي التي تنازل له عنها.
وبعد استنفاد الطرق الدِبلوماسية كما يقال، اتخذ هولاكو القرار بالهجوم على بغداد، فسار إليها في مائتي ألف مقاتل.
وبدأ مسلسل الخيانة، فيأتي أمير الموصل بالمدد والهدايا للتتار، ثم ينضم هو وجيشه لهم، يقاتلون إخوانهم المسلمين (يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ) [المائدة:52].
وصل الجيش التتري إلى العراق في محرم سنة 656هـ، وعندما أحاطوا ببغداد حفروا الخنادق حول الأسوار، ثم شرعوا في بناء أسلحتهم الصينية حول بغداد.
مجانيق تقذف كتل الصخور، وعرباتٌ ذاتُ عجلات، وقاذفاتُ نِفط تقذف السهام الملتهبة بالنار، فأصبح سكان بغداد أهدافاً لهذه القذائف ليلاً ونهاراً.
ومع بدء الضربات كانت هناك حرب إعلامية معنوية، فأمر هولاكو بأن ترمى منشورات مع السهام، مكتوب فيها (إن السادة والعلماء والقساوسة والمشايخ والأشخاص الذين لا يقاتلوننا، كل أولئك لهم الأمان من عندنا)، ولا تزال المنشورات تتكرر إلى زماننا هذا.
وأحاط التتار بدار الخلافة وبدأووا بقصفها من كل جانب، فيدخل أحد السهام من نوافذ القصر فيصيب جارية كانت ترقص بين يدي الخليفة، وماتت الراقصة، فغضب الخليفة، وأصدر الأوامر بزيادة الستائر على نوافذ القصر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم خرج الوزير الخبيث ابن العلقمي إلى هولاكو، ثم عاد وأوهم الخليفة بالصلح حقناً للدماء، فخرج الخليفة بأولاده الثلاثة ومعهم سبعُمائةِ من القضاة والعلماء، فقتلوا جميعاً.
ثم أُمر الخليفة أن يصدر أوامره للناس في بغداد بإلقاء السلاح، وساروا به إلى دار الخلافة ونهبوا المال والمجوهرات، ثم وضع هولاكو الخليفة في كيس من الجلد، ورفسه الجنود حتى مات.
وبعد أن ألقى سكان بغداد السلاح، وانتهت المقاومة، استباح الجنودُ التتارُ بغدادَ، فقتلوا الرجال والنساء والأطفال والشيوخ، وشقُّّّوا بطون الحوامل، وقتلوا الأجنة، ونهبوا الأموال، وأحرقوا الكتب، وهدموا البيوت, وجرت الميازيب بالدماء، واختلطت الدماء بمداد الكتب والأوراق في مياه دجلة، وكان ضحايا هذه المجزة الجماعية ثمانمائة ألف إنسان، وقيل مليون وثمانمائة ألف، وقيل مليونين.
كبـّلوهم قتـّلوهم مثّـلوا
وبعد سقوط الخلافة ببغداد، بدأ هولاكو يستعد للمرحلة التالية من الحملة، وهي غزو سوريا وفلسطين ومصر.
في السنة التالية 657هـ وأمام هذا الخطر العظيم اجتمع القائد سيف الدين قطز بالعلماء والقضاة، ووقع الاتفاق على خلع المنصور علي بن المعز الذي كان صغيراً، ومبايعة قطز بالملك.
وصل الجيش التتري إلى حلب في شهر صفر سنة 658هـ, فغدروا بأهلها واستباحوها.
ثم تقدموا إلى دمشق فهرب صاحبها الناصر يوسف.
وبعد سقوط دمشق أرسل الطاغية هولاكو رسالة تهديد إلى قطز في مصر، وبعد وصول الرسالة عقد قطز اجتماعاً عاجلاً بالأمراء انتهى بقرار الحرب، وبدأ قطز يجهِّز الجيش، ويستعين بالعلماء في الحث على الجهاد والنفقة، وعلى رأسهم العز بن عبد السلام.
وسار الجيش المصري إلى الشام، فنزلوا في غزَّة، ثم سلكوا طريق الساحل حتى بلغوا عكَّا، حتى التقى الجيشان على أرض فلسطين، في عين جالوت بين نابلس وبيسان، في الخامس والعشرين من رمضان سنة 658هـ.
ولما التقى الجمعان، أمر قطز الجيش أن لا يبدؤوا القتال إلا بعد الزوال، حتى يدعوَ لهم الخطباء والناس في صلاة الجمعة.
وبدأ القتال، فهجمت ميمنة التتار على ميسرة المسلمين، فانكسرت الميسرة، واختُرِقت صفوف المسلمين، فلما رأى قطز هذا الموقف تقدَّم بقوات القلب التي كانت بقيادته فأحاطوا بميمنة التتار, ثم كان اليوم الثالث، فرغَّب قطز جنودَه في التضحية والشهادة، فقاتلوا قتالاً شديداً، وقاتل قطز حتى قُتل جواده، فنزل على الأرض في لحظة قاتله للجيش، فرآه أحد الأمراء فنزل عن فرسه ليركب عليه، فرفض قطز وقال: ما كنت لأحرم المسلمين نفعك, فقال بعض الأمراء لقطز: لو أن بعض الأعداء رآك لقتلك، وهلك الإسلام بسببك!! فقال: أما أنا فكنت أروح إلى الجنة، وأما الإسلام فله رب لا يضيّعه.
ثم اشتد القتال، وحمي النزال، وأزهقت النفوس، وتطايرت الرؤوس، فتقدم قطز بنفسه أمام الأمراء والجيش، ورمى خوذته على الأرض، وأطلقها صرخةً قوية سجلها التاريخ، فصاح بأعلى صوته وقال: (وا إسلاماه)، واندفع نحو نيران التتار، كالسيل الجرار, ورأى الجنودُ قائدَهم أمامهم، يقاتل كالأسد، فالتفوا حوله، واستبسلوا في القتال، وانقضوا على التتار، فخلخلوا صفوفهم حتى هزموا وولوا الأدبار.
وبعد عين جالوت، انكسرت شوكة التتار حتى كانت سنة 678هـ، حيث تولى الحكم في مصر قلاوون، ثم وقعت الحرب بين جيشه المصري، وجيش الأمير سنقر أمير دمشق.
ووصلت الأخبار إلى التتار بتفرق المسلمين، فهجموا على حلب وقتلوا كثيراً من أهلها، وظنوا أن الجيش الشامي سيكون معهم ضد الجيش المصري، لكن قلاوون خيب ظنهم، فأرسل إلى سنقر وطلب منه تناسي الخلافات والاتحاد ضد التتار، فلما علم التتار بهذا الاتفاق رجعوا، ثم عادوا سنة 680هـ في جيش كبير قوامه مائةُ ألف مقاتل، فتصدى لهم قلاوون بخمسين ألف مقاتل فهزمهم.
وفي آخر القرن، عاد التتار إلى الشام سنة 699هـ فخرج لهم الناصر بن قلاوون بجيشه المصري، لكنه انهزم، وانسحب جيشه إلى مصر، وسار التتار إلى دمشق التي أصبحت بلا جيش، فاجتمع الأعيان ومعهم الإمام شيخُ الإسلام أحمدُ بنُ تيمية -رحمه الله-، فقرروا الذهاب إلى قازان ملك التتار، ليطلبوا منه الأمان لأهل دمشق، فلما دخلوا على قازان، كلمه ابن تيمية بشدة وأخذ منه عهد الأمان، واستنقذ كثيراً من أسارى المسلمين.
ثم وصلت الأخبار بتحرك الجيوش المصرية إلى الشام، وانسحب التتار من دمشق، وبقيت دمشق بلا حرس، فخرج أهل دمشق بأسلحتهم، وصاروا يبيتون على الأسوار يحرسون البلد، وكان ابن تيمية يدور على الأسوار كل ليلة، يحرِّض الناس على الصبر والقتال، ويتلو عليهم آيات الجهاد والرباط، وهكذا يكون تفاعل الأمةِ والعلماء مع الأزمات.
وبعد سنتين، وقعت معركة شَقحَب في شهر رجب سنة 702هـ، عاد جيش التتار إلى بلاد الشام من جديد، ووصلوا إلى حمص، ثم بعلبك، واقتربوا من دمشق، فاشتد خوف الناس، واجتمع الأمراء والعلماء فتحالفوا على الجهاد، وكان شيخ الإسلام يطمئن الناس، ويحلف أنهم سينتصرون،فيقولون: قل إن شاء الله, فيقولها تحقيقاً لاتعليقاً.
ثم بدأ بعض الناس يشككون في شرعية قتال التتار، فأفتى ابن تيمية بوجوب قتالهم، بل قال: "إذا رأيتموني في ذلك الجانب -أي في جانب العدو- وعلى رأسي مصحف فاقتلوني" فتشجع الناس للقتال.
في أواخر شعبان، خرج الجيش الشامي من دمشق لمواجهة التتار، وخرج ابن تيمية مع أصحابه ليشاركوا في القتال، فظن بعض الناس أنه يريد الهرب فقالوا: تمنعنا من الهرب وتهرب الآن من البلد؟ -سبحان الله, ما أسرع ما يقع العامة في العلماء!-، ومضى الشيخ -رحمه الله- إلى المعركة، ولم يرد على جهلهم.
انضم الجيش الشامي إلى الجيش المصري بقيادة السلطان الناصر محمد بن قلاوون والخليفة المستكفي بالله، وأفتى ابن تيمية بالفطر في رمضان، وكان يدور على الأمراء والجند ومعه شيء يأكل منه، ليعلموا أنه مفطر, والتقى جيش المسلمين بجيش التتار في موضع يقال له (شَقْحَب) وهو الطرف الشمالي من مَرج الصُّفَّر.
وبدأ القتال ظهر السبت الثاني من رمضان، وثبت الخليفة والسلطان الناصر الذي بايع الله في ذلك الموقف على النصر أو الشهادة، وأمر أن يقيَّد جوادُه حتى لا يهرب.
قال أحدالأمراء: لما اقترب التتار، التفت إلي ابن تيمية، وقال: يا فلان أوقفني موقف الموت, يقول الأمير: فنقلته إلى مقابلة التتار، وهم منحدرون كالسيل، تلوح أسلحتهم تحت الغبار، ثم قلت: ياسيدي هذا موقف الموت، وهذا العدو قد أقبل تحت الغبرة, فرفع الشيخ طرفه إلى السماء، وأشخص بصره، وحرك شفتيه طويلاً يدعو ربه، ثم التحم بالتتار , واشتد القتال، واستبسل الأبطال، ففر التتار إلى الجبال، وقد امتلأت قلوبهم بالرعب, فانقض عليهم المسلمون، فقتلوا منهم وأسروا، وهرب بقيتهم فغرقوا في نهر الفرات وأسروا.
وبهذه المعركة الحاسمة انقطع التتار، واندفع شرهم عن بلاد الإسلام، (فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:45].
الخطبة الثانية
وبعد هذه الملاحم التاريخية نقول: إن من العجيب أن هناك شبهاً كبيراً بين التتار القدماء، والتتار الجدد من اليهود والنصارى, التتار القدماء: سفكوا الدماء, ونقضوا العهود, واعتمدوا على الاستخبارات والتجسس, وانتهجوا مبدأ الصدمة والرعب, وأمروا الخليفة أن ينزع أسلحته وهم قادمون لاستباحة أرضه, وكانوا يلقون المنشورات على السكان, ويستعينون بخونة المسلمين, فما أشبه الليلة بالبارحة!
الدروس كثيرة ولعلي أكتفي بواحد، جواباً على سؤال تحليلي: كيف انتصر المسلمون على التتار في تلك المعارك؟ كيف انتصرنا؟ الجواب باختصار:
1/ انتصرنا لما نصرنا الله بالجهاد والمقاومة، الجهادِ في سبيل الله وحده بعيدًا عن شعارات القومية أو الوطنية, والجهاد له شروطه وضوابطه، ولكن ما لا نعذر فيه هو الإعداد وتهيئة الأمة قدر الاستطاعة، (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [لأنفال:60].
2/ انتصرنا لما خلُصت المقاصد وصحَّت العقائد، وتعلَّقت قلوب المسلمين بالله وحده، فلم يلوذوا بالحسين، ولم يلتجؤوا إلى البدوي، ولم يطوفوا بالقبور والمشاهد.
3/ انتصرنا لما اتحدت كلمة المسلمين، واجتمع شملهم، وتناسى الزعماء كل الخلافات فيما بينهم.
4/ انتصرنا عندما قيَّض الله للأمة ولاة مصلحين، وعلماء عاملين، لم تلههم الدنيا عن القيام بواجبهم ونصرة دينهم.
5/ انتصرنا لما صنعنا الرجال، وربينا الأمة والشباب تربيةً إيمانية، فآتت هذه التربيةُ أكلَها بإذن ربها، وأخرجت للأمة أبطالاً عظماء, كنور الدين محمود وقطز وبيبرس وغيرِهم.
لا بد من صـنع الرجال
أما جيل الشهوات، وترك الصلوات، وشباب الآي، والياي والباي باي، فلا نحلم بأنهم سيحررون لنا الأقصى وفلسطين، وهم لم يتحرروا من أغلال الشياطين، ولا نحلم أننا سننتصر على أعدائنا، ونحن أسرى لشهواتنا.
6/ انتصرنا بالتضحية، لما ضحَّينا بدنيانا في سبيل ديننا، فلم تلهنا الشهوات والملذات عن الاستجابة لأمر الله, إن الانتصار يستنزف الدماء والأشلاء والأموال, ولابد أن تربى الأمةُ على دفع ضريبة الانتصار، كما دفعها السلف الأبرار؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7].
7/ انتصرنا, بالسلاح المعطل, الذي هو أشد فتكاً من القنابل الذرية، والصواريخ الجوية, الدعاء الذي لا تصمد أمامه أيُ قوة على وجه الأرض, سندعو ونعمل، ونصلح ونجاهد، بأموالنا وأنفسنا وإصلاح أمتنا, ولن نيأس، ولن نتشاءم, وإن تسلَّط الأعداء، واشتد البلاء، فالمستقبل لهذا الدين بإذن الله.
ها هو العملاق النائم يستيقظ, ها هو الإسلام ينتشر, هاهي رايات الجهاد ترفرف رغم أنوف المجرمين, هاهي بشائر النصر تلوح أمام الناظرين, وقد رأينا أسود الله في فلسطين يجاهدون في سبيل الله، ويرفعون لا إله إلا الله، ويثبتون للعالم أن هذه الأمة لا تموت بحال، ولا يضرها كيد الأنذال، وأن رحمها ولودٌ بالأبطال.