الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | ناصر بن مسفر الزهراني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
إنَّ يومَ الجمُعة خِيرةُ اللهِ من أيَّام الأسبوع، وشهرُ رمضانَ خِيرَةُ اللهِ مِن شُهور السَّنَة، وها هما البِشارتان تهلَّان على? المسلمين في آنٍ واحدٍ.
ألْقَتْ سحائبُ اللطف بظلالها، وجادت نسائم الرحمة بعبيرها، وتألقت أنجم المغفرة في سماء عُشاقها، جود متدفِّق، وخير متتابع، وفضل مُتتالٍ؛ اهتزت القلوب طربا، وامتلأت النفوس بشرا، وأفعمت الأرواح سرورا، (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].
اليوم تنفس الصبح فتجلى عن فجر رحَمات هابطة، وبركات نازلة؛ اليوم أشرقت شمس حبيب العباد، وأنيس الزهاد، وسلوة المؤمنين، وسمير الموحدين، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة:185].
هذِي نسائمُكَ الحرَّى وقَد بسطَتْ | على القُلوبِ رَجاءً غيرَ مُرْتابِ |
وهذهِ منكَ أنوارٌ لأفئدةٍ | وهذه منكَ أذْكارٌ لأوَّابِ |
خُذْنا إِلى نَفَحَاتِ الطُّهْرِ كم صَدِئَتْ | قُلوبُنا وقَسَتْ من بعدِ إِخْصَابِ |
خذنا إلى نفحات الطهر، خذنا إلى سبحات الحق، خذنا إلى ميادين السمو، إلى بساتين التألق، إلى فيوض الرحمة، إلى ينابيع المغفرة. خذنا إلى أجواء تزكية النفوس؛ فقد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها.
اليوم يرتمي أهل التقوى في أحضان رمضان يأنسون بدفئه، وينعمون بلطفه، وينهلون من نهر رحماته، يظمئون نهاره، ويُحيُون ليله، ويعمرون أوقاته؛ اليوم تبلغ الفرحة أوجها، والبهجة قمتها، والسرور منتهاه، حيث زارنا درة الأعوام في سيد الأيام، فيا له من فأل حسن، وطالع مبارك، وزمن محبب، وموعد مبجل! حيث تستهل ليالي الوصال بين المحبين في يوم الجمعة، فيعظم حظهم، ويكبر أنسهم، يديرون بينهم كؤوس الرضا، ويتضمخون بعبير التقى، ويعزفون ألحان القلوب على نغمات الهدى.
الطهر سميرهم، والذكر أنيسهم، والدين شعارهم، والحق منارهم، والله مرادهم، والرضوان أملهم، والجنة بغيتهم، والمصطفى قدوتهم؛ فيا له من عطاء بلا حدود، وكرم بلا نظير! يقول تعالى في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم يضاعف له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي! للصائم فرحتان: فرحة عند فطره, وفرحة عند لقاء ربه. وَلَخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" أخرجه مسلم.
أيها المؤمنون: أذكِّر نفسي وإياكم بهاتين النعمتين الجليلتين، والمنَّتين الكبيرتين اللتين اجتمعتا في هذا اليوم المبارك، وهما يوم الجمعة وشهر رمضان، فهذا سيد الأيام، وذلك درة الأعوام، هذا تاج الأسبوع، وذاك تاج السَّنة؛ وكلاهما مكفر للذنوب، مذهب للخطايا، مزيل للآثام؛
إنهما درتان من عقد الدين المضيء، وكوكبان من سماء الإسلام، ينطقان بالفضل، ويبشران بالعفو، ويعلنان بالرضا.
يقول -صلى الله عليه وسلم-: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنب الكبائر" أخرجه مسلم.
إن يوم الجمعة منة عظمى على أمة الإسلام، وهبة كبرى من الملك العلام، يقول -صلى الله عليه وسلم- : "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق" أخرجه مسلم.
ويقول -صلى الله عليه وسلم- عن فضل يوم الجمعة وعلو منزلته: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق الله آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة" أخرجه مسلم.
وكما أن ليلة القدر في كل عام مرة ومن وافقها غفرت له ذنوبه، وقبلت دعواته، فكذلك في كل أسبوع ساعة في يوم الجمعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه.
ولقد جاءت سورة في القرآن الكريم باسم (الجمعة) وأمرنا الله عز وجل بالمسابقة فيه إلى داعي الهدى والخير، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة:9].
إنَّ يومَ الجمُعة خِيرةُ اللهِ من أيَّام الأسبوع، وشهرُ رمضانَ خِيرَةُ اللهِ مِن شُهور السَّنَة، وها هما البِشارتان تهلَّان على المسلمين في آنٍ واحدٍ.
أما شهر رمضان فهو هدية الله إلى عباده، إنه يفيض بالرحمة، وينبع بالجود، ويتفجر بالهبات، يحمل أعلام البشرى، ويرتقي بالمرء إلى التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183].
ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه بقدومه ويقول: "أتاكم رمضان, شهر مبارك, فرض الله -عز وجل- عليكم صيامه, تفتح فيه أبواب السماء, وتغلق أبواب الحجيم, وتغل فيه مردة الشياطين, لله فيه ليلة هي خير من ألف شهر, من حرم خيرها فقد حرم" أخرجه النسائي وصححه الألباني.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومَرَدَة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفُتِحَت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ كلَّ ليلة: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر؛ ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة" أخرجه الترمذي وحسَّنه الألباني.
شهر رمضان فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، والتي من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
فيا له من موسم أطلَّت أيامه, ورفعت أعلامه, عُشاقه من نوع خاص، وأحبابه من صنف متميز، هم أناس صفت قلوبهم، وزكت ضمائرهم، وطهُرت قلوبهم، فهي أنقى من ماء السماء، وأصفى من وجه الفجر، وإطلالة البدر.
إنه ضيف كريم، وحبيب عظيم، تلوح فيه ذكريات عابقة، وأمجاد رائعة، وتاريخ مشرق، ومجد وضَّاء؛ ولا غرو, فقد سُقي بماء الوحي، وشَرِب من رحيق الهدى، وتضلع من زلال الكتاب، فهو زمن اتصال الفنـاء بالبقـاء، والأرض بالسماء، والضعف بالقوة، والمغلوب بالغالب، والفقر بالغنى، والمخلوق بالخالق؛ رُصِّعَتْ أيامُهُ بجواهرِ الألفاظ السماوية، وأُلْبِسَتْ لياليه حلل النفحات الإلهية، (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر:1]، وتُوِّجَت لحظاته بروائع الكلمات الربانية، وتألقت ساعاته باستقبال الأحرف النورانيه: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق:1].
لقد أتيحت الفرصة، ودنت الغنيمة، فأين ذوو الألباب، وأرباب النهى؟ أين أصحاب القلوب الحية، والعقول النيرة، والهمم العظيمة، والعزائم القوية؟ إن هذا الوافد الكريم أقبل ليعلمنا دروسا عظيمة، وآدابا رفيعة، يرسخها في القلوب، ويثبتها في الأذهان، ويزرعها في الأفئدة، فمَن أحبه فليستقبله بها، ولينميها فيه، فإن فاته ذلك فقد فاته الحظ، وجانبه الصواب، وأهم تلك المثل البديعة، والمعاني الرفيعة:
1- الترقِّي في مراقي التقوى، ودرجات العبادة.
2- التعوُّد على حسن الخلق.
3- الإحساس بالآخرين.
4- الصبر؛ فإن شهر رمضان يسمى شهر الصبر.
5- المبادرة بالتوبة, فهذا هو شهر التوبة، وموسم المغفرة.
6- الارتباط بالوحي، والاهتمام والقرآن.