البحث

عبارات مقترحة:

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

المقيت

كلمة (المُقيت) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أقاتَ) ومضارعه...

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

الشباب والإجازة

العربية

المؤلف صلاح بن محمد البدير
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. أهمية الوسطية بين عناء الاجتهاد واستمهاد الراحة .
  2. نصائح وتوجيهات للشباب لاستغلال الإجازة استغلالا صحيحاً .
  3. التحذير من مخالفات الإجازات من سفر مُحَرَّم وتضييع لأوقات الفراغ .
  4. التنبيه على بعض المحرمات التي ترتكب في الأفراح والأعراس .

اقتباس

أيها الشَّبَبة: سارِعوا إلى قصَبات التقدُّم، وشُرُفات العلوّ، وافترِعوا الشَّعَث السوامِي، وتوقَّلوا إلى التلال والروابي، وشمِّروا للعلم والمعرفة، وأوغِلوا في ميادين العمل والتكسُّب المُباح، أتقِنوا حِرفة، وتعلَّموا صنعة، واكتسِبوا مهارة، وشارِكوا في البناء والنَّماء، واعلموا أن أحصَنَ موئِل، وأمنع معقِل، وأكرمَ مقِيل، وأهدى سبيل: لزوم الكتاب والسنة وتعلُّمهما، والتفقُّه في الدين، وقراءةُ سيرة سيد المرسلين ..

 

 

 

 

الحمد لله، الحمد لله بارئ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِل القِسَم؛ مُبدِع البدائع، وشارعِ الشرائع، دينًا رضيًّا، ونورًا مُضيًّا، أحمده وقد أسبغَ البرَّ الجزيل، وأسبلَ السترَ الجميل. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةَ عبدٍ آمَنَ بربه، ورجا العفو والغفران لذنبه؛ وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعِه وحِزبه صلاةً وسلامًا دائمَيْن ممتدَّيْن مُتلازمَين إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فإن تقواه أفضلُ مُكتسب، وطاعته أعلى نسَب، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

أيها المسلمون: تجمُل الراحةُ بعد عناء، وتحلو العُطلة بعد تعبٍ وإعياء، ويحصُل رخاءُ البال وفراغُ القلب بعد كدٍّ ومشقَّةٍ وجَهد، ولا بأس بلَهْوٍ مُباح يُروِّح عن النفس، ويُجِمُّ الخاطر، ويدفعُ الكآبة، ويطرُدُ السآمة، ويُجدِّد العزمَ والهمَّة؛ فإن المُنبَتَّ لا أرضًا قطَع، ولا ظهرًا أبقى.

ومن فعل ذلك بِنِيَّةٍ صالحةٍ أُجِر، قال عمر بن عبد العزيز لابنه: يا بنيّ! إن نفسي مطيَّتي، وإن حملتُ عليها فوق الجَهد قطعتُها. وقال أحد السلف: إني لأُجِمُّ قلبي باللهو المُباح؛ ليكون أقوى لي على الحق. وقال آخر: أريحوا القلوب؛ فإن القلب إذا أُكرِه عمِي.

ودوام الذكر والفكر في أمر الآخرة فضيلةٌ عظيمة، ولا يعني ذلك حرمانَ النفس نصيبَها من الدنيا؛ فعن حنظلة الأُسيدي -رضي الله عنه-، وكان من كُتَّاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال: دخلنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقلتُ: نافَقَ حنظلةُ يا رسول الله! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وما ذاك؟". قلتُ: يا رسول الله! نكون عندك تُذكِّرنا بالجنة والنار حتى كأنَّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافَسنا الأولاد والأزواجَ والضَّيْعات نسينا كثيرًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده! لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافَحتكم الملائكةُ على فُرشكم وفي طرقكم؛ ولكن، يا حنظلةُ، ساعةً وساعة" أخرجه مسلم.

وآخَى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بين سلمان وأبي الدرداء - رضي الله عنهما –، وكان أبو الدرداء يقوم الليل ويصوم النهار، فقال سلمان لأبي الدرداء: إن لربك عليك حقًّا، وإن لنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حقٍّ حقَّه. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صَدَقَ سلمانُ" أخرجه البخاري.

ويقبُحُ بالمسلم استمهادُ الراحة، واستيطاءُ الدَّعة، واستدامةُ الغفلة، واستِمراءُ اللغو، وإطلاقُ العنان للمُتعة والشهوة، وتجاوُز حدود الشرع في الترفيه والترويح.

أيها المسلمون: وفراغُ اليد، وبَطالةُ البدن، ودوام الفراغ، ومُحالفة النوم، لِقاحُ الفقر والفساد والضياع؛ ودوامُ الجُثومِ على أجهزة التسليط والترفيه يقتُل النبوغ، ويحُدُّ من الفِطنة والذَّكاء، ويشغَلُ الأذهان بما حقُر وهان، ويُهدِرُ الوقت، ويُعقِبُ العِلَل، ويُورِثُ الكسل، ويجلِبُ الفشل.

وما الحقُّ أنْ تهوَى فتُشْغَفَ بالَّذي

هَوِيتَ إلى ما كانَ ليسَ بأجملِ

أيها الشَّبَبة: سارِعوا إلى قصَبات التقدُّم، وشُرُفات العلوّ، وافترِعوا الشَّعَث السوامِي، وتوقَّلوا إلى التلال والروابي، وشمِّروا للعلم والمعرفة، وأوغِلوا في ميادين العمل والتكسُّب المُباح، أتقِنوا حِرفة، وتعلَّموا صنعة، واكتسِبوا مهارة، وشارِكوا في البناء والنَّماء، واعلموا أن أحصَنَ موئِل، وأمنع معقِل، وأكرمَ مقِيل، وأهدى سبيل: لزوم الكتاب والسنة وتعلُّمهما، والتفقُّه في الدين، وقراءةُ سيرة سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-، والتأسِّي به في أفعاله وأحواله وأقواله -صلى الله عليه وسلم-.

أيها الشَّبَبة: كونوا ممن يأتي السنيَّة، ويأبى الدنيَّة، كونوا أتقياء برَرة، واحذروا الأشقياء والفجَرة، والعُصاة والفسَقة المكَرة، أصحاب السوء والفتنة، الذين يُضيِّعون الصلوات، ويتَّبعون الشهوات، ويأتون المنكرات والمُحرمات، ويتعاطَون الدخانَ والشيشةَ والمُسكِرات والمُخدِّرات، ويُديمون السهرَ على المُوبِقات والمُهلِكات والفضائيات؛ احذروهم! احذروهم! فإنهم السمُّ الناقع، والبلاء الواقع.

أيها المسلمون: وفي الإجازة تكثُر السافرةُ بالأمصار، والسفر يُسفِرُ عن وجوه المُسافرين وأخلاقهم، ويُظهِرُ منهم ما كان خافيًا، ومن سافر سفرَ طاعةٍ أُجِر وغنِم، ومن سافرَ سفرًا مُباحًا نجا وسلِم، ومن تسربَلَ بالدنيَّة، واختار النقيصة، وتقنَّع بالسوءة، وسافر سفرَ معصية، وساحَ سياحةً محرمة؛ فقد دنَّس عِرضَه، ولطَّخَ شرفَه، وأتى خِزايةً لا تخفى، وعارًا لا يُنسى.

اليومَ تفعلُ ما تشاءُ وتشْتَهي

وغداً تموتُ وتُرْفَعُ الأَقلامُإذا المرءُ أعطَى نفسَهُ كلَّ ما اشْتَهَتْ ولم ينْهَها تاقَتْ إلى كُلِّ باطلِوساقَتْ إِليْهِ الإِثْمَ والعارَ بِالَّذِي دَعَتْهُ اليهِ من حَلاوةِ عـاجِلِ

والمؤمنُ عَيوفٌ للخَنا والمنكر، ودواعِي الهوى طالبة، والنفسُ أمَّارةٌ بالسوء، والشيطانُ يُزيِّنُ ويُوسوِسُ، والهوى يُعمِي ويُصِمّ، والهوى مطيَّةُ الفتنة، والدنيا دارُ المحنة، ومُدَّة اللهو تنقطِع، وعارُ الإثم لا يرتفع، إلا من تاب لربه، ورجع عن خطئه وذنبه.

فقُودوا أنفسَكم بالحزم، وتنبَّهوا - أيها الآباء والأولياء -، ولا يفتننَّكم الشيطان، (فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان:33]، (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) [الزمر:54-55].

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البيِّنات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

الحمد لله آوى مَن إلى لُطفه أوَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له داوَى بإنعامه من يئسَ من أسقامه الدوا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله شهادةً نرجو بها الفوز والهدى، والنجاةَ من الخيبة والرَّدى، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما انفلقَ صبحٌ ثم بدا، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

أما بعد، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله؛ فقد فاز من اتقى، وخسِر من قادَه الهوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أيها المسلمون: وفي الإجازة تتوالى الأفراح، وتكثُر عقود النكاح، وأوثقُ العقود بدءًا، وأدومُها أُلفة، وأحمدُها عاقبةً: ما بُنِي على الشرع القويم، والهدي المستقيم.

أيها المسلمون: لقد تمادَى الناسُ اليوم في المُغالاة في المهور، وتسابَقوا في إظهار البَذَخ والإسراف والتكلُّف والتبذير في حفلات الزواج، وتجاوزوا الحدود في الولائم والذبائح والقصور، والألبِسة والثياب، تفاخُرًا وتكاثُرًا، وتعالِيًا وتماديًا في الباطل، ولَرُبَّما صاحبَ بعضَ الأفراح فاحِشُ القول، وعظيمُ المنكر، وتفسُّخٌ في الأخلاق، واختلاطُ الرجال بالنساء، ودخولُ الرجال على النساء وهنَّ سافراتٌ كاشِفات، قد لبِسنَ الفاتِنَ والقصير والضيِّق والشفَّاف، إلى غير ذلك من الأفعال الشائنة التي هي وبَالٌ وسِفالٌ على فاعليها، مما لا يرضاه الغَيارى، ويأباه أهل الإيمان والتقوى.

وتجاوز آخرون المشروعَ والمُباح من الضرب بالدُّفِّ للنساء خاصةً لإعلان النكاح إلى ما حُرِّم عليهم؛ من استئجار المُطربين والمُطرِبات الذين يتغنَّون بالكلام الفاحِش البذِيء، وآلات اللهو والطرَب والمعازِف، ودفع المبالغ الكبيرة في مثل هذه الأمور.

فاتقوا الله - أيها المسلمون -، وعودوا إلى هدي الشرع، ولا تغلِبنَّكم أهواؤكم، ولا تستهوِينَّكم عاداتٌ ذميمة دخيلةٌ على مجتمعاتكم.

ثم صلُّوا وسلِّموا على خير الورى، فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا. اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائِه الأربعةِ، أصحابِ السنة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآل والصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، ودمِّر أعداء الدين، وانصر عبادك المُوحِّدين، ودمِّر الطغاة والظلَمة والمُعتدين، ودمِّر الطغاة والظلَمة والمُعتدين يا رب العالمين.

اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها، وعِزَّها واستقرارها، ووفِّق قادتَها لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين.

اللهم وفِّق إمامَنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه ونائبيْه لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين.

اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء والاستقرار جميعَ أوطان المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم كن لإخواننا وأهلنا في سورية وليبيا واليمن يا أرحم الراحمين، اللهم احْقِنْ دماءَهم، اللهم احقِن دماءهم، اللهم صُن أعراضَهم، اللهم صُن أعراضَهم، اللهم واحفظ أموالَهم وأمنَهم واستقرارَهم ووحدَتهم يا أرحم الراحمين.

اللهم اكشِف الغُمَّة، اللهم اكشِف الغُمَّة، اللهم اكشِف الغُمَّة، وأطفِئ جمرة الفتنة يا رب العالمين. اللهم قاتلِ الكفرة الذين يصدُّون عن سبيلك ويُعادون أولياءك، واجعل عليهم عذابَك ورِجزَك إلهَ الحق يا رب العالمين.

اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادرين، اللهم لا ترفع لهم راية، ولا تُحقِّق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم عبرةً وآية.

اللهم لا تُشمِت بنا أحدًا، ولا تجعل لكافرٍ علينا يدًا، اللهم اشف مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا يا رب العالمين.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.