الحافظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد البصري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
يَدخُلُ شَهرُ رَمَضَانَ، شَهرُ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، شَهرُ الصَّلاةِ وَالقُرآنِ، الشَّهرُ الَّذِي تُفتَحُ فِيهِ أَبوَابُ الجِنَانِ وَتُغلَقُ أَبوَابُ النِّيرَانِ، وَتُصَفَّدُ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ وَالجَانِّ، الشَّهرُ الَّذِي فِيهِ اللَّيَالي العَشرُ، وَفِيهِ لَيلَةُ القَدرِ الَّتي هِيَ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ، وَمَعَ هَذَا يَدخُلُ وَتَمضِي جُملَةٌ مِن أَيَّامِهِ وَلِيَالِيهِ، وَيَظَلُّ بَعضُنَا نَائِمًا مُتَكَاسِلاً، يَغُطُّ في سِنَةٍ عَمِيقَةٍ وَيَغرَقُ في غَفلَةٍ سَحِيقَةٍ، تَمُرُّ قَوَافِلُ الطَّائِعِينَ مِن أَمَامِهِ
أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم -أَيُّهَا النَّاسُ- وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ -جَلَّ وَعَلا- ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: يَدخُلُ شَهرُ رَمَضَانَ، شَهرُ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، شَهرُ الصَّلاةِ وَالقُرآنِ، الشَّهرُ الَّذِي تُفتَحُ فِيهِ أَبوَابُ الجِنَانِ وَتُغلَقُ أَبوَابُ النِّيرَانِ، وَتُصَفَّدُ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ وَالجَانِّ، الشَّهرُ الَّذِي فِيهِ اللَّيَالي العَشرُ، وَفِيهِ لَيلَةُ القَدرِ الَّتي هِيَ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ، وَمَعَ هَذَا يَدخُلُ وَتَمضِي جُملَةٌ مِن أَيَّامِهِ وَلِيَالِيهِ، وَيَظَلُّ بَعضُنَا نَائِمًا مُتَكَاسِلاً، يَغُطُّ في سِنَةٍ عَمِيقَةٍ وَيَغرَقُ في غَفلَةٍ سَحِيقَةٍ، تَمُرُّ قَوَافِلُ الطَّائِعِينَ مِن أَمَامِهِ، وَتَتَنَوَّعُ أَعمَالُ المُشَمِّرِينَ مِن حَولِهِ، وتَرَى عَينَاهُ مِنَ الخَيرِ أَلوانًا، وَتَسمَعُ أُذُنَاهُ مِنَ البِرِّ أَنوَاعًا، مَسَاجِدُ تَلُجُّ مَآذِنُهَا بِالقُرآنِ، وَصَلاةٌ وَقُنُوتٌ وَقِيَامٌ، وَعَمرَةٌ وَزِيَارَةٌ وَدُعَاءٌ، وَزَكَوَاتٌ وَصَدَقَاتٌ وَهِبَاتٌ، وَدَعوَةٌ وَتَوعِيَةٌ وَتَفطِيرٌ، وَمُوَفَّقُونَ يَتَوَافَدُونَ عَلَى مَكَاتِبِ الدَّعوَةِ لِتَنشِيطِ بَرَامِجِهَا، وَمُبَارَكُونَ يَقصِدُونَ الجَمعِيَّاتِ الخَيرِيَّةَ لِدَعمِهَا، وَمُحسِنُونَ يَتَلَمَّسُونَ ذَوِي الحَاجَاتِ فَيَقضُونِ حَاجَاتِهِم، وَرُحَمَاءُ يَطلُبُونَ المَكرُوبِينَ فَيُنَفِّسُونَ عَنهُم، وَيَمُرُّ كُلُّ هَذَا بَالغَافِلِ اللاَّهِي وَكَأَنَّهُ لا يَرَى وَلا يَسمَعُ، أَو كَأَنَّهُ غَيرُ مَعنِيٍّ بِالخَيرِ وَلا مُحتَاجٍ لِلأَجرِ، بَل وَيَتَمَادَى بِهِ التَّهَاوُنُ وَيَأخُذُ بِهُ الفُتُورُ، حَتى يُقَصِّرَ في الوَاجِبَاتِ وَيُضِيعَ الصَّلَوَاتِ، وَيُذهِبَ شَهرَهُ في مُشَاهَدَةِ القَنَوَاتِ وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ، فَنَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الحِرمَانِ وَالإِعرَاضِ عَن مَوَائِدِ الرَّحمَنِ.
في الصَّحِيحَينِ عَن أَبي وَاقِدٍ اللَّيثِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بَينَمَا هُوَ جَالِسٌ في المَسجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ، إِذ أَقبَلَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ فَأَقبَلَ اثنَانِ إِلى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَذَهَبَ وَاحِدٌ، قَالَ: فَوَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرجَةً في الحَلقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا، وَأَمَّا الآخَرُ فَجَلَسَ خَلفَهُم، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَأَدبَرَ ذَاهِبًا، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: " أَلا أُخبِرُكُم عَنِ النَّفَرِ الثَّلاثَةِ، أَمَّا أَحَدُهُم فَأَوَى إِلى اللهِ فَآوَاهُ اللهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَاستَحيَا فَاستَحيَا اللهُ مِنهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعرَضَ فَأَعرَضَ اللهُ عَنهُ ".
إِنَّ في الحَيَاةِ لَفُرَصًا ثَمِينَةً لِلطَّاعَةِ، وَإِنَّ فِيهَا مَوَاسِمَ غَالِيَةً لاكتِسَابِ الأَجرِ، وَإِنَّ في تَنَوُّعِ العِبَادَاتِ لَمَجَالاً لِكُلِّ رَاغِبٍ في تَقدِيمِ الخَيرِ لِنَفسِهِ، وَإِنَّ رَمَضَانَ مَعَ كَونِهِ أَيَّامًا مَعدُودَاتٍ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، فَهُوَ المَوسِمُ العَظِيمُ الَّذِي قَد عَرَفتُم فَضلَهُ وَعَلِمتُم شَرَفَهُ، وَوَعَيتُم قَدرَ مُضَاعَفَةِ الحَسَنَاتِ فِيهِ، وَكَثرَةَ سُبُلِ الخَيرِ وَمُسَبِّبَاتِ الأُجُورِ في أَيَّامِهِ وَلَيَالِيهِ، وَمَعَ هَذَا فَالقُلُوبُ فِيهِ مُقبِلَةٌ، وَالصُّدُورُ لِلخَيرِ مُنشَرِحَةٌ، وَالرَّكبُ سَائِرٌ وَالجَمَاعَةٌ مُنطَلِقَةٌ، وَالمُشَمِّرُونَ الجَادُّونَ مُتَوَفِّرُونَ، تَمتَلِئٌ بِهِمُ المَسَاجِدُ وَالجَوَامِعُ، وَتَتَلَقَّاهُم الجَمعِيَّاتُ وَمَوَاطِنُ الطَّاعَاتِ، فَطُوبى لِمَن أَوَى إِلى رَبِّهِ وَانطَرَحَ بَينَ يَدَيهِ وَصَدَقَ في الرَّغبَةِ إِلَيهِ، وَيَا لَخَسَارَةِ مَن لم يَجِدْ لَهُ في رَمَضَانَ مَكَانًا مَعَ السَّائِرِينَ إِلى اللهِ، وَانصَرَفَ إِلى شَهَوَاتِهِ وَدُنيَاهُ، أَو أَعرَضَ وَتَرَاجَعَ عَلَى قَفَاهُ، ذَاكَ وَاللهِ هُوَ المَحرُومُ حَقًّا وَالمَغبُونُ.
عَن أَبي هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- صَعِدَ المِنبَرَ فَقَالَ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّكَ صَعِدتَ المِنبَرَ فَقُلتُ: آمِينَ آمِينَ آمِينَ. فَقَالَ: " إِنَّ جِبرِيلَ -عَلَيهِ السَّلامُ- أَتَاني فَقَالَ: مَن أَدرَكَ شَهرَ رَمَضَانَ فَلَم يُغفَرْ لَهُ فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبعَدَهُ اللهُ. قَلْ: آمِينَ. فَقُلتُ: آمِينَ ".
وَعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: " إِنَّ هَذَا الشَّهرَ قَد حَضَرَكُم وَفِيهِ لَيلَةٌ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرٍ، مَن حُرِمَهَا فَقَد حُرِمَ الخَيرَ كُلَّهُ، وَلا يُحرَمُ خَيرَهَا إِلاَّ مَحرُومٌ ".
وَعَن أَبي أُمَامَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- عَنِ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: " إِنَّ للهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالى- عُتَقَاءَ في كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ، وَإِنَّ لِكُلِّ مُسلِمٍ في كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ دَعوَةً مُستَجَابَةً ".
وَإِذَا المَرءُ في لَيلِهِ لم يُزَاحِمِ القَائِمِينَ، وَلم يُسمَعْ لَه دَوِيٌّ بِالقُرآنِ مَعَ التَّالِينَ، وَلم يُفَطِّرْ صَائِمًا وَلم يَكُنْ لَهُ سَهمٌ في عَمَلِ بِرٍّ، وَلم يَرفَعْ إِلى اللهِ كَفًّا بِدُعَاءٍ، بَل قَضَى شَهرَهُ نَومًا وَكَسَلاً، وَتَركًا لِلفَرَائِضِ وَوُقُوعًا في المُحَرَّمَاتِ، وَمُتَابَعَةً لِفَاضِحِ المَسرَحِيَّاتِ وَطَائِشِ المُسَلسَلاتِ، فَأَيُّ قِيمَةٍ لِحَيَاتِهِ حِينَئِذٍ وَأَيُّ بِرٍّ مِنهُ لِشَهرِهِ؟! وَإِذَا لم يَكُنْ هَذَا هُوَ الإِعرَاضَ وَالحِرمَانَ وَالإِبعَادَ، فَمَا الإِعرَاضُ وَالحِرمَانُ وَالإِبعَادُ إِذًا؟!
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَلْنُسَارِعْ وَلْنُسَابِقْ، وَلْنَصبِرْ أَنفُسَنَا وَلنُصَابِرْ وَلْنُرَابِطْ، امتِثَالاً؛ لأَمرِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- حَيثُ قَالَ: ( وَسَارِعُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت للمُتَّقِينَ) وَقَالَ -سُبحَانَهُ-: (سَابِقُوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا كَعَرضِ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ) وَقَالَ -تَعَالى-: ( وَاصبِرْ نَفسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُ وَلا تَعدُ عَينَاكَ عَنهُم تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَلا تُطِع مَن أَغفَلنَا قَلبَهُ عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمرُهُ فُرُطًا) وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا-: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ) وَقَالَ -تَعَالى-: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اركَعُوا وَاسجُدُوا وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ * وَجَاهِدُوا في اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجتَبَاكُم وَمَا جَعَلَ عَلَيكُم في الدِّينِ مِن حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُم إِبرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسلِمِينَ مِن قَبلُ وَفي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيكُم وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَولاكُم فَنِعمَ المَولى وَنِعمَ النَّصِيرُ)
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَلا يَظُنَّنَّ ظَانٌّ أَنَّ المُوَفَّقِينَ ممَّن استَغَلُّوا هَذَا الشَّهرَ قَد وَصَلُوا إِلى ذَلِكَ بِرَاحَةِ أَجسَادِهِم أَوِ اتِّبَاعِ أَهَوَائِهِم، أَو إِيثَارِ شَهَوَاتِهِم وَطَردِ مَلَذَّاتِهِم، أَوِ البُخلِ بِأَموَالِهِم وَالضَّنِّ بِهَا على رَبِّهِم، لا وَاللهِ وَكَلاَّ، بَل لَقَد طَلَبُوا الخَيرَ مَظَانَّهُ وَتَوَكَّلُوا عَلَى رَبِّهِم وَتَعَرَّضُوا لِلنَّفَحَاتِ، وَاستَعَانُوا بِاللهِ وَاعتَصَمُوا بِهِ وَجَاهَدُوا أَنفُسَهُم وَتَزَوَّدُوا بِالطَّاعَاتِ، وَمِن ثَمَّ فَقَد هُدُوا وَوُفِّقُوا وَازدَادُوا إِيمَانًا، قَالَ -تَعَالى-: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ) وَقَالَ -سُبحَانَهُ-: ( وَمَن يَعتَصِمْ بِاللهِ فَقَد هُدِيَ إِلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ) وَقَالَ -سُبحَانَهُ-: ( وَالَّذِينَ اهتَدَوا زَادَهُم هُدًى وَآتَاهُم تَقوَاهُم) أَلا فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ، وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ * إِن يَشَأْ يُذهِبْكُم وَيَأتِ بِخَلقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ *وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى وَإِن تَدعُ مُثقَلَةٌ إِلى حِملِهَا لا يُحمَلْ مِنهُ شَيءٌ وَلَو كَانَ ذَا قُربى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم بِالغَيبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفسِهِ وَإِلى اللهِ المَصِيرُ * وَمَا يَستَوِي الأَعمَى وَالبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الحَرُورُ * وَمَا يَستَوِي الأَحيَاءُ وَلا الأَموَاتُ إِنَّ اللهَ يُسمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسمِعٍ مَن في القُبُورِ)
إِنَّ اللهَ لا تَنفَعُهُ طَاعَةٌ وَلا تَضُرُّهُ مَعصِيَةٌ ( إِن تَكفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنكُم وَلا يَرضَى لِعِبَادِهِ الكُفرَ وَإِن تَشكُرُوا يَرضَهُ لَكُم وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى ثُمَّ إِلى رَبِّكُم مَرجِعُكُم فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) ( مَن كَانَ يَرجُو لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ * وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ العَالمِينَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنهُم سَيِّئَاتِهِم وَلَنَجزِيَنَّهُم أَحسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعمَلُونَ)
عَن أَبي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- عَن رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَروِيهِ عَن رَبِّهِ - عَزَّ وَجَلَّ- أَنَّهُ قَالَ: " يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم وَإِنسَكُم وَجِنَّكُم كَانُوا عَلَى أَتقَى قَلبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنكُم مَا زَادَ ذَلِكَ في مُلكِي شَيئًا. يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم وَإِنسَكُم وَجِنَّكُم كَانُوا عَلَى أَفجَرِ قَلبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِن مُلكِي شَيئًا. يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم وَإِنسَكُم وَجِنَّكُم قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُوني فَأَعطَيتُ كُلَّ إِنسَانٍ مَسأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِندِي إِلاَّ كَمَا يَنقُصُ المِخيَطُ إِذَا أُدخِلَ البَحرَ. يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعمَالُكُم أُحصِيهَا لَكُم ثُمَّ أُوَفِّيكُم إِيَّاهَا، فَمَن وَجَدَ خَيرًا فَلْيَحمَدِ اللهَ، وَمَن وَجَدَ غَيرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ ".
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ مِن رَحمَةِ اللهِ بِنَا وَنِعمَتِهِ عَلَينَا وَوَاسِعِ فَضلِهِ، أَن بَلَّغَنَا شَهرًا تَتَنَزَّلُ فِيهِ الرَّحَمَاتُ وَتُرفَعُ الدَّعَوَاتُ، وَتُفتَحُ أَبوَابُ التَّوبَةِ وَتُقَالُ العَثَرَاتُ، إِلاَّ أَنَّ هُنَاكَ مَن يُرِيدُونَ بِنَا الشَّرَّ وَيُحَاوِلُونَ أَن يَحُولُوا بَينَنَا وَبَينَ الخَيرِ، وَيَطمَعُونَ أَن يَجرِفُونَا لِلسُّوءِ وَيَحِيدُوا بِنَا عَنِ الصَّرَاطِ، فَلْنَحذَرْهُم أَشَدَّ الحَذَرِ، فَقَد قَالَ -سُبحَانَهُ-: ( وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيلاً عَظِيمًا).