الآخر
(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | سامي بن خالد الحمود |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المهلكات |
ما أحوجنا إلى تهذيب ألسنتنا بالتزام هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم- فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبَّابًا، وَلَا فَحَّاشًا وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ" أخرجه البخاري.
إن الحمد لله.
أتحدث إليكم اليوم عن كلمة قصيرة، لكنها -جد- خطيرة.
يجلس الرجل في بيته، فيدخل عليه صبي هائج يفسد عليه نومه أو عمله فيغضب ويصيح: (الله يلعـ الخ) يخرج أخونا من المنزل، وبينما هو يقود سيارته يتعدى على أفضليته سائق آخر، فيغضب ويخرج يده من نافذة السيارة (وقف يا ملـ) وكان الله في العون تنهال اللعنات بدءا بالسائق الآخر ووالديه وجده إلى سابع جد, وشاب تعلق قلبه بفريقه الكروي قد تجمد أمام الشاشة، أو وقف في مدرجات الملعب، ومع كل هجمة ضائعة أو مرتدة لعنة للحكم وأخرى للاعب أو فريق، وتنتهي المباراة وقد سجل الشاب رقمًا قياسيًّا في عدد اللعنات،كلها في صحيفة سيئاته.
ما هذا؟ هل أصبح اللعنُ عند بعضنا مثلَ شرب الماء؟.
خطورة اللعن وبعض أنواعه:
عباد الله: حتى ندرك خطورة اللعن ما هو معنى اللعن؟
معنى اللعن هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله.
فالمسألة خطيرة جدًّا, ولهذا حذّرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من اللعن في أحاديث كثيرة، فقد روى الترمذي وأحمد بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" وروى مسلم عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة".
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن فشوّ اللعن من أساب الهلاك، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استحلّت أمتي خمسا فعليهم الدمار: إذا ظهر التلاعن، وشربوا الخمور، ولبسوا الحرير، واتخذوا القينات -أي المغنيات- واكتفى الرجالُ بالرجال والنساءُ بالنساء" رواه البيهقي وحسنه الألباني.
وفي مسند الإمام أحمد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لَا تَزَالُ الْأُمَّةُ عَلَى الشَّرِيعَةِ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهَا ثَلَاثٌ، مَا لَمْ يُقْبَضْ الْعِلْمُ مِنْهُمْ، وَيَكْثُرْ فِيهِمْ وَلَدُ الْحِنْثِ، وَيَظْهَرْ فِيهِمْ الصَّقَّارُونَ، قيل: وَمَا الصَّقَّارُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بَشَرٌ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ تَحِيَّتُهُمْ بَيْنَهُمْ التَّلَاعُنُ".
وهذا الحديث وإن كان في سنده ضعف، لكنك تجده ماثلاً في أحوال بعض الشباب، الذين إذا التقوا حيّا بعضهم بعضاً باللعن وهم يتضاحكون، وعن رحمة الله هم يطردون، فأنى يؤفكون.
ومن اللعن المحرم لعن الدهر والأيام، كلعن بعضهم اليوم الذي ولد فيه، والساعة التي عرف فلانًا فيه ونحو ذلك، وقد قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ ، يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ ، بِيَدِي الْأَمْرُ ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ" متفق عليه.
ومن ذلك لعن المرض، قال العلامة ابن عثيمين: "وأما من يلعن المرض وما أصابه من فعل الله -عز وجل- فهذا من أعظم القبائح -والعياذ بالله- لأن لعنه للمرض الذي هو من تقدير الله –تعالى- بمنزلة سبّ الله سبحانه وتعالى".اهـ
ومن اللعن المحرم: لعن الدواب والسيارات والأمتعة وغيرها، فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنه- قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَامْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ" أخرجه مسلم.
من الذي يجوز لعنه ومن لا يجوز لعنه؟
وههنا سؤال مهم: من الذي يجوز لعنه من الناس؟ لأهل العلم كلام طويل في أنواع اللعن، وخلاصته ما يلي:
1/ لعن المسلم المعين: وهذا لا يجوز بالإجماع كما حكاه النووي والذهبي.
2/اللعن بالأوصاف العامة؛ كلعنة الله على الكافرين أو اليهود والنصارى أو الظالمين أو الكاذبين وغير ذلك من أوصاف العموم، فهذا جائز بالإجماع؛ كما حكاه ابن العربي وابن حجر الهيتمي.
3/ لعن الكافر المعين وفيه ثلاث حالات:
الحالة الأولى: لعن من عرف أنه مات على الكفر مثل فرعون وأبو جهل وغيرهما فهذا جائز لعنه ولا خلاف فيه.
الحالة الثانية: لعن من عاش كافرًا وجهل موته هل كان على الكفر أم لا؟ فهذا أيضًا جائز لعنه ولكن الأفضل أن نقول: لعنه الله إن كان مات كافرًا.
وهذه طريقة بعض علماء الأمة مثل ابن كثير وغيره.
الحالة الثالثة: لعن الكافر المعين الحي اختلف العلماء في لعنه على قولين: والأقرب جوازه عند الحاجة، وهو من باب الدعاء وليس من باب الإخبار عن حكم الله ومآل العبد، فهذا الكافر مستحق الآن للعن والبغض والمقاتلة وغيرها من الأحكام، فإن أسلم بعد ذلك لم يضره اللعن.
ومع جواز ذلك، نقول: إننا لسنا متعبدين باللعن، وليس هو من صفة المؤمن، فليس المؤمن بالطعان، وقد لا يكون وراءه مصلحة، إلا من كان له نكاية بالمسلمين وتسلط عليهم؛ كرؤوس الكفر وأعداء الدين، فإنه يشرع لعنهم بأعيانهم؛ لأنهم جمعوا بين الكفر بالله والتسلط على عباد الله.
4/ لعن المسلم العاصي المعين أو من ارتكب فعلاً ورد لعن صاحبه: والراجح -والله أعلم- أنه لا يجوز لعنه بعينه.
نماذج من الملعونين في الكتاب والسنة:
عباد الله: دعونا نستعرض نماذج من الملعونين في الكتاب والسنة:
أما الملعونون في القرآن فكثير, على رأسهم إبليس (لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) [النساء:118] وقال: (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) [الحجر:35] ولكن هل نلعنه نحن؟ نحن لم نؤمر بذلك بل أمرنا بالتعوذ من شره وكيده، ولكن لو لعنه أحد فلا شيء عليه؛ لأنه ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعنه في صلاته الكسوف، وقال: "أَلْعَنُكَ بِلَعْنَة اللَّهِ" رواه مسلم.
ومن الملعونين: اليهود: (مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) [المائدة:60] ومنهم المنافقون (مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) [الأحزاب:61] ومنهم الذين يؤذون الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا) [الأحزاب:57] ومنهم قاتل النفس بغير الحق: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء:93] ومنهم قاطع الرحم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22-23].
وقد لعن الله –تعالى- أناسًا بأوصافهم العامة فلعن الكافرين والظالمين، والكاذبين وغيرهم.
وأما السنة فقد ورد فيها أحاديث كثيرة، فمن الملعونين:
1/ متخذو القبور مساجد، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" متفق عليه، نشكو إلى الله أحوال كثير من بلدان العالم الإسلامي، التي انتشرت فيها الأضرحة والمشاهد.
2/ ومنهم: من سب الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- لما رواه الطبراني بإسناد حسن عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من يسب أصحابي" فكيف بمن يكفر جميع الصحابة إلا نفرًا قليلاً منهم ويصفهم بأقبح الصفات، كما يفعله الرافضة.
هل تعرف -يا عبد الله- ماذا يقول الرافضة في صلواتهم؟
لن أنقل لكم من كتب القوم الطافحة بلعن أشرف الخلق بعد الأنبياء من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهم، وأمهات المؤمنين -رضي الله عنهن- بل سأنقلكم إلى ما اطلعت عليه يوم أمس من تسجيل موثق بالصوت والصورة من داخل إحدى الحسينيات القوم يصلون، ثم رفعوا أيديهم كلهم وإمامهم المجرم يدعو في الصلاة: اللهم صل على محمد وآل محمد، ثم يقول عليه من الله ما يستحق: والعن أعداءهم سيما أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة.
قاتلهم الله، كيف يتقربون إلى الله، بلعن وسب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهم أجمعين.
بل إن اللعن عند الرافضة أفضل من الصلاة على الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في مجمع النورين -ص 208- فقد رووا كذبًا وزورًا أن عليًّا -رضي الله عنه- كان يطوف بالكعبة فرأى رجلا متعلقا بأستار الكعبة وهو يصلي على محمد وآله ويسلم عليه، ومر به ثانيا ولم يسلم عليه، فقال يا أمير المؤمنين لم لم تسلم علي هذه المرة؟ فقال: خفت أن أشغلك عن اللعن، وهو أفضل من السلام ورد السلام ومن الصلاة على محمد وآل محمد.
نعوذ بالله من هذا الحقد الدفين، والضلال المبين.
3/ ومن الملعونين في السنة: ما جاء في صحيح مسلم عن علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأرض" يعني حدودها.
أما الذبح لغير الله، فكمن يذبحون اليوم للأموات، أو يذبحون للجن بأمر السحرة, وأما لعن الوالدين فهو من أشد أنواع اللعن -والعياذ بالله- إذا كان الله تعالى قال: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ) [لإسراء:23] كيف باللعن ومن ذلك أن يتسبب الرجل في لعن والديه، كما جاء في حديث عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ يَشْتُمَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: " نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَشْتُمُ أَبَاهُ، وَيَشْتُمُ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ" متفق عليه.
كيف وقد وجد في زماننا من يسب والديه مباشرة، بل يتعدى عليهما بالضرب والأذى نسأل الله العافية.
4/ ومن الملعونين ما جاء في البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ".
وقد بلغ الحال ببعض الشباب أن يضع المكياج على وجهه، ويتشبه بالنساء ببعض الألبسة أو الحركات وقصات الشعر والنعومة وطريقة الكلام، وقد رأيتهم بعيني في بعض السجون, وفي المقابل تجد امرأة قد قصت شعرها قصة (البوي) والوجه سادة بلا زينة، وشعر اليدين والرجلين أسود بسبب كثرة الحلاقة، والسروال الطويل سروال أبيض رجالي، والنعال زبيرية، وإذا قيل له: يا فوزية، قالت: لا أنا فوزي.
نعوذ بالله من انتكاس الفطرة.
5/ ومن النساء الملعونات ما جاء في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الْوَاشِمَاتِ وَالْمُتَوشِّمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ" متفق عليه.
والواصلة هي التي تصل شعرها بشعر آخر, والمستوصلة التي تطلب من يصل لها شعرها, ويدخل في ذلك لبس الشعر الصناعي الذي يسمى (الباروكة) والواشمة هي التي تضع الوشم، والمستوشمة هي التي تطلب ذلك من غيرها, والنامصة هي التي تزيل شعر الحاجبين إما بالحلاقة أو بالليزر, وأما المتفلجات للحسن فهن من يجعلن فروقات بين الأسنان من أجل التزين.
6/ ومن الملعونين في الأحاديث الصحيحة: كل من اشترك في جريمة أكل الربا، آكلُ الربا ومؤكلُه وشاهداه وكاتبُه، والسارق والراشي والمرتشي، وشارب الخمر ومثلها المخدرات، ومن كَمَه أعمى عن السبيل -أي ضلله- ومن وقع على بهيمة، ومن عمل عمل قوم لوط، ومن أتى زوجته في دبرها، ومن حلل المرأة المطلقة ثلاثًا لزوجها الأول، والنائحة على الميت، وَمَن وسم البهيمة أو ضربها في وجهها، ومن يقضي حاجته في طرق الناس وأماكن انتفاعهم، ومن يتخذ الحيوانات هدفًا للرماية.
وكل من لعن شيئًا لا يستحق اللعن فقد لعن نفسه، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: أن رجلاً نازعته الريح رداءه فلعنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنها فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه" رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وأخرج أبو داود بسند حسن عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتْ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ، فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا، ثُمَّ تَهْبِطُ إِلَى الْأَرْضِ، فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي لُعِنَ، فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلًا وَإِلَّا رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا".
إذن -يا أخي- لماذا تلعن نفسك؟ ما هي دوافع اللعن -يا عباد الله- حتى نجتنبها؟ هذا ما سأتحدث عنه لاحقًا -بإذن الله ربي وربكم- وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
دوافع الوقوع في اللعن:
عباد الله: الوقوع في اللعن له دوافع كثيرة، ومن أهمها:
1/ الجهل بخطر وتحريم اللعن، وما جاء فيه من الوعيد.
2/ ضعف الوازع الديني وقلة الخوف من الله.
3/ضعف الحياء, فمن قل حياؤه تجرأ على اللعن وغيره.
4/ الغضب, فالإنسان إذا غضب ولم يتمالك نفسه وقع في اللعن، ولهذا يكثر اللعن عند النساء، كما في الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي رأيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ، فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِير".
وهذا الحديث يؤكد أن اللعن سبب لدخول النار -والعياذ بالله- فعلى كل رجل وكل امرأة أن يضعوا هذا الحديث نصب أعينهم، وأن يحفظوا ألسنتهم وألسنة أبنائهم من اللعن.
هدي النبي صلى الله عليه وسلم:
عباد الله: ما أحوجنا إلى تهذيب ألسنتنا بالتزام هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم- فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِي اللَّه عَنْه- قَالَ: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- سَبَّابًا، وَلَا فَحَّاشًا وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ: مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ" أخرجه البخاري.
وفي الصحيحين عن عَائِشَةَ -رَضِي اللَّه عَنْهَا- قَالَتْ: دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ -أي الموت- قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا، قَالَ: قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ ".
ولم يثبت في السنة أنه صلى الله عليه وسلم دعا على الكفار دعوة عامة تشملهم جميعهم، بل إنه دعا على بعض أصناف أو قبائل الكفار لأسباب معينة، كعدوانهم أو صدهم عن سبيل الله, وامتنع من الدعاء على بعضهم؛ كما في حديث أبي هريرة -صلى الله عليه وسلم- قال: قيل: يا رسول الله: ادع على المشركين، قال: "إني لم أُبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة"رواه مسلم.
وفي البخاري عن أبي هريرة -صلى الله عليه وسلم- قال: قدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله إن دوسًا عصت وأبت، فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس، قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهد دوسًا وائت بهم".
ويستفاد من هذه الأحاديث أن المشروع هو ترك الدعاء على الكفار المسالمين، أو الكفار الذين يراد تأليف قلوبهم ودعوتهم إلى الإسلام.
فلنتق الله -يا عباد الله- في ألسنتنا، ولنلزم هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم- وهدي سلفنا الصالح -رحمهم الله- فعن مكي بن إبراهيم قال: كنا عند ابن عون فذكروا بلال بن أبي بردة، فجعلوا يلعنونه ويقعون فيه وابن عون ساكت، فقالوا: يا ابن عون، إنما نذكره لما ارتكب منك، فقال: إنما هما كلمتان تخرجان من صحيفتي يوم القيامة: لا إله إلا الله ولعن الله فلانًا، فلأن يخرج من صحيفتي لا إله إلا الله، أحب إلي من أن يخرج منها لعن الله فلانًا.
ومن وصايا العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- أنه قال لولده: يا بني: إذا لم تسبَّ فرعون في يوم من الأيام، لن يسألك الله لماذا لم تسبَّه, ولكن إذا خضت في أعراض الناس سيسألك.
اللهم صل على محمد.