البحث

عبارات مقترحة:

الرفيق

كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

الرب

كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...

التحذير من مخالطة الأشرار

العربية

المؤلف صالح بن فوزان الفوزان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. الحث على مجالسة الصالحين .
  2. فوائد الجليس الصالح .
  3. خطورة مجالسة الأشرار .
  4. واقعـتان حصلتا بسبب الجليس السيئ. .
اهداف الخطبة
  1. بيان منافع الجليس الصالح
  2. التحذير من جليس السوء وبيان خطره.

اقتباس

اختر الصالحين من الناس ليكونوا لك جلساء وزملاء وشركاء وحاشية ومستشارين.

الحمد لله الذي أمر بمصاحبة الأخيار ونهى عن مصاحبة الأشرار , فقال: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف:28] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بين لعباده طرق الخير ليسلكوها، وبين لهم طرق الشر ليجتنبوها. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله رغب في اختيار الجليس الصالح وحذر من جليس السوء –صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

عباد الله اتقوا الله واعلموا أن الإنسان في هذه الحياة لا يستطيع أن يعيش وحده في عزلة تامة عن الناس، فهو بحاجة إلى مخالطتهم ومجالستهم. وهذا الاختلاط لا بد أن تكون له آثار حسنة أو قبيحة حسب نوعية الجلساء والخلطاء. ومن هنا تضافرت نصوص الكتاب والسنة على الحث على اختيار الجليس الصالح والابتعاد عن الجليس السيئ –قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) [الكهف:28] . وقال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام:68] وقال –صلى الله عليه وسلم-: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة" متفق عليه.

أيها المسلم: اجعل هذا الحديث الشريف دائماً على بالك وأنت تخالط الناس في الأسواق والمجالس. وفي البيوت والمدارس. وفي المكاتب والدوائر. وفي كل مجال تخالط فيه الناس، فاختر لصحبتك ومجالستك ومشاركتك في مزاولة أي عمل؛ اختر الصالحين من الناس ليكونوا لك جلساء وزملاء وشركاء وحاشية ومستشارين. فهذا الحديث الشريف يفيد أن الجليس الصالح جميع أحوال صديقه معه خير وبركة ونفع ومغنم. مثل حامل المسك الذي تنتفع بما معه إما بهبة أو ببيع أو أقل شيء تكون مدة جلوسك معه قرير العين منشرح الصدر برائحة المسك. جليسك الصالح يأمرك بالخير وينهاك عن الشر ويسمعك العلم النافع والقول الصادق والحكمة البالغة. ويعرفك عيوب نفسك وشغلك عما لا يعنيك. يجتهد نفسه في تعليمك وتفهيمك. وإصلاحك وتقويمك. إذا غفلت ذكرك، وإذا أهملت أو مللت بشَّرك وأنذرك. يحمي عرضك في مغيبك وحضرتك. أولئك القوم لا يشقى بهم جليسهم. تنزل عليهم الرحمة فتشاركهم فيها. وأقل ما تستفيده من الجليس الصالح- وهي فائدة لا يستهان بها- أن تنكف بسببه عن السيئات والمعاصي رعاية للصحبة ومنافسة في الخير وترفعاً عن الشر. وفوائد الأصحاب الصالحين لا تعد ولا تحصى وحسب المرء أن يعتبر بقرينه، وأن يكون على دين خليله.

وصحبة الصالحين ينتفع بها حتى البهائم –كما حصل للكلب الذي كان مع أصحاب الكهف، فقد شملته بركتهم فأصابه ما أصابهم من النوم على تلك الحال العجيبة وصار له ذكر وخبر وشأن. أما صحبة الأشرار فإنها السم الناقع. والبلاء الواقع. فهم يشجعون على فعل المعاصي والمنكرات ويرغبون فيها ويفتحون لمن جالسهم وخالطهم أبواب الشرور. ويسهلون له سبل المعاصي، فقرين السوء إن لم تشاركه في إساءته أخذت بنصيب وافر من الرضا بما يصنع. والسكوت على شره، فهو كنافخ الكير على الفحم الملوث. وأنت جليسه القريب منه يحرق بدنك وثيابك ويملأ أنفك بالروائح الكريهة. وفي مجالس الشر تقع الغيبة والنميمة والكذب والشتم والكلام الفاحش ويقع اللهو واللعب وممالأة الفساق على الخوض في الباطل فهي ضارة من جميع الوجوه لمن صاحبهم. وشر على من خالطهم. فكم هلك بسببهم أقوام. وكم قادوا أصحابهم إلى المهالك من حيث لم يشعرون ومن حيث لا يشعرون.

وإليكم: واقعتين ومأساتين حصلتا بسبب صحبة الأشرار –الواقعة الأولى: ورد أن عقبة بن أبي معيط كان يجلس مع النبي –صلى الله عليه وسلم- بمكة ولا يؤذيه، وكان بقية المشركين إذا جلسوا معه يؤذونه. عليه الصلاة والسلام. وكان لابن أبي معيط خليل كافر غائب في الشام. فظنت قريش أن ابن أبي معيط قد أسلم، فلما قدم خليله من الشام وبلغه ذلك غضب عليه غضباً شديداً وأبى أن يكلمه حتى يؤذي النبي –صلى الله عليه وسلم- فنفذ ما طلب منه خليله الكافر وآذى –النبي-صلى الله عليه وسلم- فكانت عاقبته أن قتل يوم بدر كافراً. وأنزل الله فيه قوله تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً* لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ للإِنْسَانِ خَذُولاً) [الفرقان:27-29] . وهي عامة في كل من صاحب الظلمة فأضلوه عن سبيل الله فإنه سيندم يوم القيامة على مصاحبتهم وعلى الإعراض عن طريق الهدى الذي جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم-.

الواقعة الثانية: روى البخاري ومسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل. فقال له: " يا عم قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله"  فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فأعاد عليه النبي –صلى الله عليه وسلم- فأعادا، فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب. وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك" فأنزل الله عز وجل: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) [التوبة:113]. وأنزل الله في أبي طالب: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [القصص:56] ففي هذه الواقعة التحذير الشديد من مصاحبة الأشرار وجلساء السوء. وفي يوم القيامة يقول القرين لقرينه من هذا الصنف: (يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) [الزخرف:38] ألا فانتبهوا يا عباد الله لأنفسكم وجالسوا أهل البر والتقوى وخالطوا أهل الصلاح والاستقامة.وابتعدوا وأبعدوا أولادكم عن مخالطة الأشرار ومصاحبة الفجار –خصوصاً في هذا الزمن الذي قل فيه الصالحون وتلاطمت فيه أمواج الفتن. فإن الخطر عظيم. والمتمسك بدينه غريب بين الناس، وقد وقع ما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- بقوله: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء" قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس"   في رواية: "يصلحون ما أفسد الناس"  وفي رواية: "هم النزاع من القبائل". فتنبهوا لذلك وفقكم الله.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
( هَلْ يَنظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ* الأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ* يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ* ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ* يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ* وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الزخرف:66-72].