البحث

عبارات مقترحة:

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

كونوا أنصار الله - خطبة عيد الأضحى لعام 1430هـ

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات صلاة العيدين
عناصر الخطبة
  1. التحديات التي تواجه الأمة .
  2. لن ينتصر المسلمون حتى يصبحوا أنصار الله .
  3. مفهوم العزة والذلة .
  4. سر النجاة الإيمان بمنهج الإسلام روحا وسلوكاً .
  5. مأساة التقليد الأعمى: أزياء العيد نموذجاً .

اقتباس

ولْيَعْلَم من يُعرض عن الطاعات أنه يُحدث في جسد الأمة -وهو منها- جراحاتٍ غائرةً تزيدها إثخانا وضعفا، وكذلك مَن يتغافل عن نصح غيره ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو في الواقع يُطيل على الأمة ما هي فيه من الكروبات، والكل مسؤول. فما أشقى من شقِيَت به الأمة! وما أسعد من سعدت به الأمة! ..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أما بعد: فالله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر، خلق الخلق وأحصاهم عدَّا، وكلهم أتيه يوم القيامة فردا، الله أكبر! عَز ربنا سلطانا ومجدا، عنت الوجوه لعظمته، وخضعت الخلائق لقدرته، الله أكبر ما ذكره الذاكرون، والله أكبر ما هلل المهللون وكبر المكبرون، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.

الله أكبر عدد ما أحرم الحُجَّاج من الميقات، وكل ما لبَّى الملبون وزيد في الحسنات، الله أكبر عدد ما دخل الحجاج مكة ومنى ومزدلفة وعرفات، الله أكبر عدد ما طاف الطائفون بالبيت الحرام وعظموا الحرمات، الله أكبر عدد مَن سعى بين الصفا والمروة من مرات، والله أكبر عدد ما حلقوا الرؤوس تعظيما لرب البريات، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون يا عباد الله: اتقوا الله واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الدين العظيم الذي أكمله لكم، وأتم عليكم به النعمة، ورضيه لكم دينا: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينَاً) [المائدة:3].

دينكم -يا عباد الله- أعظم الأديان، وأرسخها في العقول والأبدان، محروس من الزيادة والنقصان، وما سواه اليوم فهو باطل لن يُقبَل بنص القرآن: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران:85].

عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به، إلا كان من أصحاب النار " أخرجه مسلم. فالحمد لله على نعمة الإسلام، وأسأله لي ولكم الثبات على الحق والهدى حتى الممات.

معاشر المسلمين: من زمان والأمة تعيش العديد من التحديات على جميع الأصعدة سياسيا وعسكريا وثقافيا وتقنيا، بل حتى إيمانيا وعقديا، وما زالت؛ وإن الله تعالى قسَم في سننه أن لا يكون لأمة محمد عز ومكانة ورخاء إلا بإعزازها لدينها، ونصرها لربها، وهو شرط رباني ثابت لا يتبدل لكل المسلمين على مر العصور.

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) [الصف:14]، لما نصروا الله أيدهم وأصبحوا ظاهرين، ونصرة الله تعني الامتثال التام لما أمر الله به، والاجتناب التام لما نهى عنه.

إن الثراء لوحده لا يدل على العز، قد تثرى الأمة في بعض مظاهرها هنا وهناك وليس هذا بالضرورة من العز، فالثراء عم كثيرا من الأمم الكافرة من قبل ومن بعد، وما كان ثراؤها دليلا على رضوان الله عليها.

نعم، قد تثرى الأمة في بعض مظاهرها، قد يتطاول أهلها في البنيان كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث جبريل لما قال: "وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان"، وفي رواية في صحيح البخاري: "وإذا كان الحفاة العراة رؤوس الناس فذاك من أشراطها"، وفي رواية البيهقي أنه سأله فقال: "ما العالة الحفاة العراة؟" "قال العرب".

نعم قد تثرى الأمة في بعض مظاهرها هنا وهناك ولكنها تبقى مهددة خائفة لا تنعم بالأمن والأمان، قد تكثر أموالها لكن بلا بركة فسرعان ما تأتي آفة فتزيل تلك الأموال، قد تفقه في التجارة لكنها تظل فاقدة لمقومات الاكتفاء الذاتي صناعيا وعسكريا وتقنيا تعتمد على الغير في كل تلك الشؤون وفي غيرها فتبقى ضعيفة عاجزة محتاجة لغيرها، فالعز ليس في المظاهر، العز في حقيقته لا ينحصر في المال والجاه، العز في حقيقته عز النفس بالله.

قد يكون الفقير عزيزاً والغنيُّ ذليلا، ويكون المسكين البسيط عالي الرأس في موطن العز في الإسلام، ويكون الوجيه ذو الشأن منحطا خافض الرأس أمام المشركين – نسأل الله السلامة-؛ ولذلك جاء في هذا الشأن قوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر:10]، فأعقب العزة بالعمل الصالح، قال مجاهد في قوله (فللَّهِ العِزَّةُ جَمِيعَاً): أي: فليعتز بطاعة الله، فطاعة الله عز في الدنيا والآخرة، ومعصيته ذل في الدنيا والآخرة.

ولذلك قال الحسن البصري في حديثه عن حقيقة العصاة حتى لو حشدوا حولهم مظاهر العز والجاه: إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين، فإن ذل المعصية لا يفارقُ قلوبَهم، أبى الله إلا أن يُذِل من عصاه. وكان من دعاء بعض السلف: اللهم أعزنا بطاعتك ولا تزلنا بمعصيتك.

فعِزُّ مُسْلِمٍ واحد هو عز للأمة كلها، وذله ذُل للأمة كلها، وإذا كانت المعاصي هي بريد مذلة الأمة فلْيَعْلَم من يقع في المخالفات أنه ثِقل في موازين الأعداء، خصما على أمته؛ وليعلم من يُعرض عن الطاعات أنه يُحدث في جسد الأمة -وهو منها- جراحاتٍ غائرةً تزيدها إثخانا وضعفا، وكذلك مَن يتغافل عن نصح غيره ويترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو في الواقع يُطيل على الأمة ما هي فيه من الكروبات، والكل مسؤول. فما أشقى من شقِيَت به الأمة! وما أسعد من سعدت به الأمة! أسأل الله أن يجلني وإياكم ممن سعدت بهم الأمة.

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

أيها المسلمون: إذا علمنا هذه السنة الربانية الجارية في كون المعاصي سببا رئيسا من أسباب الهوان فعلينا كذلك أن ندرك أمرا مهما آخر، وهو أن تحديد المعصية[أن هذا معصية أو حرام] ليس بالهوى والجهل، وإنما مرجعه لأهل العلم الذين درسوا الكتاب والسنة ومقاصد الشرع، وأثّرت دراستهم تلك في سمْتهم وسلوكهم، وأورثتهم ورعا يحترزون به من التساهل في الأحكام، كما كان شأن الصحابة والتابعين؛ أما أهل الأهواء والمصالح ممن خاضوا في الفتوى بلا علم، أو حاربوا أولئك العلماء الأخيار، فهم من صنوف البلاء الذي غصت به الأمة.

معاشر المسلمين: الله تعالى يبعث بالآيات علامات للناس، آفات هنا وأمراض هناك وحروب وأعداء متربصون من كل جانب، فمن الناس من يعتبر ويربط بين الأحداث والسنن، ومنهم من هو لاهٍ غافلٌ على وجهه؛ جعلني الله وإياكم ممن نظر فاعتبر وادّكر.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأهله وصحبه ومَن والاه.

أما بعد: فالله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

عباد الله: إنما تشتد الهزيمة ويعظم الخطب حين تهتز الأمة من داخلها، حين تهتز ثقة الأمة بدينها وعقيدتها ومقدَّراتها، ولقد تساءل المؤرخ الفرنسي المشهور "غوستاف لوبون" في كتابه "حضارة الهند" كيف استطاع البريطانيون في ببضعة آلاف من الجنود أن يستعمروا الهند ذات الملايين العديدة؟ وأجاب: عند تشريح جمجمة الهندي لا نجدها مختلفة عن جمجمة الإنجليزي، ولكن الفرق هو الإرادة والثبات والعزم في قوم، والضعف والاستكانة في آخرين.

فالإيمان القوي بمنهج الإسلام وقِيَمه وتعاليمه، ومحبة إعزازه وتوقيره، والفخر بالانتساب إليه روحا وسلوكا ومظهرا، والصبر والثبات على ذلك الإيمان الحي الواضح المعالم في مواجهة التيارات الفكرية المنحرفة، والأهواء والمغريات المستجدة الكثيرة والمثيرة، هذا الثبات هو سر الاستقامة والنجاة من جهة، ورصيد صحوة الأمة من جهة أخرى.

لكن أقول: أين معالم الإيمان؟ أين الصبر والثبات؟ أين توقير أحكام الإسلام؟ نظرة بسيطة بمناسبة العيد ولوازم العيد من الملابس، وبالذات ملابس النساء، إنك لا تكاد ترى في المحلات النسائية في أسواقنا منذ سنوات عديدة وإلى اليوم إلا أزياء الخلاعة والعُرْي المستوردة من بيئات لا تؤمن بالله ورسوله؛ ولا أحد يعترض! ولا أحد ينصح نساءه عن تلك الأزياء، ولا أحد يشتكي لدى المسؤولين، ولا أحد يقاطع؛ والتجار المسلمون لا ينظرون إلا إلى الربح المادي، لا بارك الله في أرباح لا تنال إلا بسخط الله.

كشفٌ لما فوق الركب،كشف للبطن، كشف للصدر والأكتاف والظهر، وأقمشة شفافة، وبناطيل ضيقة، والبضائع المحملة بهذا النوع من الأزياء تنهمر على الأسواق بلا توقف؛ لأنها بضائع رائجة، لها قبول واسع وعريض، والنساء -إلا من رحم الله، وقليل ما هن- يشترين ولا غرابة.

إن هذا المشهد دليل على ماذا؟ دليل على قوة الإيمان أم ضعفه؟ دليل على الفخر بتعاليم الدين واستحضارها أم الاستهانة بها ونسيانها؟ دليل على التمسك بقيم الإسلام أم على التنازل عن قيمه؟ بل عن قيم الحياء الذي هو زينة المرأة، وشعبة من شعاب الإيمان.

إن التقليد الأعمى بحد ذاته ضعف وهزيمة، فكيف إذا كان التقليد لعادات أهل الكفر وطباعهم وأزيائهم؟ أهو تحقيق لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه". إنها طامة كبرى يامسلمون!.

المؤرخ البريطاني الذي ألف مؤلفاً ضخما من اثني عشر مجلداً في موضوع "قيام وسقوط الحضارات"، والذي يرى هو بنفسه أن التاريخ في مراحله الأخيرة يتشكل بالقوى الروحية العقائدية لا الاقتصادية ولا العسكرية، يقول في مقالة بعنوان "الإسلام والغرب والمستقبل" ألقاها في مؤتمر عقد بالخمسينات الميلادية حول الحضارات، واصفا الأوضاع في العالم الإسلام بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وانهيار الخلافة العثمانية الإسلامية، فماذا قال؟.

يقول بعبارة دقيقة جداً، وجريئة، وفي لحظة من الصدق والصراحة: بعد انتصارنا في الحرب ظللنا نلاحق المسلم التركي ونستدرجه حتى يتخلى عن إسلامه ويقلدنا، فلما فعل ذلك احتقرناه؛ لأنه لم يعد عنده ما يعطيه. واليوم نرى صحوة في تركيا، لا شك، لكن هذا هو كلامه.

أقول: مهما قال هذا المؤرخ وغيره نحن مضطرون للتفاؤل بالجيل الجديد، مهما طرأ عليهم من معالم التقليد البليد؛ لأنهم -رضينا أم أبينا- هم مستقبل الأمة؛ لكن هذا التفاؤل لا يكفي وحده، لابد من نصح وإرشاد، لابد من تضافر الجهود الرسمية والأهلية لإعادة الهوية الإسلامية للأمة، ابتداء بالناشئة، وانتهاءً بالكبار، ولو صدقت النوايا ما ذلك بالأمر المستحيل.

أسأل الله أن يعيد علينا أعيادنا بخير مما نحن فيه، وان يصلحنا وأولادنا وسائر المسلمين.