الأحد
كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...
العربية
المؤلف | محمد بن سليمان المهنا |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الزكاة |
سبحان الله! كيف تبخل بزكاة مالٍ الله سبحان هو الذي وهبك إياه؟ ألم تعلم أن الذي أعطاك وحرم غيرك قادر سبحانه على أن يسلبه منك في عشية أو ضحاها؟ سبحان الله! ماذا كلفك الله؟ هل كلفك أن تنفق كل مالك؟ هل أمرك بإنفاق نصفه؟ هل أمرك بإنفاق ربعه؟ هل أمرك بإنفاق خمسه؟ هل أمرك بإنفاق عشره؟ لا والله! فما أمرك إلا بأداء ربع العشر من مالك، ووالله إنه لمبلغ بخسٌ زهيد!
أما بعد:
أيها المسلمون: فعندما يُجيل الإنسان فكره في شرائع هذا الدين يجد أنها شرائعُ اشتملت على حكم عظيمة بالغة، فلم يخلق الله عباده عبثاً، ولم يأمرهم وينههم لعباً؛ بل تعبدهم بدين عظيم مشتمل على كل خير وصلاح وفلاح.
انظر تلك المصالح التي اشتملت عليها فريضة الصيام تجد كمّاً جمّاً، هذا في حدود نظرك القاصر أيها الإنسان، فكيف لو أطلعك الله على ما لم تعلم من الحِكَم؟ سبحانه هو العليم الحكيم!.
إن من الشرائع التي ترتّب على فرضيتها عددٌ كبير من الحكم والمصالح لَتلك الشعيرة التي عظّم الله شأنها، وفخّم أمرها، وجعلها من أهم أركان هذا الدين على الإطلاق؛ ولعلكم بعد هذا الوصف قد عرفتم هذا الركن المراد.
إنه الزكاة، والذي يعلم الجميع أنه ثالث أركان الدين، وهو الذي حارب أبو بكر -رضي الله عنه- قبائل العرب التي امتنعت عن إقامته.
أيها المسلمون: إن المتبادر إلى الأذهان أن كلّ مؤمن بالله -عز وجل- فلا بد أنه سيهتم بهذا الركن الركين، وسيوليه أشد العناية، وذلك لما ورد في الترغيب في أداء الزكاة من الفضائل، وفي الترهيب من إهمالها من الوعيد الشديد، نعوذ بالله من ذلك.
لكن الناظر في حال الناس يجد أن طائفة منهم قد تناسوا هذا الركن وأهملوه، فتجدهم من أهل الأموال، ولكن لا نصيب للزكاة في أموالهم!.
والله -عز وجل- لم يجعل الزكاة أمراً مستحباً، مَن شاء فعله ومن شاء تركه؛ كلا! بل إنه سبحانه قد شدد في أمرها، وحذر من التساهل بها، كما ورد ذلك في كتاب الله، وثبت في سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
يقول الله -عز وجل- في محكم التنزيل: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة:35]، فجزاؤهم من جنس عملهم، فهذه أموالهم التي تمتعوا بها في الدنيا ولم يراعوا حق الله بها أصبحت عليهم وبالاً، فيا لحسرتهم! ويا لشدة ندامتهم! يود أحدهم أنه عاش في دنياه فقيراً، وأنه نجا من شدة هذا العذاب.
وإذا كان يوم القيامة فإن من أشد الناس حسرة وندامة أولئك الذين منعوا زكاة أموالهم، فإنهم يُعذَّبون في ذلك اليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة، هذا قبل دخولهم النار، فما ظنك بحالهم وهم في دركات النار؟!.
في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت لـه صفايح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كما بردت أُعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة".
وفي سنن النسائي بإسناد صحيح عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مُثِّل لـه يوم القيامة شجاعاً أقرع حتى يطوّق به عنقه"، ثم قرأ علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- مصداقه من كتاب الله: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [آل عمران:180].
ما أشده من عذاب! وما أعظمه من عقاب! فأين المتساهلون في زكاة أموالهم من هذا الوعيد الشديد؟ والعجب كل العجب أن أولئك المانعين للزكاة ينعمون بفضل الله، ويتمتعون بنعم الله، بل إن الغالب أنهم من أهل الأموال الطائلة والغنى!
سبحان الله! كيف تبخل بزكاة مالٍ الله سبحان هو الذي وهبك إياه؟ ألم تعلم أن الذي أعطاك وحرم غيرك قادر -سبحانه- على أن يسلبه منك في عشية أو ضحاها؟ سبحان الله! ماذا كلفك الله؟ هل كلفك أن تنفق كل مالك؟ هل أمرك بإنفاق نصفه؟ هل أمرك بإنفاق ربعه؟ هل أمرك بإنفاق خمسه؟ هل أمرك بإنفاق عشره؟ لا والله! فما أمرك إلا بأداء ربع العشر من مالك، ووالله إنه لمبلغ بخسٌ زهيد!.
(هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد:38].
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون: أما وقد سمعنا الوعيد المترتب على المتهاون في الزكاة فلا يحل لأحد أن يتهاون في أداء زكاة ماله، سواءً كانت قليلة أم كثيرة، وسواء كانت زكاة نقدين أو تجارةٍ أو ماشيةٍ، فكل ما تجب فيه الزكاة فالوعيد جارٍ على ترك زكاته؛ ولا عذر لأحد بعدم العلم، فإذا كنت لا تعلم فتعلم، وإلا فاسأل أهل العلم، وهم بحمد الله كثير.
وعلى المسلم أن لا يتساهل في من يدفع إليهم الزكاة، فبعض الناس قد يدفع زكاة ماله إلى مَن يظنهم فقراء وهم في الحقيقة ليسو كذلك، بل ينفقون أموالهم في الكماليات وأشباهها، فالواجب الدقة والتحري لأهل الزكاة المستحقين لها.
وفي الختام هذه نصيحة أوجهها لكل من تنازعه نفسه في أداء الزكاة، فأقول: يا عبد الله! أتظن أنك باقٍ لهذه الأموال؟ كلا، فأنت تجمعها وعما قليل ستموت وتفارقها، فأدِّ زكاتها علك أن تسلم من مغبتها.
ولو قيل لك إنك ستموت بعد شهر أو بعد سنة لكنت أول المبادرين لأداء الزكاة؛ خوفاً من سوء العاقبة، فلماذا لا تجعل الموت نصب عينيك، فإنه إن حل بك فلن يمهلك، وستندم ولات حين مَنْدَم!.
واستمع إلى نداء ربك -عز وجل- إذ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون:9-11].